قال الله سبحانه وتعالى:
" ومن آيته أن خلقكم من تراب ثم إذا انتم بشر تنتشرون " : العجب كل العجب من هذا المخلوق الذي بداية أفراد جنسه واحدة ، ثم ما يفتأ ينمو ويكبر ، فتتشعب به الحياة فيذهب معها كل مذهب فترى الناس أصنافا شتى ، ومذاهب مختلفة ،إلى حد لايحاط به . . .
و مع ذا يظل هذا الآدمي يحمل أخلاقا وطباعا عصرا بعد عصر وجيلا بعد جيل ، بمثابة بصمة على هذا الكائن ، ومن تلك الطباع الفارقة التي يمتاز بها هذا المخلوق : الجدل ، فهو أمر يكاد يكون مركوزا في الفطرة الإنسانية ، بل هو معلم من معالمها

" وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" ، ولا لوم على الإنسان إن وظف هذا الأمر في طلب مصالحه الدينية أو الدنيوية ، لكن الداهية حينما ينصرف الإنسان بكليته إلى الجدال ويجعله غايته من كل شيء وبخاصة في أمور الدين ، فتراه يلتقط الشاردة والواردة ويقف على الغث والسمين ويتصيد السقطات ويتتبع العورات لا شأن له ولاهمة له إلا نصرة الهوى الذي في نفسه وقديما قالوا " العاقل هو من يستدل ليعتقد لا من يعتقد ثم يستدل لما قام في نفسه " ، والحقيقة أن هذا الأمر لايقف عند حد فيصير عند بعض الناس هوسا ومرضا يصعب علاجه ويستعصي شفاؤوه خصوصا على من دخل هذا الأمر بلا روية أو بلا حسن طوية فهذا إن لم تتداركه رحمة من أرحم الراحمين فهو هالك على البارد ، وصفقته غبن وحاله وهن على وهن. . .

ومن أظهر الأمثلة على هذه الاحوال ما شاع من جدال على هذه الشبكة " الإنترنت"
فكل من هب ودب يكتب ويحاضر بل ويشغب ( بتشديد الغين المكسورة) ، وليت الأمر وقف عند أمور الدنيا الفانية فهي على كل حال إلى زوال والمصيبة فيها مهما عظمت إلى جبر ... لكن الأمر تعدى طوره ووصل إلى أمور العقائد وأصول الدين التي هي أعظم المقاصد وصدق في الحال أخبارنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من فشو القلم والاختلاف الكثير .
فمن العجائب المؤسفة ما قرأته لكثير من النصارى فيما يوردونه من كلام وجدال ومخاصمة للإسلام على وجه من التشتت والتشرذم الذي ينم على مافي نفوس القوم من الريب والشك ، فتعرف يقينا أن القوم لا يقفون على أرض من اليقين ثابتة بل هم في تقلقل واضطراب وعند المناظرة ترى منهم " أعجازا لا صدور لها " والمعنى : لايحققون الأصول التي هي ركائز الإيمان كمعرفة الرب سبحانه وتوحيده ومايليق به من صفات الكمال ونعوت الجلال والجمال ، وكأدلة النبوة والرسالة والفرقان بينها وبين الكهانة والأحوال الشيطانية ، والواجبات المطلوبة لتزكية النفس والوصول بها إلى سبيل النجاة . . . حاصل الأمر : يبتعدون عن الغاية الأسمى ولب الدين وهو العلم النافع والعمل الصالح "هو الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " فالهدى: العلم النافع ، ودين الحق: العمل الصالح ، ويخاصمون يراوحون مكانهم بل يتقهقرون وديدنهم ترديد شبهات واهية من أمثال: زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة ، وفارق السن بينهما
ومن مسألة كون خديجة أم المؤمنين مسيحية ولفقت هذا الأمر مع ابن عمها "ورقة بن نوفل" ، ومزاعم أن الإسلام دين الإرهاب وسفك الدماء ، والمسيحيون في الشرق هم تحت الاحتلال الإسلامي ، ومصحف فاطمة !! ، والأغرب من ذلك قصة الشيطان االمظلوم وهو ماحداني ودفعني لكتابة هذه الأسطر ، فيكتب بعض المسيحين وهو كله أسى عن الشيطان الذي أبى طاعة أمر الله بالسجود لآدم وكيف وهو أي الشيطان محق في ذلك لأنه شرك بالله العلي وهذا نصه للأمانة:
"هل الشيطان مظلوم ؟ / بطرس خوشابا

