هذا سؤال و جواب قرأته في موقع إسلام أونلاين و أحببت أن تعم الفائدة بنشره



السؤال


السلام عليكم ورحمة الله..
منذ شهر تقريبا لاحظت أن زميلي في العمل -وهو أوكراني الجنسية- مهتم بالإسلام، وأعطيته ترجمة للقرآن باللغة الروسية، وقال لي بعد ذلك أنه قريب جدا من الإسلام كمعاملات، وأحس أنه يقترب جدا، ولكن هو لا يؤمن بوجود الله، ويسألني أسئلة لم أفكر بها مسبقا، مثل: إذا كان الله يعرف كل شيء فلماذا يختبر الإنسان مثلا في أن يموت ولده؟
حاولت أن أجيبه، ولكن لأني مؤمن بالله لا أستطيع إقناعه.
وقال لي: إن استطعت أن تجيب عن الأسئلة التي تدور في خاطري فإني قريب جدا لكي أؤمن.
سؤالي هنا: ماذا أفعل؟ أعليّ ذنب إذا تركته؟ وهل أن الله يهدى من يشاء في هذه الحالة؟ وكيف يختار الله من يهديه إلى الإيمان به؟ وهل هناك اختيار من الله بهداية أشخاص معينين أم إذا تقرب الشخص إلى الله يهديه؟ فإني والله أخشى أن تزهق هذه النفس كافرة ولا أستطيع عمل شيء لها، وخصوصا أنني أحسبه على خلق.


الجواب


يقول الشيخ عماد أبو الرُّب إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي في كييف:
الأخ الحبيب هاني؛
بارك الله فيك لحملك همّ دعوة الآخرين، وحرصك على إنقاذ صاحبك من النار؛ واعلم أن الدعوة إلى الله هي وظيفة رسل الله جميعا، وأوجب الله الدعوة على كل مسلم بالغ عاقل.

وقبل أن أوجه لك نصيحتي أذكرك بأمور لا بد منها لكل داعية، وهي:
أولا، الفهم الدقيق:
وهذا الفهم قائم على العلم وعلى تدبر القرآن، وعلى فهم الداعية لغاياته في الحياة ومركزه بين البشر.

ثانيا، الإيمان العميق:
بأن يتيقن أن الإسلام حق، ولا يجوز له أن ينحرف أو يتنازل عنه (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون).

ثالثا، الاتصال الوثيق بالله تعالى:
وذلك بتعلق الداعية المسلم بربه وتوكله عليه في جميع أموره (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، وهذا الاتصال يهوّن عليه الصعاب ويخفف عنه الآلام.

وحتى تنجح في دعوة صديقك لا بد لك أن تنظر بوضوح لواقع صديقك من جهة، وإلى إمكانياتك من جهة أخرى؛ لتخرج بأفضل السبل الكفيلة بمساعدته في تغيير قناعاته، ولذا أنصحك بالآتي:
* بالنسبة لك كداعية:
- أن تخلص النية لله تعالى في دعوتك له، وأن تدعو الله له بالهداية، فهي من الله يعطيها لمن يشاء.

- أن تكون له قدوة صالحة بصدقك وحسن خلقك، وأن تعرِّفه على رفاق خير يكونون له عونا وقدوة، حتى يرى فيكم الإسلام شاخصًا فيتقرب بذلك منكم، وتسهّل على نفسك دعوته بإشراك من هو أعلم منك في أمور الدين؛ وتذكر قول الشافعي في هذا: "من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا".

- لا بد أن تربطك به علاقة شخصية يشعر فيها بإنسانيتك وحبك له، فينشرح صدره لك وينفتح قلبه وذهنه لكلامك فيلقى القبول.

- لا بد لك قبل أن تحدِّثه من التعرّف على نفسيته ومداخل قلبه واهتماماته ومشاكله وهمومه، حتى يلامس حديثك قلبه وعقله، وحتى تبدأ له من حيث يفهم وينجذب.

- لا بد لك من تثقيف نفسك بدينك أولا، وبكيفية الدعوة ثانيًا، وقد سبق أن قلت في سؤالك أنك تعجز عن إجابته وإقناعه.

* بالنسبة للأسلوب والمضمون:
- لا تأخذ دور الواعظ في حديثك معه، بل اجعله حوارًا ونقاشًا هادئًا لا تفرض فيه رأيك، بل تقدِّمه كرأي ونصيحة، وتترك له ولعقله وفهمه القبول أو الرد.. واعلم أن من أصعب الأمور أن يغير الإنسان من دينه وعقيدته، بل أحيانا من قناعته.

