ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,476
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

    إنّا عرضنا الأمانة
    إن من الأمور التي جلبت ولا تزال تجلب الحيرة بين الناس هي تعدد الآراء بين علماء الدين البارزين فيما يخص التفسير في كتاب الله وذلك نيجة إعتماد الغالبية من العلماء على آراءهم الشخصية أو آراء شيوخهم الذين تتلمذوا على إيديهم والتي في العادة يُقدموها على آراء الآخرين من المفسرين، وبالتالي نراهم في خُطبهم ودروسهم أو ما يُنقل عنهم يدلون كُل بدلوه في معظم مساءل العقيدة الحساسة من دون الإجماع على تفسير موَّسع وشامل يتفقون عليه ويعتمدوه، ومن دون الإحتكام إلى مرجعية دينية صحيحة وشرعية وموثقة يتخذوها قاعدة يجتمعون عليها، ولذلك فإن كُثرة هذه التناقضات والإختلافات وإن بقيت من دون تصحيح ستؤدي في النهاية إلى انقسام الناس وستدفعهم لأن يفقدوا الثقة في دينهم وعلمائهمإن من أحد أهم هذه المواضيع التي لا زالت عالقة والتي حيّرت أهل العلم والفضل هو موضوع الأمانة والذي رأينا في تفسيراتها المتعددة الكثير من الاختلاف فيما بينهم، ولذلك فلقد رأيت بأن يكون لي نصيب أنا الآخر في التحقيق فيها، مع العلم بأن هذه الرؤية والتي سنطرحها أمام أصحاب الفكر والتخصص والإجتهاد والإهتمام هي في الحقيقة لشخص غير معروف بين الناس لا بإسمه أو بعلمه أو بمركزه أو بصيته أو بماله، فصاحبها لا يُقاس بأهل العلم لا بعلمهم ولا بعملهم ولا بمستواهم ولكن أراد بإجتهاده وعمله هذا هو خوض تجربة عمل جديدة يُعبر فيها عن اجتهاد الآخر وغير مما اعتاد عليه المفسرون وتوارثوه أو تأثروا به وحصروه فيما بينهم، ولذلك فلقد بدأت حُجتي بعرض بعض من آراء أهل التخصص من العلماء الأفاضل في هذا الشأن بالصوت والصورة وذلك حتى يتسنى للقاريء والمستمع مقارنة رؤيتنا المتواضعة بآرائهم فيَطّلِعوا عليها ويتمحصوها ويتدبروها ويتفحصّوها، ويعملوا على تقييمها والرد عليها إذا شاءوايقول الله تعالى “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” سورة الأحزاب 72 لقد كان من بعض التفسيرات للأمانة هو تفسير الأمانة للشيخ الكريم صالح المغامسي والذي في إحدى تسجيلاته المعروضة على اليوتوب رأيناه يقول بأن الأمانة هي التكليف بالعبودية، ولكن كيف نسي شيخنا الكريم بأن السماوات والأرض والجبال أبين حملها، وكيف إذن تكون هي التكليف بالعبودية ومع ذلك يمتنعن عن تكليف الله لهم بها، فهل التكليف هو بالخيار أم التكليف هو أمر وبالتالي فإن عدم طاعة امر الله فيه معصية وكفر … أليس كذلك، بالإضافة على أن الله أخبرنا بقبول الإنسان لحمل الأمانة وبالتالي أي أن الإنسان كان قد قَبِل تكليف الله له بالعبودية وأطاع خالقه ولكن ومع ذلك لم يُثني الله عليه بل أخبرنا بظلمه وجهله نتيجة قبوله بحملها
    الشيخ صالح المغامسي – الأمانة



    -
    ولو أخذنا تفسير آخر للامانة وهو للدكتور الفاضل زغلول النجار والذي يُعرِّف الأمانة على أنها القدرة على الإختيار بالإرادة الحُرة وأخذنا قوله تعالى “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا”وقمنا بالأخذ بتفسيرها حسب ما ذهب إليه شيخنا الكريم لحصلنا على التالي وهو بأن الله “عرض القدرة على الإختيار بالإرادة الحًرّة” على السماوات والأرض والجبال فأبين أي امتنعن لأن يحملن القُدرة على الإختيار، ولكن أليس في مجرد امتناعهن لأن يحملن القدرة على الإختيار هو في الحقيقة تَجَسُد لقُدرتهن على الإختيار لأنه لا يمكن الإمتناع عن شيء دون توفر القدرة على الإمتناع، وبالتالي إذن فوضوح قدرتهن على الإختيار والإمتناع هو في ذاته حمل للأمانة وليس الإمتناع عن حملها، لأن الإمتناع وليس العرض هو الذي أكّد وأظهر قُدرتهم على الإختيار بالإرادة الحُرّة وإلا لما كانوا تمكنوا من الإمتناع … وبالتالي فهذا كلام غير واضح ومتداخل في بعضه البعض ولا يفي بالغرض من البحث في موضوع الأمانة وبقي تحيطه التساؤلات والحيرة والغموض … وبذلك يكون تفسيره هذا يجلب الحيرة ويتناقض مع ما جاء في الآية الكريمة. وبالتالي ومن خلال بحث بسيط للمعنى القاموسي للأمانة نتوصل إلى معنى يُخالف ما ذهب إليه الدكتور
    -
    إنا عرضنا الأمانة – زغلول النجار



    -
    ولو أخذنا تفسير آخر للشيخ الفاضل صالح الفوزان والذي عرَّف على أن المُراد في الأمانة هي الأوامر الشرعية، أي فعل الطاعات وتجنُب المحرمات مع توحيد الله عز وجل وعدم الإشراك به وهذا هو أعظم الأمانة التي حمّلَها الله لخلقه، كما وأخبرنا في تفسيره للآية الكريمة بأن السماوات والأرض والجبال أبين لأن يحملن الأمانة لأن الله عرضها على تلك المخلوقات العظيمة عرض تخيير ولم يعرضها عرض إلزام فمن أدّاها وحافظ عليها له الأجر ومن خانها فعليه الإثم، فآثرت هذه المخلوقات السلامة على الغنيمة فأبين أن يحملنها وامتنعن عن حملها لعظم مسؤوليتها وأشفقن منها أي خفن من الأمانة وهذا يُدل على عظم الأمانة وحملها الإنسان آدم وذريته آثروا الغنيمة على السلامة حُباً للأجر فحملوها .. وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا وأنا أتساءل كيف افترض شيخنا الكريم على أن عرضْ الأمانة على السماوات والأرض والجبال كان عرض تخيير على الرغم من تعريفه للأمانة على أنها الأوامر الشرعية وهي فعل الطاعات وتجنب المحرمات، فكيف تكون الأمانة هي الأوامر الشرعية ” والتي هي ربانية” لأن مصدر التشريع هو الله ومع ذلك يُخبرنا الشيخ الكريم بأن السماوات والأرض والجبال كان لهم الخيار بالإمتناع عن الإستجابة لأمر الله خاصة وأنهم آثروا السلامة على الغنيمة .. وماهي السلامة التي يتحدث عنها شيخنا خاصة وأنها تؤدي إلى معصية الخالق. أليس الإمتناع عن حملها حسب هذا التفسير الذي ذهب إليه الشيخ هو امتناع عن تأدية الأوامر الشرعية وفي ذلك إذن عدم الإلتزام بفعل الطاعات وفي ذلك معصية وخروج عن طاعة الخالق . .. ولكن ومع ذلك لم يخبرنا الله بظلمهم أو جهلهم، على الرغم بأن امتناعهن حسب ما ذهب إليه الشيخ في تفسيره هو الظلم والجهل بعينه، وماذا عن الإنسان والذي قبل لأن يحمل الأمانة فلقد خصّه الله في الظلم والجهل فهل كان جزاء قبوله للأوامر الشرعية والتزامه بحملها استجابة لأمر الله وطاعته بأن ذُمَّ وقُبِحْ … وبالتالي فهل من المعقول لأن يكون هذا ما اراد الله بالأمانة وعرضها. كما ولقد عرَّف شيخنا الكريم الجهل على أنه على قسمين جهل بمعنى عدم العلم وجهل بمعنى عدم الحلم وأخذ بمعنى عدم الحلم على أنه المقصود بالآية الكريمة، وسنأتي على ما المقصود بالظلم والجهل في رؤيتنا والتي لا تتفق فيها مع ما ذهب إليه شيخنا الكريم
    -
    صالح الفوزان – إنا عرضنا الأمانة