فيما كنت أتبادل أطراف الحديث مع بعض الأصدقاء ، كان الحديث يدور في بعض المواضيع الروحية ، يتعلق بقصة أبوينا الأولين آدم و حواء ، وكيفية وقوعهما في شباك الحية القديمة ( الشيطان ) ، فأستمعنا الى أحد الأخوة المشاركين في الحديث وهو يقص علينا قصة ( طرد الشيطان من الجنة بسبب عدم طاعته لأمر الله والسجود لآدم ) ، بصراحة القصة ليست جديدة ، فأكثرنا قرأ القصة اوسمعها من خلفيات غير مسيحية " حتما يعني الإسلام"، المشكلة ليست في القصة ، ولكن المشكلة عندما اسمع هذه القصة من شاب ينتمي الى المسيحية وهو يتفاخر في قصها ، والمصيبة الكبرى عندما ينسبها الى الكتاب المقدس لجهله .
أخوتي في الايمان لنعود الى الكتاب المقدس ونقرأ ، كلنا نعرف وصايا الله العشر التي أعطاها الله للنبي موسى ، ولكي لانخرج من الموضوع لنتعمق في كلمة الله من خلال الوصية الثانية من وصايا الله العشر والتي تقول ( للرب الهك تسجد وأياه وحده تعبد ) . الله لا يعطي كلاما صعب الفهم للناس ، بل كلامه واحد وسهل وواضح لجميع البشر ولا يتغير .
اليس السجود لغير الله شرك ؟
أو اليس الله ذاته هو الذي آمر بهذا ؟
فكيف يأمر الله بشيء لا يبدو لنا منطقيا ويناقض الناموس ؟

هل حينما يفكر الشيطان في أطاعة الأمر الإلهي بعدم السجود لغير الله ( لأنه منطقي أكثر ) فهل يمكن أن نحكم بأن الشيطان قد أخطأ في موقفه أم انه مظلوم ؟؟؟

أرجوكم أخوتي أبحثوا في الكتاب المقدس قبل أن تتحدثوا في المواضيع الروحية ، عملا بقول الرب ( فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية ) ( يوحنا 5 ) . فقصة ( عدم سجود الشيطان لآدم ) خرافية ولا تنتمي الى أي من الديانتين المسيحية واليهودية ، فهي قصة تناقض كاتبها .
سلام الرب معكم
ويعقب مسيحي آخر على كلامه:"عزيزي الاخ بطرس
اشكرك على هذه المقالة الرائعة والنابعة من صميم ايمانك وغيرتك المسيحية واسمح لي ان اضيف واقول ان كل افعال البشر السلبية في وقتنا الحاضر يتم لصقها بالشيطان كونه هو المسبب الرئيسي لها , اذن اين هو عقل الانسان ولماذا الله اعطاه له فقط دون سائر المخلوقات واين هي ارادته في ذلك؟
في يومنا هذا وفي عالمنا الذي اصبح مليئا بالمتناقضات نرى ان الانسان تفوق على الشيطان بممارسة افعالا شنيعة فلم نسمع يوما بان الشيطان حاول ان يذبح الناس علنا على شاشات التلفزيون وهو يكبر الله اكبر الله اكبر ولم نسمع عن شياطين استحلت دم وشرف وعرض البشر ولم نسمع بشياطين قامت بافعال القتل والخطف والتفجير لذا من وراء هذا التغيير الذي اصاب نفسية الانسان اصبحت الشياطين تشعر بصغر نفسها امام جبروت وكراهية وطغيان وارهاب الانسان لاخيه الانسان .
هذا الشيطان الذي نتحدث عنه هو موجود بداخلنا وهو بيننا ونحن نمجده ونعطي له الفرصة كي يسود علينا ويسيطر على ارادتنا ويوجهها كيفما يريد ويسحقنا اخيرا ونحن ننظر له صاغرين .
مدير الموقع- العراق".

سبحان الله!! :
يقضى على المرء أيام محنته*** حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن



فترى معي أيها القاريء هذ الكلام الوجداني الخطابي الذي لا دليل عليه سوى العواطف الهوجاء والغل والحقد على المسلمين والتعريض بهم بل و التصريح ، فلا يمكن تحت أي مسوغ لأي عاقل أن يقف في صف الشيطان الرجيم الذي هو أعدى الأعداء لرب العالمين ولبني آدم أجمعين ، فيقف عنه مدافعا ومنافحا ؟!، فهذه حال تنم عن عقائد مهلهلة ضعيفة .

أما السجود لآدم فهو هنا ليس سجود عبادة وهو اجماع المفسرين بل هو للتكريم .

أما عن التقتيل فالجواب لايخفى على الفطن اللبيب : حربين كونيتين أزهقت أرواح الملايين ، ترسانات من الأسلحة المدمرة التي لاتقذف من فوهاتها الفل والياسمين وأنواع الرياحين.. . ومن يملكها ؟؟ أليس الصليبيون واليهود والملاحدة ؟؟
فإن فعل بعض المسلمين أفعالا وإن كانت غير مقبولة ففي غيرهم أمثالهاو أكثر منها،فإن شنعت عليهم فغيرهم من باب أولى وأحرى . . .
خلاصة الأمر فإن الجدال المذموم يقذف بصاحبه في بحر لا قاع له من الشبهات التي لا نهاية لها ، وحين يقف المتيقظون أمام تجاراتهم الرابحة من العلم النافع المثمر للعمل الصالح ; يبقى المتهوكون الشاكون في ريبهم يترددون حتى تزهق أنفسهم وهم كافرون ...
وحتى لا أطيل فقد ذكر العلامة الفذ ابن القيم في كتابه" شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل" فائدة جليلة يجب أن يعقد المسلم عليها يده ويتخذها من مكنون ذخائره أذكرها بمعناها وهي ... ليس واجبا وحتما على العالم أن يجيب عن كل شبهة .
"وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيد".