132)‏ خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر‏**(‏ القمر‏:7)*‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هــذه الآية الكريمة جاءت في مقدمات سورة القمر‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(55)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بذكر معجزة انشقاق القمر كرامة لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول الآخرة وأهوالها‏,‏ والتحذير من اقتراب وقتها‏,‏ وظهور بعض علاماتها‏,‏ ومن ثم التحذير من الإعراض عن آيات الله وتكذيبها‏,‏ ولذلك تحمل هذه السورة الكريمة علي المكذبين ببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وعلي المعرضين عن الآيات التي أيده الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بها‏,‏ وفي مقدمتها القرآن الكريم‏,‏ ذلك الكتاب الخالد الذي أكمل الله‏(‏ تعالي‏)‏ به الدين‏,‏ وأتم النعمة‏,‏ ورضي لعباده الإسلام دينا بعد أن أنزله علي فترة من الأنبياء والمرسلين بلغ عددهم أكثر من مائة وعشرين ألف نبي‏,‏ تخير الله‏(‏ جل جلاله‏)‏ من بينهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا‏,‏ أوكل إلي كل منهم تبليغ وحيه إلي قومه‏,‏ وأوكل إلي تلك الأقوام حفظ الوحي المنزل الي كل منها فضيعوه‏,‏ وأشبعوا ما بقي من ذكرياته‏(‏ المنقولة شفاها‏)‏ تحريفا وتبديلا وتغييرا‏,‏ حتي أخرجوا وحي السماء عن إطاره الرباني‏.‏
وتصحيحا لما حرف البشر وبدلوا وغيروا‏,‏ من الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي الخلق أجمعين بإنزال رسالته الخاتمة علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فأكمل بها الدين‏,‏ وأتم النعمة‏,‏ ورضي لعباده الإسلام دينا‏,‏ وتعهد بحفظه إلي يوم الدين ـ بصفته رسالته الخاتمة ـ حتي تكون حجة علي الناس كافة‏,‏ وحتي لا يبقي لعبد ذريعة من الذرائع أنه لم يتلق هداية الله‏,‏ وقد جمعها في قرآنه الكريم‏,‏ وفي سنة رسوله الخاتم‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏),‏ وحفظها بنفس لغة الوحي‏(‏ اللغة العربية‏)‏ كلمة كلمة وحرفا حرفا علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏.‏

وانطلاقا من هذه الحقائق تحمل سورة القمر علي المكذبين ببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وعلي المعرضين عن الآيات التي أيده الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها ـ والتي كان في مقدمتها القرآن الكريم ـ ومنها عدد من المعجزات الحسية المبهرة التي كانت منها حادثة انشقاق القمر‏,‏ والتي رآها مشركو قريش بأعينهم فكذبوها وأحالوها إلي السحر الدائم المستمر‏,‏ وهم يعلمون أن الذي جرت له المعجزة معروف عندهم بالصادق الأمين‏,‏ وأنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ ما اقترف السحر أو الشعوذة أبدا‏,‏ فقد نزهه الله‏(‏ تعالي‏)‏ عن ذلك وعن غيره مما نزه به جميع أنبيائه ورسله عنه‏.‏
ولذلك تطالب سورة القمر خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ بالإعراض عن هؤلاء الكافرين‏,‏ وإمهالهم إلي يوم البعث العظيم‏,‏ يوم يخرج الخلق من قبورهم بالبلايين كأنهم جراد منتشر‏,‏ وهو يوم الفزع الأكبر والهلع الأكبر الذي لا ينجو من فزعه وهلعه إلا من أتي الله بقلب سليم‏,‏ مطمئن بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر‏,‏ ومنزه لله‏(‏ تعالي‏)‏ عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وقد جاهد في الحياة الدنيا من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض وإقامة عدل الله فيها بأمانة وصدق وتجرد كاملين‏.‏

