عن أبي بن كعب:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار قال فأتاه جبريل عليه السلام فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا" [1]
وعن عمر بن الخطاب أنه قال:"سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم فلببته، فقلت:من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال:أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت:يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان، فقال:"يا هشام أقرأها"فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هكذا أنزلت"، ثم قال :"اقرأ يا عمر" .فقرأتها التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هكذا أنزلت". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن القرآن أنزل على سبعة حروف، فاقرؤوا ما تيسر منه" [2]
من أعمل النظر فى سياق الأحاديث التى جاءت عن الأحرف السبعة والتى تحكى إختلاف الصحابة فى قراءة أحرف ثم ترافعهم إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فأجاز كلاً منهم على قراءته يجد أن المشكلة بين الصحابة الذين ترافعوا إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - هى قراءة أحرف لا سواها من العلوم، فمن ذلك قول عمر – رضى الله عنه - :"سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم" فوضح من ذلك أن إشكال عمر – رضى الله عنه – مع هشام – رضى الله عنه – كان فى قراءة أحرف لا غير، وبالتالى فالأحرف السبعة وثيقة الصلة بطرق قراءة القرآن .
والناظر فى الحديث الأول يجد جبريل – عليه السلام- قد بَلَغَ أمر الله للنبى – صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "إن الله يأمرك أن تُقرِأ أمتك القرآن على سبعة أحرف" فأكد ذلك ما سقناه قبلاً من كون الأحرف السبعة طريقة فى القراءة لا غير .
قال الزرقانى:"المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة، بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائراً حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر: "إذ هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت".وقوله: "أي ذلك قرأتم فقد أصبتم" ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني" [3]
ومعنى الأحرف السبعة يختلف عن تحديد الأحرف السبعة، فعندما نقول معنى الأحرف السبعة نقصد شىء وعندما نقول تحديد الأحرف السبعة نقصد شىء آخر، وبيان ذلك ما قاله أبو عمرو الدانى فى معنى الأحرف السبعة وهو أحد المعنيين:"سمي النبي صلى الله عليه و سلم هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفا على معنى أن كل شيء منها وجه على حدته غير الوجه الآخر كنحو قوله : {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على وجه إن تغير عليه تغير عن عبادته وطاعته على ما بيناه" [4]
ومن هنا يُفهم أن الأحرف السبعة هى الأوجه المختلفة من القراءات، بمعنى أن تلك القراءات المشهورة للقرآن الكريم إنما ترجع إلى الأحرف السبعة، حيث قال ابن الجزرى:
"وأصل الاختلاف أن ربّنا ... أنزله بسبعة مهوّنا
وقيل في المراد منها أوجه ... وكونه اختلاف لفظ أوجه" [5]
وقد ذكر هذين البيتين من كلام ابن الجزرى محمد سالم فى شرحه على النشر تحت عنوان «الأدلة على نزول القراءات» وقال : "المعنى: يشير «ابن الجزري» رحمه الله تعالى بهذين البيتين إلى الأحاديث الواردة في نزول القراءات على الهادي البشير صلّى الله عليه وسلّم وأقول: لقد تواتر الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّ القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف" [6]
والخلاصة من هذا أن معنى الأحرف السبعة هو أوجه إختلاف القراءات، وأما تحديد الأحرف ذاتها نتكلم عنه بعد تعقيبك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]صحيح مسلم ( 821 )
[2]صحيح البخارى (2491)
[3]مناهل العرفان (152)
[4]الأحرف السبعة (ص:27) / قلتُ :"وهو أحد المعنيين" ذلك أن المعنى الثانى الذى ذكره أبو عمرو هو أنها هى القراءات نفسها، وقد سماها النبى – صلى الله عليه وسلم - بذلك على سبيل التوسعة كعادة العرب فى إطلاق لفظ القافية على القصيدة وإطلاق لفظ الكلمة على الخطبة أو الرسالة أو القصة بأكملها، على أن المعنى الثانى هذا غير مُختار كون القراءات القرآنية ليست سبعة فحسب بل أكثر، وإنما قال بذلك أبو عمرو كونه جمع فى القراءات القرآنية - بحسب ما تيسر له - سبع قراءات .
[5]الهادى شرح طيبة النشر (1/20)
[6]المصدر السابق
المفضلات