تعريف الإيمان في الاصطلاح

للعلماء في تعريف الإيمان في الاصطلاح اتجاهين الأول تعريفه
باعتباره متعلقا بالدين وباعتبار علاقته بالإسلام و الإحسان و
الاتجاه الثاني هو تعريف الإيمان باعتبار حقيقته و ما يترتب على
هذه الحقيقة من مسائل مثل زيادة الإيمان و نقصانه و الاستثناء في
الإيمان و غير ذلك من المسائل

أولا : تعريف الإيمان باعتباره متعلقا بالدين
1- يقول الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في كتابه معارج القبول
بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد في معنى الإيمان
اصطلاحا"أما في الشريعة فلإطلاقه حالتان الحالة الأولى :أن
يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام فحينئذ يراد به الدين
كله كقوله عز و جل (الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات
إلى النور)... و الحالة الثانية: أن يطلق الإيمان مقرونا بالإسلام و
حينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنية كما في حديث جبريل هذا و ما في
معناه و كما في قول الله عز وجل(و الذين آمنوا و عملوا الصالحات)
و في غير ما موضع من كتابه..."( )
2- ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد الذي هو
حق الله على العبيد معنى الإيمان فقال " و في الشرع عبارة عن
تصديق خاص و هو التصديق بالله و ملائكته وكتبه ورسله و اليوم
الآخر و بالقدر خيره و شره"( )
3- يذكر حسن أيوب في كتابه تبسيط العقائد الإسلامية تعريف
الإيمان فيقول :"هو التصديق الجازم بكل ما جاء به محمد صلى
الله عليه و سلم و ثبت ثبوتا قطعيا و علم مجيئه من الدين بالضرورة
كالإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القضاء
و القدر خيره و شره و كالإيمان بفرضية الصلاة و الزكاة و
الصيام و الحج و الإيمان بتحريم القتل ظلما للنفس المعصومة
و تحريم الزنا و الربا و غير ذلك ( )


ثانيا : تعريف الإيمان باعتبار حقيقته
وهذا ما أطلق عليه الدكتور محمد نعيم ياسين في كتابه الإيمان
أركانه حقيقته نواقضه اسم "حقيقة الإيمان" ( )

اختلف أهل العلم في حقيقة الإيمان اختلافا كبيرا و إليك هذا الخلاف :

أولا مذهب أهل السنة و الجماعة
ذهب أهل السنة والجماعة في حقيقة الإيمان إلي عدة أقوال ( )

1- قول جمهور أهل السنة والجماعة

الإيمان هو : "تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان" ( )
واليه ذهب جمع كبير من علماء أهل السنة والجماعة
منهم "مالك والشافعي واحمد و الأوزاعي واسحق بن راهوية
وسائر أهل الحديث وأهل المدينة رحمهم الله وأهل الظاهر
وجماعة من المتكلمين"( )
وعلية فلا يكون العبد مؤمنا إلا إذا تحققت فيه ثلاث أمور وهي :
ا- أن يصدق بقلبه
ب- أن يقر بلسانه
ج- أن يعمل بجوارحه
فهذه ثلاث أركان للإيمان ، إذا وجدت وجد ، وان عدمت عدم ،
وان فقد احدها انعدم الإيمان عند العبد ، فلا يكون العبد مؤمنا
إذا لم يعمل بجوارحه حتى وان كان مصدقا بقلبه ومقرا بلسانه
، وان عمل بجوارحه وصدق بقلبه ولم يقر بلسانه لم يحصل له
الإيمان ، وان عمل بجوارحه واقر بلسانه ولم يصدق بقلبه لم
يحصل له الإيمان أيضا ، بل هو منافق يظهر خلاف ما يبطن

