بسم الله الرحمن الرحيم
من كلام العلماء في الاستغفار
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(فالتقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه
ولهذا قال الله تعالى:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}
[غافر: 55]
فأمره مع الاستغفار بالصبر؛ فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم
قال النبي :salla-s: في الحديث الصحيح:
(يا أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)
وقد ذكر عن آدم أبي البشر عليه السلام أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وعن إبليس أبي الجن - لعنه الله - أنه أصر متعلقًا بالقدر فلعنه وأقصاه؛ فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه، ومن أشبه أباه فما ظلم.
... ولهذا قرن الله - سبحانه - بين التوحيد والاستغفار في غير آية؛ كما قال تعالى:
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
[محمد: 19]
وقال تعالى:
{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}
[فصلت: 6]
وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره
يقول الشيطان:
(أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا)
وقد ذكر سبحانه عن ذي النون أنه:
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}
[الأنبياء: 87]
قال تعالى:
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
[الأنبياء: 88]
قال النبي :salla-s::
(دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه)
مجموع الفتاوى: (3/120)
وقال أيضًا:
قال رسول الله :salla-s::
(سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها إذا أصبح موقنًا بها فمات في يومه دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسي موقنًا بها فمات من ليلته؛ دخل الجنة)
فالعبد دائمًا بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر وذنب منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا؛ فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه ولا يزال محتاجا إلى التوبة والاستغفار، ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمد يستغفر في جميع الأحوال،
وقال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري:
(أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما:
«كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد يقول:
(رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور)
مائة مرة
ولهذا شرع الاستغفار في خواتيم الأعمال
قال تعالى:
{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}
وقال بعضهم:
أحيوا الليل بالصلاة. فلما كان وقت السحر أمروا بالاستغفار
وفي الصحيح:
«أن النبي :salla-s: كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا،
وقال:
(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)
وقال تعالى:
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}
إلى قوله:
{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
[البقرة: 198، 199]
وكفارة المجلس التي كان يختم بها المجلس:
(سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)
مجموع الفتاوى: (10/88)
وقال أيضًا:
وخاتمة المجلس:
(سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)
إن كان مجلس رحمة كانت كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغو كانت كفارة له
وقد روي أيضًا:
أنها تقال في آخر الوضوء بعد أن يقال
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)
وهذا الذكر يتضمن التوحيد والاستغفار فإن صدره الشهادتان
مجموع الفتاوى: (10/262)
وقال أيضًا:
وأما الاعتراف بالذنب على وجه الخضوع لله من غير إقلاع عنه فهذا في نفس الاستغفار المجرد الذي لا توبة معه، وهو كالذي يسأل الله تعالى أن يغفر له الذنب مع كونه لم يتب منه، وهذا يأس من رحمة الله ولا يقطع بالمغفرة له؛ فإنه داع دعوة مجردة،
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي :salla-s:
أنه قال:
(ما من داع يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا كان بين إحدى ثلاث؛ إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له من الجزاء مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها)
قالوا:
يا رسول الله: إذًا نكثر
قال: «الله أكثر»
فمثل هذا الدعاء قد تحصل معه المغفرة، وإذا لم تحصل فلابد أن يحصل معه صرف شر آخر، أو حصول خير آخر فهو نافع كما ينفع كل دعاء.
وقول من قال من العلماء:
الاستغفار مع الإصرار توبة الكذابين. فهذا إذا كان المستغفر يقوله على وجه التوبة، أو يدعي أن استغفاره توبة وأنه تائب بهذا الاستغفار؛ فلا ريب أنه مع الإصرار لا يكون تائبًا؛ فإن التوبة والإصرار ضدان، الإصرار تضاد التوبة
لكن لا تضاد الاستغفار بدون التوبة
مجموع الفتاوى: (10/318)
وقال رحمه الله تعالى:
فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب؛ بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائمًا
قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
[الأحزاب: 72، 73]
فالإنسان ظالم جاهل، وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم
وثبت في الصحيح عن النبي :salla-s:
أنه قال:
«لن يدخل الجنة أحد بعمله»
قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟!
قال:
«ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»
ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر
عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة
وإجماع السلف والأئمة؛ بل
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}
[الزلزلة: 7، 8]
وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله تعالى:
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
[آل عمران: 133-135]
وقال أيضًا:
وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان
فإن الله يقول:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
[العنكبوت: 69]
وعليه بإقامة الفرائض ظاهرًا وباطنًا ولزوم الصراط المستقيم مستعينًا بالله متبرئًا من الحول والقوة إلا به
مجموع الفتاوى: (11/390)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قوله:
«ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة)
هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ أو أنه إذا استغفروا ينوي بالقلب أن لا يعود إلى الذنب؟
فأجاب:
الحمد لله؛ بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الآخر:
(لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار)
فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة وإذا تاب منها غفرت
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}
الآية
وقال أيضًا:
فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله
عنه عن النبي :salla-s:
فيما يرويه عن ربه عز وجل
أنه قال:
(أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي)
وفي رواية لمسلم:
(فليفعل ما شاء)
والتوبة تمحو جميع السيئات وليس شيء يغفر جميع الذنوب إلا التوبة؛ فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،
وأما التوبة
فإنه قال تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[الزمر: 53]
وهذه لمن تاب،
ولهذا قال:
{لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}
لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليه
وقال بعدها:
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}
[الزمر: 54]
وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب
منهاج السنة النبوية: (6/210)
...........................
نسأل الله تعالي ان يكفر عنا خطايانا
ويتجاوز عن سيئاتنا
المفضلات