تساؤلات مَحمومة

*************************************

كانت الشمس تميل وتجنح إلى المغيب وقرصها العجيب يكافح من أجل البقاء بعد أن

نشرت النور والضياء حتى صارت وهى فى أفق السماء هالةٌ كأنّها بصمةٌ من دماء

سرعان ما ولّت وتلاشت وسرعان ما أسدل الليل ستائره ونزل ِبحَلَكتِه ولفَّ الكون

بظلمته .

ووقف الرجل كعادته متمتماً يردد تلك الكلمات :

هل الكافر أو غير المسلم اسْتبد بأمرٍ خرج به عن قدرةِ وعلمِ الله .. ؟ !

هل المؤمن أو المسلم استغنى بإيمانه أو إسلامه عن معونةِ وفضلِ الله .. ؟ !

بالقطع : لا : فنحن جميعا عبيدٌ لله .. فلماذا إذن : يشركون بالله .. ولماذا يعصون الله ..

؟ !

*********

لحظات .. وانطلق الآذان .. فاتجه الرجل صوب المسجد لأداء الصلاة ومكث فى

المسجد إلى صلاة العشاء وهو يقرأ فى كتاب الله .. ثم خرج سائرا يخطو ويقطع جنبات

الطريق بخطوات متثاقلة تتوارد على خاطره أفكارا متناثرة .

صار بعيدا عن الصخب والضجيج الأجواء من حوله هادئة ساكنة تظله سماء صافية ..

إلا أن الهمومُ تعتريه والغموم متشبثة فيه .

قابله شيخ هَرِم بادره بالكلام بعد إلقاء السلام قائلا له : ما لى أراك أيها الرجل مهموماً

شارد الفكر مغموماً يكسو وجهك الأسى والحزن وتعلو جبهتك المرارة والألم .

فنظر إلى الشيخ نظرةً فاحصة وقال : أيها الشيخ الكريم لقد علِمت ما بى بالحدس أو

التخمين ..

إن ما أهمّنى وغمّنى ما أراه من غير المسلمين .. وما هو جاريا وساريا بين المسلمين .

ألا ترى :

أنه ما زال هناك كافرين ومشركين . ويهود ونصارى وصابئين :

لم يتبعوا ما أمر به الله .. ونحن جميعاً عبيدٌ من عباد لله !

كيف بِهؤلاء وهؤلاء على مختلفِ أقطارهم ومن شتى بلادهم وبلدانِهم : لا يفرقون بين

العذاب والنعيم ولا بين الجنة والجحيم ؟ !

الكافرين والمشركين ما زالوا قابعين فى الوثنية يغطون فى الجاهلية !

أهُم ناقصى الأهلية أم أنّهم مجانين غير مكلّفين ؟ !

لقد أشركوا بالذى خلقهم .. وأقبلوا فى عبادتِهم على مالا يضرهم ولا ينفعهم !

لقد اتخذوا آلهة غير الله ! ولم يوحدونه سبحانه وتعالى وهو الإله !

ألم يتذكروا فطرتَهم التى فطرها الله لهم حتى تنشرح صدورهم لوحدانية الله ؟ !

ألم يشهدوا كما شهدنا بألوهية الله .. وبأنه لارب ولا إله سواه ؟ !

*********

أسَيَظلون فى ضلالهم يعمهون لا يقدرون قدر الله ؟ !

يعبدون مالا يملك لهم رزقاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشورا !

أيتبعون آباءهم فى جهلهم وفى افترائهم على ربّهم ويقولون مثل قولهم بأن هذا ما

ألفينا عليه آباءنا ووجدنا عليه أجدادنا ! ثم يدّعون أنّهم عاقلين راشدين !

إنّهم بذلك أضل من الأنعام .. يساقون كالإبل والأبقار والأغنام .. ؟ !

هل هناك إله غير الله قام بإفساد الأرض التى أصلحها الله .. ؟ !

هل هناك إله غير الله قام بتغيير مدارها ومسارها منذ أن خلقها الله .. ؟ !

هل هناك إله غير الله منع تعاقب ليلِها ونَهَارِها .. ؟ !

هل هناك إله بدّل المحيطات والبحار والأنْهار وجعلها أرضا أوجبال .. ؟ !