    -
    ولو أخذنا تفسير آخر للشيخ الكريم بسام جرّار فهو يُخبرنا بأن الامانة تتراوح بين حفظ وأداء وبالتالي فهو كالكثير من علماء الأُمة والذين يزعمون بأن المقصود بها هي التكاليف، ويُخبرنا الشيخ جرّار بأن الأمانة لم تُعرض على الإنسان بل كُلف بها ويُخبرنا بأن الإنسان حمل الأمانة لأنه يملك الإستعدادات أي فهو بالقادر على حملها وبأن قوله تعالى بأن الإنسان كان ظلوماً جهولا هو مدح له وتعظيم له وليس تحقير وذم، ولكن فهذا الزعم فيه تضليل للحقيقة القرآنية المُراد بها وكان عليه التمهل قبل أن يبدأ بالتسويق لهذه الفكرة الخاطئة، فكيف يكون الظلم مدح ولقد حرمه الله على نفسه ونهانا عن ظلم أنفسنا أو ظلم الآخرين، ولو كان قد كلفه الله بالأمانة كما زعم شيخنا الكريم وأخبرنا الله بأن بِحمله لها كان بالظلوم إذن فهذا يقودنا على أن الظلم كان قد أوقعه الله عليه ولم يكن قد جلب الظلم على نفسه من نفسه وبالتالي هذه مصيبة كبيرة لأن الله لا يظلم مثقال ذرة فكيف يحمله الله للأمانة ويُكلفه بها ثم يصفه بالظلم أي بالظالم لنفسه فمن المسؤول عن الظلم إذن حسب ما ذهب إليه الشيخ وهذا غير معقولكما ويُبلغنا الشيخ الكريم بأن الله أوجد في الإنسان الإستعدادات الهائلة والتي لا تُطيقها السماوات والأرض وتضعف أمامها وبأن الإنسان لا يُقَدِر طاقاته ويجهل حقيقة خلقه، ونحن نتفق معه هنا فقط إذا كان يُشير بالتحديد على آدم عليه السلام، ولكن فإن ذِكر الإنسان في الآية الكريمة وليس آدم بالتحديد كان يُعبر عن الهوية الإنسانية والتي يجب علينا تقصيها منذ حداثتها والتعرف على تحولها من ذات جهولة إلى ذات عليمة، كما وأن الأمانة لا تعني التكاليف لأن التكليف يأتي مع الأمر خاصة إن كان من عند الله جل وعلا أما الأمانة فهي كُل ما يُراد إيداعه أو عهده “اي فهي العهدة أو الوديعة”، ومن تُعْهد عنده الأمانة أو يُؤمر بحفظها أو يكون قد كَلَّف نفسه بها يكون قد وقع عليه التكليف أو أوقعه على نفسه وبالتالي لزم عليه الحفظ والإداء للأمانة، فالتكليف بها شيء والأمانة والتي يُراد التكفُل بها شيء آخر، ولكننا نلتقي مع شيخنا الفاضل على أن الإنسان كان قد كُلِف بها ولكن ليس هذا الإنسان البدائي والذي هو ظلوماً جهولا والمُشار إليه في الآية الكريمة فهذا الخلق الأولي كان بأن أوقعها على نفسه من دون تكليف بها وبالتالي حمَّلها لنفسه على العكس من آدم والذي كلَّفه الله بها، وبالتالي بقي تفسير شيخنا للأمانة غير مُكتمل ولا يفي بالغرض المطلوب وبالتالي فإن مثل هذا التسّرع في التفسير وعرضه على الملأ بهذه الصورة الموسَّعة قد يُسبب في كثير من المغالطات والإختلافات والتي تزيد من الحيرة والتخبط فيما بين الناس
    -
    بسام جرار-تفسير-انا عرضنا الامانة



    -
    ولو أخذنا تفسير آخر للشيخ والعلامة الكبير محمد متولي شعراوي لرأينا بأن له هو الآخر مفهوم آخر للأمانة حيث ونختلف معه بمعنى حملها الذي ذهب إليه شيخنا لأن قوله بأن الإنسان حملها وفسّرّها على أنه كان قد رَضِيَ بها وقال “أنا أحملها” يعني بانه خُيِّر بحملها ولكن لم يعطنا الدليل على أنه كان قد خُيِّر، وعرَّف الأمانة ضمنياً على أنها رِضى الإنسان لأن يبقى الإختيار معه في جُزيئات العقيدة والإيمان، فإن شاء أن يؤمن يؤمن وإن شاء يكفُر يكفُر وإن شاء يطيع يطيع وإن شاء يعصي يعصي، إذن فالإنسان أجل إختياره للأحكام المفردة .. أي وكأن الشيخ أراد لأن يقول بأن الإنسان وضع ذاته تحت عبء ما يتخذ من قرارات تتعلق بمصيره ولكن فالمُشكلة في تفسيره هو زعمه بأن الإنسان رضي لأن يبقى الإختيار معه وهذا نختلف معه فيه لأن حمله للأمانة كان نتيجة عدم طاعته وليس نتيجة رضاه بحملها، وعلى الرغم من ذلك فإن تفسير الشيخ الكريم هو الاقرب لمفهوم حفظ الذات … ولكنه بقي غير مُكتمل -
    الأمانة – شعراوي



    -وقال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة في “تفسير ابن كثير ” 6 / 489 ” وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عُوقِبَ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه، إلا مَنْ وفق اللَّهُ”وقال الشنقيطي في “أضواء البيان” 36/ 139” ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها، أي: خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه، وهذا العرض والإباء والإشفاق كله حق، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكا يعلمه هو جل وعلا، ونحن لا نعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت أي: خافت” كما وأن تفسير الأمانة هي التكاليف الشرعية “الفرائض” هو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وابن زيد وأكثر المفسرين، فلقد روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة هي الفرائض التي افترضها الله تعالى على عبادهوقال قتادة: الأمانة هي: الدين والفرائض والحدودوقال زيد بن أسلم الأمانة ثلاث: الصلاة، والصوم، والاغتسال من الجنابةوقال ابن عمر: عُرضت على آدم الطاعة والمعصية وعُرّف ثواب الطاعة وعقاب المعصية، قال: والذي عندي فيه أن الأمانة ههُنا النيّة التي يعتقدها الإنسان فيما يُظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهروقيل: المقصود بالأمانة في هذا الموضع هو أمانات الناسوقال الطبري في تفسير الطبري” 20 / 342وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله: (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن” 14 / 252الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهوروقال السعدي في تفسير السعدي” صفحة 547جميع ما أوجبه الله على عبده أمانة، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين – إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها-لقد اختلف العلماء في مفهوم الأمانة المُشار عليها في الآية الكريمة وتحيروا في مُرادها فافترضوا بأن عرض الأمانة هو التخيير بحملها ولكنهم ضلّوا وبلا شك، فما هي يا ترى هذه الأمانة التي عرضها الله على أعظم خلقه وأبين حملها ومع ذلك حملها الإنسان لأن العرض للإمانة كان من أجل التعريف بها من خلال وعن طريق إبرازها وسنأتي على ذلك بالتفصيل

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,476
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي الأمانة وماذا يعني امتناع السماوات والأرض والجبال لأن يحملنها

