المبحث الثالث (3-2-2) الكلمات التي اطلقها بنى اسرائيل فى ذلك العصر للتمييز بين مختلف فئات بنى اسرائيل هي :-
فى الفترة التي سبقت عصر كتابة العهد الجديد كان اليونانيون يحاولون نشر ثقافتهم وبالفعل انقاد اليهم البعض من بنى اسرائيل فتركوا اللغة العبرية والبعض زاد على ذلك وترك الناموس
ولكن اختلف الوضع بالنسبة للاسرائيليين المقيمين فى فلسطين عن المقيمين بعيدا فى الشتات
لذلك كان يختلف اسلوب التمييز بين مختلف فئات بنى اسرائيل حسب مكان اقامته هل هو فى فلسطين أم فى الشتات
فنلاحظ أن لوقا فى سفر أعمال الرسل :-
وهو يتحدث عن المقيمين فى فلسطين
كان يستخدم لهذا التمييز كلمتي (هلينستي وعبراني) مثل (أعمال 6 :1 ، 9 :29 ) لأن الفرق بينهم كان فى استخدام اللغة
بينما وهو يتحدث عن المقيمين فى الشتات
لم يستخدم كلمة عبراني لأن اللغة المنتشرة فى الشتات بين بنى اسرائيل كانت اليونانية فكلا من المتمسكين بتقليد الأجداد والناموس وأيضا من قام بتقليد اليونانيين كانوا يستخدمون اللغة اليونانية فى الحديث نظرا لتعاملاتهم مع الأجانب
فالاختلاف بينهم لم يكن على أساس اللغة ولكن على أساس تطبيق أو عدم تطبيق تقليد الأجداد والناموس
(وعدم استخدام لوقا لكلمة عبراني على بنى اسرائيل فى الشتات دليل على أن كلمة عبرانيين التي استخدمها فى الاصحاح 6 كان يقصد بها المتحدثين باللغة العبرية لأنه كان هناك اسرائيليين مقيمون فى الشتات ولكنه لم يعطهم وصف عبرانيين )
لذلك هو استخدم اسلوب أخر للتمييز بين فئات بنى اسرائيل فى الشتات وهو (اليهودي والهيليني ) مثل (أعمال 18 :4)
وكان هذا الاختلاف قائم على أساس تطبيق الشريعة والختان
ففى بعض الأحيان كان يستخدم كلمة يهودي بدلالتها الخاصة وكان يقصد بها الشخص المتمسك بتقليد الأجداد والناموس ولم يكن دائما يقصد كل اليهود
بدليل هذا النص من سفر أعمال الرسل :-
16 :1 ثم وصل الى دربة و لسترة و اذا تلميذ كان هناك اسمه تيموثاوس ابن امراة يهودية مؤمنة و لكن اباه يوناني
16 :2 و كان مشهودا له من الاخوة الذين في لسترة و ايقونية
16 :3 فاراد بولس ان يخرج هذا معه فاخذه و ختنه من اجل اليهود الذين في تلك الاماكن لان الجميع كانوا يعرفون اباه انه يوناني
اذا هؤلاء اليهود فى الشتات كانوا متمسكين بالختان ، ولم يكن كل اليهود فى الشتات قد تخلوا عن تقليد الأجداد والناموس
لذلك فالأكيد أن لوقا كما كان يمييز بين فئات بنى اسرائيل فى فلسطين فانه فعل نفس الشئ فى الشتات فميز بين اليهودي المتمسك بالشريعة وبين اليهودي الذى اعتنق اليهودية الهلينستية فترك الشريعة ودمج الأفكار اليونانية مع اليهودية لأن هؤلاء لا ينطبق عليهم وصف اليهود هنا
فكان يطلق على هؤلاء مسمى (هليني) وفى الترجمات العربية يوناني
لذلك فبناء على ما استخدمه كتبة العهد الجديد من أساليب تمييز بين فئات بنى اسرائيل يكون :-
1- بالنسبة الى بنى اسرائيل المقيمين فى فلسطين كان اسلوب التمييز هو (عبراني وهلينستي) :-
