مؤامرة اغتيال الإمام الحسن بن علي
الحسن بن علي اتخذ من جده الرسول الكريم قدوةومثلا أعلي..
مأمون غريب

عاش الحسن سبع سنوات في حياة جده العظيم خاتم الأنبياء والمرسلين.
ولاشك أن هذه السنوات تركت في أعماقه بصمات لاتنسي طوال حياته.
وإذا كان علماء النفس في العصر الحديث يرون أن شخصية الإنسان تتكون خطوطها الرئيسية في سنوات الطفولة، فلا شك أن شخصية الحسن قد تأثرت بهذه الفترة في حياة الرسول تأثرا كبيرا..
فما أكثر ماداعبه الرسول عليه الصلاة والسلام.. وما أكثر ما شاهده بشخصيته الآسرة وهو يحدث الناس عن مباديء وقيم الدين الحنيف.. وما أكثر ما شاهده وهو يتعبد فكان أخشي الناس لربه.. وشاهد زهده وشجاعته وتقشفه ومعاملته الكريمة للناس، وسمع عن معاركه مع أعداء الاسلام وانتصاره عليهم.. شاهد كل ذلك.. وسمع عن كل ذلك فكان مثله الأعلي جده العظيم.
ولاشك أنه تأثر أيضا بوالدته فاطمة الزهراء.. الحبيبة إلي قلب والدها العظيم ووالده علي بن أبي طالب قال عنه الرسول الكريم عند غدير (خم) وسط صحابته:
من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وإلي من والاه وعاد من عاداه'.

وعندما تزوج بالزهراء قال لها:
'زوجك سيد في الدنيا والآخرة'.
وشاهد الحسن في طفولته كيف كان والده علي بن أبي طالب يساعد فاطمة الزهراء في عمل المنزل ويعلم ما قاله عنه ابن عباس:
لعل أربع خصال ليست لأحد غيره هو أول عربي وعجمي صلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواء الرسول إليه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره. وهو الذي غسله وأدخله قبره'.
والإمام الحسن كان يعرف كم كانت أمه الزهراء قريبة إلي قلب النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال لعلي بن طالب وهو يوصيه بها:
'فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها'.
وكانت فاطمة تعرف عن أبيها الكثير في تقواه وعطاياه وحبه للخير، وإيثاره الناس علي نفسه.
تشبع الحسن بكل ذلك.. وعرف كيف كان يعيش والداه عيشة بالغة التقشف، ومع ذلك يؤثرون الناس علي أنفسهم، حتي أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا عليا وزوجته وأولاده، وقال له يوما:
يا علي. ان الله تعالي قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلي الله تعالي منها وهي زينة الأبرار عند الله عز وجل: الزهد في الدنيا فجعلك لاترزأ (أي تصيب) من الدنيا شيئا ولاترزأ منك الدنيا شيئا. ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضي عنهم اتباعا ويرضونك اماما، فطوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أغضبك وكذبوا عليك. فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم في الآخرة جيرانك في دارك ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق علي الله أن يوقفهم موقف الكذابين.

* * *

وعرف الحسن عندما امتدت به أيام العمر، كيف أن جده رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسل برسول يستدعي فاطمة الزهراء، فخرجت إلي بيت والدها.
تقول عائشة رضي الله عنها: كل أزواج النبي صلي الله عليه وسلم عنده لم تغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطيء مشيتها من مشية رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا، فلما رآها رحب بها فقال¢
مرحبا يا ابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأي جزعها سارٌها الثانية فضحكت.
فقلت لها: خصك رسول الله صلي الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين.
قالت: ما كنت أفشي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم سره.
قالت: فلما توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم قلت:
عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلي الله عليه وسلم؟
فقال: أما الآن فنعم.. أما عن حين سارٌني في المرة الأولي، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين وإني لأري الأجل قد اقترب فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك، قلت فبكيت بكائي الذي رأيت.. فلما رأي جزعي سارني الثانية فقال:
يافاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟
قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت.

* * *

أيام عاشها الحسن تحت رعاية جده وأمه ووالده ولكن أمه فاطمة الزهراء انتقلت إلي جوار الله بعد جده صلي الله عليه وسلم بستة شهور، وكانت أول أهله لحوقا به كما قال لها الرسول وعلي فراش المرض أنها أول آل بيته لحوقا به عليه الصلاة والسلام..
وعاش الحسن بعد ذلك بعيدا عن حنان الأم الذي فقدها وهو يقترب من عامه الثامن.