    الأمانة وماذا يعني امتناع السماوات والأرض والجبال لأن يحملنها
    إن أول ما نُريد التحقيق فيه وبيانه هو قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًافماذا يعني قول الله تعالى “إنا عرضنا الأمانة وما هو حقيقة العرض التي أشار الله عليها أي ماذا يعني عرض الأمانة، وهل كان في عرض الأمانة خيار أو أمر أو غير ذلك وكيف نستنبط ذلك من سياق الآية الكريمة، فكما متعارف عليه لغوياً بأن العرض هو إبراز وإظهار وبيان للشيء وهذا هو المعنى الحقيقي للعرض، فأن تعرض الشيء هو بأن تُبينه وتجعله جلي وواضح وغير خفي للناظر وتضعه من أمامه ليتحقق منه ويدرسه ويتأمله ويُعاينه ويُقدره ويُقيمه ويُثمنه ويتعرف عليه ومن ثم يخلص إلى نتيجة لربما تنسجم وتتوافق أو لا تتوافق مع مُراده أو فطرته وواقع خلقهإن أول ما سنبدأ به هو التعريف بالأمانة بالمفهوم اللغوي والقاموسي مُستمدين ذلك من قوله تعالىفَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا” سورة مريم 97 وقوله تعالى “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ” سورة الشعراء 195إذن فعلينا قبل أن نفترض أي شيء آخر بأن نأخذ بالمعنى اللغوي أولاً وذلك حتى يتسنى لنا فهم ولو جُزئي لحقيقة ماذا أراد الله بقوله هذا، فالأمانة لغوياً هي في الأصل الوديعة أي كل ما يودع أو يدفع به بغرض الحفظ والإتمان، وبالتالي يمكن للأمانة لأن تكون أي شيء أي فهي فإذن ليست محصورة بشيء واحد والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها نأخذ قوله تعالى “وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا” سورة آل عمران 75 فمن هذه الآية الكريمة كُنّا قد تعرفنا على أن الأمانة مُمكن لأن تكون هي المالوقال تعالى “قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ” سورة النمل 39 حيث وفي هذه الحادثة كان العفريت أمين على عرش بلقيس وبالتالي فالأمانة هنا هي العرشوقال تعالى “أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ” سورة الأعراف 68 أما الأمانة هنا فكانت هي رسالات الله التي حملها هود عليه السلام لقومه “عاد”فكل شيء يُحفظ ويؤتمن عليه إذن هو أمانة وهذا يشمل على الأسرار والعبادات بأنواعها …ومن الأمانات أيضاً هو النفس الإنسانية والمثال على ذلك نأخذه من قصة يوسف عليه السلامقال تعالى “قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ” سورة يوسف 11فالأمانة هنا كانت يوسف عليه السلام، وبالتالي فإذا طُلب من الإنسان الحفاظ على نفسه فهو يؤتمن على ذاته وتكون الأمانة هي حفظه لذاته ونفسه الإنسانية ومثال لغوي عامي نأخذه من قولنا “خد بالك من نفسك” أو “دير بالك على حالك” و”انتبه من نفسك” وهذا كُله يُقصد به توكيلك بحفظ ذاتكلقد أخبرنا الله بأمره للسماء والأرض بالخضوع والطاعةفقال تعالى “ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ” سورة فصلت 11 فكان أول ما إمتحن الله من خلقه إذن هو أول وأعظم ما خلق من هذا الكون العظيم اي السماء والأرض، وكان الغرض هو بيان فيما إذا ستأتيه هذه المخاليق العظيمة طائعة بخيارها أو تأتيه مُكرهه، فكان من خلال أمر الله لهم بالإتيان بأن بانت وظهرت لهم طبيعتهم المخلوقة أي بدا لهم تكوينهم الفطري والذي كُنّا قادرين على أن نتعرف عليهما وتحديدهما من خلال قوله تعالى لهم “ائتيا طوعاً أو كرها فلقد إتضح الأمر والذي كان المُراد منه هو بيان على من تؤول حفظ الذات وكان ذلك بالخضوع وأسلمة الكيان المخلوق عند ما أُمر بالإتيان قال تعالى “ائْتِيَا“ والذي معناه الدنو والقرب فما كان منهما إلّا ان استجابا لطلب الله تعالى في القبول فأقبلا “طائعين” أي بطوعهم وخيارهملقد كان بأن لازم الإمتناع عن حمل الآمانة هو بأن كُنّ قد أشفقن منها، وأشفقن بلسان اللغة هو من الإشفاق وفيه الخوف والحذر وذلك مما سينتهي عليه حالهم من تبعات حملها فكان إمتناعهم هو إستسلام لواقعهم الخلقي وفطرتهم، فالأمر بالإتيان أظهر عواقب تخلفهم وبيّنه وهو ماذا سيؤول إليه مصير ذاتهم، فكان الأمر يخص حفظ الذات، فإما أن تأبى وتُبقي عليها بعهدة الله وتأتمن عليها عنده يُدبر امرها وُيشرف عليها ويحدد مصيرها أو تتحمل عبء حفظ ذاتها، فالرفض لم يكن رفضاً للأمر بل رفض إمتناع عن حفظ الذات فأختارت السماوات والأرض والجبال على أن تكون مأمورة مسيرة بإرادة خالقها، فتركت الأمانة والتي هي حفظ ذاتها تحت أمر خالقها عن طوع “أي خيار” وطاعة أي إستجابة لأمره ليُدبر أمرها ويديرها ويسيرها كيف يشاء، فالله هو المسؤول عن إدارتها وما قدر لها فهو المدبر للأمر وكان في ذلك قوله تعالى“إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَ‌ٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” سورة يونس 3 وقال تعالى “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” سورة فاطر 41وقال تعالى “وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” سورة الحج 65 إذن فالمُراد بالأمانة هي حفظ الذات والتي عرضها الله أي أبرزها وأظهرها أولاً للسماوات والأرض والجبال وذلك بعد أن أصبحت ذاتهم الخلقية وجودية أي مخلوقة وظاهرة لهم وبالتالي فبانت وظهرت الأمانة من خلال طلب الله الآمر لهم بالخضوع “إتيا طوعاً أو كرها” وهنا تعرفوا على أهمية وأولوية مكان حفظ الذات فهم إن لم يكونوا سيلبون أمر خالقهم ويأتون بخيارهم فهم سيأتون مُكرهين …. فلم يكن في الحقيقة امامهم أي خيار إلا خيار العبودية والتسليم والطاعة وبالتالي الإستجابة لامر الله فكانوا على الرغم من إمتلاكهم للإرادة الحُرة وكانوا مُخيرين ألا أن الخيار الذي أعطاه الله لمخلوقاته هو من أجل أن يُعطي الفرصة لمخلوقاته بإختيار الطاعة والتسليم له وحده بإرادتهم الحُرة التي منحهم إياها فيأتوه من ذاتهم وأنفسهم خاضعين وعابدين وبالتالي فكان في عرضها بيان لحقيقة أسلمة واقعهم الخلقي الفطري لخالقهم .. وإستجابة عن طريق تسليم ذاتهم. وبالتالي فبانت وظهرت لهم حقيقة الأمانة فامتنعوا عن حملها تخوفاً من الهلاك كما أخبرنا الله وبالتالي فلم يكُن في إمتناعهم معصية أو مخالفة لأمر الله … بل انسجام مع حقيقة فطرتهم وهي التسليم لله عز وجل، بدلاً من عصيانه وعدم طاعته، فأبت السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة واستسلمت لحقيقة فطرتها المسيرة والمأمورة والمملوكة وفي ذلك كانقوله تعالى “أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” سورة البقرة 107 لقد أخبرنا الله العلي القدير بإستجابة السماء والأرض لأمره بالخضوع والتسليم ونقل لنا قولهم “أتينا طائعين” أي إذن عن طوعهم وبخيارهم، ولكن فلقد تم تحديداً ذكر السماء والأرض فقط دون ذكر للجبال حيث دفعنا هذا للتساؤل عن عرض الأمانة ولماذا شمل على الجبال والتي لم تكن مذكورة والجواب على ذلك نعثر عليه في قوله تعالىقُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) سورة فصلتإذن فلقد كان أول ما بدأ الله فيه من الخلق هو خلق الأرض “وذلك على العكس مما يدعيه علماء الغرب وهو خلق السماوات اولاً ومن ثم خلق الأرض وهذا سنأتي عليه في الفصل الثاني من صفحات من رسالة الله – الحياة وخلق الكون وسنُثبت صدق وحي القرآن إنشاءالله” فكان خلق الأرض والذي لحق به جعل، وكان هذا الجعل هو للرواسي والتي أخرجها الله من باطنها لتعمل على استقرارها وثباتها فجعلها الله من فوقها، … فأدخل الله الجبال والتي تعمل على استقرار الأرض وثباتها في إكتمال عملية البناء الأرضي فبات ظهورها على المسرح الكوني مُكمل لخلق الأرض والذي سبق خلق السماوات وخلق الإنسان وبالتالي شملها عرض الأمانة-لم يكن قد طلب الله من السماء والأرض للإستجابة لأمره وحدهم من غير سائر خلقه فالله تعالى يُخبرنا بأن كُل من في السماوات والأرض أسلم له عن طوع أو إكراه، وبالتالي فإن كل ماهو مخلوق لابد وأن يستجيب ويخضع لله وحده ويُسلِم إليه ذاته ونفسهقال تعالى “أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” سورة آل عمران 83 فمنهاج الأسلمة الكونية لكُل ماهو مخلوق هو أصل خلق كُل شيء وفيه الخضوع والإستجابة والعبودية المُدركه لمُلكية الخالق له وقُدرته عليهقال تعالى “وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” سورة آل عمران 189لقد عرض الله الأمانة على من هم أكبر وأعظم خلقاً من الإنسان والذي لا يقارن معهم بالضخامة والحجمقال تعالى “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” سورة غافر 57 وقال تعالى “وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” سورة الإسراء37 ومع ذلك أبَت السماوات والأرض والجبال لأن تتحمل مسؤولية حفظ ذاتهم وذلك لتخوفهم من تبعات حملها وبالتالي ابقوا على ذاتهم بيد خالقهم ليرعاها ويُدبر أمرها

