الحملة الصليبية الثالثة
1189- 1992
وكان أحتفاظ المسيحيين بمدائن من صور أنطاكية , وطرابلس مما ترك فى قلوبهم أثارة من الامل , وكانت الأساطيل الأيطالية لا تزال تسيطر على مياه البحر المتوسط , ومتأهبة لنقل المحاربين
الصلببيين اذا أدوا لها أجورها , وعاد وليم كبير أساقفة صور الى أوربا , وأخذ يروى فى الأجتماعات التى تعقد فى أيطاليا , وفرنسا وألمانيا قصة سقوط بيت المقدس , ولما قدم الى فرنسا
وألمانيا قصة سقوط بيت المقدس , ولما قدم الى ألمانيا تأثر بدعوته فرديدرك بربرسا الى حد دفع الأمبراطور العظيم وهو فى سن السادسة والسبعيين الى الزحف بجيشه من فوره "1189م", وحياة
العالم المسيحى كله وخلع عليه أسم موسى التانى الذى سيشق الطريق الى الأرض الموعودة . ولما عبر الجيش الجديد مضيق الهلسبنت عند غاليبولى , وأتخذ الى ارض فلسطنين طريقا جديدآ ,
وكرر اخطاء الحملة الصلبية الأولى ومآسيها ; وأقتفت أثره العصابات التركية وأزعجته , وقطعت عنه المؤن , فمات مئات من رجاله جوعا , ومات فردريك ميتة غير شريفة اذا غرق فى
نهر سالف الصغير فى قليقية "1190 م " , ولم ينج من جيشه الا جزء قليل أنضم الى حصار عكا .
وكان رتشرد الاول " الانكتار " الملقب " قلب الأسد " قد توج من زمن قريب ملكا على أنجلترا وهو فى الحادية والثلاثين من عمره , فصمم هذا الملك على ان يجرب حظه مع المسلمين ;
واذا كان يخشى ان يغير الفرنسيون فى أثناء غيابه الملاك الأنجليزية فى فرنسا , فقد أصر على ان يصاحبه ملك فليب أغسطس , ووافق الملك الفرنسى وكان وقتئذ شابا فى الحادية والعشرين
من عمره , وتلقى الملكان الشابان الصليب من وليم كبير اساقفة صور بأحتفال مهيب فى فيزلاى وأبحر جيش رتشرد المؤلف من نرومان " لان الأنجليز لم يشترك منهم فى الحروب الصلبية الا القليل
من مرسيليا , وأبحر جيش فيلب من جنوى على ان يلتقى الجيشان فى صقلية "1190 م " فلما ألتقيا فيها شجر النزاع بينهم وأستلما للهو وقضيا فى نزاعهما ولهوهما نصف عام .واغضب تانكرد
ملك صقلية رتشرد , فأنتزع هذا منه مسينا " بأسرع مما يتطلبه من القس ترتيل صلاة السحر " ثم ردها اليه نظير أربعين الف أوقية من الذهب ;توفر له له المال بهذه الطريقة أبحر بجيشه
فلسطين .
وتحطمت بعض سفنه على ساحل جزيرة قبرص , وقبض حاكمها اليونانى على بحارة السفن وزجهم فى السجون فوق رتشرد عندها بعض الوقت , وفتح الجزيرة , وأعطاها الى جاى ده
لوزينان ملك بيت المقدس المشرد , وبلغ عكا فى يونيه من عام 1191 م بعد عام من مغادرته فيزلاى , وكان فليب قد سبقه أليها . وكان حصار المسيحيين لعكا قد دام تسعة عشرة شهرآ ,
وهلك فيه منهم عدة ألاف , ثم أستسلم المسلمون بعد أسابيع قليلة الى رتشرد .وطلب المنتصرون من المغلوبين مائتى ألف قطعة من الذهب " نحو 950,000 ريال أمريكى ", وأن يسلموا
أليهم 1600 أسيرآ من صفوة أهل المدنية , وان يردوا اليهم الصليب الحق . ووعدهم أهل المدنية ان يجيبهم الى ما طلبوا ;وأيد صلاح الدين هذا الأتفاق , وسمح للمسلمين من سكان عكا
ما عدا الألف والستمائة السالفى الذكر ان يغادروا المدينة ومعهم من المؤن ما يستطيعون حمله . ثم أصيب فليب أغسطس بالحمى فعاد الى فرنسا وترك وراءه قوة فرنسية مؤلفة من 10,500ث رجل
, وأصبح رتشرد القائدالوحيد للحملة الصليبية الثالثة.
وبدأت وقتئذ طائفة من الوقائع الفذة , وتعاقبت فيها الضربات والمعارك والمجاملات ;واظهر فيها الملك الأنجليزى والسلطان الكردى بعض ما تتصف به الحضارتان وديناهما من أنبل
الصفات وأظرفها . وليس معنى هذا ان كل الرجليان كان من أولياء الله الصالحين , فقد كان فى وسع صلاح الدين ان يكيل بكل ما لديه من بأس الضربات المميتة لعدوه اذا بدأ له أهدافه الحربية
تتطلب هذا; وكذلك سمح ريتشارد ذو النزعة الروائية الشعرية لنفسه أن يفعل ما لا يتفق مع حياته النبيلة . من ذلك ان لما تبأطا زعماء عكا المحاصرة فى تنفيذ شروط الاتفاق بينهم ,
اما رتشرد ان تضرب رءوس 2,500 من الأسرى المسلمين أمام أسوار المدينة ليتنبه بذلك الأهلين الى وجوب الأسراع فى تنفيذ الشروط <35>; فلما بلغ هذا النبأ صلاح الدين , امر بأن يعدم
كل من يقع بعدئذ فى الاسر اثناء المعارك مع الملك الأنجليزى . ثم بدل رتشرد نغمته , فعرض على ان ينهى الحروب الصلبية بان يزوج أخته للعادل أخو صلاح الدين , ولكن الكنيسة عارضت
هذه الفكرة فتخللى رتشرد عنها .
وايقن رتشرد ان صلاح الدين لن يصبر على الهزيمة , فأعاد تنظيم قوته , وتأهب للسير ميلا نحو الجنوب بمحاذاة البحر ليفك الحصار عن يافا التى كانت وقتئذ فى أيدى المسيحيين ويحاصورها
المسلمين , ورفض كثيرآ من النبلاء ان يسيروا معه , وفضلوا ان يتخلفوا فى عكا , ويحكيوا الدسائس لاستيلاء على عرش فلسطين ,لانهم كانوا واثقين من رتشرد سيستولى عليها , وعاد
الجنود الألمان الى بلادهم , وكثيرآ ما كان الفرنسيون يعصون أمر الملك الانجليزى ويفسدون علهي خططه الحربية ;كذلك لم يكن العامة مستعدين لبذل جهود جديدة فى سبيل فلسطين .
المفضلات