* * *

والحسن ظل طوال حياته يتذكر أيام طفولته تلك ولم ينس أبدا كيف كان بصحبة والده ذات يوم وهو طفل صغير في سوق المدينة المنورة، ومر عليهم سائل يسأله شيئا.. فقال علي لابنه الحسن.
اذهب إلي أمك فقل لها: تركت عندك ستة دراهم فهات منها درهما.
فذهب الحسن إلي أمه ورجع إلي أبيه فقال:
أمي تقول لك إنها تركت ستة دراهم للدقيق.
فقال علي: لايصدق إيمان عبد حتي يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده، قل لها: ابعثي بالدراهم الستة جميعا.
فبعثت بها إليه فدفعها كلها إلي السائل.
وبعد فترة مر رجل يريد بيع جمل فسأله علي عن ثمن هذا الجمل.. فقال الرجل:
بمائة وأربعين درهما.
فقال له علي أنه يريد أن يشتري هذا الجمل علي أن يدفع ثمنه فيما بعد، ومضي الرجل علي أن يعود بعد فترة من الزمن ليأخذ ثمنه من علي، وبينما كان علي يجلس مع الحسن، وبجواره الجمل جاء من اشتراه منه بمائتي درهم، فأعطي صاحب الجمل حقه، وبقي ستون درهما، وعندما أعطي هذا المبلغ لزوجته فاطمة سألته.
ما هذا؟
قال
هذا ما وعدنا الله علي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها'.

* * *

بعد وفاة الرسول كانت الأنظار تتجه إلي استقرار أمور الحكم، وخاصة أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة عامر الجراح، علموا أن الأنصار يريدون مبايعة سعد بن عبادة خليفة للمسلمين، فأسرعوا إلي سقيفة بني ساعدة، حيث كان مجتمع الأنصار، واحتدم الخلاف والصراع بين المهاجرين والانصار علي أيهما أحق بالخلافة هل يكون الخليفة من المهاجرين أو من الأنصار!
وانتهي الأمر بمبايعة أبي بكر الصديق بالخلافة.. وكان علي بن أبي طالب مشغولا أثناء هذه الاحداث بجهاز رسول الله، وكان يظن أن الناس ستبايعه بالخلافة.. ولكنه بعد أن علم أن الصديق أصبح خليفة لرسول الله، آثر ألا يشق عصا الطاعة، أو أن يحدث فتنة، فبايع الصديق بعد فترة من الزمن حرصا علي وحدة الصف الاسلامي.. بينما كان يؤمن بأنه هو الأحق بالخلافة.. ومن هنا دخل آل البيت في لعبة السياسة.

* * *

فعندما علم علي بما يحدث في السقيفة سأل:
ماذا قالت الأنصار؟
قالوا:
قالت منا أمير ومنكم أمير.
قال:
هلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم وصي بأن يحسن إلي محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟
قالوا:
وما في هذه الحجة عليهم.
قال:
لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم.

* * *

كانت نفسه تتوق إلي الخلافة، وكان يوقن أنه أحق بها.
وقد غضبت فاطمة الزهراء عندما علمت بما حدث في السقيفة والرسول صلي الله عليه وسلم لم يدفن بعد حتي أنها قالت لبعض الصحابة الذين جاءوا لتعزيتها وكان فيهم أبوبكر وعمر وأبوعبيدة
: تركتم رسول الله صلي الله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ولم تستأمرونا'.
وبكي الصديق:
وعلم أبوعبيدة بن الجراح برأي علي فذهب إليه في منزله وقال له:
: يا ابن عم، انك حديث السن، وهولاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم، ومعرفتهم بالأمور، فسلم لأبي بكر بهذا الأمر فإنك ان تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق، في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك'
فقال له علي بن أبي طالب:
حلفت ألا أخرج من بيتي ولا أضع ثوبي علي عاتقي حتي أجمع القرآن'.
وجاءه أبوبكر ليبايعه، وحدث حوار بينهما، وقال له الصديق:
لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي، إني والله لاأدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته ان شاء الله تعالي'.
وفكر علي بن أبي طالب وقرر أن يبايع الصديق، وبايعه في اليوم التالي بالمسجد بين فرح المسلمين بلم الشمل، فقد كان علي بن أبي طالب في الثلاثين من عمره.

