بسم الله الرحمن الرحيم
في منطقة جنوب غرب المحيط الهادي وبالتحديد في شرق أستـراليا.. توجد 80 جزيرة صغيرة يعيش سكانها حياة بدائية للغاية.. فالأسرة تنتج كل ما تحتاج إليه من طعام وكساء وتبني منازلها من الأخشاب أو الخيزران، ويعيش الناس هناك على الصيد والزراعة وتربية الماشية والدواجن.. وهم حتى الآن لا يعرفون القطارات وإنما يعتمدون في انتقالاتهم على المراكب والسفن الصغيرة.
وأول من اكتشف هذه الجزر.. هو المكتشف الأسباني "بيدرو فرنانديز دى كويروز"، وذلك في عام 1606 ميلادية، بعدها جاء إلى هذه الجزر المكتشف الإنجليزي "جيمس كوك" فرسم خريطة مفصّلة لهذه الجزر في عام 1774 ميلادية.. وأطلق على الجزر اسم (نيوهيريدز) نسبة إلى جزر (هريدز) الأسكتلندية.
ومنذ شهور فقط.. أوفدت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بعثة إسلامية للتعرّف على أحوال المسلمين هناك تمهيدًا لتقديم الدعم اللازم لمؤسساتهم الدعوية والتعليمية.. كما كلف الأزهر بعض مبعوثيه إلى أستراليا لدراسة أحوال الأقلية المسلمة في هذه الجزر.
وقد تلقى مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة تقريرًا تضمّن بعض المعلومات عن المسلمين هناك.. ونستعرض هنا أهم إنجازات الأقلية المسلمة في هذه الجزر.

الجزر والناس:
جزر (نيوهيريدز) عبارة عن 80 جزيرة تقع في شرق أستـراليا.. وتمثل حرف (V) أو رقم 7 من أشهرها وأكبرها: جزر (اسبريتو سانتو)، و (مالا كيولا)، و(أيفيت)، و (ايرومانجو)، و (تانا).. وكانت هذه الجزر غير مأهولة بالسكان.. حتى هاجر إليها عدد من الناس من الدول الآسيوية المجاورة.
كما هاجر إليها عدد من الأوروبين بعد اكتشافها.. ومنذ عام 1830 ميلادية توجهت إليها البعثات التنصيرية خاصة في بريطانيا وفرنسا.. وعملت هذه البعثات على جذب السكان لاعتناق النصرانية.. وقد حكمت هذه الجزر حكومة بريطانية فرنسية مشتركة.
استمر الحكم البريطاني الفرنسي لجزر (نيو هيريدز) في الفترة من عام 1906 ميلادية حتى عام 1980 ميلادية.. تم خلالها تحويل سكان الجزر إلى النصرانيةº فأصبح 75% من السكان من النصارى.. بينما بقي 25% منهم على الوثنية.
ويوجد هناك أكثر من مئة لغة محلية يتحدث بها السكان، إلاّ أن هناك لغة أصبحت من أكثر اللغات تداولاً بين الناس.. هي لغة (بيسلاما) التى يتكون معجمها اللغوي من مفردات لغوية إنجليزية وفرنسية ومفردات من اللغات المحلية.

تفريغ الجزر من المسلمين:
حين توجهت حملات الكشوف الجغرافية إلى هذه الجزر.. وجدوا هناك مجتمعات إسلامية تضم أفرادًا من المسلمين ومساجد صغيرة بُنيت من الأخشاب.. ومدارس قرآنية ويوجد بكل مسجد مجموعة من المصاحف الشريفة.. وكان المسلمون منتظمين في أداء الصلوات ومدراسة علوم القرآن الكريم [ ] والحديث النبوي الشريفº إلاّ أن القوات الإنجليزية والفرنسية قد استعانت بالمسلمين، وقامت بتزويجهم من بنات إنجليزيات وفرنسيات، وأوفدتهم للعمل في معسكراتها ببعض دول آسيا والبحر الكاريبي.. فتم بذلك تفريغ الجزر من المسلمين. أما الجيل الجديد من المسلمين فلم يتبق لهم سوى المسجد والمصحف [ ] ولا يجدون من يقوم بتوعيتهم بأحكام دينهم الإسلامي الحنيف.

التضليل الفكري:
انتشرت بالجزر طوائف وفدت إليها من بيرو، ادّعوا أنهم من المسلمين.. واحتلوا المساجد ومارسوا هناك ما يسمى بـ"الأمومة الدينية" فمارسوا طقوسًا غريبة بالمساجد.. وقالوا إن الجنة [ ] تحت أقدام الأمهات، فكان المسلمون بسبب غياب الوعي الديني الصحيح يصطفّون بالمساجد في حلقات.. ثم تقوم امرأة بالسير على صدورهم حتى يدخلوا الجنة!!. وهكذا تم القضاء على الإسلام والمسلمين في جزر (نيو هير يدز).

