نلاحظ في الإصحاح السادس عشر من سفر صموئيل الأول أن الله بعدما رفض شاول وأخرج روح الله منه، طلب من النبي صموئيل أن يمسح فتىً من أبناء يسى، وعند ذهابه إلى يسى أراه جميع أبناءه، ولم يتبقَّ إلا الصغير داود، {
فأجابَهُ: «بَقيَ الصَّغيرُ وهوَ يَرعى الغنَمَ».} فمسحه صموئيل النبي فحل عليه روح الرب.
ويتابع الإصحاح القصة، فنرى أن شاول بعدما خرج منه روح الخير، صار متضايقاً من حياته، وكل ذلك بسبب الروح الشيطانية، التي تغلغلت في أعماقه، ولم يعد هناك من يردعها، ولكي يخفف من وطئة سيطرتها، طلب منه الخدم أن يوافق على أن يأتي أحد المرنمين والعازفين حتى ينشرح صدره وتخف عنه مشاعر الشر.
وقد وقع الاختيار على داود ذلك الإنسان الذي حل عليه روح الرب، وأصبح مرنماً، وكيف لا وهو صاحب المزامير، التي تدمج الإنس بالأنس.
وهذا يعني أن داود كان صغيراً عندما حل عليه روح الرب، ولكن عندما كبر وأصبح شاباً، تغيرت هيئته، فحين حدثت المعركة بين الإسرائيليين والفلسطيين، لم يكن معروفاً بالنسبة لشاول، ولهذا السبب طلب أن يعرف من هو وابن من.
وهذا أول احتمال! وهو الأقرب.
الاحتمال الثاني، هو أن القصص غير مرتبة ترتيباً تاريخياً، فبينما يحكي لنا الإصحاح السابع عشر، قصة المعركة بين داود وجليات (
جالوت)، كان الإصحاح السادس عشر يختصر القصة، ليربط بين مسح داود النبي، وقدرته بعد ذلك المسح على إدخال البهجة إلى القلب التائه.
ومثال على ذلك قصة خلق الله للعالم في سفر التكوين، فبينما الإصحاح الأول يروي القصة على العموم، نرى الإصحاح الثاني يبدأ بعبارة: {
هكذا كانَ مَنشأُ السَّماواتِ والأرضِ حِينَ خلِقَت}، ثم يلتفت إلى كيفية خلق الله الإنسان و... إلخ.
والذي يشير إلى أن داود في القسم الثاني من الإصحاح السادس عشر، هو داود ما بعد النزال بينه وبين جليات، هو العبارة القائلة: {
18فقالَ أحدُ خدمِهِ: «رأيتُ اَبنًا لِيسَّى مِنْ بَيتَ لحمَ يُحسِنُ الضَّربَ بِالعودِ، وهوَ شُجاعٌ وأهلٌ لِلحربِ، وفصيحٌ حسَنُ المَنظَرِ، والرّبُّ معَهُ».}
وكان شاول يعرفه فيقول: {
«أرسِلْ إليَ داودَ اَبنَكَ الذي يَرعى الغنَمَ»."} وهذا يعني أن داود كان معروفاً عند شاول، وليست هي المرة الأولى التي يُذكر فيها أمامه.
في الإصحاح الثامن عشر نلاحظ أنه بعد غيرة شاول الملك من داود بسبب نشيد النساء وأهزوجاتهم القائلة بأن
داود غلب أكثر مما غلب شاول من الجنود، دخل عليه الروح الشرير، وهذا هو الترتيب التفصيلي بعد ذكر القصة العامة في السابق.

والاحتمال الأبعد والأخير، أن يكون شاول عارفاً لداود، لكنه لم يعرف أباه، لذلك كان يسأل: {
«إبنُ مَنْ هذا الفتى يا أبنيرُ؟ سَلِ اَبنُ مَنْ هذا الفتى} ولم يقل من هذا الفتى.

وبالنسبة للترجمة السبعينية الحاذفة لبعض الأعداد، فربما لجهل الناسخ بما هو فاعل، ولكن النص باق في النسخة العبرية ولم يحذف، وهو الآن موجود في نسخ الكتاب المقدس.
أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال الإجابة بعد أن قرأت السفر جيداً، وأتمنى أن يكون تعقيبي خالياً من الأخطاء.
أنتظر تعقيبك أخي.
المفضلات