معنى الشوائب لغة واصطلاحاً
أ- الشوائب لغة:
ورد في تهذيب اللغة للأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي: شابَ يَشُوبُ شَوْباً، إذا غشّ، ومنه الخبر "لا شَوْبَ ولا رَوْب": أي لا غِشَّ ولا تخليط في شراء أو بيع. ويقال في فلان شَوْبة: أي خديعة. وفي فلان ذوبة: أي حمقة ظاهرة. سلمة عن الفراء: شاب إذا خان.
وقال أبو عبيد عن الأصمعي في باب إصابة الرجل في منطقه مرة وإخطائه أخرى: هو يَشُوبُ وَيَروب. وقال غيره: يشوب من شّوْب اللبن وهو خَلطُه بالماء ومَذقُهُ( 1).
وقال أحمد بن فارس في معجم مقاييس اللغة: شوب: الشين والواو والباء: أصل واحد وهو الخلط. يقال شُبْتُ الشيء أَشُوبُهُ شَوْباً. قال أهل اللغة: وسمي العسل شَوْباً لأنه كان عندهم مزجاً لغيره من الأشربة.
ويقولون ما عنده شَوب ولا روْب. فالشوْب: العسل، والروْب: اللبن الرائب، وهو مثل لمن لا خير عنده(2 ).
وقال ابن منظور في لسان العرب: الشوائب جمع مفردها شائبة. وهي الأقذار والأدناس . والشَوْب: الخلط. قال تعالى : ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (3). أي لخلطاً ومزاجاً.
يقال للمخلِّط في القول أو العمل: هو يَشُوب ويروب. وقال ابن الأعرابي: شاب إذا كذب. وشاب إذا غشّ. وفي الحديث يشهد بيعكم الحَلفُ واللغو، فشوبوه بالصدقة. أمرهم بالصدقة لما يجري بينهم من الكذب والربا، والزيادة والنقصان في القول لتكون كفارة لذلك.
واستعمل بعض النحويين الشَوْبَ في الحركات فقال: أما الفتحةُ المشوبة بالكسرة، فالفتحة التي قبل الإمالة نحو فتحة عابِدٍ وعارف. وذلك أن الإمالة إنما هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة فتميل الألف نحو الياء(4 ).
مما سبق في معاجم اللغة العربية الرئيسية نجد أن معنى الشوائب الخلط بين جنسين متباينين، والشوائب: الأقذار والأدناس، والغش، والكذب، والخديعة، والخيانة. فهي كلمة جامعة للسوء والرذيلة.
ب- الشوائب اصطلاحاً:
أقصد بالشوائب في هذا المبحث: المعاني والآراء والأحكام والأفكار والمفاهيم التي اختلطت بالتفسير وليست من جنسه.
وللمعنى اللغوي نصيب كبير، فلابد من دراستها دراسة موضوعية ليرى ما فيها، ومالها وما عليها حسب ضوابط التفسير السابقة ليصل الدارس إلى الحق فيها بدليله.
وتجدر الإشارة إلى أن اختلاف المفسرين لا يعدّ من الشوائب ولو خطّأ بعضهم بعضاً ما دام التفسير يحتمله منطوق الآية أو مفهومها، أو اتسعت له المعاني الشرعية. فالشوائب غير التفسير الخاطئ الذي يحتمله النص، وله وجه من المنطوق أو المفهوم. وإن كانت كل الشوائب في التفسير خاطئة، ولكن ليس كل تفسير خاطئ من الشوائب. ويعد الاختلاف في التفسير إذا لم يتعارض مع النصوص ولا يتناقض معها ويحتمله وجه من المنطوق أو المفهوم يعد اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
شوائب التفسير في القرون الثلاثة الأولى
إن المعارف الإسلامية كانت مختلطة بُعيد تمام نزول القرآن، ولا يوجد تمييز بينها، وكانت كلها أجزاء من علم الحديث، وكانت محفوظة في الصدور دون السطور، ثم صارت العلوم تنمو وتنضج، وتتضح صورتها، وتظهر سماتها وقسماتها، فأخذت تستقر تدريجياً بعيد التدوين، وتستقل عن بعضها. فاستقل التفسير عن الحديث وصار علماً قائماً بذاته في الصدور والسطور. روى ابن النديم في كتابه الفهرست قال: "إن عمر بن بكير كتب إلى الفراء أن الأمير الحسن ابن سهل(5 ) ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولاً أو تجعل في ذلك كتاباً أرجع إليه يوماً، فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس في الصلاة، فالتفت إليه الفراء فقال له: اقرأ بفاتحة الكتاب ففسرها، ثم قرأ في الكتاب كله يقرأ الرجل ويفسر الفراء، فقال أبو العباس: لم يعمل أحد قبله مثله ولا أحسب أن أحداً يزيد عليه"(6). ولا نستطيع الجزم بأن الفراء لم يكن مسبوقاً في تحرير تفسير كامل، فهناك روايات عن ابن عباس تدل على أنه قد كتب تفسيراً بإملائه عن مجاهد( 7). وتفسير الطبري يعد موسوعة ضمت ما اندرس من تفاسير الصحابة والتابعين منهم: ابن عباس وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن سليمان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والحسن البصري، وعكرمة، وغيرهم. ومهما يكن من أمر فشوائب التفسير في هذه الحقبة هي الشوائب التي تسللت إلى علم الحديث حيث كان التفسير جزءاً منه ويتمثل في أمرين اثنين:
الأول: دس القصص والروايات التي تفتقر إلى سند صحيح عن أهل الكتاب وترويجها شغفاً في استقصاء كل ما يتعلق بالقصص القرآني كاسم الكلب، وصفاته، وغير ذلك مما يتعلق بقصة أصحاب الكهف. وكذلك صفات السفينة التي خرقها العبد الصالح، واسم الغلام، ومواصفات سفينة نوح عليه السلام. ومن أي الشجر كانت عصا سيدنا موسى، وغير ذلك مما أبهم القرآن الكريم، ولا داعي له. وهذا ما اشتهر بالإسرائيليات( 8).