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,476
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي الأمانة وماذا يعني حمل الإنسان لها

    -قال تعالى “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” سورة السجدة 7فمن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة نستنتج بأن الأرض كانت قد شملت على هذا الكائن الطيني الأرضي من قبل أن يُخلق ويُصبح بالشيء المُستقل في ذاته وكيانه، فكانت طبيعة هذا الخلق الإنسي والذي هو مولود من من رحم الأرض وخرج من عنق الجبال أي عنق هذا الرحم هو جزء لا يتجزء من هذه الطبيعة الكونية فهو وليدها ومشتق من طينها وترابها فأصبح كائن حي وظاهر من خلال هذه المملكة الكونية الحياتية الواسعة، قال تعالى “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ” سورة الحجر 26 والحمأ المسنون هو الطين المصهور والذي يخرُج من باطن الأرض على شكل الحمم البركانية السائلة فيتولد من خلاله الجبال، فالأرض هي أصل ومادة صنع هذا الإنسان والجبال هي وليدة هذه الأرض والتي جعلها الله رواسي تحافظ على إستقرارها فكانت منبع وفوهة رحم الأرض التي خرج منها الصلصال ذو الحمأ المسنون والذي شاء الله له لأن يكون هو المادة التي خُلق منها الإنسان …. فاختار الله لان يشق الإنسان عن اصله الأرضي الطيني ويصنع من الطين انسانا ذو خلق مستقل، فالإنسان والمخلوق من هذه الأرض انفصل عنها بخلقه وكيانه الجديد وبالتالي صاحبته ارادته الحرة ولذلك كان لزوماً عليه بتسليم ذاته المخلوقة أي نفسه إلى خالقها، وكان الخيار خياره وذلك لأن يطيع أمر الله أم يعصيه-لقد كان على الرغم من إمتناع السماوات والأرض والجبال لأن يحملن الأمانة وتخوفهن من عواقب حملها بأن أخبرنا الله بحمل الإنسان لها “أي بأن وكَّل نفسه بحفظها” فكان حمله لها ظلم لنفسه ودليل وشهادة على جهله قال الله تعالى وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” سورة الأحزاب 72 ولكن فلقد اختلف المفسرين بكيفية حمل الإنسان للأمانة فمنهم من قال بأنه كُلِف بها ومنهم من قال حملها بإختياره ومنهم من قال رضي بحملها ولكن ما هو الصواب يا ترى ..
    الإنسان والتكليف بالعبودية
    لقد كان الغرض من خلق الله للإنس وكذلك الجن من قبلهم كما أخبرنا الله تعالى هو لغرض عبادتهفقال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” سورة الذاريات 56 فعبودية الله هي الخضوع والطاعة والإستسلام لأمره ومشيئته ومُراده وبالتالي فلقد خلقهم الله حتى يكونوا عابدين، اي فهو لم يخلقهم لأي سبب أو غرض آخر فقال – إلا – وفي ذلك استثناء وحصر وتحديد وذلك حتى يكونوا خاضعين وطائعين وقال تعالى “ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ” سورة الإسراء 23 وهنا لم يقُل الله تعالى – وقضى ربكم ألا تعبدوا – بل قال وقضى ربُك – وكأن الخطاب القرآني هنا موجه لفرد بعينه من دون الناس كافة لأن من الطبيعي لأن يسود الإعتقاد بذلك بما أن المخاطب هو فرد ولأن يكون ما يتبعه من القول بدلاً عن – ألا تعبدوا – هو – ألا تعبد إلا إياه – ولكن الآية تتحدث وتُخاطب الإنسان كجنس عام أي فهي تُخاطب كُل ﻤﻥ ﺘﺒﻠﻐﻪ رسالة التوحيد في كُل ﺯﻤﺎﻥ ﻭﻤﻜﺎﻥ، … “وقضى ربُك” أيُها الإنسان والذي كان قد شمله الأمر بالعبودية من قبل خلق الله لآدم ومن بعده بأن لا يكون مربوب وله إله يعبده سوى الله وحده، فقضاء الله هو حُكمه وبالتالي وهو بأن تم وقوع أمر عبادة الله على الإنسان ولذلك فعليكم أيُها الإنسيين والآدميين منهم خاصة لأن تكونوا طائعين لأمر خالقكم ومستسلمين له وخاضعين، وبالتالي فالإنسان كغيره من المخلوقات لم يُخير بالعبودية بل كان قد أُمر بهاقال تعالى “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا” سورة مريم 93 وبالتالي فإن كل المخلوقات مربوبة لله فالله هو ربُها ومعبودها وبالتالي فمرجعها وتلبيتها لأمره إذا لم يكُن بطوعها واختيارها فسيكون بإكراهها ورغماً عنها وهذا يُذكرنا بعرض الله للأمانة على السماوات والأرض والجبال حين أُمرت لأن تُلبي طلب الله بالإتيان فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ”فاستجابت وأتت من طوعها ولكن الإنسان حين أمر بالطاعة والخضوع إختار العصيان فلم يستجيب ولم يُطع أمر الله فجهله وغريزته وبدائيته لم يمكننه من إدراك حقيقة وجوده، فالإنسان والمخلوق بإرادة حرة وإختيارية أخفق فاختار المعصية “كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ”، فأتى تحذير الله للناس بـ “إن كُل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا” وقال تعالى“أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” سورة آل عمران 83 إذن فخضوع واستسلام الذات لخالقها هو أمر لا مفر منه فبإمكانك أُيها الإنسان لأن تُسلم نفسك لله من نفسك وتأمن عليها عنده وتجعلها وتُبقي عليها في عهدته بإرادتك وخيارك كمن أسلمها بخياره، أم إن لم تشأ فستُسلمها مرغماً كمن أسلمها مرغماً، وبالتالي فالمؤمن هو من يختار ليأتمن الله على حفظ ذاته فيقبل لأن يودعها عند ه بخياره، فيتجسد إيمانه من خلال إعترافه وإقراره بأن الله هو خالقه وهو مُحييه وهو مُميته وهو رازقه فيوقن بعظمته وقدرته ويُقرّ بوحدانيته ويستسلم له ويسلم له نفسه ويؤمن عليهاعنده ليتعهد بأمرها وليحفظها ويُدبر أمرها
    -
    الإنسان الأول وعدم قضاء أمر الله بالعبادة
