بقلم أ.سمير العركي
توقفت طويلاً أمام الأحداث التي تشهدها مدينة الموصل العراقية .. غير مصدقها أو مستوعبها .. ومكمن الغرابة هنا أن الأحداث تقع على بعد أقدام من القوات الأمريكية .. الأشد غرابة أن بعض ما حدث فى الموصل لو حدث فى دولة أخرى لوقفت لها أمريكا مهددة بالتدخل العسكري ناهيك عن بهدلتها فى المحافل والمنظمات الدولية .. مروراً بقائمة طويلة من العقوبات الدولية والاقتصادية والحصار والتجويع ... الخ
• فلقد شهدت مدينة الموصل العراقية فى الأسابيع الأخيرة حركة اضطهاد قوية ضد مسيحيي الموصل بدأت بأعمال قتل منظم وانتهت إلى حالة من الترحيل الجبري للأسر المسيحية من المدينة حتى وصل – إلى وقت كتابة هذه السطور – إلى ترحيل ما يقرب من نصف العائلات المسيحية المقيمة بالمدينة ....
• والغريب أن القوات الأمريكية اختارت الصمت حتى الآن حيال ما يحدث ويجري ، واكتفت بالمشاهدة مع إصدار بيان إدانة من باب ذر الرماد فى العيون .... فقد أكدت السفارة في بيان لها صدر الثلاثاء الماضي أن منفذي عمليات العنف ضد المسيحيين في العراق وغيرهم من المدنيين الأبرياء، اثبتوا أن عدوهم هو الشعب العراقي.!!!
• وأضاف البيان أن هدف هذه الأعمال زرع الفتنة الطائفية بين العراقيين لتعطيل مساعي تحقيق الاستقرار وإكمال العملية الديمقراطية في العراق...
• وقام تنظيم القاعدة بإصدار بيان يتبرأ فيه من هذه المذابح الطائفية ، كما أدانتها هيئة علماء المسلمين ووقف خطباء المساجد فى مساجد العراق يحثون العائلات المسيحية على العودة إلى ديارهم التي هجروا منها ، وحث المسلمين عل إحسان استقبالهم وإرجاعهم إلى ديارهم .
• ويبدو أن عدم إعلان الجهة أو الجهات التي تستهدف مسيحيي الموصل عن نفسها، قد فتح الباب على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات الطائفية والسياسية، خاصة في ظل الظرف السياسي الراهن بالعراق، والذي تخيم عليه أجواء الاستعدادات للانتخابات المحلية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري.
• فقد اتهم النائب عن الكتلة العراقية الوطنية أسامة النجيفي ممثل محافظة نينوى في مجلس النواب الأجهزة الأمنية الكردية بالوقوف وراء تهجير المسيحيين من مدينة الموصل.
• جاء ذلك في تصريحات له لـ "راديو سوا" الاثنين في ظل مطالبة قوى سياسية ودينية بتوفير الحماية الأمنية اللازمة للمسيحيين في محافظة نينوى، حيث قال: " ما حصل في الموصل هو نتيجة قيام أفراد من البيشمركة والأمن الكردي بإدارة عملية تهجير المسيحيين باستخدام أدوات الدولة من سيارات الجيش وبالزي الرسمي لإرهاب أبناء الطائفة المسيحية وإجبارهم على المغادرة، وهذا الأمر يصب في صالح مشروع تقسيم المحافظة".
• أعدت تأمل المشهد مرة أخرى وتذكرت متطرفي أقباط مصر الذين استهوتهم – مؤخراً- لعبة الاستقواء بالخارج ( وأمريكا تحديداً ) .. فما أن تندلع مشكلة حياتية تحدث بين أي اثنين إلا وتتحول إلى مشكلة طائفية ليتلقفها أقباط المهجر .. ومعها تبدأ القصة المعروفة والمحفوظة ولن نكررها اليوم لأننا مللنا من تكرارها .
• المشكلة تكمن فى الوهم الذي تسلل إلى العقلية القبطية فى مصر ومفاده أن احتلال أمريكا لمصر كفيل بأن ينهى الوجود الاسلامى فى مصر ، وكأن المسلمين أقلية تعيش فى جيتو يسهل القضاء عليه ببضع طلقات من مدفع ، ولا يمثلون حوالي 96% من سكان مصر .
• ما يحدث فى الموصل ينبغي أن يتوقف أمامه الجانب القبطي وقفة متأمل ومعتبر فالمشهد مليء بالدلالات ذات الأثر والمعنى ومنها :
• أولاً : أمريكا لا تتحرك إلا لمصالحها وفقط فليست ثمت أخلاقيات تحدد حركتها وسيرها ، فحيثما وجدت المصلحة تجد أمريكا عندها ، فأمريكا تتحرك وراء النفط والمال والثروة وتحقيق مصالحها الاستراتيجية ، وليس لأهداف أخلاقية .. فكثيراً ما تغاضت أمريكا عن انتهاكات لحقوق الإنسان من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية والاستراتيجية .
• ثانياً : أمريكا لا ترتبط ثقافياً ولا لاهوتياً بأقباط مصر ، فأمريكا دولة بروتستانتية فى قسمها الأعظم وشتان الفرق بينها وبين الأرثوذكس فى مصر .. بل إن ارتباط أمريكا الثقافي يتضح في صورته الكبرى مع الكيان الصهيوني .
• ثالثاً : تعرضت مصر من ذي قبل لعديد من المحن والاعتداءات من دول غربية وآخرها بريطانيا التي مكثت في مصر حوالي سبعين سنة ثم رحلت وما استطاعت أن تغير من وجه مصر الاسلامى ولا عمقها العربي .
• رابعاً : لم يكن الاحتلال فى يوم من الأيام ضمانة لطرف على حساب طرف آخر ، بل إن الضمانة الحقيقية هي التعايش كشركاء فى وطن واحد ، نساهم سوياً فى بنائه وعمرانه ، بدلاً من لغة الاستقواء بالخارج والتي لن تجدي ولن تقدم جديداً ، بل ستترك جراحات فى النفوس ، وحزازات فى الصدور .
• خامساً : إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أمريكا الآن ستتركها غير قادرة على القيام بمغامرات عسكرية جديدة خاصة بعد الخسائر العظيمة التي منيت بها والتي وصلت إلى ما يقرب من 3 تريليون دولار .. فالمتعلق بأمريكا اليوم كالمتعلق بسراب لن يجد عنده شيئاً والذى راهن على الدور الأمريكي فى المنطقة كان واهماً ، فقد خيل للبعض أن أمريكا بعد استيلائها على العراق ستتحول إلى دول أخرى كسوريا وإيران ، ومصر ( فى مخيلة البعض ) على أمل تقسيمها إلى دولتين ( مسلمة وقبطية ) .. ولكن الأحداث خيبت هذا الظن بل على العكس تماماً فقد بدأ العد التنازلي لرحيل القوات الأمريكية إلى بلادها !!
• كم آمل أن يعي الجميع الدرس وأن تتوقف نغمة الاستقواء بالخارج .. فمصر التي استوعبت الجميع على مدى قرون طويلة ، لن تعجز أن تكمل مسيرتها بإذن الله شريطة أن تصفو النفوس .... !!!
المفضلات