سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 37

الموضوع: سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    ابن باز رمز السلفية ورائد الإصلاح
    الفقيد بين المحلية والعالمية "4 -- 4"
    د. خليل بن عبد الله الخليل
    احتل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مكانة مرموقة في نفوس المسلمين داخل المملكة وخارجها لما عرف عنه من صفاء ونقاء وعلم وعمل، فكان رحمه الله (جزيرة اللقاء) بين الناس. آثاره في كل مكان وتأثيره على كل إنسان عرفة.
    لم يسافر -رحمه الله- خارج المملكة في حياته، بل أن أسفاره داخل المملكة محدودة ومع ذلك عرفه العالم الإسلامي أكثر من أي عالم آخر في القرن العشرين. بل حرص بعض المختصين في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية من غير المسلمين على الالتقاء به للتعرف على آرائه ووجهات نظره إزاء المشكلات الطارئة والدائمة، وكان محل إعجاب واحترام من يلتقون به. انطلق -رحمه الله- من الرسالة العالمية )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(ففتح قلبه للناس جميعاً، لذلك لا يمض له مجلس عام من مجالسه، إلا وقارات العالم -في الأغلب- ممثله فيه. إنه (رابطة العالم) وليس للعالم الإسلامي فحسب.
    لم ينطلق منطلقاً (محلياً) ولا (إقليمياً) ولا (فئوياً) وإنما انطلق من

    روح رسالة الإسلام العالمية الخالدة، فكان جهده منصباً على نشر العلم وتنقية العقيدة، وتربية الدعاة، وبناء المؤسسات أينما وجد لذلك سبيلاً.
    على المستوى المحلي يعرف سماحته الناس وله أصدقاء وطلاب في كل منطقة من مناطق المملكة وهم يواصلونه ويكاتبونه وهو يبادلهم الاتصال ويجيب على مكاتباتهم. يعمل الساعات الطويلة في الاطلاع على المكتبات وإملاء الردود والاتصال والاجتماعات.
    لم يكن (حزبياً) ولو كان كذلك لكان حزبه أكبر الأحزاب في العالم لأنه صاحب فكرة جذابة ولديه جميع المؤهلات التي تؤهله للقيادة والتأثير. استطاع أن يهزم بطلابه وعفويته الأحزاب (المنظمة) المعاصرة وبقي ما يدعو إليه من حق، واضمحل ما كان يدعون إليه من باطل.
    استطاع أن يتعامل مع الناس في الداخل على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم ومناطقهم، واستطاع أن يملأ عيونهم وأن يقوم بواجب الدعوة بما هيأه الله له من إمكانات شخصية ورسمية.
    أثر على حياة الناس بدون شك لذلك هرع الآلاف للسفر إلى مكة المكرمة للصلاة على الفقيد وتشييع جثمانه. وصلّت عليه المساجد صلاة الغائب في أنحاء المملكة وكانوا يحسون بفقدان (الأب الكبير) للعائلة العريضة الانتشار.

    نعم العالم المجاهد الذي اجتمعت عليه القلوب في جميع (المنحنيات) التاريخية التي عاصرها. لم يكن -يرحمه الله- حريصاً على الدعاية ولا على تسجيل المواقف سواء لكسب عواطف العوام، أو لكسب رضا الحكام، وإنما كان حريصاً على الصدق والحق والإصلاح.
    كان يعيش (عالماً آخر) لا يخضع للموازين المتعارف عليها مع واقعية ورضا وزهد. يحب الناس ويساعد المحتاجين منذ أن كان في منطقة الخرج عام 1357هـ كان ينفق على طلابه ويتعهدهم، ويسعى الناس للالتقاء به من أماكن بعيدة.
    إنه صاحب رأي مستقل، ودائماً تجد عنده في المسألة المطروحة وجهة نظر سديدة، لم يكن عنيفاً مع المخالفين لآرائه، وكان يميل إلى التسامح والتيسير في التعامل والفتيا لفقهه -يرحمه الله- بالنصوص.
    إن التشدد ليس من علامات الفقه في الدين مثلما أن الراديكالية السياسية ليست من سمات السياسة البارعة.
    كان رحمه الله مناصراً للدولة في جميع الأزمات مرت بقناعة دينية، لذلك درأ الفتن عن الوطن. إنه العالم العلَم والطود الأشم عندما تدلهم الخطوب يقول رأيه بلا مجاملة، مما جعله أباً وسيداً. ثم إنَّ واجباته المحلية والوطنية لم تأخذه من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه تجاه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
    كان ينفق -رحمه الله- على أكثر من (2000) إمام وداعية مما

