الحديث الثاني :
عن أبي سعيد الخدري قال : خرج رسول الله في أضحي أو فطر إلي المصلي فمر علي النساء فقال : ( يا معشر النساء... ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ). قلن : وما نقصان عقلها يا رسول الله؟ قال : ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ) قلن : بلي. قال : ( فذلك من نقصان عقلها , أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ) قلن : بلي. قال : ( فذلك من نقصان دينها ).[رواه البخاري ومسلم]
وسنعرض لهذا الحديث من ثلاث زوايا :
الزاوية الأولي : الدلالة العامة لقوله صلي الله عليه وسلم : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) :
إن النص يحتاج إلي دراسة وتأمل سواء من ناحية المناسبة التي قيل فيها أو من ناحية من وُجه إليهن الخطاب أو من حيث الصياغة التي صيغ بها الخطاب , وذلك حتي نتبين دلالته علي معالم شخصية المرأة. فمن ناحية المناسبة فقد قيل النص خلال عظة للنساء في يوم عيد , فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء أو يحط من كرامتهن أو ينتقص من شخصيتهن في هذه المناسبة البهيجة !! ومن ناحية من وجه إليه الخطاب فقد كنَّ جماعة من نساء المدينة وأغلبهن من الأنصار اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب : ( فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار) , وهذا يوضح لماذا قال الرسول الكريم : (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). أما من حيث صياغة النص فليست صيغة تقرير قاعدة عامة أو حكم عام. وإنما هي أقرب إلي التعبير عن تعجب رسول الله من التناقض القائم في ظاهره تغلُّب النساء - وفيهن ضعف – علي الرجال ذوي الحزم.أي التعجب من حكمة الله !. كيف وضع القوة حيث فطنة الضعف وأخرج الضعف من مظنة القوة ! لذلك ؛ نتسائل هل تحمل الصياغة معني من معاني الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟ وهل تحمل تمهيدا لطيفا لفقرة من فقرات العظة وكأنها تقول : أيتها النساء إذا كان الله قد منحكن القدرة علي الذهاب بلب الرجل الحازم برغم ضعفكن فاتقين الله ولا تستعملنها إلا في الخير والمعروف.
وهكذا كانت كلمة " ناقصات عقل ودين" إنما جاءت مرة واحدة وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد لعظة خاصة بالنساء , ولم تجئ قط مستقلة في صيغة تقريرية سواء أمام النساء أو أمام الرجال.
والزاوية الثانية : هي الدلالة الخاصة لقول " ناقصات عقل" :
هناك عدة احتمالات للنقص العقلي , مثل :
1. نقص ( فطري عام ) أي في متوسط الذكاء.
2.نقص ( فطري نوعي ) أي في بعض القدرات العقلية مثل الاستدلال الحسابي والتخيل والإدراك.
3. نقص ( عرضي نوعي قصير الأجل ) وهذا يطرأ علي الفطرة مؤقتا نتيجة ظرف عارض مثل دورة الحيض أو مدة النفاس أو بعض فترات الحمل.
4. نقص ( عرضي نوعي طويل الأجل) وهذا يطرأ علي الفطرة نتيجة ظروف معيشية خاصة كالانشغال بالحمل والولادة والرضاعة والحضانة , هذا مع الانحصار بين جدران البيت لا تكاد تغادره والانقطاع تماما عن العالم الخاجي مما يؤدي إلي ضمور الوعي بمجالات الحياة وضعف الإدراك لقضايا المال وغيرها.
إن المثال الذي ضربه الرسول الكريم للنساء علي نقص العقل يساعد علي ترجيح النقص النوعي سواء أكان فطريا أم عرضيا , وأيَّا كان مجال النقص فهو لا يخدش قواها العقلية وقدرتها علي تحمل جميع مسئولياتها الأساسية , ومن هذه المسئوليات ما تختص به وهو حضانة الأطفال , وهذه ما كان الله ليسندها إلا لإنسان سويّ. وما كان لنا نحن الرجال أن نأمن علي أبنائنا وبناتنا في كنف إنسان عاجز مختل العقل والدين !!!
ومن المسئوليات ما تشارك فيه المرأة الرجل مثل الأمور الآتية :
1. المسئولية الإنسانية : أي تحمل الإنسان مسئولية عمله ومحاسبته عليها في الآخرة وهذه في الكتاب العزيز.
2. المسئولية الجنائية وتحمل العقوبات الجزائية في الدنيا عن السلوك المنحرف وهذه مقررة في الكتاب العزيز.