* * *

شاهد الحسن كل هذه الأمور وهو في سنه الصغيرة، وشاهد أيضا وسمع فيما بعد عن هذا الخلاف الفقهي الذي حدث بين الصديق وعمر بن الخطاب من جانب والده ووالدته فاطمة الزهراء.. حول (فدك) وفدك هذه قرية بخيبر.. وكانت فيئا لرسول الله وجعلها لفاطمة الزهراء، التي كانت تأخذ لنفسها من ثمار النخيل ما يكفيها لعام ثم تتصدق بالباقي.
ورأي الصديق أن تؤول (فدك) لولي الأمر.. وأن هذه الأرض ما ينبغي أن تورث لأنه سمع الرسول صلي الله عليه وسلم يقول:
: إننا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة'.
ولم تكن فاطمة ولا علي يعلمان هذا بل رأيا أن الأنبياء يورثون لقوله تعالي:
'وورث سليمان داود'
وقوله تعالي علي لسان زكريا:
'فهب لي من لدنك وليا يرثني..'
واحتدم الخلاف بينهما، وأيد عمر الصديق أبابكر وانتزعت أرض 'فدك' من فاطمة الزهراء وكان الصديق لايطيق حزن وغضب فاطمة الزهراء، فذهب يستعطفها، وقال لها:
'ياحبيبة رسول الله، والله ان قرابة رسول الله أحب إليٌ من قرابتي، وإنك لأحب إليٌ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقي بعده، افتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله؟
إلا أنني سمعت أباك رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
'نحن الأنبياء لانورث ذهبا ولافضة ولا دارا ولا عقارا، وإنا نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة، وما تركنا فهو صدقة'.
ودار حوار طويل ذكرت فيه فاطمة 'ما قاله والدها عنها.. فقد قال أعظم رسل السماء:
'رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضي فاطمة ابنتي فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني'.
وقالت فاطمة لأبي بكر وعمر:
فإني أشهد الله وملائكته أنكما اسخطاني وما أرضيتماني، وان لقيت النبي لاشكو نكما إليه'.
فقال أبوبكر.
أنا عائذ بالله تعالي من سخطه وسخطك يافاطمة.
وبكي الصديق، وحزن عمر لحزن فاطمة.. وود الخليفة أن يبعد عن نفسه مسئولية الحكم، فهو لايريد أن يغضب فاطمة، حتي أنه قال للناس في المسجد:
'أيها الناس أقيلوني.. يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه.. لاحاجة لي في بيعتكم'.
فقال له علي بن أبي طالب.
لانقيلك ولانستقيلك أبدا. قد قدمك رسول الله صلي الله عليه وسلم لتوحيد ديننا، من ذا الذي يؤخرك لتوجيه دنيانا'.

* * *

شاهد الحسن كل هذه الأمور في طفولته، وعرف المشكلات التي تجرها السياسة، والمعارك التي تخاض في سبيلها، فشب وهو يحب السلام ويؤثر السلام..

* * *

لقد كان صغيرا في خلافة الصديق.. ولكنه شاهد كيف أطلق الصديق الجيوش الاسلامية لتجابه أقوي امبراطوريات العصر الامبراطورية الفارسية.. والامبراطورية الرومانية، عند ما أمر أن يقود أسامة بن زيد الجيش الذي كان قد جهزه رسول الله صلي الله عليه وسلم لمجابهة الروم، ثم بدأت المجابهات مع هذه الامبراطوريات، بعد أن تمكن الصديق من القضاء علي الفتن الداخلية، فقضي علي المرتدين، وما نعي الزكاة، ومدعي النبوة، ووحٌد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الاسلام، وأعاد للمسلمين وحدتهم وقوتهم، فلم يعودوا يبالون بقوة الفرس، أو سطوة الروم، وانطلقت الجيوش الاسلامية وزحفت لتدك الامبراطورية الفارسية، في العراق، وتدخل المدائن عاصمة كسري، وتنتزع الشام وفلسطين ومصر، وتيمم وجهها نحو الشمال الافريقي، وما وراء أرض فارس في زمن عمر بن الخطاب..
شاهد الحسن وهو يشب علي الطوق كل هذه الامجاد التي يحققها المسلمون، وكيف تغير الحال غير الحال، فبفضل هذه الفتوحات انتعشت الحياة الاقتصادية، وأصبح هناك بيت مال المسلمين الذي أنشأه عمربن الخطاب، وكان للصحابة اعطياتهم، وكان من الذين لهم الحق في هذه الأعطيات الحسن والحسين، والصحابة.. حسب سابقتهم في الاسلام وقرابتهم من رسول الله.. ووضع عمر هذه القاعدة الذهبية لتوزيع الرواتب:
'لكل وسابقته، ولكل عمله وبلاده، ولكل وحاجته'.
وكان علي بن أبي طالب من المقربين للفاروق عمر بن الخطاب، يستشيره في كثير من القضايا والأمور الفقهية، ويعمل بما يقول علي بن أبي طالب.. بل كان يقول:
لولا علي لهلك عمر