    يسمى (بدعاة البيت) أي من الميزانية غير الرسمية، أولئك الدعاة كانوا منتشرين في أنحاء العالم يتعهدهم -رحمه الله- ، ويعينهم على تحمل أعباء الدعوة، ثم إنَّ هنالك المئات من الفقراء الذين يقدم لهم مساعدات مالية في العالم.
    يحيط سماحته علماً بأحوال العالم، وله أصدقاء وطلاب في أصقاع كثيرة، إنه كان سائراً على منهج السلف في التلقي والعمل وكان معنياً بالعقيدة أشد العناية ومتفاعلاً مع أحداث العالم الإسلامي، يؤلمه ما يؤلم المسلمين أينما كانوا ويسعده ما يسعدهم إنه "المرجع الديني" المعتبر لكثير من المسلمين في الخارج. لذلك فإن رحيله سوف يخلف فراغاً هائلاً مع الثقة في أن مسيرة الحق لن تتوقف، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوض المسلمين في مصيبتهم خيراً.
    كان رحمه الله إيجابياً مع الجمعيات والجماعات والأحزاب، وكانوا يثقون فيه، وكان يسهم في حل مشاكلهم وجمع كلمتهم، والغريب أنهم حساسون مع الذين ليسوا من داخل جماعتهم، لكن سماحة الفقيد مقبول من الجميع، محبوب من الجميع.
    لم يكن يحمل على أحد وإن قال رأيه في مسألة من المسائل المثارة، فإنه يبين الحق دون التعرض للأشخاص والمؤسسات بالاسم، وإذا زاره من له رأي فيه قابله ببشاشة وتلطف ونصحه إن وجد لذلك

    سبيلاً، رحل العالم الجليل تاركاً خلفه تركة ثمينة من العلم والذكر الحسن، والموت حق والسعيد من يشهد له الناس بالخير، والأمة تشهد للفقيد الراحل بالصدق والعلم والزهد والأمانة. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.

    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    د. خليل بن عبد الله الخليل
    احتل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مكانة مرموقة في نفوس المسلمين داخل المملكة وخارجها لما عرف عنه من صفاء ونقاء وعلم وعمل، فكان رحمه الله (جزيرة اللقاء) بين الناس. آثاره في كل مكان وتأثيره على كل إنسان عرفة.
    لم يسافر -رحمه الله- خارج المملكة في حياته، بل أن أسفاره داخل المملكة محدودة ومع ذلك عرفه العالم الإسلامي أكثر من أي عالم آخر في القرن العشرين. بل حرص بعض المختصين في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية من غير المسلمين على الالتقاء به للتعرف على آرائه ووجهات نظره إزاء المشكلات الطارئة والدائمة، وكان محل إعجاب واحترام من يلتقون به. انطلق -رحمه الله- من الرسالة العالمية )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(ففتح قلبه للناس جميعاً، لذلك لا يمض له مجلس عام من مجالسه، إلا وقارات العالم -في الأغلب- ممثله فيه. إنه (رابطة العالم) وليس للعالم الإسلامي فحسب.
    لم ينطلق منطلقاً (محلياً) ولا (إقليمياً) ولا (فئوياً) وإنما انطلق من


    روح رسالة الإسلام العالمية الخالدة، فكان جهده منصباً على نشر العلم وتنقية العقيدة، وتربية الدعاة، وبناء المؤسسات أينما وجد لذلك سبيلاً.
    على المستوى المحلي يعرف سماحته الناس وله أصدقاء وطلاب في كل منطقة من مناطق المملكة وهم يواصلونه ويكاتبونه وهو يبادلهم الاتصال ويجيب على مكاتباتهم. يعمل الساعات الطويلة في الاطلاع على المكتبات وإملاء الردود والاتصال والاجتماعات.
    لم يكن (حزبياً) ولو كان كذلك لكان حزبه أكبر الأحزاب في العالم لأنه صاحب فكرة جذابة ولديه جميع المؤهلات التي تؤهله للقيادة والتأثير. استطاع أن يهزم بطلابه وعفويته الأحزاب (المنظمة) المعاصرة وبقي ما يدعو إليه من حق، واضمحل ما كان يدعون إليه من باطل.
    استطاع أن يتعامل مع الناس في الداخل على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم ومناطقهم، واستطاع أن يملأ عيونهم وأن يقوم بواجب الدعوة بما هيأه الله له من إمكانات شخصية ورسمية.
    أثر على حياة الناس بدون شك لذلك هرع الآلاف للسفر إلى مكة المكرمة للصلاة على الفقيد وتشييع جثمانه. وصلّت عليه المساجد صلاة الغائب في أنحاء المملكة وكانوا يحسون بفقدان (الأب الكبير) للعائلة العريضة الانتشار.


    نعم العالم المجاهد الذي اجتمعت عليه القلوب في جميع (المنحنيات) التاريخية التي عاصرها. لم يكن -يرحمه الله- حريصاً على الدعاية ولا على تسجيل المواقف سواء لكسب عواطف العوام، أو لكسب رضا الحكام، وإنما كان حريصاً على الصدق والحق والإصلاح.
    كان يعيش (عالماً آخر) لا يخضع للموازين المتعارف عليها مع واقعية ورضا وزهد. يحب الناس ويساعد المحتاجين منذ أن كان في منطقة الخرج عام 1357هـ كان ينفق على طلابه ويتعهدهم، ويسعى الناس للالتقاء به من أماكن بعيدة.
    إنه صاحب رأي مستقل، ودائماً تجد عنده في المسألة المطروحة وجهة نظر سديدة، لم يكن عنيفاً مع المخالفين لآرائه، وكان يميل إلى التسامح والتيسير في التعامل والفتيا لفقهه -يرحمه الله- بالنصوص.
    إن التشدد ليس من علامات الفقه في الدين مثلما أن الراديكالية السياسية ليست من سمات السياسة البارعة.
    كان رحمه الله مناصراً للدولة في جميع الأزمات مرت بقناعة دينية، لذلك درأ الفتن عن الوطن. إنه العالم العلَم والطود الأشم عندما تدلهم الخطوب يقول رأيه بلا مجاملة، مما جعله أباً وسيداً. ثم إنَّ واجباته المحلية والوطنية لم تأخذه من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه تجاه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
    كان ينفق -رحمه الله- على أكثر من (2000) إمام وداعية مما


    يسمى (بدعاة البيت) أي من الميزانية غير الرسمية، أولئك الدعاة كانوا منتشرين في أنحاء العالم يتعهدهم -رحمه الله- ، ويعينهم على تحمل أعباء الدعوة، ثم إنَّ هنالك المئات من الفقراء الذين يقدم لهم مساعدات مالية في العالم.
    يحيط سماحته علماً بأحوال العالم، وله أصدقاء وطلاب في أصقاع كثيرة، إنه كان سائراً على منهج السلف في التلقي والعمل وكان معنياً بالعقيدة أشد العناية ومتفاعلاً مع أحداث العالم الإسلامي، يؤلمه ما يؤلم المسلمين أينما كانوا ويسعده ما يسعدهم إنه "المرجع الديني" المعتبر لكثير من المسلمين في الخارج. لذلك فإن رحيله سوف يخلف فراغاً هائلاً مع الثقة في أن مسيرة الحق لن تتوقف، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوض المسلمين في مصيبتهم خيراً.
    كان رحمه الله إيجابياً مع الجمعيات والجماعات والأحزاب، وكانوا يثقون فيه، وكان يسهم في حل مشاكلهم وجمع كلمتهم، والغريب أنهم حساسون مع الذين ليسوا من داخل جماعتهم، لكن سماحة الفقيد مقبول من الجميع، محبوب من الجميع.
    لم يكن يحمل على أحد وإن قال رأيه في مسألة من المسائل المثارة، فإنه يبين الحق دون التعرض للأشخاص والمؤسسات بالاسم، وإذا زاره من له رأي فيه قابله ببشاشة وتلطف ونصحه إن وجد لذلك


    سبيلاً، رحل العالم الجليل تاركاً خلفه تركة ثمينة من العلم والذكر الحسن، والموت حق والسعيد من يشهد له الناس بالخير، والأمة تشهد للفقيد الراحل بالصدق والعلم والزهد والأمانة. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.

