البداية: مما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخص القبور

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة) رواه مسلم

وكان قد نهى عنها حين كان الإسلام حديثاً في الصدور، فلمّا استقّر وأمن على المسلمين من طقوس الجاهلية دعا إلى زيارتها لما في ذلك من تزهيدٍ في الدنيا وترغيبٍ في الأخرة.

وأدّبنا بآداب الإسلام فأمر بالصبر والاحتساب عند المصيبة كما يروي الحديث: حين أرسلت له إحدى بناته أنّ ابناً لها في الموت قال لرسولها: (ارجع إليها فأخبرها أنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجلٍ مسمّىً فمُرها فلتصبر ولتحتسب) مسلم الجنائز باب البكاء على الميت،

وحين توفي ابنه إبراهيم قال: (إنّ العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) البخاري الجنائز

وحذّر من النواح على الميت (الميت يعذّب في قبره بما نيح عليهصحيح مسلم كتاب الجنائز.
وقال: (أربعٌ في أمّتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنّ؛ الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة) مسلم، كتاب الجنائز باب التشديد في النياحة

ونهى عن اتّخاذ القبور مساجد وتزيينها وتعظيمها (لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بخاري كتاب الجنائز.

بل أمر بتسوية القبور: عن أبي الهيّاج الأسدي قال: قال لي عليّ بن أبي طالب: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ ألّا تدع تمثالاً إلّا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلّا سوّيته) مسلم كتاب الجنائز الأمر بتسوية القبر

وقال صلى الله عليه وسلّم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها) مسلم الجنائز

وعلّمنا كيف نخاطب أصحاب القبور إذا دخلنا المقابر: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون) والاستغفار لهم. مسلم الجنائز

موقف الصحابة رضي الله عنهم من القبور

ولم يعظّم النبيّ صلى الله عليه وسلّم قبر أحدٍ ويجعل منه عيداً، وكذلك كان حال أصحابه من بعده لم يعظّموا القبور ولم يجعلوا منها عيداً، ولو كانوا فاعلين لفعلوا بقبر النبي صلى الله عليه وسلّم، بل كانت القبور بالنسبة لهم مكاناً لترقيق القلوب والتزهيد في الدنيا والتذكير بالآخرة وللدعاء للموتى والاستغفار لهم.

خطاب الإمام علي كرم الله وجهه للقبور

يروى عن الإمام علي كرّم الله وجهه وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة قوله: (يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة! يا أهل التربة يا أهل الغربة يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة! أنتم لنا فَرَطٌ سابق ونحن لكم تبعٌ لاحق أمّا الدور فقد سكنت وأمّا الأزواج فقد نكحت وأمّا الأموال فقد قُسمت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزّاد التقوى).
نهج البلاغة، شرح الإمام محمد عبده، دار المعرفة، بيروت لبنان ط1، 2005،ص460 والآية في سورة البقرة 197

هذه هي السنّة النبوية وهؤلاء هم أهلها.

وجهة نظر أهل البدع وإبداعاتهم حول القبور

ولكنّ أهل البدع ينظرون إلى القبور بنظرة مختلفة، فهم يجعلونها وثناً وعيداً ويبنون عليها المساجد والقباب والزينة والأضواء وتسافر الناس إليها ومنهم من يزحف للضريح زحفاً من مسافةٍ معيّنة فترى القوم متوجّهين للضريح على وجوههم وبطونهم تحسبهم أفاعٍ، ويقبّلون بأفواههم الأعتاب الملوّثة بعرق ووسخ أرجل الناس، ويلتفّون حول سياج الضريح يستلمونه ويقبّلونه ويدعون عنده ويدعونه ويستغيثون به ويعودون لأهلهم يروون لهم قصص "الكرامات" التي يدّعون أنّهم رأوها بأعينهم عند القبور، كقولهم أنّ محفظة نقود رجلٍ ضاعت فتوسّل بأهل القبر، فأتاه طائرٌ والمحفظةُ في منقاره فألقاها عليه، وأنّ فلاناً أكل من تربة المكان فشفي من مرضٍ مستعصٍ، وهكذا.

وتتطوّر البدع عاماً فعاماً فترى الغناء والنياحة وتعذيب البدن والذبح عندها وإقامة الولائم، ويزيد رصيد الأحاديث الموضوعة التي تعد بالأجر والثواب العظيم والفرج على من يقترف تلك البدع كالقول أنّها (تعدل ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة)، وتحذّر تاركها أنّه (من أهل النّار) ومثل حديث: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور)!

فإذا عاب الموحّدون عليهم ذلك وذكّروهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) البخاري ومسلم. جيّشوا علماءهم المضلّلين أئمّة البدع أصحاب العمائم الضخمة التي اتّخذها الشيطان أرائك ليردّوا على الموحّدين ويتّهموهم بأنّهم ينتقصون من الأولياء الذين في القبور ويقلّلون من قدرهم وكرامتهم، ويبدؤون بثني أعناق النصوص وتأويلها تأويلاً فاسداً لتوافق بدعهم، ويستعينون بالأحاديث التي ألّفوها هم ونسبوها للرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته الكرام زوراً وبهتاناً.

فهل النهي عن اتّخاذ تلك القبور عيداً تقليلٌ من احترام من بداخلها حقّاً؟

ردّ على ذلك الإمام ابن قيّم: (ولا تحسب أيّها المنعم عليه باتّباع صراط الله المستقيم صراط أهل نعمته ورحمته وكرامته أنّ النهي عن اتّخاذ القبور أوثانا وأعياداً وأنصاباً والنهي عن اتّخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها وإيقاد السرج عليها والسفر إليها والنّذر لها واستلامها وتقبيلها وتعفير الجباه في عرصاتها: غضٌّ من أصحابها ولا تنقيصٌ لهم ولا تنقّصٌ كما يحسبه أهل الإشراك والضلال بل ذلك من إكرامهم وتعظيمهم واحترامهم ومتابعتهم فيما يحبّونه وتجنّب ما يكرهونه. فأنت والله وليّهم ومحبّهم وناصر طريقتهم وسنّتهم وعلى هديهم ومنهاجهم وهؤلاء المشركون أعصى الناس لهم وأبعدهم من هديهم ومتابعتهم كالنصارى مع المسيح واليهود مع موسى عليهما السلام والرافضة مع علي رضي الله عنه.
..فاعلم أنّ القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن طريقة من فيها وهديه وسنّته مشتغلين بقبره عمّا أمر به ودعا إليه.
تعظيم الأنبياء والصالحين ومحبّتهم إنّما هي باتّباع ما دعوا إليه من العلم النافع والعمل الصالح واقتفاء آثارهم وسلوك طريقتهم دون عبادة قبورهم والعكوف عليها واتّخاذها عيداً).
ابن قيّم الجوزيّة، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق محمد حامد الفقي، ط2، 2001، ج1، ص196-197

قول القبوريين: نحن لا نعبدهم، نحن نتوسل بهم

ولكنّ القبوريّين ينظرون للأمر بنظرةٍ مختلفةٍ تماماً، فهم يقولون: (نحن لا نعبدهم، نحن نتوسّل بهم والتوسل تقرّبٌ إلى الله بهم، فهم واسطة، وليست الواسطة بمعنى المعين، فالله لا يحتاج إلى معين، ولكن بمعنى السبب، كما يأخذ المريض الدواء والله هو الشافي)، ويحتجّون بحديث (عن عثمان بن حنيف ، أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : ادع الله أن يعافيني . قال : " إن شئتَ دعوتُ ، وإن شئت صبرت فهو خير لك " . قال : فادعه . قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ، ويدعو بهذا الدعاء : " اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لي ، اللهم فشفعه في ") الحديث أخرجه أحمد في " مسنده " ( 4 / 138 )

ويقولون أنّ أول من حرّم التوسّل هو ابن تيمية.

ويقولون أنّ قول النبي صلى الله عليه وسلّم (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) لا ينفي سؤال غيره.مثل أنّ حديث: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي) لا ينفي إباحة استضافة وإطعام غير المؤمن وغير التقي.

ويقولون أنّ دعاء ساكني القبور من الأنبياء والأئمّة والتوسّل بهم يجلب الخير والبركة والأجر ويدفع الضر، وأنّ من يتوجّه إليهم تفيض عليه من التجلّيات الربّانيّة التي تغمرهم كما تعكس المرآة الشعاع.

فما حقيقة كلامهم وما موقف كتاب الله وسنّة نبيّه من تلك المعتقدات والأفعال؟ ومن أوّل من دعا إلى التوسّل؟ ومن أوّل من حرّم التوسّل؟ ومن أين دخلت طقوس تعظيم القبور إلى المسلمين؟

هل دعانا الله تعالى إلى اتّخاذ وسائط نتوسّل بهم بيننا وبينه؟

قول الشيعة أنّ الأولياء (سبب) يماثل قول النصارى في رجال دينهم، فهم أيضاً يقولون نحن لا نعبدهم ولكنهم يقحمونهم واسطةً بينهم وبين الله عزّ وجلّ فإذا أراد نصرانيٌّ توبةً طلبها من رجال الدين من خلال (الاعتراف) وإذا أراد بركةً ابتغاها من رجال الدّين، وإذا أراد التقرّب إلى الله يقبّل أيدي وأرجل قداساتهم، إضافةً إلى ذلك فإنّ تصرّف الشيعة أمام القبور لا يدلّ على أنّهم توقّفوا على الاعتقاد بأنّهم (سبب) ولكنّه شرك صريحٌ لا يختلف عن شرك البراهمة والبوذيّين والنصارى، فالنصراني يدعو: (يا يسوع) و(يا عذراء) و(يا بولس) والبرهمي يدعو الأولياء المتنوّعين الذين يؤمن بقداستهم بمن في ذلك البقرة، والبوذييون يتوسّلون ببوذا وكثيرٌ منهم لا يؤمن بألوهيّته، وكفّار قريش من قديم الزّمان كانوا يتوسّلون بالأوثان التي هي رمزٌ لأولياء مثل وثني إبراهيم وإسماعيل اللذين حطّمهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جملة الأصنام التي حطّمها عندما فتح مكة، (تشابهت قلوبهم)118 البقرة، وقوم نوحٍ من قبلهم جميعاً انحدروا إلى عبادة الأصنام بعد أن كان قصدهم مجرّد تذكّر الأولياء والتشوّق للعبادة كلما رأوا تماثيلهم، وهذه هي خطوات الشيطان، تبدأ بنوايا حسنةٍ وتنتهي بعبادة الأوثان، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، على خلاف منهج الإسلام وهو سدّ الذرائع وتحريم أيّ شيء يؤدي إلى الشرك، والشيعة ينزلقون شيئاً فشيئاً حتى وصلوا إلى مرحلة صنع صنم لرأس الحسين يتمسّح به الناس، وبدل أن يقال (يا واحد) (يا أحد) يقال (ياحسين) و(يا سيدي العباس).

والسؤال من قال لهم أنّ الله تعالى بحاجةٍ لواسطة سواءً أكانت بمعنى المعين أم بمعنى السبب؟ قال تعالى لنبيه محمد: (وإذا سألك عبادي عني فإنّي قريبٌ أجيبُ دعوة الدّاعِ إذا دعانِ) 186 البقرة، وقال (وفي السماء رزقكم وما توعدون) 22 الذّاريات، وقال على لسان خليله إبراهيم (والذي هو يطعمني ويسقين 79 وإذا مرضت فهو يشفين 80) الشعراء، وهذه الآيات لا تترك مكاناً لأيّ واسطةٍ مهما علا شأنها بين العبد وربّه، وكلّ أدعية القرآن على ألسنة أنبيائه وأوليائه كذلك (ربّنا) (ربّ) وكلّ دعاء علّمنا إيّاه في القرآن (قل اللهمّ) (وقل ربّ) وكلّ أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الواردة عنه كلّها أدعيةٌ مباشرةٌ ليس فيها واسطة.
وأمّا آية (وابتغوا إليه الوسيلة) 35 المائدة، فليس فيها ما يدلّ على ظنونهم بل معناها التقرّب إلى الله تعالى بطاعته والعمل بما يرضيه.