3. المسئولية المدنية وحق التصرف في الأموال وعقد العقود والولاية علي القصر وهذه يقرها عامة الفقهاء بأدلتها من الكتاب والسنة.
4. مسئولية تولي القضاء في الأموال وهذه يقرها أبو حنيفة.
5. مسئولية رواية السنة المبينة للكتاب , وهذه يجمع عليها علماء المسلمين.
وإذا كان النقص النوعي هو الأرجح فالاحتمالات الثلاثة الأخيرة واردة ولا تعارض بينها بل ربما تبادلت التأثير. فمن حيث وجود النقص الفطري في بعض القدرات الخاصة مثل استيعاب قضايا المال والأرقام وهي القدرة المنصوص عليها في الآية الكريمة : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري } فهذا النقص إن لم يكن فطريا منذ الولادة ومميزا للأنثي عن الذكر كما تتميز في بعض أعضاء البدن , فهو فطري أو شبه فطري في مرحلة ما بعد البلوغ , بتأثير التطورات المتعلقة بأعضاء الجنس في مرحلة الزواج والأمومة , أي مع اكتمال دور أعضاء الجنس وما ينتج عنه من حمل وولادة وإرضاع , هذا من جانب , ومع اكتمال الحياة الاجتماعية المتميزة للمرأة من جانب آخر. ويشجعنا علي هذا الرأي التفاعل المشاهد عادة بين الحياة البيولوجية والاجتماعية من ناحية والحياة العقلية من ناحية أخري. ومن مظاهر هذا التفاعل ما يقع في حالة شهاة المرأة كأن يغلب عليها الجانب العاطفي الانفعالي أو حيث تعتريها فترات حرجة مثل فترة الحيض أو حين يثقلها الحمل والإرضاع والحضانة فضلا عن رعاية البيت. ثم أن الحديث النبوي يشير إلي النقص الذي تتصف به المرأة ولكنه لا يحدد المرحلة , وكأن تحديد المرحلة متروك للجهد البشري والبحث العلمي الرصين. علي أنه ينبغي التنبه هنا إلي أمور ثلاثة :
أولها : أن النقص النوعي في إحدي القدرات الخاصة قد يقابله زيادة في قدرة أو قدرات أخري. وثانيها : أن النقص هنا يتعلق بالنساء علي العموم وهذا لا يمنع وجود بعض نساء قد وهبهن الله قدرات عالية بل وخارقة أحيانا في نفس المجالات التي ينقص فيه مستوي عامة النساء كما لا يمنع أن يكون أولئك النسوة أفضل من كثير من الرجال. يقول ابن تيمية : ... فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص فربَّ حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش : وقال في موضع آخر : ... فهذا الأصل يوجب أن يكون جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية , وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من أكثر الحاضرة. وثالثها : إذا كان النقص النوعي الفطري أو العرضي نتيجة بعض وظائف الأعضاء مما كتبه الله علي بنات آدم , وهو أمر صالح يعين علي تحقيق كل من الرجل والمرأة دوره في الحياة , فإن الحياة الرتيبة المنعزلة وراء جدران البيت هو أمر خطر علي حياة المرأة وحياة الأسرة وحياة المجتمع كله , إنه خطر يكاد يذهب بعقل المرأة كله , وتكاد تصبح معه كالسائمة لا تملك من أمرها شيئا ولا تدري مما يجري حولها شيئا. فيضعف تبعا لذلك دورها في تربية أبنائها وينعدم تبعا لذلك دورها في إنهاض مجتمعها بنشاط اجتماعي أو سياسي.
فقرات من مرجع حديث في علم النفس تلقي بعض الضوء علي الخصائص العقلية والنفسية لكل من الرجل والمرأة :
• الفروق بين الجنسين ... تنطبق فقط علي المجتمع الذي عملت فيه هذه البحوث تحت الظروف الخاصة بهذا المجتمع. وعلي ذلك فهي غير صالحة للتطبيق بوجه عام , ولكن مع ذلك , فلن نعدم وسيلة للاستفادة الجزئية ببعض ما جاء فيها.
• الواقع أن أية مقارنة بين الجنسين تقوم فقط علي النتائج الكلية لاختبارات الذكاء يحتمل أن تسفر عن نتائج غامضة , إذ أن الإناث يتفوقن في بعض القدرات , والذكور يتفوقون في قدرات أخري. وعلي ذلك , ففي أي اختبار للذكاء يتكون من أنواع غير متجانسة من الأسئلة فإننا نتوقع أن التفوق في ناحية سيقابله ضعف في ناحية أخري وبذلك لا نخرج بنتيجة ... وإن اختبارات الذكاء وحدها أي الدرجات الكلية التي يحصل عليه الأفراد في هذه الاختبارات لا تصلح بمفردها للحكم علي الفروق بين الجنسين.
