على عكس قارون كان موسى .. جاءته الدنيا تسعى بقصورها واموالها وفراعينها دون ان تجهده او ان يطلبها .. ولكنه كان سليم الفطرة اتاه الله حكما وعلما بحقيقة الامور فلم تفتنه الدنيا بمظهرها .. امتلكها وامسكها بيده ولم تتملك من قلبه وفكره .. هكذا يكون عطاء الله لمن يحبهم الحكمة والعلم والايمان .. هكذا تقاس محبه الله لعباده وليس بالمال والجاه والسلطان وغيرها من النعم الزائلة
القصص (آية:14):
( ولما بلغ اشده واستوى اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
يوسف (آية:22):
( ولما بلغ اشده اتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين )
.. نشأ موسى فى قصور الفراعنة .. فى اكبر قصورها ولكنه أبى ان يلتمس العزة من اهل الكفر والشرك .. كانت عزته وانسه ومحبته فى مصاحبة وملازمة اهل العلم والايمان من بنى اسرائيل .. لم تبهره حضارة الفراعنة ولا تلك القشور الزائفة الزائلة .. حكمته تعدت هذا المجال المحدود الافق والرؤية السطحية .. لم ينخدع بالعلوم والاموال والرفاهية التى عليها الفراعنة .. ادرك بعلم من الله ان تلك المظاهر البراقة والنعم الدنيوية اذا لم يصاحبها الايمان والاخلاص والعبودية والاسلام لله وحده لن تكون غير فتنة لاصحابها .. نفر وابتعد بفطرته السوية عن كل آلهة الفراعنة ومعابدهم .. حاول معه فرعون بكهنته ان يرضخ موسى لعبادته ويتخذه الها ولكنه عجز فقد كان موسى مثل جده ابراهيم وامه واخيه هارون مسفها لكل الهتهم ومعبوداتهم .. اعتزل عباداتهم وافكارهم والتزم الصحبة الصالحة من المؤمنين القلة من بنى اسرائيل .. هكذا يكون السبيل للنجاه ملازمة الصالحين واحسان صحبتهم ومعاشرتهم والانعزال عن اهل الشرك والكفر والطاغوت .. هكذا حفظ الله موسى وجعله وكل الرسل و الانبياء قدوة ومثلا اعلى نحتذى بهم .. قصصهم وسيرتهم ليست اساطير الاولين تتلى علينا بكرة واصيلا .. ولكن بها العبرة والقدوة والنهج السليم الذى يجب ان يكون عليه المؤمن .. هم بشر منا عانوا الكثير وحاولت معهم الدنيا بكل مفاتنها .. كانوا انبياء ورسل ومفضلين عند الخالق ولو سألوه السلامة من المحن لأجابهم ولكنهم تحملوا المشقة وخاضوا الصراعات وذاقوا مرارة الصدامات من اهل الكفر والشرك ليكونوا لنا مثلا واملا وقدوة نحتذى بهم ..
انتبه فرعون وكهنته وقومه لملازمة موسى لقومه من بنى اسرائيل .. عاد الخوف والجزع والهلع ينهش صدورهم .. هو اذا منهم وعلى دين ابائهم .. هو يأنس لمصاحبتهم .. لم يعد هناك مجالا للشك فى خطورة موسى على عرش فرعون خاصة بعد ان اصبح شابا شديدا واعيا عاقلا رافضا لعبادتهم ومتعاليا عليهم بولائه لبنى اسرائيل اهل التوحيد واتباع ملة ابراهيم رغم فقرهم ومذلتهم .. هو بهذا الاختيار وتفضيل بنى اسرائيل عليهم يسخر منهم ومن حضارتهم ويأبى دخول معابدهم ..
ويمشى موسى فى المدينه فيجد احد الفراعنة يتشاجر مع رجل من بنى اسرائيل .. اخذته العاطفة لكف بطش القبطى ودفعه بعيدا عن الرجل الضعيف الهزيل من بنى اسرائيل .. وكان موسى شديدا قوى البنية فما ان وكز القبطى الفرعونى ليبعده فاذا به يسقطه صريعا دون قصد او عمد ..
القصص (آية:15):
( ودخل المدينه على حين غفله من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين )
استغفر موسى ربه وتملكه الخوف والفزع مما فعل .. وكان يعلم ان فرعون وقومه يبغضونه يتربصون به المصائب ويتصيدون له الاخطاء التى تدينه .. وسيفرحهم فعلته لكى ينالوا منه .. نعم فرعون كان لا يتورع عن قتل من يريد .. ولكن هى سياسة و ولع الظالمين بكل زمان التظاهر بما ليس فيهم .. بالعدل والكرم والحكمة والتروى والحكم بالبينة والطريقة المثلى فى الحكم امام شعوبهم ورعاياهم ويقتنصون الفرص للنيل من اعدائهم .. وخاصة ان موسى كان له شخصية ذائعة الصيت بنزاهته وكرم خلقه واصلاحه فى الارض ومكانه مميزة بين المصريين وبنى اسرائيل على حد سواء ..
القصص (آية:18):
(فاصبح في المدينه خائفا يترقب فاذا الذي استنصره بالامس يستصرخه قال له موسى انك لغوي مبين )
القصص (آية:19):
(فلما ان اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى اتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ان تريد الا ان تكون جبارا في الارض وما تريد ان تكون من المصلحين )
شاع الخبر فى المدينة وكانت الادانة التى انتظرها فرعون وكهنته والملأ من اسرته للفتك بموسى على بينة من امره .. وزاد الامر يقينا حين اسرع احد رجال فرعون الى موسى ليحذره وناصحا له ان يهرب بعيدا عن بطش فرعون .. سبحان الله دائما لله جنود السموات والارض .. حتى من اقرب المقربين من فرعون يكون جند من جنود الله .. وهكذا يكون اولياء الله فى ولائهم وحمايتهم لبعضهم البعض .. ولولا هذا الرجل الذى يكتم ايمانه ولولا محبيته لموسى فى الله ونصحه له لفتك عدو الله بموسى .. هو التراحم والمودة بين عباد الله واوليائه ..
القصص (آية:20):
( وجاء رجل من اقصى المدينه يسعى قال يا موسى ان الملا ياتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين )
وسارع موسى بالهرب والخروج من مصر هربا من بطش فرعون وقومه .. وسبحان الله مصر التى دعا يوسف اليها اهله .. ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين .. هى مصر التى خرج منه حفيده موسى رسول الله خائفا يترقب ..
القصص (آية:21):
( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين )
ليس هناك بلد باى ارض كانت يمكن ان توصف بالامان الا اذا اسلمت وحاكمها وولاة امورها و شعبها وارضها لله الواحد القهار .. لا مؤانسة ولا أمان ولا ثقة ولا ولاء ولا سكن ولا سكينة بارض يحكمها طغاه متعالين مستكبرين على الخضوع لله وشرعه ومنهاجه .. مصر التى دخلها بنو اسرائيل ( يعقوب واخوة يوسف واهليهم ) آمنين سالمين بعد ان اسلمها يوسف وملكها وشعبها وارضها لله العزيز القدير .. هى مصر التى ابت وفرعونها وملأه وكهنتها الاسلام لله رب العالمين فخرج منها نبى الله موسى خائفا يترقب ..
المفضلات