زيارة الرئيس الأمريكي السبت (16/2) إلى العاصمة التنزانية دار السلام، فجرت غضب المسلمين وهو ما دفع نحو ألفي متظاهر مسلم في المسيرة التي جابت شوارع المدينة إلى إحراق العلم الأمريكي، في تعبير واضح عن غضبهم وهو ما يلقي الضوء بكثافة على المسلمين في تلك الدولة الإفريقية الهامة.

وبحسب التقديرات الرسمية فإن 75% من عدد سكان تنزانيا البالغ 27 مليون نسمة مسلمون في حين يتوزع الـ25 % الآخرين بين مسيحيين ولا دينيين ولكن رغم هذا كله فإن المسلمين ليسوا أحسن حالا من الأقليات الإسلامية المنتشرة في دول العالم المختلفة.

فطبقا لتركيبة السلطة في البلاد فإن المسلمين مهمشون بصورة واضحة حيث يمتلك النصارى النفوذ السياسي والاقتصادي بصورة كاملة وهو ما يعطيهم الفرصة لإدارة شؤون البلاد كما يحلو دون أي اعتبار أو مراعاة لمصالح الأغلبية العظمى من سكان البلاد من المسلمين.

قبل أكثر من 15 عاما لم يكن للنصرانية أي وجود يذكر في البلاد، ولكن مع التنصير صار هناك أعداد من معتنقي النصرانية الذين تلقفهم "الاستعمار"، وقام بإسناد كافة السلطات والمناصب في البلاد لهم، وهو الأمر الذي استغلوه جيدا خلال السنوات الماضية على حساب الأغلبية المسلمة التي وجدت نفسها تصارع استبداد الأقلية بلا ساتر في ضرب لصميم أبسط مبادئ الديمقراطية.

أوضاع المسلمين الاقتصادية في الوقت الراهن، تبدو بالغة السوء فالغالبية العظمى منهم هم من الفقراء، الذين لا يجدون قوت يومهم كما تفتقر العديد من قرى ومدن المسلمين إلى الخدمات الأساسية، فعلى الدوام كان هناك تركيز واضح من الحكام غير المسيحيين على المناطق غير المسلمة، في الوقت الذي كان يتم فيه بصفة دائمة حرمان المسلمين من المناصب السياسية الكبرى والوظائف المرموقة.

المعلوم أن هناك ندرة كبيرة في أعداد المدارس الإسلامية التي تهتم بالعلوم الإسلامية، مثل: القرآن والسنة النبوية، في وقت لا تهتم المدارس الرسمية بالدراسات الإسلامية، وواكب هذا النقص في المدارس نقص شديد في إعداد المعلمين القادرين على الوفاء بمتطلبات الدعوة الإسلامية، وكل هذا أثر بصورة واضحة على درجة وعي المسلمين بدينهم.

الفقر والجهل والمرض!

وتشير المعلومات إلى أن خمسين بالمائة من المسلمين لا يقرءون جيدا أو لا يقرءون نهائيا. لهذا لا يتقنون قراءة القرآن والاستفادة منه؛ لهذا فإن هناك مشروعا يكمن في مساعدتهم على القراءة والكتابة للأطفال على وجه الخصوص. أضف إلى ذلك أنهم يعملون أيضا على استيعاب أطفال العائلات الفقيرة الذين لم تتسع لهم المدارس الحكومية. على اعتبار أن رسوم تلك المدارس عالية جدا. قيمتها حسب المنطقة، ولكنها تتراوح بين عشر آلاف وثلاثين ألف شيلن. غالبية المسلمين هناك من الفقراء ولذلك فإن معظم أطفالهم لا يذهبون إلى المدارس؛ لأنهم لا يملكون المال اللازم لذلك.

ويتجمع المسلمون في تنزانيا في مناطق عديدة فالأغلبية العظمى من سكان جزيرتي بمبا وزنجبار مسلمة، وإقليم البحيرة (تنجانيقا )،وتنوما وفورا وتوشى وعروشة، وكذلك سكان مدينة السلام وتبلغ نسبة المسلمين فيها 90%. وينتشر المسلمون في ولاية طابورة في الداخل وفي موشى وكيجوما وأوجيجي وكذلك في ميناء تنجا.

