لواء الشريعة - محمد سيد بركة
زادت في هذه الآونة، موجات الهجوم على الإسلام، وأصبح الهجوم ليس قاصرًا على غير المسلمين من الغرب، ولكن كثر عدد المهاجمين للإسلام للأسف من أبناء جلدتنا الذين انهزموا أمام أعدائنا، تغربوا وأصبحوا يقلدون الغربيين ويرطنون برطنهم.. يتكلمون بيننا بلغة غريبة.. يهاجمون الإسلام ويمدحون كل من يخالف الإسلام.. وهم عدة فئات:
بعضهم يعمل ويهاجم من شدة كرهه وحقده على الإسلام والمسلمين، وبعضهم يجهل حقيقة الإسلام، والبعض الآخر تم تسخيره من جهات أجنبية ويأخذون رواتب ومبالغ كبيرة مقابل نشرهم لمقالات في الصحف وإذاعة البرامج في الفضائيات، يدعون في هذه وتلك الكتابات أن الإسلام دين بين العبد وربه، وليس له تأثير في تنظيم حياة الناس، وأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن حاكمًا، بل مجرد رسول يبين أحكام العبادات وعلاقة الإنسان بالله تعالى.
وقد ركز الكاتب أحمد أبو زيد في كتابه (الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية) ـ والذي نشرته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في سلسلة دعوة الحق ـ على بعض الأعمال الأدبية التي تطاولت على الإسلام، وعلى نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم.
ويعد الكتاب وثيقة أدبية ذات أهمية بالغة في النصف الأخير من القرن الميلادي المنصرم، فقد رصد المؤلف ثلاث روايات ظهرت ابتداءً من عام 1959م، وأظهر ما فيها من افتراء على الإسلام وتشويه متعمد لعقيدته النقية، وتطاول على الذات الإلهية، والرسل الكرام، ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته رضوان الله عليهم. وقد استعرض هذه الروايات بالترتيب بحسب ظهورها:
فتناول أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، والتي أثارت لغطًا كبيرًا، ولم يوافق محفوظ على نشرها طيلة حياته بعدما تم منع نشرها ولم تنشر في مصر إلا بعد وفاته في 30 أغسطس عام 2006م .
ثاني هذه الروايات رواية آيات الشيطانية لسليمان رشدي. وثالثها رواية مسافة في عقل رجل (محاكمة الإله) لعلاء حامد.
والملاحظ أن روايتي الآيات الشيطانية، ومسافة في عقل رجل، قد ظهرتا في عام 1988م، وهو العام الذي حصل فيه نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وكان من أسباب حصوله عليها قصته (أولاد حارتنا) التي تُرجمت إلى الإنجليزية عام 1981م، وقد جاء كتاب أبو زيد (الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية) في ستة فصول .
جاء الفصل الأول: بعنوان الهجوم على الإسلام قديمًا وحديثًا، بيّن المؤلف أن هذا الهجوم يأتي ضمن أربعة مخططات هي:
ــ المخطط الأول هو: مخطط استعماري صليبي بدأ منذ أن انتصرت حضارة الإسلام واحتكّ المسلمون بالنصارى في بلاد الأندلس، وبرز بشكل أوضح حين بدأت الحضارة الأوروبية تنهار، ولم يعد هناك إستراتيجية صالحة إلا الإسلام، وقد سعت الصليبية إلى محاربة القرآن الكريم وتشويه أحكامه، والطعن في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتشويه سيرته، ووضع الإسلام في مواضع المتهم.
ــ والمخطط الثاني هو: المخطط الصهيوني الذي لم يتوقف منذ بدء رسالة الإسلام، وحتى يومنا هذا، ومما جاء في البروتوكول الخامس عشر من بروتوكولات حكماء صهيون: لقد عنينا عناية خاصة بالعيب في رجال الدين غير اليهود والحط من قدرهم في نظر الشعب، وأفلحنا كذلك في الإضرار برسالتهم التي تنحصر في تعويق أهدافنا، والوقوف في سبيلها حتى لقد أخذ نفوذهم ينهار مع الأيام.
ــ والمخطط الثالث هو: المخطط الشيوعي من خلال الأنظمة الشيوعية، ومن خلال أذنابها ورجالها الذين يكونون الأحزاب الشيوعية التي تسعى لحرب الإسلام، والتشكيك في أصوله، وقد قام الأذناب والعبيد في كثير من بلاد المسلمين بتنفيذ المخطط.
أما الفصل الثاني: استغلال الأدب في محاربة الإسلام، فبيّن أن الحركة التنصيرية كحركة معادية للإسلام تضع الأدب وفنونه في المكان الصحيح، فهي تخطط وترصد الإمكانات المادية الكافية وتهتم بترجمته، وتوعز إلى النقاد للإشادة به، وترصد له الجوائز وتقدمه في وسائل الإعلام المتعددة، وتسعى إلى نشره وتعميمه.
وفي الفصل الثالث: حرية العقيدة والفكر والرأي، ففيه رد على الذين تطوعوا للدفاع عن هذه الأعمال من العلمانيين والشيوعيين، وفضح للمغالطات التي يتسترون وراءها، مبينًا أن حرية الفكر والرأي مكفولة للمسلمين ولغيرهم ما دامت لا تحمل على الفوضى، أو تثير الفساد والإفساد، أو تكون أداة لهدم أسس الإسلام.