    لم يقل الله بانه حَمَّلَ الأمانة للانسان أو كان قد كَلَفه بحملها بل قال حَمَلَها الإنسان أي بطوعه وخياره وسنأتي على شرح ذلك ولكن كما نعلم فهو لم يُبلي بلاء حسناقال تعالى، “قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)” سورة عبس.فأتت هذه الآيات من سورة عبس تُحاكي قصة الأمس وكان فيها صيغة ما حمل من ماضي الإنسان، فقال الله تعالى: “قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) فبدأت هذه الآية الكريمة بتقبيح الله للإنسان الأول وكأن اللعنة لاحقته نتيجة كفره الذي تسبب به عن ظلم وجهل ففيها أدان الله الإنسان ولعنه ووبخه وتوعده نتيجة ما أحاط بنفسه من الكفر الشديد، واضاف الله قائلاً: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) فعرّف برحلته للحياة مبتدءاً من النطفة البالغة الدقة في الحجم، فكيف له لأن يعصي خالقه ويكقر به بعد أن جعل الله منه واقع وحقيقة ومبتدأ قصة إنسانية، ثم أضاف الله قائلاً: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) وهنا وبعد أن كان قد خلقه الله وسَهَل له طريق الصراط المستقيم وقاده إليه ووضعه عليه، فحسب لسان العرب: السَّبيلُ: الطريقُ وما وَضَحَ منه، وكُلُّ ما أَمَرَ الله به من الخير فهو من سَبيل الله أَي من الطُّرُق إِلى الله، فأراد الله لأن يسيره ويقوده إلى طريق الصلاح والخير ولما في ذلك خير له فقال تعالى “ثم السبيل يسّره” ويسّر أي قاده للسبيل وأوصله وعرّفه عليه وهذا يختلف عن قوله تعالى مُخاطباً الناس، قال تعالى “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)” سورة الإنسان.فقال في الإنسان الأول “ثم السبيل يسره” وقال في الآدميين “إنا هديناه السبيل”، وقال في الأول “لمّايقض ما أمره” أي عصى أمر الله ولم يعمل به فوصفه الله بالكفر ولعنه وقال في الآدميين بأن كان هداه للسبيل بعد أن جعله سميعاً بصيرا وتركه ليتحكم في مصيره حتى يبتليه أي يمتحنه بما آتاه فإما أن يكون شاكراً أو يكون كفوراً بربه، ولم يلعنه كما كان في وصف الإنسان الأول والذي كان فيه شهادة على كفر كل جنسه وضلالهم الشديد، ولكن كيف تعرفنا على أن آيات سورة الإنسان تُشير على آدم وذُريته والجواب على ذلك وهو لأنها تُحدثنا عن الإنسان المُدرك والذي وقعت عليه التسوية والجعل فأصبح يتمتع بالقدرات والتي تمكنه من اتخاذ القرار الحكيم والصائب فعليه تقع مسؤولية حفظ ذاته وهو من يؤتمن عليها فالطريق أمامه واضحة وجلية وما عليه سوى لأن يُخضع لأمر الله ولا يعصيه، فهذا آدم والذي مكنه الله بالعلم والقدرات الذكية المُدركة على العكس من سابقه الجهول ثم أضاف الله قائلاً: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) سورة عبس، أي انهى حياته بالحكم عليه بالموت وتغليفه وسدل الستارة عليه وحجبه عن الأنظار فجعل له قبر وسكن وموضع لا يغادره فأخفاه عن الوجود وجعله غامض حتى إن اراد الله وشاء ويأتي موعد أعادة نشره وإظهاره والإعلان عنه، فهذا حديث بالماضي يخبرنا الله ويطلعنا عليه كان قد صاحب وجود الخلق البدائي الأول والذي على الرغم من أن الله كان قد قاده إلى الطريق ووضعه عليه ألا أنه لم يعمل بما أمره الله سبحانه وتعالى، ثم أضاف قائلاً: ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) أي أعاد إحياءهوأقامته من الموت والقبر “المواراة”، وكنّا قد تعرضنا إلى هذا الموضوع بالكامل من خلال موضوع – موت الإنسان ثم إعادة إحياءه ونشره”فأمات الله الإنسان وواراه وأخفاه عن الوجود وابقى على نشره واعادته لهذه الحياة رهن مشيئته وامره، ثُمَّ ينتهي الله من هذه الآيات مُضيفاً قوله تعالى “كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ” أي كلا إلا يقضي ما أمره الله أي لابد من ذلك وفيها يُعرفنا الله أولاً على ان الإنسان لم يقضي أمر الله، وثانياً بأن الله سيعيده ليتم أمر الله فيه ولذلك فلا سبيل امامه سوى الرضوخ والإستجابة للأمر، وذلك تماما كما كان أمر الله للسماوات والأرض والجبال “إتيا طوعاً أو كرها” وبالتالي فهو لن يفلت من قضاء الله عليه بالعبودية وهنا نُعيد ونُذكر بقوله تعالى “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا” وقوله تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ، ولذلك فلقد أعاد الله خلق الإنسان بصورة آدم ليبتليه، وفي لسان العرب: قال ابن بري: وحكى سيبويه نَشدْتُك الله لَمّا فَعَلْت بمعنى إلاّ فعلت، وقال تعالى : إن كُلُّ نَفْس لَمّا عليها حافظٌ؛ أي ان كل نفس إلا عليها حافظ.-لقد تخلف الإنسان وقصَّر عن عبادة خالقه وما الزمه به من مشروع العبودية وبالتالي فشل الإنسان في ابقاء ذاته تحت امر الله ليقودها ويحفظها فلم يُتم أمر الله وأنقطع عن عبادته وبالتالي فهو إذن كان قد عصى الله ورفض أمره والضمير يعود على الإنسان الأصل والمتمثل بالأجناس الإنسية البدائية بأكملها ويرمز إليها وكانت الإشارة هنا تحمل التعميم وهذا التعميم لا يمكن لأن يكون يُشير على الآدميين من الإنس لأن منهم كما أخبرنا الله تعالى الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين والمتقين والوجهاء والمقربين ومنهم من هو مهتد ومنهم من هو بالضال وليس كلهم، ومنهم من يتقبلهم الله في عباده وجنته ومنهم الأحياء عنده ومنهم من هو السعيد ومنهم من هو الشقي ومنهم من هو الكافر ومنهم من هو المؤمن والشكور، وبالتالي إذن كانت تشير على الخلق البدائي الأول من الإنس والذي لم يقضي ما أمره الله وتخلف عن عبادته والذي سبق خلق الآدميين فهو الذي يسّره الله إلى السبيل وهو الذي أماته الله وهو الذي أقبره الله أي تم إحتواءه وإحكام الإغلاق عليه وطي صفحته وزمانه إلى أن عاد ونشره، فكان سبب فناءه وأقباره نتيجة ومن جرّاء عدم إمتثاله لأمر الله وبقيت عملية إنشاءه هي جزء من خطة الإبتلاء والتي وضعها الله ليمتحن فيها الإنسان، فكان بأن سبق بقوله لمّا يقض ما أمره النفي التام فقال كلا أي نفى عنه الخضوع للأمر حتى لا يعتقد البعض بأن هذا يخص حادثة عابرة أو شخص معين فرد أو جماعة لأن الحديث عن عموم هذا الإنسان البدائي، فهو كلا لمٓا يقضي ما أمره الله فكلا هي زيادة في التأكيد والمبالغة والتشديد على عدم طاعته لأمر الله والتشديد على تقصيره وبما أنها تحدثنا عن الإنسان فهي ليست حصريا على قوم أو أفراد بعينهم بل تشير على الجنس والذي اخبرنا الله بموته ومواراته عن الأنظار أي أخفاءه وإقصاءه عن الوجود بعد فشله في إبقاء ذاته على طريق الله فقُضي بذلك أجلهقال تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ مَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” سورة الأنعام 2 لقد قال الله تعالى “ثم السبيل يسّره” ويسّر أي قاده للسبيل وأوصله وعرّفه عليه ووضعه عليه ومع ذلك لم يقضي ما أمره الله، فلقد كفر الإنسان الأول بخالقه لأنه لم يسعى للإتمان على نفسه أو ليحفظها في رعاية الله ويدخرها عنده وبالتالي حاد عن صراطه حتى بعد أن وضعه الله على السبيل وقاده إلى ما فيه الخير له حيث ساعده في رحلته وطريقه وعبوره في هذه الدنيا ومع ذلك كان ناكراً لأوامر الله، فأنهى الله على وجوده الحي وجعل منه ماضي مُغلف ومحكم الإغلاق وبقي على ذلك الحال حتى إختار الله لأن يُعيده ثانياً بخلق آدم وفي ذلك كان قوله تعالى “ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14 ) سورة المؤمنونإن حمل الأمانة كان ناتج عن تحميل الإنسان لنفسه بها وليس تحميل الله له إياهاقال تعالى وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” سورة الأحزاب 72أولاً: رأينا بأن موقع “كان” في قوله تعالى “كان ظلوماً جهولا” هي أولاً زمنية أي عبّرت عن الزمن والفعل الماضي والمُنقضي، وثانياً خبرية بيانية خبَّرت عن ما كان عليه حال الإنسان وهو بكونه ظلوماً جهولا ولذلك فإن حمل الإنسان للأمانة كان ناتج عن قرار الإنسان وخياره فهو لم يُحمَّل بها بل وبكُل بساطة هو من حَمَلَها من نفسه، فكان نتيجة ذلك ظلوماً لنفسه، فلو حُمِّل الأمانة لما كان قد أوقع الظُلم على نفسه بل لكان الظُلم قد أُوقع عليه وبالتالي سيكون مظلوماً لا ظلوماً … ولكن فالله ليس بالظالم حتى يظلمه .. فلقد نزّه سبحانه وتعالى نفسه عن الظلم وكذلك حرّمه على نفسه وعلى عباده ونهاهم لأن يظلموا أنفسهم أو يتظالموا فيما بينهم،فقال تعالى “إن الله لا يظلم مثقال ذرة” سورة النساء 40 وقال تعالى “وما ربك بظلام للعبيد” سورة فصلت 46.وقال تعالى “إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” سورة يونس 44 عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) أخرجه مسلم في صحيحه.فالظلوم هو من ملأ وجوده الحياتي بالظلم وأحاط نفسه به، وبما أنه هو من أوقع الظلم على نفسه إذن هو من استباحها وبما ان الله خص بالقول ما نتج عن حمله للأمانة بالظلم لنفس الإنسان من نفسه فتكون الأمانة هي نفسه فالظلم وقع عليها.ثانياً: إن عرض الأمانة كما وضّحنا لا يعني التخيير بحملها كما هو دارج بين العلماء لأن العرض لغويا هو البيان والوضوح، أما مسالة حملها فالإنسان حملها من نفسه ولم يُكلف بها ودليل ذلك بأن الله لا يكلف نفس الا وسعها والإنسان الجهول هو إنسان ضعيف وتحكمه الغريزة والشهوات وهو ليس حمل للمسؤولية وفي ذلك كان قوله تعالى “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” سورة البقرة 286 فالإنسان الذي لا تتوفر فيه القدرات العقلية الذكية ويفتقر لدور الضمير الحي في المراجعة والمحاسبة والتحكيم كما كان عليه الإنسان البدائي الأول يبقى مخلوق ضعيف، قال تعالى “وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا” سورة النساء 28 .فمن لم يوظف قواه العقلية الذكية وحاسب نفسه “النفس اللوامة” أي جعل دور لضميره للتقدير والمسائلة وترك نفسه على هواه تقودها الشهوات فإن من المتوقع بأنه سيضعف ويتهاوى تحت تأثيرها،قال تعالى “وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا” سورة النساء 27 .فالضعيف عادة تسوده وتحكمه خصائص وصفات لا ترتقي إلى مستوى تَحَمُل المسؤولية فما بالك بهذا المخلوق البدائي والذي هو في أساسه ضعيف وزيادة على ذلك أخبرنا الله بانه كان “ظلوماً وجهولا” فهو لم يكُن ظلوماً وجهولا نتيجة حمله للأمانة فقط ولكنه كان ظلوماً وجهولا في كُل مراحل حياته البدائية وتعدد صوره أي في اختلاف أجناسه وفي كُل الأزمنة التي عبر بها حياته البدائية القديمة والمنصرمة، بالإضافة على أن النفس كما أخبرنا الله هي في طبيعتها امارة بالسوء وصاحبة مفسدة وهذه دلالة أُخرى على ضعفه،قال تعالى “… إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي” سورة يوسف 53 . فالله يعلم بقدرة النفس الإنسانية على الإفساد ويعلم ضُعفها وبالتالي فمن الطبيعي إذن لأن نستنتج بان الله لن ولم يُسلمها الأمانة أو يُكلف الإنسان بصيانة وحفظ نفسه طالما إتصفت نفسه بالظلم والجهل والضعف وذلك دون وقبل أن يُعالجها ويوقع عليها التحسين والتسوية.ثالثاً: أما بالنسبة لبيان حقيقة جهله أي “إنه كان .. جهولا” فنحن نعلم بأن الله هو من علم الإنسان والذي لم يكُن بالعليم من قبل أن علمه الله فقال تعالى “خلق الإنسان علمه البيان” وقال تعالى “علم الإنسان مالم يعلم” وقال تعالى “علم آدم الأسماء كلها” وبالتالي فالجهل والذي هو احد العوامل التي تسببت بحمله للأمانة كان على غير من الظلم لأن الظلم تسبب في ظلمه لنفسه وبالتالي أوقع الأذى على نفسه وبما أن الله اختار لأن يوصف لنا حاله بعد قراره هذا أي كان ظلوماً جهولا إذن فكان هذا الوصف يعود على ما انتهى عليه حاله نتيجة حمل الأمانة إذن فالأمانة تعود على حاله وماذا كان سيحل بها فالأمانة هي نفسه والذي أوقعها ضحية ظلمه لها،… ولكن ومع أنه كان ظلوما ألا أن ختم الله الحديث عنه بقوله جهولا فأخبرنا عن واقعه المتخلف والغير مبني على العلم والبصيرة حيث وكان حين أشار الله على ظُلمه وجهله قدّم الظلم وأخّر الجهل فكان تدني وشُح قدراته العلمية والمعرفية إلى جهله وهو الذي أدى إلى ظلمه لنفسه وتسبب فيه. فالإنسان الجهول هو وبكُل بساطة بغير العليم لأن الجهالة هي وصف لمن نقصه العلم وكان يخلوا من المعرفة والبيان،قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” سورة الحجرات 6 . وعلينا هنا ملاحظة قوله تعالى “فتبيَّنوا” أي فعليكم بالبيان أي تقصي الحقيقة وذلك حتى لا تُصيبوا الناس بجهالة فتحكموا عليهم من دون علم وبيان، وبالتالي فالجاهل إذاً عليه لأن يتبين الأسباب ويتقصى الحقيقة أما في حالة الإنسان والذي لم يكن قد مكنه الله وعَلَمَه فهو وبكُل بساطة لا يقدر على تبيانها نتيجة عدم إلمامه بالعلوم والمعرفة، وبالتالي فلقد كان الإنسان الأول هو من أوقع الظلم على نفسه والظلم هو التقصير بإداء الحقوق وإنتقاصها فحين لا يؤدي الفرد ما لنفسه عليه من الحق فهو يظلمها، فالظلم هو نقيض العدل وهو أحد أهم مظاهر السقوط الإنساني والإجتماعي وهو أشد على الإنسان من الجهل ولذلك لربما كان سبباً في تقديم الله له على الجهل ومع ذلك لم تكن هذه هي خطة الله في خلقه للإنسان ولم يكن هذا ما أراد الله له فأبقى له الله على فرصة لإنقاذه من هذا الثقل الكبير فختم حديثه عنه بالقول “جهولا” وذلك رحمة به أي وكأن الله عَذَرَه نتيجة جهلة وقلة علمه وأتى وصف الله له بجهولا لتُعَبر وتشرح حاله على مر الزمان والذي كان عليه فلم يكُن بالعليم، كما ومن المُمكن بأن الله كان قد أخَّر الكلام عن جهله في الآية الكريمة لأن جهله لم يكن قد تسبب به من نفسه وذلك لأنه لم يكن قد تعلم على يدي خالقه بعد ولهذا أُعطي فرصة جديدة وشاء الله لأن ينشره من جديد ويُعيد خلقه وإحياءه