عودة الإسلام:
بدأ سكان الجزر في المطالبة بالاستقلال منذ عام 1960 ميلادية، فحصلوا عليه في 30 يوليو عام 1980 ميلادية.. وعُرفت الجزر منذ هذا الوقت [ ] باسم جزر (فانواتو) وأصبحت مدينة (بورت فيلا) عاصمة للجمهورية.. وتأسس هناك برلمان يتكون من 46 عضوًا بالانتخاب المباشر لمدة أربع سنوات، أما رئيس الجمهورية فينتخب لمدة خمس سنوات، ويتولى الحكم رئيس الوزراءº لذا فإن رئيس الجمهورية يؤدي مراسم شرفية.
ولم يصدر حتى الآن إحصاء رسمي بعدد السكانº الاّ أنهم يُقدَّرون بأكثر من 15 ألف نسمة 75% منهم يتركزون في العاصمة (بورت فيلا) وبعض الجزر الكبرى.

اعتناق الإسلام:
اختارت إحدى المؤسسات المعادية في مدينة بورت فيلا العاصمة رجلاً اسمه (فابانجا) وأرسلته إلى الهند لدراسة علوم اللاهوت.. إلاّ أنه قابل في الهند بعض علماء الإسلام.. فدرس علوم الإسلام وحفظ القرآن الكريم [ ] على أيديهم، حتى أصبح من أبرز دعاة الإسلام هناك، ولما عاد إلى وطنه أخذ يدعو الناس إلى الإسلام، وأوضح لهم أن الإسلام هو الدين الأولى بالإتباعº حيث يصون الناس والمجتمعات من الرذائل ويدعوهم إلى الفضائل، كما أن الإسلام يصون حقوق الإنسان في كافة المجالاتº فاعتنق الإسلام على يديه أكثر من 50 أسرة في العاصمة بورت فيلا.

مركز الدعوة [ ] الإسلامية:
وتزايد عدد الأنصار من المسلمين حول الداعية (فابانجا) ووفد إليه من الجزر الأخرى عدد لا بأس به من الراغبين في التعرّف على الإسلامº فقام بتأسيس أول مركز للدعوة الإسلامية في بلاده، وانتقل مع أنصاره من المسلمين إلى العديد من جزر (فانواتو).. وهكذا تكونت أول أقلية مسلمة هناك، ضمّت بعض سكان الجزر وبعض الأوروبيين من المهاجرين أومن المقيمين هناك.
بعد وفاة (فابانجا) سار أولاده وأتباعه على هديه في التعريف بالإسلام ونشر دعوته الصحيحة بين سكان الجزر.. حتى بلغ عدد الأسر المسلمة في (فانواتو) أكثر من 300 أسرة مسلمة يسعون لجذب عدد كبير من القبائل الوثنية لاعتناق الإسلام.

الجمعية الإسلامية:
أسس المسلمون في (فانواتو) أول جمعية إسلامية تقوم بالدعوة [ ] والتعليمº حيث تم إنشاء 300 مدرسة قرآنية وبعض المدارس الإسلامية الثانوية، كما قاموا ببناء المساجد وفقًا للطراز الإسلامي المعماري البسيط.. وقد سُجلت الجمعية الإسلامية في العاصمة "بورت فيلا" لدى السلطات التى سمحت لها بأداء رسالتها في تبليغ دعوة الإسلام ونشر المعارف الإسلامية الصحيحة بين الناس دون أدنى عقبات.

الوفد الإسلامي:
وقد أوفدت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة إلى مسلمي "فانواتو" وفدًا إسلاميًا برئاسة مدير مكتب الرابطة في أستراليا للتعرّف على مطالبهم واحتياجات المسلمين هناك، وقد تضمن التقرير الذي أعده الوفد الإسلامي: إنشاء أول مركز إسلامي في جامعة جنوب المحيط الهادي التي توجد بالعاصمة "بورت فيلا"، وإهداء مكتبة إسلامية للجامعة تضم المصاحف وترجمات معانيها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وإنشاء قسم للفقه الإسلامي بالجامعة.. إلى جانب تخصيص العديد من المنح الدراسية لأبناء المسلمين في جزر "فانواتو" لدراسة علوم الإسلام واللغة العربية [ ] بالمعاهد والكليات الإسلامية بدول العالم الإسلامي والعربي.
كما أوفد الأزهر بعض دعاته الذين يعملون بالمراكز الإسلامية في أستراليا لبحث أحوال المسلمين في "فانواتو".. وقد تضمن التقرير الأزهري أن المسلمين هناك في حاجة ماسة إلى الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات الإسلامية وضرورة تزويدهم بالمصاحف الشريفة وترجمات معاني القرآن الكريم [ ] والكتب الدينية وإيفاد الدعاة إليهم لنشر الوعي الديني الصحيح بينهم..كما أشاد التقرير الأزهري بالدور الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لرعاية المسلمين في "فانواتو" وفي كل مكان.