كان التمييز بينهم على أساس اللغة فكان هناك الاسرائيلي الذى يتحدث اللغة اليونانية فيكون هلينستي وهناك الاسرائيلي الذى يتحدث العبرية فيكون عبراني وكلاهما كان يتم ختانه
وهذا التميز استخدمه لوقا فى هذا النص من سفر أعمال الرسل :-
6 :1 و في تلك الايام اذ تكاثر التلاميذ حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين ان اراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية
أ- عبراني (أو عبرانيين ) وباليونانية Ἑβραίους :-
فى الفترة التي سبقت عصر كتابة العهد الجديد حيث انتشر بين بنى اسرائيل استخدام اللغة اليونانية وظهرت فئة لا تعرف اللغة العبرية فكان اسم عبراني يتم اطلاقه على فئة من بنى اسرائيل وهم الذين يعرفون اللغة العبرية أو الآرامية فقط أو بالاضافة الى اليونانية لتمييزهم عن البعض من بنى اسرائيل الذين يجهلون العبرية تماما
و فى تعريف كلمة (عبراني ) طبقا لقاموس سترونج هو :-
a Hebrew, particularly one who speaks Hebrew (Aramaic)
عبري هو من يتحدث العبرية (الآرامية)
فنقرأ من Thayer's Greek Lexiconالفقرة الثانية :-
In a narrower sense those are called Ἑβραῖοί, who lived in Palestine and used the language of the country, i. e. Chaldee; from whom are distinguished οἱ ἑλληνισται , which see That name adhered to them even after they had gone over to Christianity: Acts 6:1.
فى المعنى الضيق يسمى عبراني من يعيش فى فلسطين ويستخدم لغة البلد أي الكلدانية ،لتميزهم عن اليونانيين. و الذى نرى أن هذا الاسم التصق بهم حتى بعد تحولهم الى المسيحية (أعمال 6: 1)انتهىوأيضا قيام فيلو بعدم اعتبار نفسه عبري عندما كتب الفروق بين Ἑβραῖοί and ἡμεῖς (أي العبري ونحن) حيث سمى اللهجة اليونانية أو المحسوبية (Greek ἡ ἡμετέρα διάλεκτος) ومن هذا المعنى فأصبح لا يحسب نفسه عبري .(Philo in his de conf. lingg. § 26 makes a contrast between Ἑβραῖοί and ἡμεῖς; and in his de congr. erud. grat. § 8 he calls Greek ἡ ἡμετέρα διάλεκτος. Hence, in this sense he does not reckon himself as a Hebrew.)
انتهى
وهذه اللغة كان يتم التحدث بها بين بنى اسرائيل فى فلسطين حيث نقرأ من سفر أعمال الرسل :-
21 :40 فلما اذن له وقف بولس على الدرج و اشار بيده الى الشعب فصار سكوت عظيم فنادى باللغة العبرانية قائلا
22 :1 ايها الرجال الاخوة و الاباء اسمعوا احتجاجي الان لديكم
22 :2 فلما سمعوا انه ينادي لهم باللغة العبرانية اعطوا سكوتا احرىفقال
بولس وهو فى فلسطين تحدث مع الجموع باللغة العبرية حتى يقبلوا أن يستمعوا له
(ملحوظة :-
اسم (العبراني) كان يتم استخدامه للدلالة على قومية عرقية أو لغوية ففى العصور ما قبل سيطرة اليونانيين على العالم ومحاولتهم طبع بنى اسرائيل بثقافتهم كانت كلمة عبراني دلالة على قومية عرقية (خروج 2 :11)