ورغم الأوضاع بالغة الصعوبة التي يعيشها المسلمون، فإن هناك إقبالا كبيرا على حفظ القرآن الكريم وتعلم أحكامه المختلفة، في الوقت الذي تكشف فيه الجولة السريعة التي يقوم بها الزائر إلى مدن بامبا وتانجا ودار السلام ولنيدي على الزيادة المتزايدة والملحوظة، في أعداد الفتيات اللاتي يقمن بارتداء الحجاب.

ومن أبرز الهيئات الإسلامية في تنزانيا المجلس الإسلامي الأعلى التنزاني، وتأسس في سنة 1387 هـ - 1967 م ، وكان اسمه السابق : المجلس الأعلى لجميع مسلمي شرقي إفريقيا حيث كان يضم مسلمي كينيا وتنزانيا وأوغندا، ثم اقتصر نشاطه على تنزانيا ويشرف على إنشاء المساجد والمدارس الابتدائية، وتوجد حوالي 16 مدرسة متوسطة في أنحاء تنزانيا.

صحوة إسلامية

وتقام المساجد بجهود ذاتية غير أن معظمها يقام من الخشب والطين، يعصف بها الهواء والمطر. وأعادت الحكومة فتح 86 مسجداً كانت قد أغلقتها بطريقة غير شرعية. وأما عدد الدعاة في كل تنزانيا 107 لخدمة التوعية الإسلامية لأكثر من 15 مليون مسلم.

وتشير المصادر التاريخية المختلفة إلى أن المسلمين كانوا على علاقة بهذه المنطقة منذ القرن الأول الهجري، وبدأ هذا بعلاقات تجارية، ثم هجرة وتأسيس إمارات إسلامية.

وظهرت أقدم الإمارات الإسلامية على ساحل شرقي إفريقيا وهي إمارة لامو على الساحل الشرقي الإفريقي شمال مدينة ممبسة في نهاية القرن الأول الهجري.

وفي مستهل القرن الرابع الهجري ظهرت إمارات ماندي، وأوزي، وشاكه قرب دلتا نهر تانا في كينيا. وهكذا وصل الإسلام إلى الساحل الجنوبي، من تنجانيقا في مستهل القرن الرابع الهجري، بل امتد حتى الجنوب.

تاريخ حافل

ودهم الاستعمار البرتغالي الإمارات الساحلية وشن ضدهم حرباً صليبية، دمرت معظم مدن الساحل وازداد التنافس الاستعماري على المحيط الهندي، وبرزت قوات إسلامية جديدة من عمان استطاعت القضاء على النفوذ البرتغالي، فهزمت البرتغاليين هزيمة ساحقة عند ممبسة في سنة 1153 هـ - 1740 م.

وبعد أن انهارت سيطرة البرتغاليين واستقر الأمر للعرب، توغلت الدعوة إلى الداخل فوصلت إلى نياسالاند (ملاوي حالياً ) كما وصلت هضبة البحيرات حيث أوغندا، وتوغل الإسلام إلى داخل تنجانيقا، وظهر في المدن الساحلية والقرى ونقل العمانيون العاصمة إلى دار السلام ، وبرزت مراكز إسلامية بالداخل، كان منها في تنجانيقا طابورة، وأوجيجي على بحيرة تنجانيقا، وتانجا التي كانت من أكبر مراكز الثقافة العربية بالبلاد.

وظهرت قوى استعمارية جديدة تمثلت في بريطانيا وألمانيا واقتسمتا دولة (آل بوسعيد) في شرقي إفريقيا، واستولت ألمانيا على تنجانيقا، وما كادت تنجانيقا تستقل حتى ظهرت مؤامرة ضد الإسلام، تمثلت في الأحداث الدامية التي أصابت العرب في زنجبار، في سنة 1384 هـ - 1964 م وراح ضحيتها 23 ألفاً من العرب والمسلمين.