2- قول الإمام أبو حنيفة
الإيمان هو "الإقرار باللسان والتصديق بالجنان"( )
وهذا ما جاء في متن الطحاويه ( ) فالإمام أبو حنيفة لم يدخل
العمل في الإيمان علي انه ركن من أركانه ، وتوقف علي
ركنين الأول الإقرار باللسان والثاني التصديق بالجنان ،
ولكنه جعل العمل ثمرة الإيمان.
يقول : الدكتور محمد نعيم ياسين في كتاب الإيمان "القول:
الثاني أن الإيمان اسم يقع علي الإقرار باللسان والتصديق
بالقلب ولا يدخل فيه العمل بالجوارح ولكنهم يقولون إن العمل بكل
ما صح عن رسول الله من الشرائع والبيان حق وواجب علي
المؤمنين الذين اكتسبوا هذا الاسم بالإقرار والتصديق "( )
والحقيقة أن الخلاف بين جمهور أهل السنة والجماعة وبين الإمام
أبو حنيفة خلاف صوري شكلي فالإمام أبو حنيفة ادخل العمل تحت
الإقرار والتصديق بالقلب وجعله من ثمراته ولم ينكره بل اعتد به
أما الجمهور فقد جعلوا العمل ركن من الأركان وساووا بينه وبين
الإقرار باللسان والتصديق بالقلب والحاصل أن العمل يدخل عند
الفريقين الأول يدخله علي انه ركن مساوي لباقي الأركان والثاني
يدخله علي انه ثمرة لازمة لركني الإقرار والتصديق.

ولقد نقل عبد الآخر الغنيمي عن شيخ الإسلام قوله : "ومما ينبغي
أن يعلم أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة نزاع لفظي
وإلا فالقائلون بان الإيمان قول من الفقهاء ... متفقون مع جميع
علماء السنة علي أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد
وان قالوا : إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل فهم يقولون : إن الإيمان
بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقا
للذم والعقاب كما تقوله الجماعة ... والذين ينفون عن الفاسق اسم
الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد في النار فليس بين
فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا
بما جاء به الرسول وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد وانه يدخل
النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها ولا يخلد منهم فيها
أحد ... ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار
كالخوارج والمعتزلة وقول غلاة المرجئة الذين يقولون ما نعلم أن
أحدا منهم يدخل النار..."( )

فالأحناف يقسمون الإيمان إلي قسمين يقول في ذلك الدكتور
محمد الشرقاوي :
"الإيمان ينقسم إلي أصل وفرع أو جذر وجذع
فجذره أو أصله : الاعتقاد والإقرار وهما عمل واحد له آلتان
هما القلب واللسان
وجذعه أو الفروع : هي الطاعات كلها وإنما كانت إيمانا لأن
الإيمان هو التصديق والتصديق الواقع بالقلب واللسان هو الذي
يحرك علي سائر الطاعات ويدعو إليها وإنما يقع ذلك من المؤمن
قصدا إلي تحقيق القول بالفعل وتسوية الظاهر بالباطن ... ويجب أن
يفهم أن الأصل والفرع أو الجذر والجذع يشكلان معا شجرة الإيمان
فليس الأصل وحدة ولا الفروع وحدها تكون شجرة الإيمان" ( )

3- قول المتأخرين من علماء أهل السنة والجماعة
وذهب فريق ثالث من أهل السنة والجماعة إلي التفصيل في حقيقة
الإيمان فقالوا : الإيمان قول وعمل
قول : القلب واللسان
وعمل : القلب واللسان والجوارح

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيميين في شرح العقيدة الواسطية
"أما قول اللسان فالأمر فيه واضح وهو النطق وأما عمله فحركاته
وليست هي النطق بل النطق ناشئ عنها إن سلمت من الخرس وأما
قول القلب فهو اعترافه وتصديقه وأما عمله فهو عبارة عن تحركاته
وإرادته مثل الإخلاص في العمل فهذا عمل قلب وكذلك التوكل
والرجاء و الخوف فالعمل ليس مجرد الطمأنينة في القلب بل هناك
حركة في القلب وأما عمل الجوارح فواضح ركوع وسجود وقيام
وقعود فيكون عمل الجوارح إيمانا شرعا لان الحامل لهذا العمل
هو الإيمان "( )