ولكن مع الثورة المكابية وحتى القرن الثاني الميلادي (قبل اختفاء طائفة اليهود الهيلنيين) ويتضمن هذا عصر كتابة العهد الجديد ، كان هذا الاسم يتم استخدامه للتفريق بين الاسرائيلي المتكلم اللغة العبرية وكان يعيش فى فلسطين وبين الاسرائيلي المتكلم اللغة اليونانية سواء كان معتقد هذا الاسرائيلي اليهودية أو كان من أتباع المسيح عليه الصلاة والسلام فنجد من سفر أعمال الرسل أن هناك أتباع للمسيح عليه الصلاة والسلام وكانوا جميعهم من بنى اسرائيل تم اطلاق مسمى يونانيين عليهم وآخرون تم اطلاق مسمى عبرانيين عليهم (أعمال 6 :1)
وهذا دليل على أن كلمة (عبرانيين) لم تكن دلالة على معتقد ديني ولكن كانت دلالة على قومية لغوية ثم بعد أن قرر قياصرة الرومان جعل المسيحية التي صنعوها ديانة عالمية ، وأصبح اسم أتباعها مسيحي أصبحت كلمة عبراني دلالة على اليهود فقط)
انتهى
ب- هلينستي (وفى الترجمات العربية يوناني) :-
هو اليهودي من بنى اسرائيل الذى يقيم فى فلسطين ولكنه يستخدم اللغة اليونانية ولا يعرف العبرية أو الآرامية و يتم ختانه
وهذه هي الأدلة :-
اليهودي الذى يتحدث اليونانية
طبقا لتعريف ( NAS Exhaustive Concordance )
a Hellenist (Greek-speaking Jew)
هو يقيم فى فلسطينوهذا نجده من سفر أعمال الرسل حيث نقرأ :-
6 :1 و في تلك الايام اذ تكاثر التلاميذ حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين ان اراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية
والكلمة اليونانية المستخدمة (لليونانيين) هو (هلينستيين ) Ἑλληνιστῶν
والنص يتحدث عن اسرائيليين يقيمون فى فلسطين ، فالدليل أنهم كانوا من بنى اسرائيل هو :-
قبل هذه النصوص نجد دائما أن التلاميذ يتحدثون ويخطبون فى شعب بنى اسرائيل ولا يوجد أي خطاب الى الأمم (أعمال 2 :22 ، 2 :46 ، 2 :47 ، 3 :12 ، 4 :1 ، 4 :8 ، 5 :19 ، 5 :20 ، 6 :8 )
مما يؤكد أن هؤلاء اليونانيين فى الاصحاح 6 كانوا من بنى اسرائيل المقيمين فى فلسطين
وفى نفس الوقت فهو يختن فلقد كان المكابيين يختنون بنى اسرائيل بدليل :-
فنقرأ من سفر المكابيين الأول :-
2: 45 ثم جال متتيا واصحابه وهدموا المذابح
2: 46 و ختنوا كل من وجدوه في تخوم اسرائيل من الاولاد الغلف وتشددوا
2: 47 و تتبعوا ذوي التجبر ونجحوا في عمل ايديهم
2: 48 و انقذوا الشريعة من ايدي الامم وايدي الملوك ولم يجعلوا للخاطئ قرنا
أي أنه لم يخضع تماما للحضارة اليونانية بسبب تأثيرات الموطن الذى يعيش فيه فهو ليس هليني تماما
والدليل على أن اليونانيين (الهلينستيين) فى الاصحاح 6 من سفر أعمال الرسل كانوا من بنى اسرائيل الذين يطبقون الشريعة هو أن :-
اشكالية تطبيق أو عدم تطبيق الناموس ظهرت بعد ذلك (أعمال 15 :5 الى 15 :20 )
وهذا يعنى أن اليونانيين (الهلينستيين) المقيميين فى فلسطين (أي الاسرائيليين الذين يتحدثون اليونانية ) كانوا يطبقون الشريعة بعكس اليونانيين (الهيلنيين) أي الاسرائيليين المقيميين فى الشتات
المفضلات