وأمّا حديث (أتوجّه إليك بنبي الرحمة) فهو توسّلٌ بالأحياء وليس بالأموات، فهو يتوسّل بدعاء النبي له وهو إلى جانبه فهذا لا مشكلة فيه،وحين حدث جدب كما يروي الشيخان: (أنّ رجلاً دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلّم قائمٌ يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السّبلُ فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلّم يديه وقال: اللهمّ أغثنا..) الحديث، فالرجل لم يقل على طريقة الشيعة: يا محمد أغثنا، ولم يتوسّل بذات النبي، بل توسّل بدعاء النبي وهو حيٌّ أمامه، وحين حدث جدب بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم قال عمر: (كنّا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معنا والآن نستسقي بعمّ رسول الله، قم يا عبّاس فاستسقِ لنا. فقام العباس ودعا فنزل المطر) وهذ توسّلٌ بالأحياء لأنّ انتفاعهم ما يزال قائماً وإلّا لتوسّلوا بالنبي وهو في قبره، وواضحٌ أنّ التوسّل كان بدعاء العبّاس وليس بذاته.

كما أنّ التوسّل بأسماء الله وصفاته لا بأس به وكذلك التوسّل بالعمل الصالح سواءٌ التقرّب إلى الله بفعله أو ذكره في الدعاء، ولكنّ التوسّل على طريقة كفّار قريش منهيٌّ عنه في القرآن(والذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفّار) 3 الزمر، فنيّة المشركين كانت حسنةً وهي التقرّب إلى الله، ولكنّ النيّة الحسنة لا تبرّر العمل الفاسد.

وبالتأكيد لم ينتظر الإسلام ابن تيمية ليحرّم التوسّل بل بمجرّد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نزل القرآن يقول: (اقرأ باسم ربّك) ولم يقل له اقرأ باسم الأولياء، دور ابن تيمية كان فقط إحياء السنة التي أماتها أهل البدعة ولم يأت باختراعٍ جديد، ولذلك يبغضه أهل البدعة فقد فضحهم وأبطل بدعهم، وإن كانوا فهموا الدعوة للتوحيد في حديث (إذا سألت فاسأل الله) أنّها لا تنفي سؤال غيره وذلك بقياس التوحيد على الإطعام، ولا أدري ما هو وجه الشبه؟ فكيف يفهمون قوله تعالى في سورة الفاتحة (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين

يتبيّن من ذلك أنّ أوّل من حرّم التوسّل في الإسلام الله ورسوله، بينما أوّل من اخترع التوسّل هم قوم نوح الذين صوّروا أولياءهم ثمّ عبدوهم (وقالوا لا تذرُنّ آلهتكم ولا تذرُنّ وَدّاً ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسراً 23) نوح.

لمن براءة الاختراع؟؟

ونحن نسأل الشيعة والقبوريّين جميعاً من أوّل من اخترع ضرب الصدر وجلد الظهر وتطبير الرأس وحمل المواكب مع الموسيقى والموشّحات والحبو باتّجاه القبر والسجود على البطن أمامه والمشي على الجمر والاستغاثة بمن في القبر وملء قبور الزهاد بالزينة، والبناء الفخم على قبور الأولياء الذين كانت مساكنهم في حياتهم فقيرة متواضعة؟ من اخترع ذلك أيّها الشيعة الأعزّاء؟

إنّهم الهندوس والبوذيّون والنصارى، واليهود الذين سجّل الكتاب المقدّس توبيخ الله لهم على ذلك: (3- ويعاكسونني في كل حينٍ يقدّمون ذبائحهم في الجنائن ويبخّرون على مذابح الأوثان 4- يجلسون ويبيتون في المدافن ليستشيروا أرواح الموتى..) اشعيا 65/ 3-4، وليس ذلك من سنّة الأنبياء والأولياء في شيء، ولو قُدِّرَ لهم أن يجيبوكم لتبرّؤوا منكم، وما ترونه من (الكرامات) عند القبور ليست إلّا أحوالاً شيطانيّة يحدث مثلها في الكنائس والمعابد الوثنيّة أكثر ممّا يحدث عندكم واسألوهم.

لماذا دأب الاستعمار على دعم تعظيم القبور؟!