فقول القلب معناه : تصديقه و إيقانه بكل ما جاء به النبي محمد صلى
الله عليه و سلم من الكتاب و الحكمة عن ربه تبارك و تعالى .
وقول اللسان : هو النطق بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله و شهادة
أن محمدا رسول الله و الشهادتان هما أول ركن من أركان الإسلام
وبذلك يكون الإيمان قد تضمن أول و أهم ركن من أركان الإسلام.
وعمل القلب : النية والإخلاص والمحبة و هذا العمل عملا باطنيا
لا يطلع عليه العباد فهو بين العبد و ربه بخلاف عمل الجوارح.
وعمل اللسان : ما لا يؤدي إلا به ( ) كالدعاء و تلاوة القران والذكر
والتسبيح و غير ذالك.
عمل الجوارح : ما لا يؤدي إلا بها كالقيام والركوع والسجود ( )
4- قول الماتريدية و في رواية عن أبي حنيفة
قالوا الإيمان هو التصديق بالقلب فقط والإقرار باللسان فرع عن التصديق
ولازم له وثمرة منه
يقول في ذلك ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية
" وذهب كثير من أصحابنا إلى ما ذكره الطحاوي رحمه لله : أنه
الإقرار باللسان والتصديق بالجنان . ومنهم من يقول : إن الإقرار
باللسان ركن زائد ليس بأصلي وإلى هذا ذهب أبو منصور الماتريدي
رحمه الله , ويروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه" ( )

قلت والمشهور من مذهب أبي حنيفة أن الإيمان هو التصديق بالجنان
والقول باللسان والأعمال ثمرة التصديق والإقرار فإذا ورد عنه القول
أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط لزم منه أحد أمرين:
الأول أن يكون القول باللسان و العمل بالجوارح ثمرة التصديق بالقلب
كما هو العمل ثمرة التصديق والإقرار في المشهور وبذلك يكون
الإيمان هو التصديق وله ثمرتين الأولى العمل والثانية الإقرار والله أعلم .
الثاني أن يكون مراد الإمام بالتصديق المعنى اللغوي للإيمان لا حقيقته
التي هو عليها وسبق الذكر أن أهل اللغة يكادون يجمعون على أن
الإيمان هو التصديق بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك.

ثانيا : مذهب المعتزلة
قالت المعتزلة الإيمان : هو العمل والنطق والاعتقاد أي جميع
الطاعات فرضها ونفلها ( )
والفرق بينهم وبين الجمهور : أن المعتزلة جعلوا الأعمال
شرطا في صحة الإيمان أما الجمهور فجعلوا الأعمال
شرطا في كمال الإيمان ( )

ثالثا : مذهب المرجئة
قالت المرجئة : الإيمان هو " الإقرار بالقلب "وما عدا ذلك
فليس من الإيمان ولهذا كان الإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم
لأنه إقرار القلب والناس فيه سواء فالإنسان الذي يعبد الله آناء
الليل والنهار كالذي يعصي الله آناء الليل والنهار عندهم مادامت
معصيته لا تخرجه من الدين ( )

فلو وجدنا رجلا يزني ويسرق ويشرب الخمر ويعتدي على
الناس ورجلا آخر متقيا الله بعيدا عن هذه الأشياء كلها أصبح
عند المرجئة في الإيمان و الرجاء سواء كل منهما لا يعذب
لان الأعمال غير داخله في مسمى الإيمان ( )

وهؤلاء يقال لهم : ماذا أراد الله تعالى من العباد بقوله تعالى
" أقيموا الصلاة واتوا الزكاة " هل أراد منهم الإقرار بذلك ؟
أم أراد الإقرار مع العمل ؟
فإن قالوا : إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل فقد كفروا وان
قالوا : أراد منهم الإقرار والعمل قيل لهم : كيف تزعمون
أن يكون مؤمنا بأحدهما دون الأخر وقد أرادهما جميعا ؟ ( )

رابعا : مذهب الكرامية
قالوا الإيمان هو الإقرار باللسان فقط فالمنافقون عندهم مؤمنون
كاملو الإيمان ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم
الله به وقولهم ظاهر الفساد ( )

خامسا : قول الجهمية
ذهب الجهم بن صفوان وأبو الحسن الصالحي أحد رؤساء القدرية
إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب فقط وإن أظهر الكفر بلسانه
وعبادته ( )
و قيل هو المعرفة بالقلب وهذا القول اظهر فسادا من قول الكرامية
فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين فإنهم عرفوا صدق موسى
وهارون عليهما الصلاة والسلام ولم يؤمنوا بهما ولهذا قال موسى
لفرعون {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} ( )( )
و يلزم منه أن يكون إبليس مؤمنا لأنه كان يعرف ربه بقلبه