- نوِّع وسائلك وأساليبك: فاستخدم الحوار والحديث مرة، أوشريط الفيديو -خاصة مناظرات الشيخ أحمد ديدات، ومحاضرات الشيخ عبد المجيد الزنداني في الإعجاز-، أو زوّده بالكتب والنشرات المطبوعة بالروسية، وحبّذا لو وجدت له أصدقاء مسلمين من أصل أوكراني أو روسي من أصحاب الخلق والفهم الوسطي ليشحذوا همته، وعرِّفه على هذا الموقع:
islamua
الذي يشرح الإسلام للناطقين بالروسية ضمن منهجية دعوية واضحة ومبسطة، وهو يتميز بعرض الإسلام بصورته الطبيعية الوسطية الشمولية، ويحتوي على عدة كتب مترجمة ومعدة للراغبين في التعرف على الإسلام؛ وأهم ما يناسبه في هذه المرحلة كتاب "تعريف عام بدين الإسلام" للشيخ على الطنطاوي، كما أنه يحتوي على أسئلة وفتاوى متعددة لثلة من العلماء والدعاة، ويشمل عرض قصص بعض معتنقي الإسلام في العالم عامة وفي أوكرانيا خاصة، ويمكنه أن يتواصل مع بعضهم ليستوعب هذا الدين العظيم أكثر.

- اكسب مودّته ومحبته قبل دعوته، ولا بأس ببعض الهدايا البسيطة والمناسبة والغير مصطنعة أو مبالغ فيها.

- لا بد لك من فهم الموضوع الذي تتحدث فيه، وأن تلم بجوانبه ليكون حديثك أقرب إلى قلبه وعقله.

- استخدم البراهين والأدلة والإحصائيات والأرقام عند لزومها للتدليل على ما تقول، لما لها من أثر كبير في الإقناع.. وتذكر أن الكلام العاطفي لا ينفع وحده.

- تدرّج في عرض أفكارك، ويمكنك أن تقسم الفكرة لأفكار جزئية تبدأ بها واحدة تلو أخرى، وأن تختار الوقت المناسب للحديث.

- لا بد لك من حسن الإنصات له لتعرف رأيه ومدى استيعابه وتجاوبه سلبا أو إيجابا مع حديثك.

- ابدأ معه من حيث هو.. وركِّز في البداية دائمًا على النقاط المشتركة بينك وبينه، فلو نظرت لحال صديقك لوجدت أنه لا يؤمن بالله، وبالتالي يكون البدء معه من هذه النقطة أولى من غيرها.

- تفاعل مع مشاعره وعواطفه، فابتسم عند ابتسامته، وبادله المزاح.. وكن جادًّا إذا كنتم تتحدثوا بجدية، ولا تنس النظر إلى عينيه عندما تحدّثه، فلهذا أثر كبير في النفس البشرية.

- قل: "لا أدري" إذا عجزت عن الإجابة، واعتذر إذا أخطأت، ولا تنقل معلومة إلا إذا تأكدت من صحتها، واستعن بمن هو أعلم منك.

- وقبل كل ذلك ومعه استعن بالله، فهو عونك ونصيرك.

** أما بالنسبة لتساؤله عن معنى الهداية فأقول له:
الهداية تعني سلوك الطريق الذي يوصلك للمراد وللمطلوب، وورد في معنى الهداية عدة آيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى -مخاطبا نبيه محمد عليه الصلاة والسلام-: (إنك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين).. ذكر ابن كثير في معنى الآية أن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد (لا تهدي من أحببت)، أي ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة كما قال تعالى: (ليس عليك هداهم ولكنَّ الله يهدي من يشاء)، وقال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، وهذه الآية أخص من هذا كله فإنَّه قال: (إنَّك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممَّن يستحق الغواية؛ أي أن الله أعلم بمن سبق له في علمه أنَّه يهتدي للرشاد, ذلك الذي يهديه الله فيسدِّده ويوفِّقه، وقوله: (وهو أعلم بالمهتدين) يقول: وهو أعلم بمن قضى له الهدى، وقال مجاهد قوله: (وهو أعلم بالمهتدين) قال: بمن قدِّر له الهدى والضلالة.