ويقف في الفصل الرابع عند رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا)، التي نشرها في جريدة الأهرام عام 1959م، وكانت سببًا في حصوله على جائزة نوبل عام 1988م وأوضح فيه:
أن الجدل ثار حول رواية (أولاد حارتنا) حين نشرها محفوظ عام 1959م، وأن الأزهر قد احتج عليها يومذاك، وأن الذين اهتموا بها من أجانب ومستشرقين، وجدوا فيها ضالتهم، وأدركوا أنها قصة تحطم كل ما هو مقدس من الأديان والرسل والكتب والغيبيات.
ويشهد لهذا العلماني المصري المسيحي، غالي شكري، فيرى أنها تعبير عن انتصار قيمة العلم على قيمة الدين.
ويقول في ذلك أحمد أبو زيد: لا غرابة أيضًا أن يهتم بها - أولاد حارتنا - دارسو الأدب العربي من الأجانب والمستشرقين اهتمامًا خاصاً،َ ويفردون لها جانبًا بارزًا من دراساتهم عن نجيب محفوظ . فقد وجدوا فيه ضالتهم وأدركوا أنها قصة تحطم كل ما هو مقدس من الأديان والرسل والكتب والغيبيات.
وأدى هذا التأثر إلى أن امتلأت قصص نجيب محفوظ ورواياته بالدعوة إلى القيم الهابطة والفساد، ومن ذلك الدعوة إلى اللهو والطرب، والسخرية من الحياء وزعمه أن الحياء موضة قديمة، واحتفائه بالمومسات والتعدي الصارخ على الدين .
ويضيف أبو زيد قائلاً: ومعنى هذا فساد الوجهة في مخطط نجيب محفوظ القصصي كله الذي يروج فيه الشك والسخرية والاستهانة بالقيم والاستهزاء بالمقدسات، وليست إذن، رواية أولاد حارتنا هي وحدها الحاملة للسم، ولكن الكاتب نفسه الذي يتخفى وراء مظهر أنيق وعبارات صحافية مرتبة وكلمات براقة هو في داخل قصصه نتن عجيب وقذارة وفساد يجب أن يعرفه كل من يسأل عنه.
وفي الفصل الخامس (آيات سلمان رشدي الشيطانية)، تحدث المؤلف عن اهتمام أوروبا برواية آيات شيطانية، ودفاعها عنه وتسابق دور النشر فيها إلى طباعتها، وأنه ـ أي: سلمان رشدي ـ لم يكن سوى المجرم الظاهر، وأما المجرم الحقيقي والمتستر فهو هيئة تنصيرية تتخذ من بريطانيا مستقرًا ومقامًا، وتعمل بين الهنود والباكستانيين المهاجرين، وتشيع بينهم مقولة "الإسلام دين الشيطان"، وقد اصطادت سلمان وغيره، وهو قام بدور قذر في التهجم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوجاته الطاهرات، ولم يكن أديبًا مبتكرًا يحاول أن يستخدم إمكانات الفن الروائي لتجربة تجسد رؤية مبتكرة ناضجة، بل مجرد مهرج يعيد إلى الغربيين الصورة المرتكزة في أذهانهم عن الإسلام بنفس عناصرها البالية المألوفة.
والجدير بالذكر، أن سلمان رشدي بريطاني من أصل هندي تخرج من جامعة كنج كولج في كامبردج بريطانيا، وعام 1981 حصل على جائزة بوكر الإنجليزية الهامة عن كتابه "أطفال منتصف الليل". نشر روايته آيات شيطانية عام 1988 وحاز عنها جائزة ويتبيرد.
وفي يونيه 2007، منحته ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية لقب "فارس"، وسلّمته له في مراسم أُقيمت في قصر باكنغهام، في يونيه 2008، وذلك بعد عام واحد من إعلان منحه اللقب.
وتناول الفصل السادس: الرواية الثالثة (مسافة في عقل رجل أو محاكمة الإله)، وهي لأحد المجاهيل "علاء حامد"، وقد تعرض مؤلف هذه الرواية الآثمة للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة المصرية التي وجهت إليه عدة اتهامات، منها الطعن في الذات الإلهية، والتهجم على الأديان، وسبُّ الرسل والأنبياء، وإنكار مسلمات العقيدة من ثواب وعقاب وجنة ونار، واستندت المحكمة على إدانة الأزهر لهذه الرواية، وقضت بسجن كاتبها ثماني سنوات عقوبة له.
ولم يقف الأمر عند هؤلاء الثلاثة، فما يزال مسلسل التهجم على الإسلام مستمرًا، وما يزال الذين يفعلون ذلك يلقون التأييد والحماية، كما يحصل اليوم للبنغالية "تسليمة نسرين" التي تهاجم الإسلام وتشريعه، ويقام لها المؤتمرات الصحافية والمحاضرات، ويُعتنى بتصريحاتها وأفكارها.
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].
المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/id/1421/
المفضلات