وقد استهلت سورة القمر بالتحذير من اقتراب وقت الساعة‏,‏ وقد ثبت عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ بعثت أنا والساعة هكذا وأشار بأصبعيه السبابة والوسطي‏(‏ صحيح مسلم‏).‏
ثم تابعت سورة القمر بذكر حادثة انشقاق القمر ـ التي أجراها الله‏(‏ تعالي‏)‏ معجزة تشهد لسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالنبوة وبالرسالة وقد كذب بهما مشركو قريش‏,‏ وعلي الرغم من وقوع المعجزة التي لم ينكرها أحد منهم فإنهم إمعانا في تكذيبهم وغطرستهم وكبرهم أحالوها إلي سحر أعينهم تارة وإلي سحر القمر تارة أخري‏,‏ والسحر من الكبائر التي جاءت بعثة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ لمحاربتها‏,‏ وهو الذي لم يشهدوا عليه كذبا أبدا‏.‏ وقد كان هذا هو دأب الكفار والمشركين في كل زمان ومكان‏,‏ أن يعرضوا عن التأمل في الآيات التي أنزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ رفضا للإيمان بها واستكبارا عليها وإنكارا لها‏,‏ تماما كما أنكر مشركو قريش معجزة انشقاق القمر‏,‏ فقال فيهم رب العالمين وهو أحكم القائلين‏:‏ وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر‏(‏ القمر‏:2)‏ أي سحر محكم‏,‏ قوي‏,‏ شديد‏,‏ دائم‏.‏

وتؤكد الآيات كذبهم فيما ذهبوا إليه‏,‏ واتباعهم أهواءهم بدلا من توظيف عقولهم في الحكم علي هذا الأمر الخارق للعادة فقال‏(‏ تعالي‏)‏ فيهم‏:‏ وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر‏(‏ القمر‏:3)‏ أي وكل شيء في هذا الوجود من حولهم منضبط في ذاته وعلاقاته‏,‏ علي الرغم من حركة كل شئ إلي الفناء‏,‏ وتتجلي طلاقة القدرة الإلهية في ضبط علاقات الأجرام في السماء‏,‏ وانضباط سنن الحياة والموت علي الأرض‏,‏ وكل أمر من هذه الأمور له غاية يستقر عندها لا محالة‏,‏ ومن ذلك أمر الحق الذي أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعلمه ولذلك فلابد وأن يكون له النصر الحاسم في النهاية‏,‏ وأمر الباطل الذي يتشدق به الكفار والمشركون والذي لابد له من ان ينهزم وينهار في النهاية بإذن الله‏(‏ تعالي‏).‏
وتؤكد الآيات في سورة القمر أن الخلق قد جاءهم من آيات الله عبر تاريخهم الطويل ما كان يفترض فيهم أن يعتبروا بها‏,‏ وقد صور الله‏(‏ تعالي‏)‏ لمشركي قريش ولبقية الكفار والمشركين من بعدهم في آخر كتبه‏(‏ وهو القرآن الكريم‏)‏ من أنباء المكذبين من الأمم السابقة ومصارعهم ومن صور وأهوال الآخرة التي تنتظرهم وفزعها ورهبتها ما كان كافيا لردعهم وزجرهم‏,‏ وكان في استعراض ذلك من حكم الله البالغة ما يوجه القلوب والعقول إلي معرفة الخالق العظيم والخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة‏,‏ وبالتنزيه عن كل وصف لا يليق بهذا الجلال‏,‏ وبالتقرب إليه بحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض‏,‏ وبالإكثار من العمل الصالح فيها وفي مقدمته إقامة عدل الله والاستعداد لملاقاته‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وللعرض الأكبر أمامه في يوم البعث‏,‏ ولكن القلوب المظلمة لا تري النور أبدا‏,‏ والطبائع المنحرفة المصرة علي الانحراف لا تعرف الاستقامة أبدا‏,‏ والآذان الصم لا تسمع صوت النذير‏,‏ ولا نداءات التحذير أبدا‏,‏ ولذلك قال فيهم رب العالمين‏:‏ ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر‏,‏ حكمة بالغة فما تغني النذر‏(‏ القمر‏:4‏ و‏5).‏

