بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

حياة الانسان

تأملت حالنا و حال السلف ، فوجدت العجب - سبحان الله - بعضهم عمره أقل من

الثلاثين و بعضهم لم يصل الخمسين و بعضهم تجاوز السبعين عاما ، و نفس الأعمار

وجدتها فينا و مع من نعيش حولهم ، و عندنا من الوسائل المساعدة ما لم يكن في

خيالهم ، كوسائل النقل و الاتصالات و علوم التقنية و غير ذلك ،و لكن هناك فرق كبير

جدا ، بل تأملت من جاء بعد السلف ممن سار على طريقهم فوجدت تشابها كبيرا بينهم

و فرقا كبيرا معنا ، و الله المستعان .

إن التمسك بسنة النبي صلى الله عليه و سلم قولا و عملا هي المؤثر الكبير في نتاج

الفروق الكبيرة بين الأجيال

إن التشبث و التلبس بالمعاصي و الاستخفاف بأعراض الناس و الوقيعة فيهم

و ممارسة الذنوب الصغيرة أو الكبيرة ماحقة للبركة ،و أترك الحديث للعلامة ابن القيم

رحمه الله يحدثنا كما في كتابه العظيم الجواب الكافي :


"فالفجور ينقص وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي

هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي وقالت طائفة

بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة

تكثره وتزيده وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده قالوا ولا تمنع زيادة العمر بأسباب

كما ينقص بأسباب فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغني


والفقر وإن كانت بقضاء الله عز وجل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة

لمسبباتها مقتضية لها وقالت طائفة أخرى تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن

تفوته حقيقة الحياة وهي حياة القلب ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي كما

قال تعالى أموات غير أحياء فالحياة في الحقيقة حياة القلب وعمر الإنسان مدة حياته

فليس عمره إلا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره فالبر والتقوى والطاعة تزيد في

هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن

الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم

يقول ياليتني قدمت لحياتي فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع إلى مصالحه

الدنيوية والأخروية أو لا فان لم يكن له تطلع إلى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله وذهبت

حياته باطلا وإن كان له تطلع إلى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق وتعسرت

عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها وذلك نقصان حقيقي من عمره وسر

المسألة أن عمر الإنسان مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره

وإيثار مرضاته" ..... انتهى كلامه رحمه الله

هل فينا مثل شيخ الإسلام و تلميذه ابن القيم رحمهم الله ؟

هل فينا مثل الطبري رحمه الله يكتب في التاريخ و التفسير المجلدات الطويلة ؟

هل فينا مثل النووي يصنف في العلم و يكتب مؤلفات تكاد تقرأ كل يوم كرياض

الصالحين و يموت و عمره خمسة و أربعون عاما ؟

و غيرهم كثير جدا تزخر الكتب بسيرهم المباركة ، بينما تتأمل ما نحن فيه ، فقد ذهبت

الأوقات و الأعمار و محقت البركة إلا من رحم الله،نسأل الله تعالى أن يلطف بنا ، و أن

يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد

و على آله و صحبه و سلم....


منقول للاستفادة