وذكر الدكتور علي عبد الحليم من علماء الأزهر كلاما جميلا في هذا الأمر، حيث اعتبر الهداية نوعان:
* هداية الله تعالى للإنسان.
* هداية الإنسان للإنسان.

* فهداية الله للإنسان على أربعة أوجه:
- هداية التي عم بجنسها كل مكلف: وهي العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعطى منها بحكمته كل شيء ما يناسبه.
- الهداية التي جعلها الله للناس إذا دعاهم على ألسنة رسله وبكتبه.
- الهداية بمعنى التوفيق الذي يختص الله به من اهتدي.
- الهداية في الدار الآخرة إلى الجنة.
وهذه الهدايات مرتَّبة بحيث لا تحدث الثانية إلا بعد أن تحدث الأولى.. وهكذا.

* هداية الإنسان للإنسان، وهي على وجهين:
- هداية الإنسان عن طريق الدعاء له بأن يهديه الله.
- هداية الإنسان للإنسان بتعريفه طريق الخير والحق وطاعة الله.

هذا وإن كل هداية نفاها الله عن نبيه فهي منفية عن سائر الناس؛ كإعطاء الإنسان عقلا وفطنة وتوفيقا، وإدخاله الجنة، وهذا ما فهمناه من آيات كثيرة ذكرناها آنفًا.

وعلى ذلك.. فإن واجبك -أخي الحبيب- أن تحرص على دعوته وألا تتركه ما دام يتجاوب معك في أدب واحترام بعيدا عن الاستهزاء والسخرية، ودورك هذا هو دور الأنبياء الذين قاموا بما كلفهم الله به وهو الدعوة والتعليم والتبليغ والإرشاد، وصبروا على أقوامهم وأدوا مهمتهم خير الأداء، والله تعالى هو الذي تكفل بالهداية بتيسير الفطنة والعقل لمن أراد، وهذا يعني أن الله سيحاسبنا إذا قصرنا في دعوة الناس ولن يحاسبنا على عدم اهتدائهم وإسلامهم.



ويضيف الأستاذ مسعود صبري:
أما عن شبهة: إذا كان الله تعالى يعرف كل شيء، فلماذا يختبر الإنسان، مثل أن يفقده ولده؟
فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا، وجعل من حكمة الخلق أن يتعبد الناس إليه بالتوحيد، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وجعلهم في اختبار في هذا لينظر من الطائع فيجازيه بالإحسان إحسانا، ومن العاصي فيجزيه بسوئه إن شاء سوءا، قال تعالى: (وهديناه النجدين)، أي أوضحنا للإنسان طريق الخير وطريق الشر.. وهو الذي يختار، سبحانه (لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون).

إن الله تعالى لا يجبر أحدا على كفر أو إيمان، ومع هذا فهو يعلم من الذي سيؤمن ومن الذي سيكفر، ومن الذي سيطيع ومن الذي سيعصي؟ لكن دون أن يتدخل الله تعالى في أن يجبر أحدا على معصية، فكيف ينهى عباده عن المعصية ثم يجبرهم عليها؟ حاشا لله، بل العكس يحدث: أن الله تعالى يغلق على الإنسان كثيرا من أبواب الشر، ويحول بينه وبين معصية، لكنه إن أصرَّ على فعلها تركه الله وما يريد، لأن الإنسان في الدنيا في دار ابتلاء واختبار وامتحان، ولا منافاة بين علم الله تعالى بما سيحدث، وبين اختباره للناس.
ثم إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الناس، ومن حقه سبحانه وتعالى أن يختبرهم.. فنحن خلقه وعبيده؛ ومع هذا فقد كتب ربنا سبحانه وتعالى على نفسه العدل فهو لا يظلم من عباده أحدا، ومع هذا فهو يعاملنا بالفضل لا بالعدل، ومن المعلوم أن الفضل درجة أعلى من العدل، قال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى).

وهناك حِكم للاختبار والابتلاء، فقد يكون الابتلاء تكفيرا للذنوب، أو رفعا للدرجات.
وفيما يخص ابتلاء فقد الأبناء، فقد وردت آثار تدل على بعض الحكم والأسرار، من ذلك:
أن فقد الأبناء وصبر الآباء طريق إلى جنة الله تعالى.. لصبرهم وإيمانهم بقضاء الله وقدره، وعدم جزعهم لما أصابهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نودي في أطفال المسلمين أن اخرجوا من قبوركم، فيخرجون من قبورهم، ثم ينادى فيهم: أن امضوا إلى الجنة زمرا، فيقولون: يا ربنا ووالدينا معنا؟ فيقول في الرابعة: ووالديكم معكم، فيثب كل طفل إلى أبويه، فيأخذون بأيديهم، فيدخلونهم الجنّة، فهم أعرف بآبائهم وأمهاتهم يومئذ من أولادكم في بيوتكم) خرجه أبو نعيم، من طريق الطبراني.