وعند هذا الحد من الانصراف عن الحق‏,‏ وصم الآذان دونه‏,‏ والانغماس في الباطل والتلبس بأدرانه‏,‏ فإن الآيات في سورة القمر تأمر رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالإعراض عن هؤلاء الضالين‏,‏ وإمهالهم إلي يوم البعث العظيم‏,‏ يوم يخرج الخلق أجمعون من قبورهم وينتشرون ببلايين البلايين وكأنهم أسراب الجراد المنتشر‏,‏ في الكثرة والزحام والتموج وهم في الطريق إلي أرض المحشر‏,‏ وهو مشهد مرعب‏,‏ يملأ القلب بالهلع والفزع والإشفاق علي كل شيء‏,‏ والخوف من كل شيء‏,‏ ويجبر الأبصار علي الخشوع في ذل وهوان‏,‏ ويسرع الخطي إلي الداعي الذي يدعوها إلي أمور لا تعرفها‏,‏ ولا تطمئن إليها‏,‏ لأنها كانت في الدنيا لا تؤمن بها‏,‏ وتستبعد وقوعها فإذا هي أمام أبصارها واقع قائم لا هروب منه‏,‏ ولا انفكاك عنه‏,‏ فيعترف الكفار والمشركون ومنكرو الدين بمصيبتهم ولا يملكون إلا الاعتراف بقولهم في ذلة ومسكنة‏...‏ هذا يوم عسر وهو اعتراف الذليل المكروب الذي لم يستعد لهذا اليوم وأهواله‏..!!‏
ومن قبيل تذكير مشركي قريش وتذكير كل من سار علي دربهم‏,‏ ونهج نهجهم إلي يوم القيامة بمصائرهم الحالكة السواد في الدنيا وفي الآخرة‏,‏ استعرضت سورة القمر مصارع المكذبين من الكفار والمشركين في عدد من الأمم السابقة‏,‏ منهم أقوام نوح‏,‏ وعاد‏,‏ وثمود‏,‏ ولوط‏,‏ وفرعون‏,‏ وما نالهم من عذاب الله وتنكيله‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ هو أحكم الحاكمين‏,‏ وأعدل العادلين‏.‏ ولذلك فإننا نقول لإخواننا المظلومين علي أرض فلسطين وفي كل من العراق وأفغانستان‏,‏ والبلقان والشيشان‏,‏ وكشمير وأراكان‏,‏ والصومال‏,‏ ونيجيريا وجنوب السودان‏..‏ اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون وأحسنوا صلتكم بالله القوي العزيز الذي لا يرضي من عباده الظلم‏,‏ وهو قادر علي أن ينتقم لكم من ظالميكم في الدنيا قبل الآخرة إن شاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏

فالريح التي دمر الله‏(‏ تعالي‏)‏ بها قوم عاد هي من جند الله التي بجانب دورها المنتظم في هذا الكون‏,‏ فإن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يسخرها علي من يشاء من الظالمين‏,‏ المتجبرين علي الخلق‏,‏ والمفسدين في الأرض فيقضي عليهم قضاء مبرما في لمح من البصر إن شاء الله‏(‏ تعالي‏),‏ والصيحة الصاعقة التي دمر الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بها قوم ثمود وجعلهم كهشيم المحتظر أي أعواد النبات الجافة التي تبني منها الحظيرة‏,(‏ والمحتظر هو بانيها‏),‏ هذه الصيحة الصاعقة التي لا ندري كنهها هي من جند الله يسخرها علي الظالمين من عباده فيقضي فيهم أمرا كان مفعولا‏..!!.‏
والحاصب‏(‏ أي الريح التي تحمل الحصباء‏)‏ والتي سخرها الله عقابا لقوم لوط فقضي عليهم‏(...‏ إلا آل لوط نجيناهم بسحر‏)‏ هي من جند الله يسخرها علي من يشاء من المفسدين في الأرض‏(‏ والمرشحون لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم يتنافسون علي من سيقر زواج الشواذ أولا ويقننه ويشرع له بعد أن أقروا هذا المسلك الشائن المعيب‏,‏ المنحرف عن الفطرة وشرعوا له‏),‏ وفي ذلك تقول الآيات في سورة القمر‏:‏
كذبت قوم لوط بالنذر‏*,‏ إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر‏*,‏ نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر‏*,‏ ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر‏*,‏ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر‏*,‏ ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر‏*,‏ فذوقوا عذابي ونذر‏*,‏ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر‏.‏
‏(‏القمر‏:33‏ ـ‏40).‏

