(( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى )) الامر بالنسبة لفرعون اكبر من تحدى او استعراض للقوى .. الرسالة تتعلق بوجوب ايمانه برب واحد رب العالمين .. والاقرار بالعبوديه له والخضوع لكل اوامره .. وهو بكبره واستعلائه على الله لم يكن ليعترف بموسى رسولا .. الاعتراف به يعنى تقديم تنازلات والامتثال لاوامر ربه التى بدأت باطلاق سراح بنى اسرائيل والكف عن ايذائهم واستعبادهم .. وفرعون كان مطمئنا لحضارة بلادة ورخائها وعلومها وتميز شعب مصر عن كل شعوب العالم القديم .. هو من منظوره ليس بحاجة الى رب يحكمة ويلقى اليه بالاوامر .. هو فى قناعاته اله يماثل رب موسى بل اقوى منه واحوال رعاياه اغنى واكثر تحضرا ورفاهية ممن تولوا الله .. هو مسرف مستكبر لا يريد ان يرد كل اسباب القوة والرزق والعلم لله الواحد القهار .. ووصل به التحدى لتقديم الوعود للسحرة باعطائهم المال الوفير وجعلهم من المقربين له تشجيعا وحافزا لهم للنيل من موسى رسول رب العالمين رغم احتقاره لهم ولمهنتهم الوضيعة
وجاء يوم الزينة (( فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ )) .. المشهد عظيم والجمع غفير وحشد من بنى اسرائيل المفتونين وكل فئات المصريين بحضور فرعون وملئه ووزيره هامان وكهنته والسحرة متحفزين مستعدين .. والاصوات تعلوا (( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى )) .. وموسى يقف وحيدا يناصره عدد قليل من بنى اسرائيل بقلوبهم على خوف من فرعون وملئه
الامر كان شديد الصعوبة على نفس موسى شأن اى مؤمن يحتاج فى تلك المواقف الى تثبيت من الله
(( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ))
(( قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ))
واذا بعصا موسى تلقف حبالهم وعصيهم وما كانوا يأفكون
(( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ))
(( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))
(( رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))
المصريون فراعنة فى كفرهم .. ولكنهم فى ايمانهم اشد واقوى من اعظم الجيوش وأعتى الجبابرة والعتاه .. ولما لا ومنهم سيخرج خير اجناد الارض ..
سجلت الايات اعظم موقف وضربت اقوى الامثال للصورة التى يكون عليها المؤمنين فى مواجهة اقوى جبابرة الفراعنة الظالمين فى تاريخ الانسانية .. ثوانى معدودة بدلت احوال السحرة من فئة حقيرة متسولة تستجدى الاحسان والمال والعزة من فرعون الى عصبة قوية بايمانها بربها لا تقبل ان تشرك به احدا .. سلة من المؤمنين فى مواجهة فرعون .. انتفض فرعون وكعادة الظالمين لا يملكون الا سلاح القتل والتهديد والترهيب والتعذيب
(( قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ))
وبرد اكثر منه قوة وجرأه وارهابا واقرارا بالحقائق التى يعلمها المصريون عن الله من عهد يوسف
(( قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74)وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76) ))
سحرة لا حول لهم ولا قوة الا بالله افزعوا فرعون وارهبوه .. لم تهزمه جيوش فقد كان حاكم اقوى بلاد الدنيا واعظمها .. مصر ام الدنيا .. لم تكن بداية نهايته فى معركة ولا منازلة حربية ولا حتى انقلاب على حكمه بل هزمه جماعة من السحرة لم يكونوا قبل ايمانهم يملكون غير عصى وحبال .. رعبوه بسجودهم لله على مشهد مشرف بحضور الجميع .. ومنهج ايمانى ربانى قوى لا يصلح سواه لردع الطغاه المستكبرين .. اعلنوها صراحة وبكل قوة وثقة بالله واعلاءا لكلمته واقرارا بالعبودية له وحده لا شريك له
(( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ
إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ))
المفضلات