وهذا يفيد أن الفروق غير واضحة بين الرجل والمرأة في مستوي الذكاء العام وواضحة في القدرات الخاصة.
• وقد يكون أجدي لنا أن نبحث الفروق الجنسية في القدرات الخاصة , ويمكننا الوقوف علي بعض المعلومات المهمة من تحليل نتائج الاختبارات الفرعية التي يتكون منها عدد كبير من اختبارات الذكاء. وباتباع الطريقة الأولي أي المقارنة بين الجنسين في القدرات الخاصة , تجمعت كمية كبيرة من الحقائق في مختلف البحوث التي استخدمت مقاييس للقدرات اللفظية والعددية والمكانية وغير ذلك من القدرات المستقلة نسبيا ... ومن الملاحظات المهم في هذا الصدد أن الفروق بين الجنسين في هذه النواحي تتأخر في ظهورها عن القدرات الأخري.
• يتفوق الذكور في الاختبارات العددية التي تتطلب الاستدلال , و لاتظهر هذه الفروق بوضوح بين الجنسين إلا بعد انقضاء فترة في المرحلة الأولي للتعليم. وحينما طبق اختبار ستانفر-بينيه , تفوق البنون بقدر له دلالته وكان ذلك واضحا في مسائل الاستدلال الحسابي.
• كثير من البحوث التي استخدم فيها مقاييس التقدير الذاتي للشخصية , والتي طبقت علي مجموعة من الذكور والإناث الكبار, بينت أن هناك فروقا بين الجنسين في النواحي الانفعالية ... وكان من نتائج تطبيق أحد البحوث أنه تبين أن الرجال بالتأكيد أكثر ثباتا من النساء , وأنهم أقل تعرضا للعصاب ... ومما يسترعي النظر أن اختبارات الاستعدادات والاتجاهات العصابية للأفراد الأصغر سنا , أثبتت أنه لا توجد فروق بين أفراد الجنسين الذين تقل أعماهم عن الرابعة عشر.
وها يفيد تأخر ظهور بعض الفروق إلي مرحلة ما بعد البلوغ سواء في بعض القدرات العقلية كالاستدلال الحسابي أو بعض سمات الشخصية كالجانب الانفعالي.
• وقد تبين من هذا البحث في مشكلة الفروق بين الجنسين في سمات الشخصية , بحث ترما ومايلز. وما وصلا إليه من مقياس ( لتحليل الميول والاتجاها ) ... المقياس أثبت نجاحا فائقا في التمييز بين إجابات الرجال وإجابات النساء في المجتمع الأمريكي.وقد وجد في الوقت نفسه أن معامل الذكورة والأنوثة مرتبط إلي حد كبير بعوامل الخبرة المكتسبة من التربية والتعليم في المنزل أو في العمل ... ووجد أن تأثير هذه العوامل أقوي من تأثير العوامل الجسمية , كما اتضح أن النساء المتعلمات تعليما عاليا ولهن ثقافة متسعة يحصلن علي درجات في هذه المقاييس أعلي من متوسط ما يحصل عليه الرجال , وكأنهن بذلك يقتربن من الذكورة ... ومعني ذلك أن التربية والتعليم والخبرات التي يعانيها الأفراد تقرب بين وجهات النظر عندهم وتقلل من الفروق في الصفات المزاجية بين الجنسين.
وهذا يفيد أن لظروف البيئة والعوامل الاجتماعية تأثيرا واضحا ويزيد تأثيرها علي تأثير العوامل الجسمية.
• تبين أن هناك فروقا كبيرة بين الجنسين في معظم الصفات الجسمية ... وكذلك يختلف الجنسان في الوظائف الفسيولوجية والتكوين الكيميائي لبعض الإفرازات , وربما يمكن أن ترجع بعض الاختلافات السيكولوجية إلي تلك الفروق الجسمية.