والأخذ الذي أخذ الله‏(‏ تعالي‏)‏ به قوم فرعون‏(‏ أخذ عزيز مقتدر‏)‏ هو من جند الله‏,‏ والله قادر‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي أن يأخذ به كل ظالم جبار في الأرض‏,‏ مغتر بعدده وعدته‏,‏ وسلاحه وماله‏,‏ والذي يقدر الله‏(‏ تعالي‏)‏ أخذه لا ينفعه عدد‏,‏ ولا عدة‏,‏ ولا سلاح ولا مال‏,‏ فيجعل منه عبرة لمن لا يعتبر ويري الخلق فيه عجائب قدرته‏,‏ والاشارة الي عزة الله واقتداره في الاخذ الذي اخذ به فرعون وملئه‏,‏ فيه تأكيد علي الفارق الهائل بين عزة الله واقتداره‏,‏ وما يتظاهر به بعض الخلق من عزة مزيفة واقتدار هزيل‏..!!.‏
وبعد استعراض هذه النماذج الصارخة من عقاب المكذبين من الأمم السابقة في الدنيا تتوجه الآيات في الربع الأخير من سورة القمر بالحديث إلي كفار ومشركي قريش وإلي جميع الكفار والمشركين من بعدهم إلي يوم القيامة محذرة من أهوال الآخرة وعذابها وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر‏,‏ أم يقولون نحن جميع منتصر‏,‏ سيهزم الجمع ويولون الدبر‏,‏ بل الساعة موعدهم والساعة أدهي وأمر‏,‏ إن المجرمين في ضلال وسعر‏,‏ يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مس سقر‏.(‏ القمر‏:43‏ ـ‏48)‏
وكأن هذه الآيات الكريمة تقول للكفار والمشركين في كل مكان وزمان‏:‏ تلك كانت مصارع أمثالكم في الأمم السابقة‏,‏ فما الذي يمنعكم من نفس المصير؟ وأنتم لستم بخير منهم؟‏,‏ فليس أمامكم إلا نفس المصير المشئوم الذي لقيه أمثالكم‏,‏ مهما غرتكم كثرتكم‏,‏ وأطغتكم قوتكم‏,‏ ودفعتكم إلي التجبر علي غيركم من الخلق‏,‏ وظلمهم‏,‏ ومحاولة قهرهم وإذلالهم‏..!!‏

وكأن المقصود بهذا الخطاب اليوم القوات الأنجلو أمريكية الظالمة علي أرض كل من العراق وأفغانستان‏,‏ والعصابات الصهيونية المجرمة‏,‏ الغاصبة والسارقة لأرض فلسطين‏,‏ والمغرقة إياها في بحار من الدماء والأشلاء والخراب والدمار‏...‏ فهل يعتبرون‏..!!‏ ودماء الشهداء لا تزال تنزف في كل يوم أنهارا متدفقة‏..,‏ وهدم المنازل‏,‏ وتجريف الأراضي الزراعية‏,‏ وقطع الأشجار‏,‏ ومصادرة الآلاف من الأفدنة‏,‏ وإقامة المستعمرات‏,‏ بالعشرات علي ارض مغصوبة ونصب الجدر المحصنة وغير ذلك من جرائم تجري علي قدم وساق‏...!!‏
وما تسرب إلي وسائل الإعلام من صور تعذيب المعتقلين في سجون الأمريكان والبريطانيين بوحشية منقطعة النظير ـ وهو غيض من فيض‏,‏ وقليل من كثير ـ يدين هذه الحضارة الغربية المعاصرة بأقبح ما يمكن أن تدان بها الحضارات‏,‏ وتحذر العالم كله من خطر تفرد تلك العصابات بالاستحواذ علي اسلحة الدمار الشامل التي تنوي ان تستذل بها غيرها من شعوب الأرض‏..‏ والقرآن الكريم يتحداهم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ سيهزم الجمع ويولون الدبر
‏(‏القمر‏:45).‏

ونحن مؤمنون بذلك وواثقون منه ولكننا نستعجل القصاص‏,‏ ونلح علي الله بالرجاء أن ينزله بهؤلاء‏,‏ الظلمة المتوحشين‏,‏ والمفسدين في الأرض‏,‏ والمتجبرين علي الخلق بأسرع وقت ممكن‏..‏ اللهم آمين آمين آمين يارب العالمين‏.‏
وتؤكد الآيات في سورة القمر حتمية القصاص الرباني وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إنا كل شيء خلقناه بقدر‏*,‏ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏*,‏ ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر‏*,‏ وكل شيء فعلوه في الزبر‏*,‏ وكل صغير وكبير مستطر‏.‏
‏(‏القمر‏:49‏ ـ‏53)‏

فبأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بـ‏(‏ كن‏)(‏ فيكون‏)‏ كان هلاك المكذبين من الكفار والمشركين علي مر التاريخ‏,‏ وهو تهديد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لأمثالهم في كل زمان ومكان‏,‏ فهل يمكن لطغاة العصر ومفسديه أن يعتبروا‏,‏ خاصة أن حساب المفسدين في الأرض لا ينتهي بعقاب الدنيا لأن عقاب الآخرة أدهي وأمر‏....,‏ وأفعال الناس وحركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وباقي أنشطتهم مسجلة عليهم ومسطورة في كتاب لا يضل ولا ينسي‏,‏ وسوف يحاسبون علي كل صغيرة وكبيرة من ذلك‏.‏
وتختتم سورة القمر بإقرار جزاء المتقين في الآخرة التي سوف يهان فيها الظالمون ويجرمون علي خطاياهم في الدنيا‏,‏ حتي يستبين الفارق بين مصائر أهل النار ومصائر أهل الجنة‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إن المتقين في جنات ونهر‏*,‏ في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏.(‏ القمر‏:54‏ ـ‏55)‏

وفي ذلك من التكريم لعباد الله المتقين في الآخرة ما لا يمكن أن يطاله أي تكريم في الدنيا مهما تعاظم شأنه‏,‏ فليتنافس الكفار والمشركون في الدنيا كيفما يشاءون‏,‏ وليظلموا‏,‏ وليتجبروا‏,‏ وليفسدوا كيفما يحلو لهم‏,‏ وتدفعهم إليه أطماعهم الحقيرة وشهواتهم الدنيئة‏,‏ فأعمالهم محصية عليهم‏,‏ وسوف يحاسبون عليها في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وحسابهم في الدنيا علي شدته لا يقارن بحساب الآخرة وعذابها‏,‏ وهو حساب جد عسير يجعلهم يندمون ساعة لا ينفع الندم‏,‏ ولذلك استعرضت سورة القمر بين مشهدين من مشاهد الآخرة عقاب المكذبين من كفار ومشركي الأمم السابقة في الدنيا وتهددتهم بأن عقاب الآخرة أدهي وأمر‏,‏ وكان كل مشهد من مشاهد العقاب الدنيوي يتبع بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ فكيف كان عذابي ونذر أو قوله‏(‏ تعالي‏),‏ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر حتي يعتبر الناس بما جاء في القرآن الكريم من سير الأولين فلا يكرروا أخطاءهم‏,‏ وختمت السورة الكريمة ببشري ثواب المتقين في الآخرة‏.‏

من ركائز العقيدة في سورة القمر
من ركائز العقيدة في هذه السورة المباركة الإيمان بما يلي‏:‏
‏(1)‏ حادثة انشقاق القمر كرامة لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
‏(2)‏ الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا واحدا أحدا بغير شريك ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏,‏ والإيمان بملائكته وكتبه ورسله‏,‏ وبالوحي المنزل من عنده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هداية لخلقه والذي أنزله علي فترة من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وأتمه وأكمله وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
‏(3)‏ الإيمان بحتمية البعث وضرورته‏,‏ وبالآخرة وشواهدها وبالجنة والنار‏.‏
‏(4)‏ الإيمان بالقصص القرآني كله‏,‏ وبضرورة الاستفادة به وأخذ العبرة منه‏.‏

‏(5)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق كل شيء بقدر‏,‏ وأن أمره‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لا يحتاج إلي الزمن‏,‏ لأن الزمن من خلق الله‏,‏ وعلي ذلك فهو يحد المخلوقين ولا يحد الخالق‏.‏
‏(6)‏ اليقين بأن كلام الإنسان وحركاته وسكناته‏,‏ وجميع أعمال حياته مسطر في كتاب سوف يلقي إليه يوم القيامة ليكون حسيبا علي نفسه‏.‏
‏(7)‏ التسليم بأن المجرمين من الكفار والمشركين ومن العصاة المارقين الظالمين المتجبرين علي الخلق سوف يسحبون في النار علي وجوههم في الآخرة والملائكة تقول لهم ذوقوا مس سقر‏,‏ بينما عباد الله المتقون يرفلون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏.‏

من الإشارات العلمية في سورة القمر
‏(1)‏ الإشارة إلي حادثة انشقاق القمر‏,‏ والعلوم المكتسبة تؤيد ذلك‏.‏
‏(2)‏ تشبيه بعث الخلائق من قبورهم بانتشار أسراب الجراد‏.‏

‏(3)‏ التأكيد علي أن السماء بناء محكم يحتاج الداخل فيه أو الخارج منه إلي فتح أبواب فيه‏.‏
‏(4)‏ الإشارة الي طوفان نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ وإلي تركه مركبته آية للناس لعلهم يدكرون بها‏,‏ ويتعلمون درسا من قصة هذا النبي الصالح‏,‏ وقد اكتشف ذلك مؤخرا‏.‏

