الرد على تدليس بعنوان ..مغالطات منطقية في القرآن الكريم ( 1 / 2 )


" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " البقرة 30

نشر أحد أبناء آدم من الذين ينكرون خالق الكون على موقع YOUTUBE فيديو بالعنوان أعلاه علق فيه على هذه الآية الكريمة بالآتي :


1)
كيف عرفت الملائكة بوجود دماء في ذلك الخليفة ... وهم لم يسمعوا إلا أن الله جاعله في الأرض خليفة .
2) كلمة " يسفك " تعنى يريق والإراقة لا تحدث إلا للسوائل .. أي أن الـملائكة توقعت ســــــــــــيولة الدم .
3) توقعت الملائكة أن هذا الخليفة يمكن قتله عن طريق إراقة تلك المادة السائلة ... وهذا أمر صــــــــحيح .
4) ما الهدف من إخبار الله للملائكة بجعل هذا الخليفة لاسيما أن ردهم كان بالرفض الصريح لذلك .. وبالفعل حدث ما توقعته الملائكة .. وعاث هذا الخليفة في الأرض فسادا و سفك الدماء ..
5) الله خلق الملائكة كي يسبحوه .. فما الفائدة التي تعود على الله من تسبيح الملائكة له ... هل لكي يــحس بقوته و جبروته ... و لماذا يحتاج لتسبيح البشر و الشجر و الحيوانات .. أليس ذلك منافيا لصفة الكمال .

الرد على التدليس
الرد على النقاط أرقام 1 & 2 & 3 :

** لقد عرفت الملآئكة ذلك بالطبع بإعلام الله تعالى لهم ..... وإن كان ذلك لم يذكر في السياق لأن الله تعالى أراد أن نتعلم ما في هذه القصة من العبرة والعظة .. أما سوى ذلك من تفاصيل للقصة .. فلا يضر الجهل بها ..... و لذلك لم يأت ذكرها بالكتاب .... قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وابن قتيبة . كما في "زاد المسير" لابن الجوزى (1/60) وهو قول أكثر المفسرين كما قاله ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/382) .... هذا وقد عودتنا حوارات القرآن الكريم في الموضوعات المختلفة أن تطوي كثيرا من التفاصيل فلا تذكرها ..... اعتمادا على الإجمال وعلى فطنة السامع .

** وإلا فكيف قالوا ما لا يعلمون ....... والله تعالى يقول وقوله الحق " لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " الأنبياء (27) .. بمعنى أنهم .. لا يسبقون الله بكلمة يقولونها قبل أن يأذن لهم بها ..... وهم بأمره - دون غيره - يعملون ولا يتعدون حدود ما يأمرهم به ...... يقول ابن القيم رحمه الله : " وفي هذا دلالة على أن الله كان قد أعلمهم أن بني آدم سيفسدون في الأرض " ... أما فيما يتعلق بالتفاصيل التي ذكرت من سيولة الدم وخلافه ...... فالمقام هنا أكبر من ذلك لأنه مقام عبرة وعظه و ليس مقام سيوله للدم أو ما يماثل ذلك !!!!

** و من ناحية أخرى فإن كلمة " خليفة " في هذه الآية تجمل هذا التفصيل - ولماذا .. لأن الخليفة "عن الله" من مهامه الفصل بين المتخاصمين بإقامة العدل بينهم بشريعة الله تعالى ... وهذا يقتضي خصومات و تظالماً وفساداً .... و ما يمكن أن يترتب على هذا الظلم و الفساد بالطبع ...... كما قال سبحانه وتعالى : " يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " ص 26





الرد على النقطة رقم 4 " ما الهدف من إخبار الله للملائكة بجعل هذا الخليفة ... لاسيما أن ردهم كان بالرفض .. و بالفعل حدث ما توقعته الملائكة وعاث هذا الخليفة في الأرض فسادا وسفك الدماء .. "