وأخرج الترمذيّ بسند حسن عن حماد بن سلمة عن أبي سنان يعني عيسى بن سليمان القسمليّ قال: دفنت ابني سنانًا، وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان، قلت: بلى، قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل لملائكته: (قبضتم ولد عبدي؟) فيقولون: نعم, فيقول سبحانه: (قبضتم ثمرة فؤاده؟) فيقولون: نعم, فيقول سبحانه -وهو أعلم-: (ماذا قال عبدي؟) فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: (ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد).

بل إن الإنسان إذا أصيب بشيء كفقده ولده العزيز عليه وصبر، فكلما تذكره واسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإن الله تعالى يجدد له الثواب الجزيل، وفي ذلك أخرج ابن ماجة وأحمد، عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكرها -وإن قدم عهدها- فيحدث لذلك استرجاعًا إلا جدد الله تبارك وتعالى له عند ذلك مثل أجرها يوم أصيب).

ثم إن فقد الأبناء من الأمور الطبيعية في الدنيا، لأن الموت لا يعلمه إلا الله تعالى، فالموت ليس له كبير ولا صغير، وليس الذين يصبرون هم العلماء والفقهاء والوعاظ وحدهم، فالتاريخ يحكي عن بعض النساء أنهن صبرن على فقد ولدهن واحتسبنه عند الله انتظارًا للأجر والمثوبة منه سبحانه وتعالى، ولأن الفقد شيء إنساني، ولكن الدين يجعل الإنسان راضيا بما يحدث، ويدخر الله تعالى له الثواب في الآخرة بما صبر.
فقد جاء في كتاب "برد الأكباد عند فقد الأولاد"، لابن ناصر الدمشقي: أن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدنا نحوها فسلمنا، فإذا امرأة تردّ علينا السلام، قالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم ضللنا الطريق، رأيناكم فأنسنا بكم، فقالت: يا هؤلاء، ولّوا وجوهكم عني، حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل، ففعلنا، فألقت إلينا مسحًا, فقالت: اجلسوا عليه، إلى أن يأتي ابني، ثم جعلت ترفع طرف الخيمة، وتردها إلى أن رفعته مرة، فقالت: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ولدي، وراكبه فليس بولدي، قال: فوقف الراكب عليها، وقال: يا أم عقيل، أعظم الله أجرك في عقيل ولدك، فقالت: ويحك مات ولدي, قال: نعم, قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل، فرمت به في البئر، فقالت: أنزل وأقضي أمام القوم، ودفعت إليه كبشًا، فذبحه وأصلحه، وقرّب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا، وقالت: يا قوم، هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله عز وجل شيئًا، قال الأصمعي: قلت: نعم؟ قالت: فاقرأ عليّ آيات أتعزّى بها عن ولدي، قلت: يقول الله تعالى: (وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) قالت: آلله إنها لفي كتاب الله، هكذا؟ قلت: آلله هكذا في كتاب الله, فقالت: السلام عليكم، ثم صفت أقدامها وصلّت ركعات، ثم قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعند الله احتسب عقيلاً.
ثم قالت: اللهم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني، ولو بقي أحد لأحد.. قال الأصمعي: فقلت في نفسي سوف تقول: لبقي ابني لحاجتي إليه؛ فقالت: ولو بقي أحد لأحدٍ لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لحاجة أمته إليه، فخرجت وأنا أقول: ما رأيت أكمل منها، ولا أجزل، ذكرت ابنها بأحسن خصاله، وأجمل خلاله رحمه الله، ثم لما علمت أن الموت لا مدفع له، ولا محيص عنه، وأن الجزع لا يجدي نفعًا، وأن البكاء لا يردّ هالكًا، رجعت إلى الصبر الجميل، واحتسبت ابنها عند الله عز وجل، ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة.

نفع الله بك وجعلك من الهداة المهديين.. اللهم آمين.