عندما نتحدث عن معاناة الجالية المسلمة في كولومبيا لا يمكن أن نغفل الحديث عن تجارة المخدرات والكوكايين -التي تعتبر أحد مصادر الدخل الرئيسة للكثير من أبناء كولومبيا، كما أنها من المشكلات العضال التي تواجهها الحكومة الكولومبية- نذكر بالحزن والأسى أن هذه التجارة المحرمة شرعًا وعرفًا قد أغرت الكثير من المسلمين في كولومبيا، وانغمسوا فيها، وجلبت لهم الويل والدمار لهم ولأبنائهم، وانعكست سلبًا على جل الجاليات الإسلامية، وخاصة أن هذه التجارة ترعاها عصابات واسعة القوة والنفوذ، وتملك تنظيمات سياسية وعسكرية، ويتعاون معها مسؤولون كبار في هذا البلد, وكذلك نظرًا للفقر والحاجة وضعف الموارد المالية، حيث أنه من المعلوم أن كولومبيا تعيش حياة أمنية مضطربة مع شدة الفقر والمشكلات الاقتصادية المعقدة, بالإضافة إلى تخلي الدول الإسلامية والعربية عن المسلمين الكولومبيين.
ومما يؤسف له أيضًا ما تواجهه الجالية المسلمة في كولومبيا من خطر الذوبان والانقراض،
بسبب الإقبال على الزواج من غير المسلمات، في ظل ظروف صعبة يواجهونها وعداء من بعض الطوائف الدينية المتعصبة.
وبالرغم من سيادة النظام الديمقراطي في كولومبيا، والذي مكن الكثير من المسلمين للوصول إلى أماكن مرموقة في الحكم، إلا أنهم ذابوا في هذا المجتمع، وأصبحوا مسيحيين لا علاقة لهم بالإسلام.
وفى ظل غياب التعليم الإسلامي، وندرة المساجد والدعاة والكتب الإسلامية، يتعرض أبناء الجالية للجهل بدينهم وعقيدتهم، خاصة وأن هناك عددًا كبيرًا منهم يتبع عادات أمهاتهم المسيحيات؛ من زيارة الكنائس والمشاركة في الاحتفالات الدينية، وهذا هو التحدي المطروح على المسلمين في كولومبيا ومعظم دول أمريكا اللاتينية.
ومن الطريف أن إحدى المدن بكولومبيا يبلغ أعضاء الجالية الإسلامية فيها ثلاثين شخصًا، وللأسف أنه لم تقام صلاة جماعة بينهم قط، والأكثر من ذلك أنهم لم يسمعوا كلمة الله أكبر من قبل في هذه البلاد منذ ثلاثين سنة، وعندما سمعوها بعد مرور هذه الفترة الطويلة قام أحدهم وخطب، وحمد الله أن سمع هذه الكلمة قبل أن يموت.
ويرى الباحثون المعنيون بمسلمي كولومبيا ضرورة الاهتمام بشؤون الجالية الإسلامية في كولومبيا، وخاصة المرأة المسلمة، في البرامج التعليمية والدروس الدينية, وتفعيل المؤسسات واللجان الاجتماعية المتعلقة بشأن الأسرة.
وللحفاظ على الأقلية الكولومبية المسلمة، يرى الباحثون المعنيون بأحوال الجالية أنه لابد من دعم مشروعات الدعوة وبرامجها وتغطية احتياجات الجالية، وكذلك إقامة مشروعات استثمارية تفتح فرص عمل لأبناء الجالية والمسلمين الجدد, وتشارك السلطات المحلية والدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وتقوم أيضًا بدفع نسبة من الربح للدعوة الإسلامية تنفق في بناء المساجد والمدارس، وتنظيم المخيمات الشبابية والدورات الشرعية، وطبع الكتب وترجمتها.
كذلك اقترحوا تأسيس مدارس ومعاهد علمية إسلامية، مهمتها تعليم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم والتعريف بالإسلام لغير المسلمين، مع ترجمة ونشر الكتب الإسلامية باللغة الأسبانية.
وطالبوا بالعمل على إنشاء شبكة اتصالات معلوماتية لنشر الثقافة الإسلامية عبر الانترنت، مع السعي في إنشاء قناة تلفزيونية إسلامية في أمريكا اللاتينية تكون ناطقة باللغة العربية والأسبانية، أو فتح نافذة إعلامية عن طريق إحدى القنوات في كولومبيا لساعات محددة، يتم من خلالها تقديم الإسلام في صورة صحيحة وبأساليب عصرية مشوقة.
ولأننا تعودنا دائمًا التفاؤل في أمرنا كله؛ فيجدر بنا أن نذكر ما قامت به بعض الجمعيات الإسلامية في كولومبيا من مجهودات دعوية وتعليمية، بغية الحفاظ على أبناء الجالية من الضياع، وما زالت الجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات والدعاة لنشر الإسلام في كولومبيا بسيطة جدًا، ولا تكاد تذكر.
وكذلك فقد استطاعت بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية في كولومبيا -وخاصة في مدينة ميكاو، ومدينة بوجوتا، وجزيرة سان أندروس، وسانتا مارتا، وألبي لدوبار، وكوكوتا- أن تؤدي خدمات شتى ساعدت في الحفاظ على هوية الكثيرين تحت خيمة الإسلام، كما استطاع بعض الشيوخ والدعاة خلق صحوة داخل أوساط الشباب الكولومبي المسلم، رغم قلة الإمكانيات والمدارس والمساجد والدعاة.
ونرى أنه من الإنصاف بيان إن المسلمين في كولومبيا يعيشون بسلام مع المواطنين الآخرين، ويتمتعون بعلاقات طيبة مع الحكومة الكولومبية, ويندمجون مع قطاعات الشعب المختلفة، وقد تفاجأ عندما تعلم أن المركز الإسلامي هناك يقيم نشاطات مشتركة مع الكنيسة الكاثوليكية الكولومبية؛ مثل الندوات والمؤتمرات الثقافية وقد يمتد الأمر إلى القضايا السياسية أيضًا، ولا أدري أيعد هذا من الإيجابيات أو السلبياتً؟!!!
ومع ذلك يجدر التأكيد على أن الجالية المسلمة الكولومبية تحتاج بشدة لتضامن إخوانهم من العالم الإسلامي والعربي، وخاصة المنظمات الإسلامية العالمية، التي تهتم بشؤون الأقليات المسلمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وأخيرًا ندعو الله أن يبصر المسلمين جميعًا إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وإلى الملتقى على محبة الله وفي طاعته
المفضلات