‏(5)‏ ذكر هلاك المكذبين من قوم عاد بريح صرصر عاتية في يوم نحس مستمر‏(‏ تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر‏)‏ ودراسات منطقة الربع الخالي تؤكد ذلك‏.‏
‏(6)‏ الإشارة الي هلاك العاصين من قوم ثمود بالصيحة الصاعقة‏,‏ وآثارهم تشير إلي شيء من ذلك‏.‏

‏(7)‏ وصف هلاك المفسدين من قوم لوط بالريح الحاصب‏.‏
‏(8)‏ ذكر إهلاك قوم فرعون بالإغراق في اليم‏.‏
‏(9)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق كل شيء بقدر أي بتقدير محكم دقيق‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي تشبيه بعث الخلائق بالجراد المنتشر‏,‏ وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح هذا التشبيه القرآني المعجز‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر‏(‏ القمر‏:7)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏ خشعا أبصارهم أي ذليلة أبصارهم‏,(‏ يخرجون من الأجداث‏)‏ وهي القبور‏(‏ كأنهم جراد منتشر‏)‏ أي كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلي موقف الحساب إجابة للداعي‏,‏ جراد منتشر في الآفاق‏....‏

‏*‏ وجاء في‏(‏ الظلال‏)‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة ما مختصره‏:...‏ هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر‏(‏ ومشهد الجراد المعهود يساعد علي تصور المنظر المعروض‏)‏ وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول‏....‏
‏*‏ وذكر صاحب‏(‏ صفوة البيان لمعاني القرآن‏)‏ رحمه الله ما نصه‏:‏ خشعا أبصارهم ذليلة خاضعة من شدة الهول‏(‏ يخرجون من الأجداث‏),‏ أي القبور‏,‏ أذلة أبصارهم من شدة الهول‏.(‏ كأنهم جراد منتشر‏)‏ في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار حين يتوجهون إلي المحشر‏.‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير شرح مشابه لا أري حاجة إلي تكراره‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
من ضوابط التعامل مع قضية الإعجاز العلمي لكتاب الله ولسنة خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ما يلي‏:(1)‏ تجنب القضايا الغيبية غيبة مطلقة‏,‏ وعدم الخوض فيها‏,‏ والبعد عنها‏,‏ وذلك من مثل الذات الإلهية‏,‏ العرش‏,‏ الكرسي‏,‏ الروح‏,‏ الملائكة‏,‏ الجن‏,‏ حياة البرزخ‏,‏ حساب القبر‏,‏ وقت قيام الساعة‏,‏ البعث‏,‏ السوق إلي المحشر‏,‏ والعرض الأكبر أمام الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ الحساب‏,‏ الميزان‏,‏ الصراط‏,‏ الجنة‏,‏ النار وغير ذلك من أمور الغيب المطلق التي يجب أن يتوقف فيها المسلم عند حدود ما أثبته القرآن الكريم‏,‏ وفسرته السنة النبوية المطهرة‏.‏
‏(2)‏ التأكيد علي أن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا‏,‏ فلا يجوز القياس علي الآخرة بسنن الدنيا أبدا‏,‏ وإن كان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أبقي لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية مايؤكد حتمية فناء الكون‏,‏ إلا أن الكون لن يفني بهذه السنن‏,‏ وإنما بأمر فجائي من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يعلم وقته إلا هو‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ ولذلك قال في محكم كتابه موجها الخطاب إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏
يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لايجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسئلونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لايعلمون‏(‏ الأعراف‏:187).‏

وعلي ذلك فإن العلماء الكونيين إذا استخدموا الشواهد الحسية الراهنة علي حتمية فناء الكون للتأكيد علي حتمية وقوع ذلك فإنهم يفعلون مايفعلون من قبيل التدليل علي حتمية وقوع الآخرة لا علي وقت وقوعها‏.‏
وعملية البعث وخروج الموتي من الأجداث كأنهم جراد منتشر عملية غيبية غيبة مطلقة لا يمكن للعلم الكسبي أن يقول فيها شيئا‏,‏ ولولا أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد شرح لنا جانبا من هذه العملية ما كان لي أن أتطرق إليها علي الاطلاق‏,‏ ولكني أستعين هنا بهديه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ لنفهم جانبا من هذا الغيب‏,‏ ولحكمة التشبيه بالجراد المنتشر‏.‏

