الإسرائيليات في بناء الكعبة : البيت الحرام والحجر الأسود :
أكثَرَ السيوطي في تفسيره : "الدر المنثور" عند تفسير قوله تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البقرة : 127 )، من النقل عن الأزرقي ، وأمثاله من المؤرخين والمفسرين الذين هم كحاطبي ليل ، ولا يميزون بين الغث والسمين ، والمقبول ، والمردود ، في بناء البيت ، ومن بناه قبل إبراهيم : أهم الملائكة أم آدم ؟ والحجر الأسود ومن أين جاء ؟ وما ورد في فضلهما ، وقد استغرق في هذا النقل الذي معظمه من الإسرائيليات التي أخذت عن أهل الكتاب بضع عشرة صحيفة ، لا يزيد ما صح منها أو ثبت عن عُشْرِ هذا المقدار.
ولو أنه اقتصر على الرواية الصحيحة التي رواها البخاري في صحيحه(صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب "واتخد الله إبراهيم خليلا".) ، ورواها غيره من العلماء الأثبات ، لأراحنا ، وأراح نفسه ، ولما أفسد العقول ، وسمم النفوس بكل هذه الإسرائيليات ، التي نحن في غنية عنها بما تواتر من القرآن ، وثبت من السنة الصحيحة ؛ وفي الحق : أن ابن جرير كان مقتصدا في الإكثار من ذكر الإسرائيليات في هذا الموضع ، وإن كان لم يسلم منها ، وذكر بعضها ، وذلك مثل ما رواه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لما أهبط الله آدم من الجنة قال : إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده ، كما يصلى عند عرشي ، فلما كان زمن الطوفان ، رفع ، فكانت الأنبياء يحجونه ، ولا يعلمون مكانه( ولا أدري كيف يحجونه ولا يعلمون مكانه ؟)، حتى بوأه الله إبراهيم عليه السلام وأعلمه مكانه ، فبناه من خمسة أجبل : من حراء ، وثبير ، ولبنان ، وجبل الطور ، وجبل الخمر.
وأعجب من ذلك : ما رواه بسنده عن عطاء بن أبي رباح ، قال : لما أهبط الله آدم من الجنة : كان رجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء!! يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ، يأنس إليهم فهابته الملائكة ، حتى شكت إلى الله في دعائها ، وفي صلاتها ، فوجه إلى مكة ، فكان موضع قدمه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلى مكة وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة ، فكانت على موضع البيت الآن فلم يزل يطوف به ، حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة ، حتى بعث الله إبراهيم ، فبناه ، فذلك قول الله تعالى : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}(تفسير ابن جرير)إلى غير ذلك مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم ، ولم يصح في ذلك خبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ويرحم الله الإمام الحافظ ابن كثير ؛ فقد بين لنا منشأ معظم هذه الروايات التي هي من صنع بني إسرائيل ، ودس زنادقتهم ، فقد قال فيما رواه البيهقي في الدلائل من طرق عن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم : "بعث الله جبريل إلى آدم ، فأمره ، ببناء البيت ، فبناه آدم ، ثم أمره بالطواف به ، وقال له : أنت أول الناس ، وهنا أول بيت وضع اللناس".
قال ابن كثير : إنه من مفردات ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، والأشبه والله أعلم أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو بن العاص ، ويكون من الزاملتين(البعير الذي يحمل عليه المتاع.) اللتين أصابهما يوم اليرموك ، من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث بما فيهما(تفسيري ابن كثير والبغوي ).
وقال في "بدايته" : ولم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم : أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله : {مَكَانَ الْبَيْتِ} [u]فليس بناهض ولا ظاهر ، لأن مراده : مكانه المقدر في علم الله تعالى ، المقرر في قدرته ، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم(البداية والنهاية)
المفضلات