هل هناك إله أتى بالشمس من المغرب بدلا من أن تأتى من المشرق .. ؟ !

هل وُجِد من الخلق من خَلَقَ خلقا أو سيخلق خلقا ليصير به نِدّا لله .. ؟ !

هل وُجِد أحدٌ سَمّى نفسه الله .. ؟!

لو كان هناك آلهة غير الله ألم يذهب كل إله بما خلق ويتعالى على من سواه ؟ !

ألا يستحُون من رب الأرض والسماء ؟ ! وهم عبيد أذلاء !

هل هناك إلهٍ يساهم الله فى الخلق أو يساويه .. أو ينازع الله فى الملك أو يناويه ؟ !

هل هناك إله شارك الله فى فعله أو فى قدرته .. أو أعان الله فى علمه أو إرادته ؟ !

إنه إتقان ونظام وتدبير وإحكام .. إنه أمر وحكم وقهر .

عزيزٌ جبار .. واحدٌ قهار .. مالكٌ للملكِ والملكوت وصاحبٌ للعز والجبروت .

*********

أمامهم ملكوت الله ألا ينظرون إليه وإلى ما خلق الله .. ألا ينظرون إلى قدرته وبديع

صَنْعته !

ألا يعون أن الله تبارك وتعالى هو رب كل شىء وفاطره وخالق كل شىء وبارئه !

لقد جعل الأرض مقرا لنا ومستقرا .. فيها كان مهدنا ومهادنا .. وفيها نشأتنا ..

وسيكون فيها حتفنا وموتنا .. ومنها سنخرج إلى حسابنا بعد بعثنا .

لقد جعلنا الله خلائف فى الأرض لنخلف بعضنا فنستخلف من كان قبلنا ويستخلفنا من

سيأتى بعدنا .

منحنا الله الماء والهواء .. ووهبنا النور والضياء . وأخرج لنا من الأرض النبات ..

وجعل لنا منه ومن الطير والأنعام أقوات .

خلق الله أبينا آدم من سلالة من طين وخلقنا من الماء المهين .

جعل اختلافا فى ألسنتنا وميز فى ألوانِنا وجعل لبسا ولباسا وارى به أجسادنا

وسوءاتِنا .

ألا يقوا أنفسهم من شر يومٍ عسير سيكون عليهم غيرَ يسير ؟ !

ألا يطلبون النجاة من يومٌ عبوسٌ قمطرير .. يومٌ شره مستطير ؟ !

*********

وانظر أيها الشيخ إلى : أهل الكتاب : من اليهود والنصارى .

الذين آمنوا بأنبياء ورسل الله .

كيف لا يتبعون النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى الإنجيل والتوراة .. ؟ !

كيف يضاهئون الكفار والمشركين فى عدم توحيد الله .. ؟ !

ألا يعوا ما قاله أنبياؤهم ورسلهم بأن الله واحد أحد وفرد صمد .. ؟ !

اليهود تقول أن عزير بن الله والنصارى تقول أن المسيح ابن الله .. !

أيقولون عن النبى الذى اصطفاه الله واجتباه بأنه ابن لله .. !

أيجعلون النبى المرسل من الله بأنه ولد لله .. ! أليس فى هذا شرك بالله .. !

لو أراد الله أن يصطفى من خلقه وعبيده ولداً لاصطفاه .. فهو الإله .

أيقول اليهود عن رب الأرض والسماء أنه فقير وهم أغنياء .. !

أيقول اليهود عن خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم أن يد الله مغلولة .. !

أتدعى النصارى أن الله الواحد الأحد اتخذ صاحبة وولد ..!

أيدعون أن سيدنا عيسى عليه السلام ابن الله .. !

أيقولون على الله أنه ثالث ثلاثة .. !

إن هذا لااجتراء وافتراء .

لقد أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا ما قالوا دون برهان ودون علم أو سلطان .

*********

يدّعون أنّهم أحباء وأبناء الله .. !

ولقد حرفوا وبدلوا وغيروا فى الكتب المنزلة من عند الله .

كيف يتخذون أحبارهم ورهبانَهم أرباباً من دون الله .. !

يُلْبِسون الحق بالباطل وهم يعلمون .. ويكتمونه ولا يستحُون .. !

يدعون أنّهم يتبعون سيدنا إبراهيم عليه السلام ولقدكان خليل الله موحداً بالله .