• وهناك فرق آخر بين الجنسين في ثبات كثير من الوظائف الجسمية , فالذكور بصفة عامة أقل تعرضا من الإناث للتقلبات التي تعتري توازن البيئة العضوية الداخلية , أي أنهم أكثر ثباتا , ولهم بعض الصفات المهمة التي تميزهم ومنها الثبات النسبي لدرجو الحرارة واتزان عمليتي الهدم والبناء وثبات النسبة بين المواد الحامضة والمواد القلوية في الدم , وكذلك مستوي السكر في الدم ... ومن المرجح أن شدة التذبذب في بعض الوظائف الجسمية عند الإناث بالقياس إلي الذكور قد تؤثر في نمو بعض الفروق وفي النةاحي الانفعالية والسلوط العصابي وما أشبه ذلك.
• ومما لاشك فيه أن أساس الكثير من الفروق بين الجنسين يرجع إلي عوامل بيولوجية وحضارية مجتمعة ... وإنه لمن المرجح أن العوامل البيولوجية وحدها تستطيع أن تسبب بعض الفروق في الصفات السيكولوجية , حتي ولو كانت جميع الشروط البيئية واحدة. وفي الوقت نفسة يجب أن نضع نصب أعيننا أن هناك احتمالا بأن العوامل البيئية ربما تؤثر تأثيرا مضادا تماما لتأثير العوامل البيولوجية
وهذا يفيد أن الفروق البدنية العضوية بين الجنسين كبيرة وأن لها تأثيرا أكيدا علي النواحي النفسية ما لم تتدخل العوامل البيئية الاجتماعية تدخلا قويا فتحدث تأثيرا مضادا.
وبعد أن نقلنا فقرات من ذلك المرجع الحديث في علم النفس , نعود للحديث الشريف.
والزاوية الثالثة التي سنعرض لها من الحديث النبوي هي الدلالة الخاصة لقوله صلي الله عليه وسلم : "ناقصات دين"
إن الرسول حين سئل عن نقص الدين ذكر أمرا محددا وهو نقص الصلاة والصيام في أيام الحيض والنفاس , فهو من ناحية نقص جزئي محصور في العبادة بل في بعض الشعائر فحسب حيث تقوم الحائض والنفساء بأداء مناسك الحج جميعا عدا الطواف بالبيت كما أنها لا تهجر ذكر الله , والدين القيم إيمان , وتقوي تتبع الإيمان , ثم عبادات , ثم أخلاق ومعاملات , وهو من ناحية ثانية نقص مؤقت أي ليس دائما في حياة المرأة كلها وإنما يقع في فترات قصيرة ثم إن الحيض ينقطع مع الحمل وهو تسعة أشهر متصلة وينعدم مع سن اليأس , ومن ناحية ثالثة فإن النقص ليس من كسب المرأة واختيارها , والمرأة المؤمنة قد تشعر بالأسي لحرمانها من الصلاة والصيام ولكنها ترضي وتصبر علي أمر قد كتبه الله عليها فيثيبها الله علي هذا الرضا وذاك الصبر. وقد تقوم المرأة المؤمنة بنوعين من التعويض لما يفوتها من صلوات :
أولهما : تعويض عاجل بعبادات أخري مثل تلاوة القرآن والدعاء الضارع والذكر الخاشع فتستغفر الله وتسبحه وتحمده وتكبره , وهذا النوع من التعويض يذكرنا بما فعلته عائشة رضي الله عنها حين فرض الحجاب علي أمهات المؤمنين فَمُنِعْنَ الجهاد وهو أفضل العمل , فكان حرصها علي الحج هو التعويض عما فاتها من فريضة الجهاد. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم؟ ( وفي رواية : نري الجهاد أفضل العمل ) فقال : لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور. فقالت عائشة : فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وسلم .
وثانيهما : تعويض آجل وذلك بالإكثار من صلاة النفل بعد الطهر من الحيض وهذا النوع الآجل يذكرنا بحرص عائشة علي تعويض العمرة التي فاتتها بسبب الحيض. قالت عائشة : فدخل علي النبي صلي الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة قال وما شأنك قلت لا أصلي قال فلا يضرك أنت من بنات آدم كتب عليك ما كتب عليهن فكوني في حجتك عسى الله أن يرزقكها , قالت فكنت حتى نفرنا من مِنى فنزلنا المحصب فدعا عبد الرحمن فقال اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة .[رواه البخاري]
وورد في فتح الباري : ( هل تثاب المرأة علي ترك الصلاة لكونها مكلفة بها كما يثاب المريض علي النوافل التي كان يفعلها في صحته وشُغل بالمرض عنها أم أن هناك فرقا لأن المريض كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك؟ قال الحافظ ابن حجر : وعندي , في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب , وقفة). أي إن الثواب عند الحافظ ابن حجر مُحتمل. فتأملوا رعاكم الله كيف يُحتمل أن تثاب المرأة الحائض برغم تركها الصلاة.
