الرد
يقول الإمام الرازي
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {57/22}
[سورة الحديد]
{ إِلَّا فِي كِتَابٍ } يعني مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ وفيه مسائل:
المسألة الأولى : هذه الآية دالة على أن جميع الحوادث الأرضية قبل دخولها في الوجود مكتوبة في اللوح المحفوظ.
قال المتكلمون: وإنما كتب كل ذلك لوجوه
أحدها: تستدل الملائكة بذلك المكتوب على كونه سبحانه وتعالى عالماً بجميع الأشياء قبل وقوعها
وثانيها: ليعرفوا حكمة الله فإنه تعالى مع علمه بأنهم يقدمون على تلك المعاصي خلقهم ورزقهم
وثالثها: ليحذروا من أمثال تلك المعاصي
ورابعها: ليشكروا الله تعالى على توفيقه إياهم على الطاعات وعصمته إياهم من المعاصي.
وقالت الحكماء: إن الملائكة الذين وصفهم الله بأنهم هم المدبرات أمراً، وهم المقسمات أمراً، إنما هي المبادىء لحدوث الحوادث في هذا العالم السفلي بواسطة الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية، فتصوراتها لانسياق تلك الأسباب إلى المسببات هو المراد من قوله تعالى: { إِلَّا فِي كِتَابٍ }.
المسألة الثانية: استدل جمهور أهل التوحيد بهذه الآية على أنه تعالى عالم بالأشياء قبل وقوعها , ووجه الاستدلال أنه تعالى لما كتبها في الكتاب قبل وقوعها وجاءت مطابقة لذلك الكتاب علمنا أنه تعالى عالماً بها بأسرها.
المسألة الثالثة: قوله: { وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ } يتناول جميع مصائب الأنفس فيدخل فيها كفرهم ومعاصيهم، فالآية دالة على أن جميع أعمالهم بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ، ومثبتة في علم الله تعالى، فكان الامتناع من تلك الأعمال محالاً، لأن علم الله بوجودها مناف لعدمها، والجمع بين المتنافيين محال، فلما حصل العلم بوجودها، وهذا العلم ممتنع الزوال كان الجمع بين عدمها وبين علم الله بوجودها محالاً.
المسألة الرابعة: قوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } وفيه قولان:
أحدهما: إن حفظ ذلك على الله هين
والثاني: إن إثبات ذلك على كثرته في الكتاب يسير على الله وإن كان عسيراً على العباد، ونظير هذه الآية قوله:
{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }
[فاطر: 11].
المفضلات