*
إن الهدف من إخبار الله سبحانه وتعالى للملائكة بجعل هذا الخليفة هو إعلام للملائكة بأن لهم مع آدم وذريته مهمة وعمل ...... فهناك من الملائكة من سيعمل بتدبير الأمور وتصرفها مع هذا الخليفة .......... قال تعالى " فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا " النازعات (5) .... وهناك الملائكة الحفظة الكرام " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " الانفطار 10 - 12 ... أي وإن عليكم لملائكة حافظين ، كراماً لدينا ، مسجلين عليكم أعمالكم ، يعلمـون الذي تفعلونه من خير وشر... وغيرهم من الملائكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه وتعالى بمهام متعددة تتصـل بحياة هذا المخلوق الجديد ... و لذلك كان إخبار الله للملائكة بجعل هذا الخليفة .... لأن للملائكة عملا مع هذا الخليفة و كما اشرنا ... كما أن لهم مهاما أخرى .

*هذا .. ولم يكن رد الملائكة بالرفض .. و لماذا .. لان فطرتهم غير فطرة البشر و لأنهم .. " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم 6 .. هذا و سؤال الملائكة لربهم " قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " البقرة 30 ليس إبداء رأي أو اعتراض - وإنما كان طلبا من الملائكة لمعرفة ما خفي عليهم من حكمة استخلاف غيرهم في الأرض .... و تعجبا مما سمعوا من صور الإفساد في الأرض - و تساءلوا في حدود ما علموا تعجبا وطلبا لعلم أمور لم يعلموها ويتفرد بعلمها العليم الحكيم .... و الذي يبرهن على عدم اعتراضهم هو أنهم قالوا في نهاية قصة آدم - عليه السلام - في هذه السورة ... " قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " البقرة 32 .

*
لقد اقتضت حكمة الله لبناء هذه الأرض وعمارتها ، وفي تنمية الحياة وتنويعها وتطويرها وترقيتها أن تكون على يد خليفة الله في أرضه .... هذا الذي قد يفسد أحياناً ، وقد يسفك الدماء أحيانا ، ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل ... خير النمو الدائم ، والرقي الدائم ... خير الحركة الهادمة البانية .... خير المحاولة التي لا تكف والتطلع الذي لا يقف .. وهذا ما نراه واقعا على الأرض بالفعل سواء أردنا أم لم نرد .


الرد على النقطة رقم 5 : خلق الله الملائكة كي يسبحوه .. فما الفائدة التي تعود على الله من تسبيح الملائكة له ... و لماذا يحتاج لتسبيح البشر و الشجر و الحيوانات .. هل لكي يحس بقوته و جبروته .. أليس ذلك منافيا لصفة الكمال ..

*
بداية نذهب لمعاجم اللغة العربية و منها ( لسان العرب) ... لنقف على معنى التسبيح فنجد أن كلمة التَّسبيح تعنى التنزيه .. وأن سبحان الله معناها تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أَن يوصف به ومن كلِّ سوء ..

*و بعد أن علمنا أن معنى التسبيح بصفة عامة هو التنزيه عما لا يليق بذات المنزه ...... و بالتالي فان تسبيح الملائكة و البشر لله .. هو تنزيهه سبحانه وتعالى في ذاته و عن كل ما لا يليق بجلاله ..... فالله ليس كمثله شيء في ذاته أو صفاته أو أفعاله .... و لا يقبل أي صاحب عقل أن يكون الأمر غير ذلك .... ولـذلك لا ندرى ما العجب أو الغرابة في موضوع تسبيح الله .. أي تنزيهه كما ذكرنا .. لاسيما أنه إقرار لواقع بالطبع .


*
والتسبيح والتنزيه لا يكونان بالطبع إلا للكمال المطلق الذي لا تشوبه أية شائبة ...... والكمال المطلق هو لله سبحانه وتعالى وحده فقط .. لذلك صرف الله ألسنة خلقه عن أن يقولوا كلمة سبحانك لغير الله تعالى ..... فلا تسمع في حياتك أن إنسانا قال لبشر سبحانك - هذا و للملائكة نطاق عمل ذكرناه في الرد على النقطة رقم 4.