ومع ذلك يبقي نقص الدين واردا من وجوه :
1. قد يعرض للمرأة ضعيفة الإيمان الاغتباط بعدم الصلاة وكأنها تخففت من واجب ثقيل وذلك مما يحرمها الثواب.
2. أن النقص الناتج من عدم الصلاة ليس متعلقا بأمر الثواب وحده وإنما هناك نقص خشوع قلب المؤمن لحرمانه من المثول بين يدي الله وخاصة عند غياب التعويض الذي أشرنا إليه.
3. وهناك نقص القوة علي مغالبة المنكر فإن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإذا لم يتم التعويض بعبادة أخري تأكد النقص.
والخلاصة إزاء نقص العقل والدين أن نقص العقل يمكن أن يعني أحد أمرين : أولهما : نقص القدرة العقلية أي نقص في خلقة العقل , وثانيهما : نقص النشاط العقلي أي نقص محصلة عمل العقل نتيجة عوامل ذات تأثير علي القدرة العقلية سواء عوامل بيولوجية أو اجتماعية أونفسية. وهناك عامل نفسي دائم , هو رقة عاطفة المرأة وشدتها وهذا ثابت ومقرر في طبيعة عامة النساء.والحديث هنا يستدل علي النقص بأمر يتعلق بالنشاط العقلي وذلك قوله تعالي : {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري}.
ولكن أن يكون وراء نقص النشاط العقلي نقص خِلْقي في كفاية العقل ذاته فهذا لم يتعرض له الحديث ومرجعه البحث العلمي الرصين كما قلنا.
أما نقص الدين فيمكن أن يعني أحد أمرين : أولهما : نقص تدين الإنسان أي نقص تقواه لله وطاعته له , وثانيهما : نقص ما افترضه الله علي الإنسان من فرائض أي نقص ما يقوم به من نشاط عبادي , ليس عن تقصير ولكن عن إلزام من الإله المعبود. والحديث هنا يستدل علي النقص بأمركتبه الله علي المرأة وهو اجتناب الصلاة والصيام في أيام معدودات. علي أن هذا النوع من النقص – أي نقص ما افترضه الله علي المرأة – قد يثمرنقصا في تقواها لله. وهذا يعني أنه أمر يحتمل وقوعه من بعض النساء لا من جميعهن.
وعلي ذلك نري أنفسنا ملزمين بالوقوف عند حدود تفسير رسول الله للنقص لا نتعداه. أما إذا تجاوزنا هذه الحدود فسنخبط في متاهة الاحتمالات وربما خضنا في الأهام , ونكون عندها قد وقعنا في محظور اتباع المتشابه. والمتشابه كما يقع في القرآن يمكن أن يقع في السُنة وقد حذرنا الله تعالي فقال في محكم التنزيل : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله }. قال الشوكاني : ( بينت الآية أن أهل الزيغ يتبعون متشابهات القرآن ... ومعني المتشابه : ما أشكل معناه ولم يبين مغزاه سواء كان من المتشابه الحقيقي - كالمجمل من الألفاظ وما يظهر من التشبيه – أو من المتشابه الإضافي , وهو ما يحتاج في بيان معناه الحقيقي إلي دليل خارجي , وإن كان في نفسه ظاهر المعني لبادي الرأي )
وما الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي تنم عن الارتياب في عقل المرأة ودينها ويكثر تداولها علي الألسنة إلا أثرا من آثار شطحات الوهم , وأصل هذا الوهم من بقايا جاهليات قديمة كان ينبغي أن يبرأ منه المسلمون , لكنه تَثَبَّت مع الأسف , نتيجة تجاوز حدود تفسير الرسول لنقص العقل والدين. وأدي ذلك إلي طغيان كثير من التصورات الباطلة عن شخصية المرأة.
ومن هذه الأحاديث الموضوعة :
• حديث : ( لاتعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف )
• حديث : ( طاعة المرأة ندامة )
• حديث : ( لولا النساء لعبد الله حقا حقا )
• حديث : ( شاوروهن وخالفوهن )
ومن الأحاديث والآثارالضعيفة :
• حديث : ( هلكت الرجال حين أطاعت النساء )
• حديث : ( أعدي عدوك زوجتك )
• أثر موقوف عن عمر بن الخطاب : ( خالفوا النساء فإن في خلافهن بركة )
*****
المفضلات