منظمات بدارفور .. التنصير مقابل الماء!!
كدأبها، خرجت صحف الخرطوم صبيحة أمس مثقلة بالكثير من الأخبار غير السارة، خاصة تلك القادمة من جهة الغرب. ومن انباء الأمس التي تحمل على نقيض الابتسام، خبر صغير عن ضبط ثلاثة آلاف نسخة من الانجيل بحوزة منظمة أمريكية بدارفور، الأمر الذي افضى الى حزمة من التساؤلات حول موضوع التنصير بولايات دارفور الثلاث بعد صمت غير بليغ من البعض عن الخوض فيه.
تفاصيل الخبر تقول: إن سلطات العون الإنساني المختصة بولاية شمال دارفور نفذت حملة دهم واسعة لمكاتب منظمة (لا مزيد من العطش الامريكية)، اسفرت عن ضبط أكثر من ثلاثة آلاف طبعة فاخرة من الانجيل. ولكن ذات الصحف اتخذت صياغات تحريرية مختلفة لمصير تلك المنظمة الرابضة رئاستها بضاحية الرياض بالخرطوم بينما تمتد أياديها للعبث هناك.. بدارفور.
فبعضها، ذكر ان هنالك قراراً مرتقباً بطرد المنظمة من السودان بعد تجاوزها للخطوط الحمراء، والبعض قطع بطرد المنظمة من السودان وإغلاق مكاتبها في كل من الخرطوم والفاشر.
وعلى خلفية ذلك التضارب في مصير «لا مزيد من العطش»، أجريت إتصالات عديدة مع مفوض العون الإنساني حسبو محمد عبد الرحمن، ولكنها انتهت إلى مكالمات فائتة ورسائل لم يرد عليها في هاتف الرجل، في وقت فيه مثل هذه المنظمة وربما غيرها يتجاوزون التفويض الممنوح لهم ويعمدون إلى الزج بالدين في العمل الإنساني المسؤول عنه حسبو مسؤولية مباشرة.
وفي سياق ذي صلة قال محمد آدم مسؤول المنظمات بوزارة الشؤون الإنسانية، إن هنالك قانوناً يحكم نشاط المنظمات والنشاط الإنساني بصورة عامة في السودان. ويمنع ذلك القانون النشاط التنصيري للمنظمات بالبلاد استناداً على أسس ومبادئ ذلك القانون.
وقتها سألت (الرأى العام) محمد آدم سؤالين أحدهما عن مصير منظمة «لا مزيد من العطش»، والآخر العقوبات المحتملة على شاكلة هذا تجاوز؟ فاعتذر عن إجابة السؤال الأول بأنه لا يعلم مصيرها بعد لأنه عائد بالأمس من اجازة، اما عن السؤال الثاني فقد ذكر ان العقوبة على من تقوم بمثل هذه التجاوزات للقانون من المنظمات ليست بالضرورة الطرد، حيث يتوقف ذلك على حجم المخالفة وتكرارها والتحري مما إذا كان مثل هذا النشاط التنصيري يتم على نحو ممنهج ووفق برامج وسياسات المنظمة أو نتاجاً لسلوك فردي.
وغالباً ما يتم انكار التجاوزات من قبل المنظمات بمسحها سريعاً على اقمصة موظف أو موظفين ما ويؤكدون بأن ما تم لا يعدو كونه سلوكاً شخصياً لا يمت بصلة لسياسة المنظمة التي تكون متورطة احياناً حتى اذنيها.
لكن مع ذلك فقد اشهرت الحكومة العديد من البطاقات الحمراء في وجه عدد من المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور بعد تورطها في ممارسة عمل استخباري له علاقة بالمخابرات وأمن الدولة، ولم تشعر الحكومة بحرج فيما يبدو وهي تفعل ذلك بعد أن اشهرت تلك البطاقة ثلاث مرات في أسبوع واحد من شهر أغسطس في العام قبل الماضي. وفيما تطول قائمة المنظمات بالتخابر وتمرير الأجندة الخفية تحت واجهات العمل الإنساني، فإن بعض المراصد الصحفية تتحدث عن وجود نحو (30) منظمة تعمل في مجال التنصير بدارفور لم يسمع احد بطرد واحدة منها قبل منظمة «لا مزيد من العطش الامريكية» هذا اذا صح طردها.
ويعد البعض محاولات عدد من المنظمات لتنصير بعض أهل دارفور واستغلالها لأوضاعهم الخاصة منذ اندلاع الحرب، محاولات معطوبة ستنتهي إلا لا شئ في ظل استمساك ارض دارفور الخالية من أية كنيسة، والمسلمون اهلها بنسبة (100%) لن تنصرهم منظمات بجرعة ماء او حفنة غذاء.
ولكن مثل هذا التقليل من شأن المنظمات التنصيرية سيفضي برأي البعض الى نتائج كارثية في ظل وجود هجمة تنصيرية شرسة يتم فيها استغلال الاوضاع الاقتصادية السيئة وربما المواتية.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية بإحدى ولايات دارفور كشف في الفترة الماضية النقاب عن حملات تنصير تقوم بها المنظمات المسيحية تحت غطاء العمل الإنساني خاصة في مخيمات النازحين واللاجئين.
وبحسب أشوك كولن يانق الأمين العام السابق لمجلس الكنائس العالمي بشرق أفريقيا، فإن المنظمات التنصيرية لا تعمل عشوائياً وإنما وفق دراسات وأبحاث دقيقة. فهي تقوم بدراسة المنطقة المرشحة للتنصير من حيث خريطة أديانها وعددها ومدى تمسك الناس بدينهم ونوعية الاجناس وتحديد احتياجات المنطقة من مال وغذاء وتعليم وخدمات صحية وما الى ذلك من هذه الاشياء.
ومضى اشوك الى ان تلك المنظمات تعمل وفق اساليب الترغيب والتدرج والمرحلية وذلك لتحقيق هدف تنصير المسلمين، أو ابعادهم عن دينهم على الأقل.
وعوداً على بدء، يرى بروفيسور الطيب زين العابدين الأمين العام لمجلس التعايش الديني بالخرطوم ان موضوع التبشير والتنصير في دارفور ليس جديداً خاصة من قبل بعض المنظمات الأمريكية التي تنشر في مواقعها عدد الذين نصّرتهم في دارفور في محاولة منها لاستدرار عطف الملتزمين دينياً هناك ودعمهم لمنظماتهم.
وقال زين العابدين ان تقديم مواد غذائية لتحويل الناس من دين الى دين يعد تجاوزاً وانتهاكاً لقانون العمل الاغاثي في كل العالم، فهو اي العمل الاغاثي غير مرتبط بالدين أو السياسة يجرم استخدام ذلك والزج بهما في العمل الإنساني على نحو قاطع.
ومهما يكن من امر فإن التفاتة الحكومة الاخيرة لمنظمة «لا مزيد من العطش» تعد التفاتة في اتجاه الطريق الصحيح. وفي ظل انشغالها بتداعيات المحكمة الجنائية المحتملة عليها أن لا تنسى بأن هناك خطراً ربما يمارس من وراء منظمات مشبوهة تتذرع بالعمل الإنساني ولا تعمل في الواقع غير التنصير.
فتح الرحمن شبارقة :الراي العام


http://www.alnilin.com/news.php?action=show&id=7780