بسم الله الرحمن الرحيم
يا ديكارت إنه ليس غريب منك هذا التهجم على الاسلام فأنتم لا تعرفون معنى حياة الطهر و معنى الشرف والعرض فالزنى عندكم خطأ لا يعاقب صاحبه ، يكفي أن يصرح بأن لا يعود إليه الشخص ولا يهم إن وفى بعد ذلك أو لا فانتم تفترون على عيسى أنه قال "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر" و اقرأ ما يقول علماؤنا في العبر التي جاءت بها الآيات و السورة
مبحث حكمة التشريع
إن الله عز وجل لما بين في أول سورة { النور } ما في جريمة الزنا من عظيم الفحشن وكبير الشناعة مما لم يجتمع في جريمة أخرى من كبير الإجرام وتشتنيع الفعل وأمر هذا شأنه يلحق العرض من الرمي به ما ينكس الرأس ويهدم الشرف وكان من مقاصد الشرع الكريم حفظ الأعراض وصون الشرف لصاحبه والاحتفاظ بالكرامة وعزة النفس كان من متقضى حكمته جل شأنه هذا التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفها الغضب والحقد إلى أن تصيب الناس في كرامتهم وتخدش شرفهم وهو أعز عزيز لديهم مستهينة بما اقترفت كما قال تعالى: { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } آية النور: 15
ففرض الله لنا فيما فرض من أحكام ( حد القذف ) الزاجر الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامة والشرف حتى تنزجر النفوس عن الإقدام على هذا الجرم الفظيع وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس والدعوة إلى تطهير اللسان وصون الآداب والتحرز عن الخوض في كبريات التهم بلا علم وتقرير بينات التهمة بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق. وإنك لا تجد من أنواع الجرم ما يقدم عليه صاحبه غافلا عن عظيم خطره إلا جرم اللسان وكأنه سهولة حركته بطبعه. ولذة التحدث بالأمور المستغربة وحسبان أن الطلام لا ينقص من المتكلم فيه شيئا محسوسا يذكر مع اعتياد الناس التساهل في القول والسماع كل ذلك جعل الناس يستهينون به ويحسبونه هينا وهو ذنب عند الله عظيم لذلك اهتم الشارع بحد القذف أعظم اهتمام فأنزل في حد السرقة آية واحدة وفي حد الزنا آيتين وفي حد قطاع الطريق آية أما حد القذف فقد أنزل فيه آيتين ثم أتبعه بنوع آخر منه وهو ( اللعان ) فأنزل فيه خمس آيات ثم أردفه بذكر حديث الافك فأنزل فيه تسع آيات ثم أتبع ذلك كله فأنزل أربع آيات في النهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات إلى أن قال: ( أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } فكأن الله تعالى أنزل في حد ( القذف ) وأحكامه وأنواعه وبيان عقابه وشرح الأضرار المترتبة عليه في المجتمع والنهي عنه والتحذير من الوقوع يه وفظاعة الإقدام عليه أنزل في ذلك ( عشرين ) آية في سورة النور
ثم ذكر الله تعالى في ذكر هذه الآيات عقاب المجرم الذي يقذف الناس ويهتك أعراضهم بأنه لم يستطيع إثبا البينة على قوله بأمور:
أولا: أن يجلد ثمانين جلدة.
ثانيا: ترد شهادته طول حياته.
ثالثا: يصبح من أهل الفسوق والإجرام وأصحاب الكبائر.
رابعا: يكون عند الله من الكاذبين.
خامسا: أنه ملعون في الدنيا ملعون في الآخرة.
سادسا: ان له عذابا عظيما عند الله قد ادخره له يوم القيامة.
سابعا: تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي والعار على رؤوس الأشهاد.
ثامنا: ان الله تعالى يوفيهم جزاء فعلهم ويجزيهم حساب عملهم من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم وقد أجمعت الأمة على أن القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا. وأولئك هم الفاسقون } وقوله تعالى: { فإذا لم يأتوا باشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }
والمعنى: أن من قذف مسلما أو مسلمة ولم ستطع إقامة البينة المطلوبة لإثبات قوله فهو كاذب عند الله أي حكمه في شريعة الله تعالى حكم الكاذب يقينا فيقام عليه حد الكاذب وقوله تعالى: { إن الذين يرمون الممحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذا بعظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو ايعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين } آيات: 23، 24، 25 من سورة النور فقد بين الله تبارك وتعالى في هذه الآيات فظاعة تلك الجريمة وعظيم أمرها فشنع على من وقع فيها وشرح عظم خطرها وبين عقوبة مرتكبها ونهاية أمر فاعلها ووضح شديد وعيدها وأي وعيد أشد من اللعنة في الدنيا من الناس والملائكة والطرد من رحمة الله تعالى ورضوانه يوم القيامة واستحقاق العذب العظيم وتقرير ذنبه بشهادة جوارحه عليه في الآخرة أن القاذف مطالب في الجنيا لتصديق دعواه بأربعة شهداءن فالقاذف يوم القيامة يقوم في وجهه لتكذيبه خمسة شهود من أعضائه وجوارحه: لسانه ويداه ورجلاه تنكيلا لهن وفضيحة لشأنه جزاء وفاقا على محاولته فضيحة المحصنات الغلافلات المؤمنات
وحسبك بختم الآية الكريمة بأن الله سيوفيه جزاءه الحق ويعلم المفتري على الناس الكذب إن لم يكن قد علم أن قوله هوة الحق المبين وقال تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة وا لله يعلم وأنتم ولا تعلمون } والعذاب المتوعد به في الدنيا شامل لحد القذف وما يصيب المتعرض للأعراض غالبا من مصائب الدهر ولحوق المخزيات وتسليط الألسنة على شرفه وعرضه تثير منه ما كمن بالباطل وبالصحيح ومن فتش عن عوراتهم فضحوه ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته وكما تجين تدانن وكما تفعل تجارى والجزاء من جنس العمل ومن زرع الحسرة حصد الندامة
وأما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وإذا كان هذا من شأن الذين يحبون بقلوبهم أن تنتشر الفاحشة وتشيع في المؤمنين فما بالك بمن يفترها ويروجها بنفسه؟ وأما السنة فما رواه الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رشي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )
المفضلات