يؤكد المؤرخون أن المسلمين في تنزانيا كانوا من الأعراق الكريمة، خلال العصر الذهبي لحكومة زنجبار. وكان المسلمون من كبار التجار وملاك الأراضي الأثرياء. أما اليوم فما زال كفاحهم من أجل التغيير وتحسين مستويات حياتهم شديد الوضوح. يمكن القول: إن إقبالاً شديدًا على حفظ القرآن الكريم، قد لا تجده في دول عربية عديدة، وكذلك تُفاجأ وأنت تمر في شوارع مدن بامبا وتانجا ودار السلام ولنيدي بحجم الإقبال الكبير على ارتداء الحجاب، بشكل قد لا تجد له مثيلاً في دول عربية وإسلامية عديدة، وتدعم هذه الصحوة إذاعتان إسلاميتان وهما راديو إيمان، وإذاعة القرآن.. اللذان يقومان بدور في تنمية الوعي الإسلامي وهذا من فضل الله، يبلغ عدد سكان تنزانيا حوالي (27) مليونًا، 75% منهم مسلمون، فيما ينقسم الـ 25 % الباقون بين مسيحيين ولا دينيين، وعلى الرغم من هذا التفوق العددي الكاسح للمسلمين، إلاّ أن النفوذ السياسي والاقتصادي في البلاد بين أيدي النصارى، وعلى الرغم من أن تاريخ وصول النصرانية إلى البلاد، لم يزد على (15) عامًا، إلاّ أنهم عرفوا كيف يستفيدون من الاستعمار في توطيد نفوذهم وتوسيع سلطتهم.

وقد انعكست هذه الأوضاع على أحوال المسلمين بشكل عام، الذين كانوا يعانون حزمة من المشاكل، ويأتي في مقدمتها ندرة وجود المدارس الإسلامية، التي تهتم بالعلوم الإسلامية، مثل: القرآن والسنة النبوية، في وقت لا تهتم المدارس الرسمية بالدراسات الإسلامية، وواكب هذا النقص في المدارس نقص شديد في إعداد المعلمين القادرين على الوفاء بمتطلبات الدعوة الإسلامية، ولم تكن أوضاع المسلمين الاقتصادية أفضل حالاً؛ فجميع الخطط التنموية التي أقرها الرئيس التنزاني الأول بعد الاستقلال جوليوس نيريري ركزت على المناطق غير المسلمة، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي كانت تجمع نيريري بقادة الدول العربية، وفي مقدمتهم الرئيس جمال عبد الناصر الذي فتح أبواب مصر للثوار التنزانيين الساخطين على الاستعمار؛ فضلاً عن وجود علاقات اقتصادية قوية بين تنزانيا والدول العربية.. إلاّ أن هذه العلاقات لم تساهم في تحسين أوضاع الأغلبية المسلمة، التي حُرمت من المناصب السياسية الكبرى والوظائف المرموقة.

زنجبار بستان إفريقيا الشرقية

حين يبدأ المرء الحديث عن أوجاع وآلام أمتنا الإسلامية يتيه في بحر من الحيرة التي يلج فيها؛ بسبب تعدد القضايا وتنوعها وتباينها في درجة الخطورة والقسوة. فمن بلاد تغتصب ومسلمون يقتلون ودين تفرق عنه بنوه إلى صمت مستفز وعجز مخزٍ عن دفع ما يدور في دائرة الإسلام والمسلمين من مآسي ونكبات.

إن هذا الصمت القاتل الذي يحوم رغم الخناجر المغروسة في جسد الأمة، لا ينتج عنه إلا موت صامت لا يسمع لصاحبه تأوه أو حتى صراخ. ولعل أقسى الجراح وأثخنها هو البلاد الإسلامية في إفريقيا، والتي تنتزع من بين أيادي المسلمين وهم لا يدرون.

