ادَّعَوا أنّ نبيَّنا r كان يشكُ في قدرةِ اللهِ وكذلك إبراهيمُ u !
وقالوا: هذا باعترافِ نبيِّكم...

واستدلوا على ادّعائِهم بما جاءَ في الصحيحين:

1- صحيحُ البخاريِّ كتاب(التفسيرِ) باب(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى) برقمِ 4173 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ:{ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }".

2- صحيحُ مسلمٍ كتاب(الإيمانِ) باب(زِيَادَةِ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِتَظَاهُرِ الأَدِلَّةِ) برقمِ 216 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنّ رسولَ اللهِ r قَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ r إِذْ قَالَ: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
قَالَ: " وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ ".

الردُّ على الشبهةِ

أولًا: إنّ الأمّةَ أجمعَت على عصمةِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه مِنَ الكفرِ، والشركِ، والشكِّ في قدرةِ اللهِ I ومَن تسلطِّ الشيطان عليهم وتمكنِّه من دعوتِهم، وأنّ تلك العصمةَ صفةٌ أساسيّةٌ فيهم، وشرطًا ضروريًا من شروطِ الرسالةِ، كما أنّها جزءٌ مِنَ الكمالِ البشريِّ الذي كمّلَهم اللهُ به حتى يبلّغوا رسالةَ ربِهم إلى قومِهم.

وبالتالي: فإنّ مِنَ المستحيلِ أنْ يشكَّ نبيٌّ مِن أنّبياءِ اللهِ في قدرةِ اللهِ I أبدًا لاسِيّما إبراهيمَ u.

فكيف يشكُّ u وقد وصفَه ربُّه I في كتابِه المجيدِ قائلًا: ] وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ [(الأنبياء 51).

وقالI عنه: ] وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ [(الأنعام 75).

جاءَ في التفسير الميسّرِ: وكما هدَينا إبراهيمَ u إلى الحقِّ في أمرِ العبادةِ نُريه ما تحتوي عليه السماواتُ والأرضُ من مُلْكٍ عظيمٍ, وقدرةٍ باهرةٍ, ليكونَ مِنَ الراسخين في الإيمانِ. اهـ
كذلك كيف يشكُّ إبراهيمُ u وقد قال اللهُ I بعد ذِكرِ نوحٍ u: ] وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ]83[ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ]84[ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ]85[ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ]86[ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ]87[ [(الصافات)؟!

جاءَ في التفسيرِ الميسّرِ: وإنَّ مِن أشياعِ نوحٍ على مِنهاجِه وملَّتِه نبيَّ اللهِ إبراهيمَ، حين جاءَ ربَّه بقلبٍ بريءٍ مِن كلِّ اعتقادٍ باطلٍ وخُلُقٍ ذميمٍ، حين قال لأبيه وقومِه منكِرًا عليهم: ما الذي تعبدونه مِن دونِ اللهِ؟ أتريدون آلهةً مُختلَقَةً تعبدونها، وتتركون عبادة اللهِ المستحَقِّ للعبادةِ وحدَه؟ فما ظنُّكم بربِ العالمين أنّه فاعلٌ بكم إذا أشركْتم به وعبدْتم معه غيرَه؟. اهـ

والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: هل هذا كلامُ رجلٍ شاكٍّ في قدرةِ اللهِ؛ يقولُ للكافرين على سبيلِ الترهيبِ: " فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ !

ثم كيف يشكُّ u وهو خليلُ اللهِ وقد قال اللهُI فيه:] وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا(125) [(النساء).

ثانيًا: إن معنى قولِه r: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ rإِذْ قَالَ: رَبِّ أَرِنِي كَيْف تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ".

يتضحُ مِن أقوالِ العلماءِ كما يلي:

1- قال النوويُّ - رحمَه اللهُ-: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَقْوَال كثيرٍة أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِبْرَاهِيم الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ العُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ مُسْتَحِيلٌ فِي حقِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لَوْ كَانَ مُتَطَرِّقًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقّ بِهِ مِنْ إِبْرَاهِيم وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكُّ فَاعْلَمُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ u لَمْ يَشُكَّ، وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمَ r لِكَوْنِ الْآيَةِ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ الْفَاسِدَة مِنْهَا اِحْتِمَالُ الشَّكِّ وَإِنَّمَا رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى نَفْسِهِ r تَوَاضُعًا وَأَدَبًا أَوْ قَبْلَ أنْ يعْلَمَ r أَنَّهُ خَيْرُ وَلَدِ آدَمَ. اهـ

2- قال القرطبيُّ - رحمَه اللهُ - في تفسيرِه: وأمَا قولُ النبيِّ r:" نحن أحقُّ بالشكِّ مِن إبراهيمَ u " فمعناه أنّه لو كان شاكًّا لكُنّا نحن أحقَّ به ونحن لا نشكُّ فإبراهيمُ u أحرى ألا يشكُّ، فالحديثُ مبنيٌّ على نفي الشكِّ عن إبراهيمَ، والذي روى فيه عنِ النبيِّ r أنّه قال:(ذلك محضُ الإيمان) إنّما هو في الخواطرِ التي لا تثبتُ، وأما الشكُّ فهو توقّفٌ بين أمرَين لامزيّةَ لإحْداهما على الآخرِ، وذلك هو المنفي عنِ الخليل u. اهـ

قلتُ: إنّ هذه أجملَ الأقوالُ التي تميلُ إليها نفسي، وعليْها فالحديثُ لا يُؤخذُ على ظاهرِه كما فهمَ المُعترضون الذين لا عِلمَ عندهم بقواعدِ التفسيرِ، ولا باللغةِ العربيةِ...