البعث في أحاديث رسول الله
‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏
في عدد من الأحاديث ذكر رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن أصل الإنسان الذي يخلق منه في الدنيا هو عظمة تبقي في أسفل العمود الفقري من هيكله العظمي‏(‏ العصعص أو عجب الذنب‏)‏ وأن هذه العظمة لا تبلي أبدا‏,‏ ولا تأكلها الأرض التي يدفن فيها الميت‏,‏ وأن الله تعالي في يوم البعث ينزل من السماء ماء فينبت كل فرد من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏(‏ البخاري‏,‏ مسلم‏,‏ أبوداود‏,‏ النسائي‏,‏ أحمد‏,‏ ابن ماجه‏,‏ ابن حبان‏,‏ مالك‏,‏ وغيرهم‏).‏ ومن هذه الأحاديث الكثيرة نختار ما يلي‏:‏
‏(1)‏ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب‏.‏

‏(2)‏ وإن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة قالوا‏:‏ أي عظم يارسول الله؟ قال‏:‏ عجب الذنب‏.‏
‏(3)‏ وعنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه قال‏:‏ تحشرون حفاة‏,‏ عراة‏,‏ غرلا‏(‏ البخاري‏,‏ مسلم‏,‏ النسائي‏,‏ الترمذي‏).‏

خلق الجنين من عجب الذنب
يبدأ الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الجنين بالنطفة الأمشاج‏(‏ أي المختلطة من مني الزوج وبويضة الزوجة‏)‏ وتعرف باسم اللقيحة‏(Zygote),‏ وتبدأ اللقيحة بالانغراس في بطانة الرحم في اليوم السادس من عمرها حيث تبدأ في الانقسام علي التوالي حتي تتحول إلي قرص مكون من طبقتين من الخلايا‏:‏ علوية وسفلية‏(‏ تحتية‏)‏ لا تتميز فيه أية اتجاهات حتي يظهر في أحد أطراف طبقته العلوية في اليوم الخامس عشر من عمر الجنين خيط دقيق يحدد مؤخرة الجنين ويعرف باسم الخيط البدائي أو الأولي‏(ThePrimitiveOrPrimaryStreak),‏ وهذا الخيط له بداية في وسط القرص صــغيرة ومنتفخة قليلا تعرف باســم العقــــدة البدائية أو الأولية‏(ThePrimitiveOrPrimaryNode),‏ ومن هذا الخيط والعقدة البدائيين تتكون طبقات جسم الجنين الخارجية والوسطي والداخلية‏,‏ ومن كل واحدة منها يتكون عدد من أعضاء الجسم بخلاياه وأنسجته المتخصصة في عملية تعرف باسم عملية تكون المعيدات‏(Gastrulation),‏ وأول هذه الأجهزة تكونا هو محور الرأس ـ العصعص‏,‏ ويتكون فيه بدايات الجهاز العصبي المركزي بما في ذلك من بدايات المخ والجمجمة‏,‏ والحبل العصبي الشوكي والعمود الفقري‏,‏ وبذلك تتكون جميع أجهزة الجسم من الخيط والعقدة البدائيين‏,‏ وتصدق نبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بقوله‏:‏ منه خلق‏.‏ وبعد تمام تكون أجهزة الجسم المختلفة يتراجع هذا الخيط البدائي والعقدة البدائية بالتدريج إلي مؤخرة جسم الجنين حتي يستقرا في نهاية العمود الفقري في منطقة العصعص حيث يبقيان علي هيئة جنين كامن‏(‏ مثل جنين بذرة النبات‏)‏ يعاد تركيب جسم الإنسان منه يوم البعث بإنزال مطر خاص من السماء كما أخبر بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