ولو كان ما يفعله القبوريّون من الإسلام في شيء لما دعمه وأظهره الاحتلال الأمريكي للعراق الذي كان في أوج حربه الصليبية على الإسلام حيث دمّر المساجد وقطع أسلاكها ليمنع صوت الأذان ودنّس المصاحف وجاء بالمنصّرين من آخر العالم وعذّب المسلمين، في الوقت الذي كان يشجّع ويدعم الحسينيات ويظهرها في الإعلام وذلك ليثبت للعالم المتحزّب معه المحالف له في حربه على الإسلام أنّ الإسلام دين إرهابي متخلّف والمسلمون همج رعاع دمويّون ويظهر لشعبه الذي يدفع تكاليف الحرب من جيبه الوجهَ المشوّه للإسلام ليبرّر حربه الظالمة عليه وقد حصل على تلك الحجج الدامغة على طبق رخيص من ذهب قدّمه له الشيعة الأعزّاء.

قال الشيخ العلامةعبد العزيز بن فيصل الراجحيفي كتابه(مجانبة أهل الثبور المصلين في المَشاهِدِ وعند القبور): "وقد سعى النَّصارى الصَّليبيُون في القرنِ الماضي في نشرهذه الخرافات ، وصرفوا النّاس عن دينهم إلى الوثنيّة، وعمّايجب عليهم تجاه أُولئك المستعمرين بالتزيين لهمأفعالهم عند القبور ومع المقبورين .

حتَّى أن بعض الجزائريين أخبرني: أَنَّ الفرنسيِّين لمّا استَولوا على الجزائركانوا يَعمَدون إلى بعضِ المشاهد والأَضرحة التي ينسبأَصحابها إلى الصَّلاحِ فيَجمَعون النّاسَ لها ثمَّ يُوَجِّهونالمِدفع إليها مُظهرِينَ لهم أنهم يريدون إصابته وتدميره،وقد ملؤوه بارودًا دون ذخيرةٍ مَكرًا !

ثم يطلقونَ عَليه فيدَوِّي صَوتُ المِدفعِ حتَّى يَخالَ الحاضرون أنه قد أصابه ثمَّيَنظرونَ فإذا هُوَ باق ٍ مكانه! فيزِيدُتعلقهُم به واعتقادهمفيه !"مكتبة الرشد، سعودية، 2004، ط1، ص337-338


هل للأولياء الصالحين الموتى قدرات وتجليات وبركات؟

وأمّا خرافة قدرة الأموات على النفع والضر وإفاضة التجلّيات الربانية على زوّارهم فما هو الدليل عليها؟ والله يقول لنبيّه(قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلّا ما شاء الله) 188 الأعراف، فإن كان لا يملكه لنفسه فهل يملكه لغيره؟!

ولماذا أمرنبيّه أن يقول للناس (قل إنّي لا أملِكُ لكم ضَرّاً ولا رَشَداً 21) الجن؟
ويقول تعالى: (والذين تَدعونَ مِن دونهِ لا يَستطيعونَ نصرَكُم ولا أنفُسَهم ينصرون) 197 الأعراف

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا فاطمة بنت محمد يا صفيّة بنت عبد المطّلب يا عبّاس بن عبد المطّلب يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله فإنّي لا أغني عنكم من الله شيئاً) رواه مسلم

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم خير خلق الله لا يغني عن المؤمنين من أقاربه الأكارم في حياته ولا في وفاته، فكيف يغني غيرُه من الأولياء وغير الأولياء عن عوام الناس وهم ساكنون في قبورهم؟!

قال تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 105 وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ 106 وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 107) يونس

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تتخذوا قبري عيدًا، وصلوا على حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني‏)‏‏ رواه أبو داود وغيره‏.‏

وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بخاري كتاب الجنائز.

يكفي أن نتّبع أوامر ربّنا وهدي نبيّنا وسنّته من غير اختراع ولا ابتداع ولا تأويل ولا لفّ ولا دوران، فالمنهج واضح، وأن نغتسل من أوحال الوثنيّة والجاهليّة وألّا نثق بالذين ضلوا وأضلوا حتى لا نكون من الذين قال الله تعالى عنهم (كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أسفاراً)5 الجمعة وحتى لا نكون من (الذينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَياةِ الدُّنيا وهُم يَحسَبونَ أنّهُم يُحسِنونَ صُنعاً 104) الكهف.

وصية الإمام علي كرّم الله وجهه

دعونا نختم بما جاء في وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام في وصف علاقة الله تعالى بعباده: "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة ولم يعاجلك بالنقمة ولم يعيّرك بالإنابة". نهج البلاغة، شرح الإمام محمد عبده، دار المعرفة بيروت لبنان ط1، 2005، ص373