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,476
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي الأمانة وتكليف آدم بحملها

    لقد أعاد الله خلق الإنسان وإنشاءه بصورة جديدة
    فقال تعالى “ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” سورة المؤمنون 14 وأراد الله لأن يزود الإنسان في خلقه الجديد بالكماليات ويُكلفه بالأمانة ويمتحنه فابتلاه حين خلقه بالصورة الجديدة أي بشخص وصورة آدم عليه السلام، قال تعالى “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” سورة الإنسان 2 فعمل العلي القدير على تزويده وتجهيزة بالإمكانيات التي تُمكنه من مواجهة غرائزه وكبح جماحها وتذليلها بإرادة عقلية ذكية فزوَده بكماليات السمع والبصيرة وعَلَمّه وذلك حتى يبتليه أي يمتحنه من جديد فعمل على تحسينه وتسويته وتزويده بما يمكنه من إجتياز إمتحان الإيمان، فالسميع البصير ليس بالجاهلفكان بأن أعاد الله خلقه للإنسان بنشأة وصورة جديدة، وكان أساس بناءه الإنشائي من النطفة الأمشاج والتي أصلها كان من زوجية تعود على قوله تعالى “من ذُرية قوم آخرين” أي إشارة إلى الخلق الإنساني الأول، وهذا رد على بعضاً من الدُعاة والمُفسرين والذين يدّعون خطأ بأن آدم كان قد خُلق من العدم، فكان خلق آدم من نُطفة ممشوجة كانت في الأساس قد احتوت على مائي الرجل والمرأة أي ذُريتهم فأماتها الله وحوّلها إلى تراب ثم أعاد خلقه الإنسان ومن ثم سوّاه وأحياه .. فكان بأن دّل الله في تركيبته الخلوية ثم حسّن الله خلقه للإنسان الجديد بجعله “سميعاً بصيراً” فأصبح المخلوق الجديد بالسميع والبصير نتيجة وقوع التسوية والتعديل والتركيب عليهقال تعالى “الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ” سورة الإنفطار 7 – 8 وقال تعالى “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” سورة الحجر 29 إذن فلقد كان في جهل الإنسان الأول دليل وشهادة على تدني علمه ومعرفته بالإضافة على أنه كان ينتقص للخبرة وللقدرات الإدراكية والمُصاحبة لآلتي عمل السماع والبصيرة فكان قليل العلم والإدراك وكان كثير الظلم والجهل وهاتان صفتان لا يتفقان مع الخلق الآدمي الذي كان عليما والذي كان نتيجة ما أوقع الله عليه من الجعل والتحسين بأن تحول من إنسان جاهل لإنسان قادر على التَعَلُّم والإدراك.قال تعالى “عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم” سورة العلق 5 لقد أخبرنا الله تعالى بأن الإنسان كان قد بلغ أعلى مراحل التحسين وارفعها،فقال تعالى “ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” سورة التين 4وأحسن تقويم أي أحسن تعديل خلقي فكان بأن قوَّم وعدّل وحسّن الله تعالى كُل إنسان كان قد خلقه من قبل آدم بخلق إنسي آخر حل محله وتكررت العملية حتى بلغ أحسن وأعلى مرتبة إنسية مخلوقة أي بصورة الخلق الآدمي والذي ساد به على من كان قبله من المخاليق الإنسية فوصل به إلى مرحلة “أحسن تقويم” أي أعلى مرتبة وأعلى درجة في التحسين، فلم يُبقيه الله على جهله وظُلمه لنفسه بل أتت مرحلة التغيير فخلق الله آدم الإنسان فخلقه سميعاً بصيرا وذلك حتى يُمكنه من الإدراك والتفهم وبالتالي كان قادراً على تحصيل العلم والمعرفة … ومنه ومعه كان قد بدأ مشروع تعليم الإنسانفقال الله تعالى “وعلم آدم الأسماء كُلَّها” سورة البقرة 31 ف كان بأن أعاد الله خلقه للإنسان بإنشاءه من التراب وأوقع عليه التسوية وأحسن تصويره ورَفَع درجة تكريمه وتفضيله فاسجد الملائكة له وجعل منه بشراً “أي سيداً وسائداً” على مخلوقاته الأرضية، وبالتالي فإن وصف الله للإنسان الذي حمل الأمانة بالظالم والجاهل هي صفات للإنسان البدائي الأول وليس للإنسان الآدمي الذي كرمه الله وفضله وعلمه، كما ونحن نعلم بأن الإنسان إذا إتصف بالظلم يكون قد أسقط إنسانيته إلى مستوى الدابة وهذه صفة كانت قد صاحبت الإنسان الجاهل والذي لم يُعَلِمُه الله فكانت حيوانيته وغريزته سبباً في ظُلمه لنفسه ولمن حوله وبالتالي تسببت في كُفره ….. وفي ذلك كان لنا عبرة نأخذها من،قوله تعالى “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” سورة الأنفال 55 فلفظ الدواب هو جمع دابة، وأما تشبيه الكفار بالدواب فهو يُقربنا من فهم طبيعة المخلوق البدائي الإنسي حيث أخبرنا الله عن كفره، فكان قصة في الظلم والجهالة احاطت به من كل جانب وكان قول الله تعالى في كُفرهوقال تعالى ” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ” سورة النحل 61 وبالتالي فلقد كان وصف الدابة هنا شمل على ما في الأرض من الأحياء، وكان ما تسبب في هذا الوصف هو الظلم الذي أوقعه الناس فيها، وبالتالي أصبح بإمكاننا لأن نرسم العلاقة فيما بين الدابة والظلم وعلاقة ذلك بالناس إذنوبالتالي كيف حُمِّل آدم بالأمانةقال تعالى “وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 19 فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20 وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24).” سورة الأعراف.لقد اعتقد بعض من المفسرين بأن آدم قد نسي ما كان قد “عهد الله له” أي ما كلفه الله به وهو بأن لا يقرب هو وزوجه من الشجرة وكانوا قد بنوا اجتهادهم هذا علىقوله تعالى “وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا” سورة طه 115ولكن هذا خطأ فكيف يكون آدم قد نسي بانه كُلِف بالإبتعاد عن الشجرة والشيطان في نفس الوقت يُذكره فيه فلقد وسوس له وذكَره بما حذره الله منه هو وزوجه، قال تعالى فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ” فهنا ذَكّرهما الشيطان قبل أن يذوقا الشجرة “ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، ومع ذلك تجاوزا أمر الله وذاقا الشجرة، إذن فالذي نسيه آدم وكان الله قد عهده له هو حتماً لا يُشير على الإقتراب من الشجرة أو الأكل منها.إذن فماذا كان سيحصل لهما إذا حصل واقتربا من الشجرة، وهنا أتى بيان ذلك قال تعالى “فتكونا من الظالمين” …. فكان ما تسبب في ظلمهم لأنفسهم هو استماعهما لوسوسة الشيطان والذي كان غرضه هو … لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا” حيث وأن ما كان ووري عنهما من سوأتهما كان في الأصل محفوظ ومؤتمن عند الله، فكان الشيطان يهدف إلى تجريدهم من رحمة الله وحفظهما لنفسيهما عنده، فالله عهد لآدم حفظ وصيانتة نفسه ولكن الشيطان اراد لأن يُعريهما من لباس التقوى، فجردهم من ما كان الله قد اتقاهم شره …. وهو ظلمهم لنفسهم، إذن فكان النهي عن الإقتراب من الشجرة هو من أجل الحفاظ على النفس وبالتالي أصبح من الواضح إذن التعَرُف على ما عهد الله لآدم و كلّفه به وهو نفسه وذلك حتى لا يوقع نفسه بالظلم، وبما أن ما عهد الله لآدم هو مسؤولية وتكليف حفظه لنفسه فالأمانة إذن هي نفس آدم وبالتالي ختم الله الآية بالحديث عن إرادة آدم الضعيفة والتي لم تُتمكنه من مقاومة غريزته ففشل في الحفاظ على نفسه وبذلك اضحى آدم مهزوم الإرادة أمام فِعل وطلب الغريزة فتغلب عليه الشيطان باللهو فأنساه أمر ربه.