-
هل أتهمَ القرآنُ مريمَ بالكذبِ؟!
هل أتهمَ القرآنُ مريمَ بالكذبِ؟!
مِنَ الشبهاتِ التي لا وزن لها، والتي تدل على جهل مثيرها باللغةِ العربيّة وضعف المكانة العلمية...
زعمهم أنّ القرآنَ أتهم مريمَ بالكذبِ، وذلك لأنّها نذرت أن تصوم ثم أكلت مِنَ الرطب الجني (التمر)؛ أي أنّها كذبت...
واعتمدوا على ذلك بقولِه : فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا(22) فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا(23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29) (مريم).
الردُّ على الشبهةِ
أولًا: كما قلتُ: شبهةٌ لا وزن لها، وتدلُ على جهلِ مثيرها باللغةِ العربيّة وغيرها...لأنّ الصومَ في اللغة ليس فقط الإمساك عنِ الطعام والشراب؛ بل أيضا الامتناع عنِ الكلامِ، والنكاحِ، والعملِ...
يدلّلُ على ذلك ما جاءَ في الآتي:
1- قاموس لسان العرب ما نصُّه: " صام الرجل يصُوم صَوْمًا وصِيَامًا أمسك عنِ الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير سواءً كان للعبادة أم غيرها. وأصلهُ في الإمساك والسكون عنِ الفعل ". اهـ
2- كتاب الفقه على المذاهبِ الأربعةِ: معنى الصيام في اللغة مطلق الإمساك عنِ الشيء فإذا أمسك شخص عنِ الكلام أوِ الطعام فلم يتكلم ولم يأكل فإنّه يُقال له في اللغة: صائم ومِن ذلك قولُه : { إنّي نذرت للرحمن صوما } أيْ: صمتا وإمساكا عنِ الكلام. اهـ
إذًا: الصوم في اللغةِ هو الامتناع عنِ الشيء فحينما يقولُ عاملٌ: " إنّني صائمٌ عنِ العمل ".
المعنى: أنّه ممتنعٌ عنِ العمل.
وحينما يقولُ الخطيبُ:" إنّني صائمٌ عنِ الخطبةِ ".
المعنى: ممتنعٌ عن أداءِ الخطبةِ...
فمريم -عليْها السلام- لما قالت: إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا المعنى: أنّها صامت عنِ الكلام فقط؛ أيْ: أمتعت عنه، فإذا أكلت مِنَ الرطبِ بأمرِ اللهِ فهذا لا يُعد كذبًا بخلاف ما فهم المعترضون....
ويدلّلُ على ذلك أيضًا أنّها لما أتت قومَها، واتُهمت(بالزنا) كانت صائمةً عنِ الكلامِ لا عنِ الطعامِ، والشرابِ بدليل أنّها -عليْها السلام- أشارت إليه(المسيح) دون كلامٍ؛ يقولُ اللهُ : فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29) (مريم).
ألخصُ القول: إنّ اللهَ أمرها أن تصوم(تمتنع عنِ الكلام) لا عنِ الطعامِ...
هذا واضحٌ مِنَ الآيةِ بأكملها: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(26) (مريم).
فلا يقتطع منها مثلًا: َفقُولِي إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا دون بقيةِ الآيةِ... وهذا يشبه ما يفعله المدلسون كما في قولِه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ أي : لا تصلوا يا مسلمون... وحينما نكمل الآية نفهم المُرادَ منها فهمًا صحيحًا...
الآيةُ بأكملها تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إنّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43) (المائدة). لا تعليقُ!
ثانيًا: إنّني أفترض جدلًا أنّها نذرت الصومَ عنِ الطعامِ، والشرابِ، وليس الكلام(وهذا بعيد جدًا).
يبقى السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: هل كذبت مريم، أعني: هل أكلت بعد النذر أم قبله؟
الجوابُ: إنّ الآياتِ الكريماتِ تذكر أن أنّها أكلت وشربت قبل النذر، وقبل ملاقاة قومها هذا واضحٌ جدًا مِنَ الآياتِ الكريمات التي تقولُ: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29) (مريم).
وعلى هذا الافتراض البعيد أكون قد أغلقت محاولتَهم وعقولهم عن أي تشكيكٍ مزيد....
كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجعة
التعديل الأخير تم بواسطة أكرم حسن ; 05-10-2016 الساعة 06:29 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أكرم حسن في المنتدى منتدى الأستاذ أكرم حسن مرسي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-10-2016, 02:45 PM
-
بواسطة أكرم حسن في المنتدى منتدى الأستاذ أكرم حسن مرسي
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 13-02-2016, 06:10 AM
-
بواسطة أكرم حسن في المنتدى منتدى الأستاذ أكرم حسن مرسي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 13-08-2015, 01:01 AM
-
بواسطة أكرم حسن في المنتدى منتدى الأستاذ أكرم حسن مرسي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 22-02-2014, 01:36 PM
-
بواسطة أكرم حسن في المنتدى منتدى الأستاذ أكرم حسن مرسي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 17-05-2013, 04:52 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات