بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الأمة الإسلامية تنتظر هذه الأيام حلول أفضل أيام العام، قياماً بواجب النصيحة والبيان، اخترت للقراء الكرام كتاباً يتناول فضل هذه الأيام وأحكام الأضحية، سائلاً المولى جل وعلا أن ينفع به الجميع، والآن أترك حضراتكم مع الحلقة الأولى من الكتاب، حيث يقول كاتبه:
الحمد لله واسع الفضل والإحسان، مضاعف الحسنات لذوي الإيمان والإحسان، ولا تغيض نفقاته بمر الدهور والأزمان، وأصلي وأسلم على رسوله محمد المبعوث رحمة للأنام، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أمــا بعــد :
فإن الله عز وجل بحكمته فضل بعض الأزمنة على بعض، وجعل منها مواسم للتجارة الرابحة معه سبحانه، ومن هذه المواسم العشر الأول من شهر ذي الحجة.
قال الله سبحانه وتعالى:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } (1)
وقال عز وجل:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } (2)
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " المعلومات: يوم النحر، ويومان بعده، والمعدودات: ثلاثة أيام بعد يوم النحر "(3)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " الأيام المعلومات: أيام العشر والأيام المعدودات: أيام التشريق" (4)
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمة الله تعالى عليه في ( فتح الباري ): وصله عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه، وروي ابن مردويه من طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات: التي قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، والمعدودات: أيام التشريق، وإسناده صحيح، وقد روى ابن أبى شيبة من وجه آخر عن ابن عباس" أن المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده "ورجح الطحاوي هذا، لقوله تعالى:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ }
فإنه مشعرٌ بأن المراد أيام النحر.
قال الحافظ: وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات، ولا أيام التشريق معدودات، بل تسمية أيام التشريـق معدودات متفق عليه، لقوله تعالـى: { وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ....... الآيـة } (5)
وكان ابن عمر وأبو هريرة – رضي الله عنهم جميعاً – يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما (6)
الأحاديث الواردة في فضلهما:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد ؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ]
أخرجه أحمد والبخاري واللفظ له وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وعند أبي داود بلفظ: [ ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ]
وفي رواية بلفظ:[ ما من عمل أزكي عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى ]
2- وفي حديث جابر رضي الله عنه عند أبى عوانة وابن حبان[ ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة ]
3- وعنه أيضاً رضي الله عنه: [ أفضل أيام الدنيا أيام العشر ] أخرجه البزار
4- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد } أخرجه أحمد
5- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي ؟ قال: ثم بر الوالدين . قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله. فسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني.
أخرجه البخاري ومسلم
6- وعن أبى قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة ؟ قال:[ أحتسب علي الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ]
أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه
ما يستفاد من هذه الأحاديــــث وغيرها مما جاء في معناها:
أولاً: تفضيل بعض الأزمنة علي بعض كالأمكنة، فأفضل شهور السنة مطلقاً شهر رمضان، وأفضل الليالي العشر الأخيرة منه، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة، وأفضل الأيام يوم عرفة، وأفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، وأفضل الأوقات وقت السحر، كما أن أفضل البلاد مكة المكرمة، وأفضل المساجد المسجد الحرام.
ثانياً: فضل أيام عشر ذي الحجة علي غيرها، وأن العمل فيهما أفضل من العمل في غيرها من أيام السنة، وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها، فنقل الحافظ عن ابن أبى جمرة قوله: " إن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة علي غيرها "، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب، فصار للعابد فيها مزيد فضل علي العابد في غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام (7) ا هـ.
قلت: هذه الأفضلية لا يعارضها ولا يعكر عليها كونها أيام عيد وأنها أيام أكل وشرب وبعال وذلك لسببين هما:
الأول : أنها لا تنافي استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر، فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة .
الآخر: أن ذلك لا يمنع العمل فيها، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى، ويؤيده ما جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم ؟ ذكر الله ](8)
ويؤيده أيضاً الحديث الرابع وما جاء فيه من الحث علي الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد، وكذلك ما كان يفعله الصحابة كأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم جميعاً من الخروج إلى السوق يكبران فيكبر الناس جميعاً.
وهنا انتهت الحلقة الأولى، وإلى أن نلتقي بمشيئة الله تعالى في الحلقة الثانية أترككم في رعاية الله تعالى وأمنه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآية رقم 203 من سورة البقرة
(2) الآية رقم 28 من سورة الحج
(3) انظر شرح السنة للبغوي 4/344
(4) ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً – انظر الفتح 2/457
(5) انظر فتح الباري 2/458
(6) ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً وكذا البغوي، انظر فتح الباري 2/457 ، شرح السنة 4/301
(7) انظر الفتح 2/459
(8) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم ، انظر صحيح الجامع 1/513 حديث
رقم 2629
المفضلات