جحدوا دين الله وكذبوا كتاب الله ولم يصدقوا سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم

لوكان آباؤهم جاهلين غير مهتدين أسيظلون مثلهم مذعنين وفى الغى والضلال

قابعين .. ؟ !

لقد فضلهم الله بالعقول والأفهام حتى لا يكونوا كالأنعام .

لقد خيرهم فى كتابه ومحكم آياته : إن شاءوا أن يؤمنوا فليؤمنوا وإن شاءوا أن

يكفروا فلْيكفروا .. ولكن يجب أن يعلموا :

أن دين الله هو آخر الأديان .. فمن جحده أو أنكره فقد خالف ما أمر به الله . وليترقبوا

إذن المورد الوخيم الذى ينتظرهم فى يوم الدين .

فالإيمان بالله واتباع دين الله : ما هو إلا شفقة عليهم من العذاب الأليم وما هو إلا رحمة

بِهم من سكنى الجحيم .. فإن أصروا على ما هم فيه : فقد بلغتهم النذارة والبشارة .

فلقد كانت كل أمة من الأمم السابقة : واجباً ومفروضاً عليها اتباع النبى والرسول الذى

أرسله الله .. تنتهى رسالته بظهور من يليه من أنبياء ورسل الله .. إلى أن جاء آخر

نبى وآخر رسول من الله وهو سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : فأصبح

واجباً على كل من وُلِد من بعده من كافة خلق الله اتباعه .. لأنّهم جميعا من أمته وكلهم

مُخاطبون برسالته .

فلقد تعاقبت الرسالات وتدرجت الأديان إلى أن أتاهم وأتانا دين الله وأتاهم وأتانا سيدنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون رسولهم ورسولنا ونبيهم ونبينا وليكون

بشيرهم وبشيرنا ونذيرهم ونذيرنا .. ثم انتقل إلى مثواه .. وترك لنا الكتاب الذى أنزله

الله ليكون شريعة لنا فى هذه الحياة .

*********

أيها الشيخ الكريم :

هؤلاء جميعا ألم يضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا ..!

أيَحسبون أن الله قد خلقهم عبثا لا يتناهون ولا يؤمرون .. ؟ !

أيَحسبون أنّهم من اقترافِ القتل والبغى والظلم بعيدين .. أو أنّهم من عذاب الله

ناجِين .. ؟ !

أيَحسبون أنّهم فى ملك الله يرتعون وبِنِعمه يتنعمون وبعد ذلك لا يُحاسبون ..؟!

إن كانوا قد نسوا أعمالهم فالله لم ينساها وإن لم يُحصوا أفعالهم فالله قد أحصاها .

أحسبوا أن الله سيتركهم فى يوم المآب دون حساب .. ؟ !

أحَسِبوا أن يبلغهم دين الله وأمامهم كتاب الله وبين أظهرهم سيدنا رسول الله صلى الله

عليه وسلم ويُتركون دون عقاب .. ؟ !

*********

لقد احتال عليهم الشيطان فانغمسوا فى الشرك والبطلان .

لم يدركوا أن هذا اللعين أخرج أبويهم من جنة النعيم وأنه سيفر منهم يوم الدين .

لم يعوا أن هذا الأثيم قد أبى السجود لأبينا وزها بِخلْقه من النار على خلْقنا من الطين .

لقد أفصح لنا ولهم عن عداوته وأقسم بالله وعزته ليغْوينّنا أجمعين إلا عباد الله

المخلصين .

ألا يختارون الرشد والهداية .. بدلا من الإذعان للضلال والغواية .. ؟ !!

ألا يعملون ليومٍ سيجازى فيه كلٌ منا عما فعل واحتقب ويُحاسبُ عما كسب واكتسب .

*********

تعثر الشيخ فى خطواته والدموع تتساقط من عينيه على وجنتيه وقال :

أيها الرجل النجيب ذو العقل اللبيب : لقد فجرت أحزانى وزلزلت أقدامى .

فهيا معى إلى الجلوس لأنى قد أشرفت على الإعياء ولدى أشياء وأشياء .. وما أكِنّه

وأخفيه أكثر مما أنت فيه .


** ** ** ** ****************************** ** ** **
سعيد شويل