الثاني: دس أحاديث موضوعة وترويجها كجزء من الحديث لتفسير القرآن، وفي فضائل القرآن وسوره. وممن برع في هذه المفترياتعبد الله بن سبأ اليهودي، وقد تظاهر بالإسلام وتشيع لآل البيت خداعاً ونفاقاً. وشاركه نفر من المسلمين بدوافع مختلفة منهم أبو عصمة "نوح بن أبي مريم"(9 ). حيث وضع أحاديث لا أصل لها في فضائل السور، قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في مقدمة علوم الحديث(10) ما نصُّه: "روينا عن أبي عصمة، وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة(11 )، ومغازي ابن إسحاق(12 )، فوضعت هذه الأحاديث حسبة"(13). وقد رخص بعض الكرامية وضع الحديث في الترغيب بفذلكة كلامية مفادها بأن الكذب الحرام هو الكذب على رسول الله
، أما الكذب له بأن روّج لدينه وتعاليمه فلا يدخل تحت الوعيد.
ثم انتشرت هذه القصص والأحاديث الموضوعة في ثنايا كتب التفسير، وبخاصة بعد فترة حذف الأسانيد مما يدخل في الحقبة الثانية.
والذي يجدر التنبيه إليه هو أن القصة إذا أسندت لصحابي أو تابعي، أو تابع تابعي فلا يعني أنه قطعاً نقلها هو إلينا. فالدس على رسول الله
أعظم جرماً وقد وقع
. فالدس على من دونه يهون على أعداء الإسلام والمغفلين. وقد حذق اليهود الدسل ، وأتقنوا الفرية. فلا بد من التأكد من اتصال السند أولاً للحكم عليه، ثم يبحث في رجال السند. هذا ولم تتسع دائرة شوائب التفسير أكثر من ذلك في هذه الحقبة. ثم اتسعت دائرة شوائب التفسير بعد القرون الثلاثة الأولى وهو ما سنلقي عليه الضوء في هذا التمهيد لندرك مدى خطورة شوائب التفسير.
............................................ الهامش ......................................................
( 1) الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، 11/431، مادة شاب. مصدر سابق.
( 2) ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، 3/325، مادة شوب. مصدر سابق، وانظر مجمل اللغة للمؤلف نفسه، 2/515.
( 3) سورة الصافات، الآية: 67.
( 4) ابن منظور، لسان العرب، 1/510، مادة شوب.
(5 ) الحسن بن سهل (ت235هـ)، أسلم سنة 190 هـ، زمن الرشيد، ولي ديوان الخراج زمن المأمون. (الكامل في التاريخ لابن الأثير، 6/197).
(6 ) ابن النديم، الفهرست، ص73، تحقيق رضا تجدد المازدراني، طبعة طهران 1391هـ-1971م، أورد هذه الفقرة تحت عنوان أخبار الفراء أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، وذكر المحقق أن في طبعة فلوجل: "ففسرها ثم نوفي الكتاب كله فيقرأه الرجل ويفسر الفراء".
(7 ) انظر مقدمة تفسير الطبري، ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محموداً علمه بالتفسير، ومن كان منهم مذموماً علمه بذلك، 1/40، ط3، 1388هـ-1968م. طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.
(8 ) الذهبي، محمد حسين، الإسرائيليات في التفسير والحديث، ص 8-9، سلسلة البحوث الإسلامية، مجمع البحوث الإسلامية، مصر، الكتاب 37 سنة 1391هـ-1971م.
(9 ) نوح بن درّاج، نوح بن أبي مريم، أبو عصمة المروزي، كوفي، مولاهم، مشهور بالكنية، كذبوه في الحديث. وقال ابن المبارك كان يضع، من السابعة مات سنة 173هـ، انظر الضعفاء والمتروكين، للدارقطني، ترجمة 540، ص 376. وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي، ترجمة 1906، 4/305.
(10 ) قاله الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في مقدمة علوم الحديث، ص 47-48، طبعة يحيى، المصدر السابق نفسه للذهبي.
( 11) هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت150 هـ)، مولى تيم الله بن ثعلبة، كان خزازاً يبيع الخز. أدرك أربعة من الصحابة وهم أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة. ولم يلق أحداً منهم ولا أخذ عنه. أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان، وسمع عطاء بن أبي رباح، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وروى عنه عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والقاضي أبو يوسف، ومحمد الشيباني، وغيرهم، رفض القضاء زمن المنصور فسجنه، انظر ترجمة 765، وفيات الأعيان، 5/405-415، وانظر تاريخ بغداد، 13/323، ترجمة 7297.
( 12) هو محمد بن إسحاق بن يسار، وكنيته أبو بكر وقيل أبو عبد الله المطلبي بالولاء المديني صاحب المغازي والسير (ت151هـ)، شهد له ابن شهاب الزهري والشافعي وسفيان بن عيينة وشعبة بن الحجاج في المغازي والحديث. من تصانيفه السيرة النبوية، انظر ترجمة 612، وفيات الأعيان، 4/276-277.
( 13) الذهبي، محمد حسين، الإسرائيليات في التفسير والحديث، ص 9.
....................................................
هذا البحث منقول من: ................................................
شوائــــب التفسيـــر فـي القرن الرابع عشر الهجري
عبد الرحيم فارس أبو علبة
................................32.................. يتبع إن شاء الله ..................35.............................
يتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>> شوائب التفسير في الفكر الفلسفي
المفضلات