فالمسلمون هناك يواجهون موجات عارمة من حملات التقتيل والتنصير والتفتيت الاجتماعي والتجهيل المتعمد والفقر والأمراض المتفشية. ومن هذه البلاد الإسلامية بلاد عدّها المؤرخون البوابة الشرقية لإفريقيا، بل ولقّبت ببستان إفريقيا الشرقية؛ تلك هي زنجبار التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 98% من مجموع السكان البالغ عددهم مليون نسمة!

فبعد أن طغت الهوية الإسلامية على هذه البلاد، بدأت الحركات التنصيرية تتغلغل في زنجبار حتى إن عدد الكنائس بلغ كنيسة لكل مائة نصراني، بل وانتشرت الكتب النصرانية والإنجيل مترجمة باللغات المحلية انتشارا واسعا، بحيث تصل إلى أيادي المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الديني وفهم القرآن بعد أن سادت اللغة السواحيلية مقابل محو اللغة العربية، بل وصل الأمر إلى حد إجبار المسلمات على الزواج من النصارى، وبذلك يتمكنون من سلخ المجتمع عن دينه والقضاء على الروح الإسلامية في مجتمع زنجبار. ولم يكتفِ المستعمرون البريطانيون بهذا بل وأغرقوا الكتب العربية والمصادر الإسلامية في المحيط الهندي، الذي تقع زنجبار على ضفافه.

ولم تقف مآسي زنجبار إلى هذا القدر ولكن ضمها إلى تنجانيقا عام 1964م وخضوعها لجمهورية تنزانيا، نتج عنه أن صارت نسبة المسلمين 35% مقابل 45% من النصارى والبقية من ديانات مختلفة. ورغم هذه التعددية الطائفية إلا أن المسلمين تحت سيادة مسيحية بحتة يعانون في ظلمتها من قمع حقوقهم في التعبير والسيادة وصنع القرار فنسبة المسلمين في مراكز صنع القرار لا تتعدى الـ 5% وبالتالي فإن عباد الصليب يتحكمون بالمسلمين، وما يحق لهم وما لا يحق بل إن التحيز للنصارى واضح جدا، فالوظائف الحكومية استحالت غالبيتها إلى النصارى وحرم الشباب المسلم من فرص التعليم والمنح الدراسية والحياة الأكاديمية، التي يتمتع بها النصارى بلا حدود. ولكن هذا لم يثنِ المسلمون في زنجبار عن التعلق بالإسلام والإقبال على تعلم أحكامه واللغة العربية، رغم ما يواجهونه من تحديات.

وإن كانت النصرانية قد ارتدت قناعًا يغطي نواياها الحقيقية في مواجهة الإسلام، في كثير من البلاد إلا أنها في تنزانيا تبدو واضحة جلية، فمن سلسة الأحداث التي تشهد على حملة التنصير وهضم حقوق المسلمين اعتقال الشيخ الإمام محمد الخامس في منتصف شهر أغسطس 2001م بتهمة الإساءة إلى المسيح عليه السلام، وذلك لأنه نفى أن يكون المسيح إلهًا! ورغم أنه قد قال ذلك في مسجد يحيط به المسلمون، إلا أن ذلك اعتبر انتقاصا من مقام سيدنا عيسى عليه السلام! أليس هذا قلب رسالة التوحيد التي يدين بها المسلمون فمال التوحيد يصبح جريمة يعاقب عليها المسلم، أليس هذا قمعا للحريات الدينية؟!

إن هذا الاعتداء يأتي ضمن مسلسل مخطط له يهدف إلى محو الهوية الإسلامية وتهديد الوجود الإسلامي في تنزانيا. ورغم غياب المسلمين في أقطار العالم عن هذه المجريات، فإن مسلمو تنزانيا قد أعلنوها مدوّيةً في عنان السماء "الإسلام لا يُذل، والمسلمون لا يقبلون الهزيمة، ومن بارزنا فسنلقِّنه درسًا لا ينساه".

http://www.islammessage.com/articles...id=91&aid=1596