* * *

وطعن عمربن الخطاب بنتيجة مؤامرة خسيسة، وقرر قبل أن يموت، ألا يترك الأمر فوضي، فرشح ستة لخلافته، علي أن يختار المسلمون واحدا من هؤلاء الستة..
وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعدبن أبي وقاص، وعبدالرحمن ابن عوف وطلحة بن عبيد الله..
ووقع الاختيار علي عثمان بن عفان، بعد أن فاضت روح الفاروق في 27 من ذي الحجة سنة 23 ه بعد أن قضي في الخلافة عشر سنوات، وعدة شهور، استطاع في خلالها أن يقيم قواعد أعظم امبراطوريات التاريخ، ويشيد تاريخا عظيما للاسلام، ودفن مع صديقيه الرسول صلي الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق.

* * *

مع بداية حكم عثمان كان الحسن بن علي قد دخل إلي عالم الرجولة، وبدأ يدرك ما يجري من أحداث سياسية وتغيرات اجتماعية في المجتمع الاسلامي بصفة عامة، وفي مجتمع شبه الجزيرة العربية بصفة خاصة، وشاهد كيف استطاع عثمان بن عفان، وكان قريبا من قلوب المسلمين، لأنه أكثر لينا من عمربن الخطاب، أو بمعني أدق ليس فيه شدة عمر، وكان رقيق القلب، محبا للخير، له تاريخ ناصع في العطاء والجود في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ذو النورين الذي تزوج من ابنتي رسول الله صلي الله عليه وسلم رقية، ثم تزوج بعد وفاتها من أم كلثوم: وقد قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم أشد أمتي حياء عثمان بن عفان.
وفي عهده انطلقت الفتوحات الاسلامية في الشمال الافريقي، وانتصر المسلمون علي الرومان في معركة 'ذات الصواري' البحرية، واستول، المسلمون علي جزيرة قبرص..
وفي عهده جمع القرآن الكريم علي لغة واحدة. وهو من أعظم انجازات الخليفة الثالث.
ولكن الأمور بدأت تأخذ شكلا آخر بعد ست سنوات من حكمه، فقد بدأت بوادر الفتنة الكبري التي اشتعلت فيما بعد، وظلت نحو عشر سنوات.. منها ماتبقي من خلافة عثمان، والباقي في خلافة علي بن أبي طالب، وقد كان وراء هذه الفتنة أو من أحد أسبابها عبدالله بن سبأ اليهودي، الذي أدعي الاسلام ليكيد له، بجانب ظهور الترف، الذي هاجمه الصحابي الجليل أبوذر الغفاري، حتي أن عثمان أمر بنفيه إلي 'الربذه' حيث مات وحيدا، كما أن إيثار عثمان لبعض أقاربه بالوظائف في الدولة أثار حقد الاخرين، كما أن الكثير من أبناء البلاد المفتوحة وخاصة في بلاد فارس كان يسيئهم أن يتسيٌد عليهم العرب وهم الذين كانوا يخشون بأسهم قبل الاسلام مهما يكن من شيء. فقد بلغت الفتنة منتهاها بحصار منزل عثمان بن عفان نفسه في المدينة وقد أرسل علي بن أبي طالب الحسن والحسين للدفاع عن الخليفة، وفعل ذلك أيضا بعض الصحابة من أمثال الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله.. فقد أرسلوا أبناءهم للدفاع عن الخليفة، حتي أن 'عليا' لطم الحسن والحسين ظنا منه أنهما قصرا في الدفاع عن الخليفة، وقال (علي بن أبي طالب) لهؤلاء الثوار الذين انخدعوا بمؤامرة عبدالله بن سبأ:
: ان الذي تصنعون لايشبه أمر المؤمنين، ولا أمر الكافرين.. ولاتقطعوا عن الرجل الطعام أو الشراب، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله ولكنهم رفضوا رأي علي بن أبي طالب، وقتلوا أمير المؤمنين وهو يقرأ القرآن الكريم، وسال دمه الطاهر علي المصحف الشريف.

* * *
شاهد الحسن مآسي الفتنة الكبري التي حدثت أيام عثمان بن عفان، وامتدت إلي أيام والده عندما أصبح خليفة للمسلمين، وشاهد الاحداث وهي تتراكم، والمعارك المتعددة بين المسلمين، والدماء التي تسيل، وتوقف الفتوحات الإسلامية، وكان يأمل ألا تسفك هذه الدماء، وألا ينقسم المسلمون علي أنفسهم، وأن يتحدوا تحت راية واحدة.. ولكن الاحداث كانت أكبر من الأماني والأمنيات.