ثم إنّ هذا الحديثَ صنّفهُ الإمامُ النوويُّ في صحيحِ مسلمٍ في بابِ(زِيَادَةِ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِتَظَاهُرِ الأَدِلَّةِ) هكذا فهمَ - رحمَه اللهُ-، وفَهِمنا نحن – المسلمين-، لا كما فهمَ المعترضون...
سفرُ أيوبَ إصحاح 11 عدد 12 " أَمَّا الرَّجُلُ فَفَارِغٌ عَدِيمُ الْفَهْمِ، وَكَجَحْشِ الْفَرَا يُولَدُ الإِنْسَانُ".

وعليْه تسقطُ دعْواهم التي تقولُ: إنّ نبيَّنا r كان يشكُّ في قُدرةِ اللهِI وكذلك إبراهيمَ u... !


ثالثا: إنْ قيلَ: إنّ الآيةَ تدلُّ على أنّ إبراهيمَ شكَّ في قدرةِ اللهِ I: ] وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أنّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [(البقرة 260).

قلتُ: إنّ الجوابَ على ذلك يكون بجوابِ إبراهيمَ u نفسِه حينما قال لمّا سألَه ربُّه: " أَوَلَمْ تُؤْمِنْ

قَالَ تعالى: " بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ".

والمعنى: أنّي مؤمنٌ بقدرتِك، ولكنّني أطلبُ ذلك لأزدادَ يقينًا على يقيني.

قال العلماءُ - رحمَهم اللهُ-: سَأَلَ زِيَادَةَ يَقِينٍ وَإِنْ لم يكنْ الأوّلَ شَكًّا فَسَأَلَ التَّرَقِّي مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ. راجعْ شرحَ النوويِّ لمسلمٍ.

فواضحٌ مِنَ السؤالِ والجوابُ أنّه u لم يسألْ لشكٍّ، أو لشُبهةٍ أو لتردّدٍ وهذا ظاهرٌ مِن سؤالِه... إذ لم يقلْ للهِ I: هل تقدرُ أنْ تُحْي الموتى أم لا تقدرُ؟

وهذا يشبهُ قولا لرسامٍ كبيرٍ: دعْني أنظرُ إليك وأنت ترسمُ اللوحةَ، أو لخطاطٍ كبيرٍ: خُطَّ أمامي لكي أرى كيف تخطُّ مثلَ هذه الخطوطِ الجميلةِ.

وعليه: فإنّ الإيمانَ ثلاثُ مراتبٍ:(1) علمُ اليقينِ) 2) عينُ اليقينِ(3) حقُّ اليقينِ.

وبالمثالِ يتّضحُ المقالُ: فلو أنّ هناك شخصًا آمَنَ إيمانًا يقينيّا لا شكَّ فيه أنّ داخلُ الحقيبةِ طعامًا فهذا علمُ اليقينِ، ولو فتحَ الحقيبةَ ونظرَ الطعامَ بعَيْنَيْه فهذا عينُ اليقينِ، ولو أمسكَ بهذا الطعامِ وأكلَ منه فهذا حقُّ اليقينِ، والملاحظُ مِنَ الآياتِ: أنّهu أرادَ أنْ يرتقيَ مِن علمِ اليقينِ إلى عينِ اليقينِ، وليس ثمّةَ شكٌّ في إيمانِه كما فهمَ واعتقدَ المعترضون، وبهذا ينتهي الردُّ على الشبهةِ الواهيةِ - بفضلِ اللهِ I -.

ثالثا: إنّ الكتابَ المقدّس ذكرَ شبهةً مثلَ شبهتِهم تمامًا، ولكنها مع موسى لمّا أرادَ أنْ يطلبَ رؤيةَ ربِّه كي يرى مجدَه...؟!
وذلك في سفرِ الخروجِ إصحاح 33 عدد 17" فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ».18فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ». 19فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ». 20وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأنّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». 21وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. 22وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِي، أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ. 23ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي، وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى".

نُلاحظُ هذا النصَّ: " 18فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ»".

واتسآءلُ: هل كان شاكّا في قدرةِ اللهِ... كي يطلبَ أنْ يرى مجدَ اللهِ...؟!
لا تعليقُ !

كتبه / أكرم حسن مرسي