إعادة البعث من عجب الذنب
في رواية للإمام مسلم عن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ مابين النفختين أربعون‏...‏ ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل‏..‏ وليس من الإنسان شيء إلا يبلي‏,‏ إلا عظما واحدا‏,‏ هو عجب الذنب‏,‏ منه خلق‏,‏ ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏
وفي تجارب مكررة أثبت العالم الألماني هانس سبيمان‏(HansSpeman)‏ ومدرسته العلمية‏(1931‏ ـ‏1935)‏ أن كلا من الخيط والعقدة البدائيين‏(‏ عجب الذنب‏)‏ هما المسئولان عن خلق جميع أجهزة الجنين ولذلك سماهمــا باسم المنظم الأولي أو الأساسي‏(ThePrimaryOrganiser‏ وقام بقطع هذا المنظم‏(‏ الأولي‏(‏ عجب الذنب‏)‏ في عدد من الحيوانات‏,‏ وبزرعه في جنين آخر نما علي هيئة جنين ثانوي في داخل الجنين المضيف‏,‏ كما قام بسحق هذا المنظم الأولي وزرعه مرة أخري في جنين آخر فنما وكون محورا جنينيا ثانويا رغم سحقه‏,‏ مما أكد أن السحق لا يؤثر فيه‏,‏ كما قام بغليه ثم زرعه في جنين ثالث فنما وكون محورا جنينيا جديدا مما يؤكد أن خلايا عجب الذنب لا تتأثر بالغليان‏,‏ وقد منح سبيمان جائزة نوبل سنة‏1935‏ م علي اكتشافه لدور عجب الذنب في تخليق جميع أجهزة الجسم‏,‏ وفي أن خلاياه لاتبلي بالسحق ولا بالغليان‏,‏ وهو لا يعلم بحديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
وفي رمضان‏1424‏ هـ قام الدكتور عثمان جيلان بتجربة مماثلة في اليمن أحرق فيها خمسا من عصاعص الأغنام باستخدام مسدس غاز لمدة عشر دقائق حتي احمرت من شدة الحرارة وتفحمت‏,‏ وبدراستها تبين أن خلايا عظمة العصعص لم تتأثر بالإحراق وبقيت حية تصديقا لنبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن عجب الذنب هو أصل الإنسان‏,‏ والبذرة التي منها نشأ جسده‏,‏ والتي تبقي بعد أن يموت ويتحلل هذا الجسد فيبعث منها يوم القيامة كما تنبت البقلة من بذرتها وذلك لأنها لا تبلي أبدا فقال‏:‏ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب‏.‏

‏...‏ يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر
يشبه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ خروج الناس من قبورهم في يوم البعث بهيئة الجراد المنتشر‏,‏ وتبدأ دورة حياة الجراد بوضع البيض الملقح في أماكن محددة وتقوم الأم برعايته حتي يفقس في حدود شهر مايو من كل سنة فتخرج منه الحوريات التي تقوم بعملية الانسلاخ من جلدها عدة مرات حتي تصل إلي حجم الحشرة البالغة التي تحيا في باديء الأمر حياة فردية ثم تبدأ في تكوين جماعة تنتهي برحلة الهجرة الجماعية التي تقطع فيها أسراب الجراد مسافات شاسعة تمر خلالها بمناطق التكاثر الخريفي والشتوي والربيعي حين تعود إلي مناطق تكاثرها الأولي التي انطلقت منها‏:‏
ويصل عدد الجراد المهاجر في السرب الواحد إلي عشرات البلايين ومن هنا كان تشبيه خروج الخلق الذين عمروا الأرض من أول وجودهم عليها إلي آخر لحظة من هذا الوجود‏(‏ والذين يصل عددهم إلي عشرات بل مئات البلايين‏)‏ بالجراد المنتشر وهو تشبيه في غاية الدقة العلمية‏.‏ لأن سرب الجراد المهاجر يغطي مساحات من الأرض تقدر بأكثر من ألف كيلومتر مربع‏,‏ وهكذا سوف تكون مساحات الحشر‏,‏ ويتراص الجراد المهاجر علي ارتفاعات قريبة من سطح الأرض بكثافات تتراوح بين المليون وعشرات الملايين جرادة في الكيلومتر المربع الواحد‏(‏ وتعرف باسم الأسراب الطباقية‏)‏ وهكذا سوف يتزاحم الناس وهم يساقون إلي أرض المحشر‏,‏ وتتحرك أسراب الجراد بانضباط شديد تحت قيادة صارمة في مقدمة السرب‏,‏ وهكذا سيكون الخلق في ساعة الحشر‏(‏ مهطعين إلي الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر‏)‏ القمر‏:8.‏

والجراد يطير عاريا تماما إلا من رحمه الله‏(‏ تعالي‏)‏ الذي زوده بغطاء قرني رقيق‏,‏ والناس يحشرون حفاة‏,‏ عراة‏,‏ غرلا‏,‏ كما قال خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ لايغطيهم إلا جلودهم‏..‏ وبذلك فإن هذا التشبيه القرآني المعجز‏(...‏ يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر‏)‏ يبقي شاهدا للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها ليبقي شاهدا علي جميع الخلق إلي يوم الدين‏,‏ وناطقا بنبوة خاتم المرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