قال تعالى “ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) الأعرافلم يحمل الأمانة آدم عليه السلام من ذاته كما فعل الإنسان البدائي الأول من قبله والذي حمَّل الأمانة لنفسه نتيجة ظُلمه وجهله وضعفه فتسببت في عدم طاعته لأمر خالقه، أما آدم فلقد كان بأن عهد الله إليه نفسه ليُحافظ عليها وبالتالي فلقد كَّلَف الله آدم الإنسان بذاته ونفسه الإنسانية وليكون أمين عليها فحمّله الأمانة، وكان في ذلك قول الله تعالى “ولقد عهدنا إلى آدم” أي كُنَا قد وكلّناه بنفسه وكلَفناه بحفظها … ولكنه أيضاً فشل في الحفاظ عليها، ولكن في هذه المرة كان النسيان هو السبب وليس الجهل.فمن تخوف السماوات والأرض والجبال على مصير ذاتهم والإشارة هلى ظُلم الإنسان الأول لنفسه وتحذير الله لآدم بأن لا يكون من الظالمين أي لأن لا يظلم ذاته ونفسه تعرفنا على ما هي الأمانة.قال تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ” سورة الجاثية 15 فالأمانة هي الذات وهنا النفس والتي هي مُلك لله وهو صاحبها وكان على الإنسان لأن يُبقيها في مأمن معه كما فعلت السماوات والأرض حين ابت لأن تكون مسؤولة عن حفظ ذاتها فامتنعت وبذلك سلَمت ذاتها لله ليدبر أمرها ويحفظها -إن عبادة الله هو ما كان قد أمر الله به الجن والإنس وهو ما كان قد خلقهم من أجله وبالتالي وحتى يكون الإنسان عبدا عليه لأن يكون عابداً ويُبقي على نفسه متعبدا قائماً بالعبادات والفرائض إلى أن تستقر به عبادته على نهج التوحيد والأسلمة الخالصة وينتهي طريقه بتقبل الله له في عباده وجنته … فعبادة الله كتبت على الانسان وبالتالي أُمر وكُلِف بها ولكن فلقد كان الإنسان الأول جاهلاً بحقيقة فطرته والتي خلق بها.إن من شروط الإيمان هو لأن تصدق النفس وتُنزهها عن فعل الغريزة وتُبقي عليها في مأمن، فحين يكون الإنسان مؤمن فهو يكون قد إختار لأن يئتمن على نفسه ويودعها في مأمن مع الله خالقها وهذا السلوك هو نقيض للكفر والذي فيه إخفاء وتستر وتغليف للحقيقة الإيمانية وللأمانة التي أراد الله لأن يستودعها عنده ويُبقيها في الحفظ والصون، وبالتالي حين كُلف آدم وذُريته بها أي بأنفُسهم أراد الله بذلك لأن يأتوه بمحض خيارهم، فكان على الرغم من بقاء الإنسان حر طليق يملك قراره ألا أن الله أبقى على الغريزة تغذي فؤاده وتوسوس في عقله وتحرك كيانه وبذلك حمّله مسؤولية تبعات أعماله فقضى عليه عبادة الله وحده ولأن يؤمن لهذا الواقع الخلقي بكل جوارحه وغيبياته وليبقى مُقيد رهين الإتمان على نفسه وليس كسابقه …… فعلم الله الإنسان فأصبح عنده علم الأسماء كُلها وعلمَه البيان فأصبح الإنسان بصير بعمله قائم على إدارة ورعاية نفسه وبذلك أصبح شاهد على نفسه، قال تعالى “بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ” سورة القيامة 1فحين فشل آدم بالحفاظ على نفسه تعرى من التقوى أي ما يقيه شر ظُلم نفسه ففقد وقاية وتحصين الله له والتي كان قد احاطه الله بها فاصبحت نفسه عارية وبدون حفظ ومأمن يتقيها به، وبقي كذلك إلى أن تاب الله عليه ومنحه فرصة جديدة ليبحث عن ملجأ التقوى بنفسه هو وذُريته فكان وبقي العهد قائم، قال تعالى “فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” سورة البقرة 37 فآأصبح آدم وذُريته اليوم مسؤولين عن حمل الأمانة ومُكلفين لا مُخيرين .. ولكن فعزمهم أي إرادتهم بقيت ضعيفة وتحكمها الغريزة قال تعالى “يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَ ا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ” سورة الأعراف 27 وقال تعالى “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَ‌ٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَ‌ٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” سورة الأعراف 26 فحين عَهِد الله سبحانه وتعالى لآدم الأمانة كفّله وكلّفه ووكله وذريته بها وذلك حتى يحافظ الناس على أنفسهم ويُقبلوا على صراطه المستقيم بخيارهم مؤمنين على أنفسهم عنده بالحفظ والتفوى … وكان من أهم ما فرض علينا االله هو الصلاة وذلك ليُعزز مفهوم العبودية – رمز الأسلمة والخصوع والطاعة المطلقة – فكانت صلاتنا تفي بغرض وشرط العبودية والتي خلقنا من أجله، قال تعالى “وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون” فعززت صلاتنا من حقيقة خلقنا المسلم والذي يتوافق مع السُنّة الكونية للخلق، وكانت تهدف لتحقيق ميثاق الحفظ والإتمان فتُبقي على الصلة والتواصل مع خالقنا، وكانت فاتحة الكتاب وقولنا فيها “وإيّاك نعبد وإياك نستعين” هو من أجل تثبيت العهد والمحافظة عليه وتجديده … فكانت بمثابة قسم الولاء والخضوع والتسليم نردده المرة تلو المرة وفي كل ركعة والتي فيها نؤكد على التزامنا في الحفاظ على أنفسنا وإتماننا عليها عند خالقها ونختمها بقولنا آمين لأنه هو وحده الأمين على أنفسنا ولا أحد سواه، … فأراد الله بالأمانة لأن يمتحن خضوعنا وإسلامنا إليه وابقى على الفرصة أمام الذين يحفظون أنفسهم ويبقوا عليها في طمأنينة ومأمن وسلام عنده “أي المؤمنين والمتقين منهم” لأن يتقبلهم في عباده وجنته حين يأتيهم الأجل وعندها تُرد أنفُسهم لخالقهم فتسلم له وتودع في مأمن عندهفيقول الله تعالى “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)” سورة الفجر

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2015
    المشاركات
    3
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    28-08-2015
    على الساعة
    08:00 PM

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    من هو الانسان البدائى الذى خلق منه آدم ؟ وما الدليل على ذلك ؟ فنحن نعلم ان الله خلق آدم وحواء وهم اول الخلق وانه قد خلقهم من طين ولم نعلم شيئا عن هذا الانسان البدائى . فأرجو التوضيح باختصار

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2015
    المشاركات
    2
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    13-09-2015
    على الساعة
    03:11 PM

    افتراضي

    موضوع رااائع

ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. المراء والجدال
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-12-2009, 02:43 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها

ألأمانة وإختلاف الأراء والتفاسير حول ما المُراد بها