واحترم نظيرك



الكاتب: د. سلمان بن فهد العودة

السبت 04 جمادى الآخرة 1432الموافق 07 مايو 2011


حكى طفلي طرفة أن ملكاً كان عنده مائة رجل ، فعطس أحدهم ، وسأل الملك : من العاطس؟ فلم يجب ، قسمهم إلى مجموعتين وسأل الأولى عن العاطس ، ولما لم يجب قتلهم ، وقسم الباقين إلى مجموعتين .. حتى لم يبق منهم إلا واحداً .. فسأله : من العاطس ؟ فقال : أنا !

قال : يرحمك الله !

في المثل الإنجليزي " إبريل شاور ، ومي فْلَوَر " " الأمطار ثم الأزهار " ، هذا العام سال الشهر نهراً من دماء , فهل تنبت بعده أزهار الحرية والأحلام الرائعة الجديدة للشعوب المحرومة ؟

منطق الأسباب والنتائج الذي يعنيه المثل هو ما ترشد إليه السنة الإلهية .

معاني التكريم والرحمة والتواصل والأخلاق تدور حول معنى واحد ، هو " الاحترام " .

احترام العقول بالكفّ عن الخداع وسوق الأضاليل والأكاذيب الدعائية على قاعدة " اكذب واكذب حتى يصدقك الناس " .

احترام العمل والكفاءة .. فليس الجدير بالوظيفة من يجيبك على سؤال " من تعرف ؟ " بل من يجيبك على سؤال : " ماذا تعرف ؟ " .

الشهادة والخبرة والمعرفة الميدانية هي معيار الاحترام .

احترام الوقت ، الإحساس بأهميته ، وأنه يعني الحياة ، فلا يذهب إلا في شيء مقصود ، ولو كان متعة أو ترفيهاً ، أو عملاً متواضعاً ، وما أجمل أن « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ » وأنت منهمك في أي عمل .

احترام وقت الآخرين ، يواعدك العاشرة ، وتنتظره إلى الحادية عشرة ، وإن لم يأت حتى الثانية عشرة ، فباستطاعتك الانصراف في الواحدة حتى لا تثير غضبه .

الفساد الإداري هو إضاعة وقت الناس الذين وضعوك في هذا العمل لخدمة الشأن العام .

الاحترام الاجتماعي : التواصل ، المناسبات ، التهاني ، التعازي ، العمل الطّوعي ، " بذل الندى ، وكف الأذى " .

احترام خصوصيات الآخرين ، الأسرار التي يجب ألا تُشاع ، الأحوال التي يحرم كشفها والتلصص عليها ، الاتصالات والإيميلات والمراسلات التي لا يجوز انتهاكها ولا تقحّمها ، وويل " للهاكرز " رسمياً كان أو شعبياً من وعيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خَطْف أبصارهم فلا يعقلون ولا يرجعون : « لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ طَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ » رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الأنصاري.

أنت يا من تعيّر أخاك بذنب عرفته بالتجسس عليه .. جرمك عند الله أعظم منه ، هو كان مستتراً منكسراً ففضحته وهتكت ستره ، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته !

الخصوصية حتى بين الأصدقاء الحميمين أو الزوجين ، تزول الحواجز والحدود والسدود ، ويبقى لكل امرئ شخصيته وأسراره وأحاسيسه التي لا يبوح بها لأقرب قريب .

احترام المسؤولية تعني القدرة على التدارك والتصحيح ، القدرة على الاعتذار حال الخطأ ، الاعتذار لا يضر ، الإصرار والتجاهل هو الذي يحرمك احترام ناسك ، القدرة على الاستقالة ، فأنت لا تستمد أهميتك من عملك ، بل من كفاءتك وقدراتك الشخصية ، وهي باقية ، وها هم رؤساء دول يتركون كراسيهم ويظلون أحياء فاعلين في دولهم ، وفي العالم كله ، قائمين على برامج ومشاريع عالمية ، مقدمين المشورة والخبرة ، أساتذة في جامعات .

مع الجريمة والخطأ لا ينتهي الاحترام ، ينال المخطئ جزاءه ، وتُحفظ حقوقه « إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ » رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

لست بصدد البحث عن مسوغات لتقليل احترام الآخرين ، حتى أولئك الذين يجهلون عليك خير ما تقابلهم به الصفح والإعراض :

حَليمٌ إِذا ما الحِلمُ زَينٌ لأَهلهُ
مَعَ الحِلمِ في عَينِ العَدُوَّ مَهيبُ

إِذا ما تَراءاهُ الرِجالُ تَحَفَّظوا
فَلَم تُنطَق العَوراءُ وَهوَ قَريبُ


سوف تتجرع الأمر أولاً ، ثم تسيغه ، ليصبح محمدة وسنة لك أجرها وأجر من عمل بها (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35) .