    بين العوام والحكام

    د. خليل بن عبد الله الخليل
    ترك سماحة الفقيد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- بصماته الواضحة في الدعوة والإصلاح لما له من "خط واضح مميز كما تم إيضاحه في المقالة السابقة، فهو عالم مميز تسلح بالعلم الغزير وتحلى بالسخاء والنقاء والثقة مما مكنه من التأثير في حياة العامة والخاصة.
    واختلف مناهج العلماء والدعاة في القديم والحديث بشأن معادلة صعبة معقدة ألا وهي التعامل مع "العوام" والتفاهم مع "الحكام".
    فالبعض غلب الجانب الأول وأعطاه جل اهتمامه وبذلك فقد الجانب الثاني. والبعض على النقيض غلب الجانب الثاني فاسترضاه ومالاه فكسب ثقته وأحياناً لم يكسب شيئاً ففقد الجانب الأول وقلّ إن لم يكن ندر -على الأقل في العصر الحديث- من استطاع أن يتعامل مع الجانبين في آنٍ واحد بنجاح. حقق الفقيد المستحيل أو لنقل "المعجزة" فاستطاع -رحمه الله- أن يتعامل مع العوام على ما فيهم من غشامة وكلالة، وتعامل مع الحكام على ما فيهم من حساسية

    مسئولية ولم يفقد نفسه في المعركة، ولم يتنازل عن مبادئه للترضية.
    وكأنه هيأه الله القوي العزيز للقيام بهذا الدور في زمن اختلطت فيه المفاهيم وتشابكت فيه خطوط الأيدلوجيات، وتفاقمت فيه المشاكل.
    إنه كان "الميزان" وكلمته هي الفصل في النزاع تدمغ الباطل وترفع الخلاف. إن الدين في عقله واضح، والإيمان في قلبه راسخ، والحق حق بصرف النظر عن مصدره والباطل باطل بصرف النظر عن حامله، ولا مجال للحسابات الشخصية لدى سماحته -رحمه الله- .
    إنه مع عامة الناس صباح مساء فالمستفتون والدعاة يستطيعون التحدث معه والمناقشة لما يراه والأخذ والرد ليعرفوا "بدقة" وجهة نظره وليطمئنوا إلى دينهم الذي يدينون به، وهو لا يكل ولا يمل من الشرح والبيان بل إنه يشجع طلابه على بذل الجهد والسعي لمعرفة الحق.
    استطاع أن يحشد للدين طاقات الشباب، واستطاع أن يوجههم الوجهة الصالحة، واستطاع أن يكبح جماحهم بالعلم والتجرد والمتابعة التي استمرت عشرات السنين، ثم استطاع أن يعلم الكبار في المساجد والمجالس منذ أن كان قاضياً في محافظة الدّلم التي بزغ فيها نجمه فكان نموذجاً للقاضي العادل، والمصلح الحكيم والمربي الفاضل.
    يعرف سماحته -رحمه الله- أنساب الجزيرة العربية وعائلاتها

    وقبائلها، فتعامل مع الجميع بحب واحترام حاضرة وبادية بدون تفرقة على أساس مناطقي أو عائلي، الجميع لديه أحباب في الله.
    يملك -رحمه الله- مواهب القيادة من الذكاء والجلد والفراسة، كما أنه قادر على تفسير الأحلام ويقرأ على المرضى. وكان يسلك منهج علماء السلف الأبرار، كل ذلك لله لا للمباهاة. لم يسخر مواهبه لجمع حطام الدنيا وإنما سخرها لنشر العلم والذود عن الحق.
    وكان -رحمه الله- قوياً على العامة وقادراً على أن يسمعهم مالا يحبون، وهذا يتطلب قوة نفسية وتجرداً للحق. هنالك علماء ودعاة قادرون على أن يقفوا أمام الحكام مواقف قوية ولكنهم ضعفاء أمام العوام خشية أن يخسروهم. أما الفقيد فهو قوي بالحق مع العوام ومع الحكام. لذا أفتى أثناء أزمة الخليج الثانية بجواز "الاستعانة" بالكفار على الحرب، وشق ذلك على بعض طلابه والدعاة الذين يخالفونه، إلا أنه كان كالطود الأشم، وكان دائماً يقول هذا ما أدين لله به، كذلك أفتى بجواز "الصلح" مع إسرائيل وشق ذلك أكثر على بعض الدعاة والمحبين له، فكان يرد بنفس المقولة السابقة، وعندما سأله أحد الدعاة في ندوة مسجلة، كيف يكون الصلح جائزاً مع اليهود وهم أعداء الأمة؟ قال -رحمه الله- ما معناه سبحان الله، وهل يكون الصلح إلا مع الأعداء. أنه في عرف الجماهيريين خسر الناس، ولكنه -رحمه الله- لم يكن مكترثاً برصيده عند الناس، لأنه ينشد الحق، ويصدع به عندما

    يسأل عن أمر ما.
    تعامل -رحمه الله- مع السياسة والسياسيين، سواء كانوا أمراء مناطق، أو ملوكاً، أو رؤساء دول فكانوا مقدرين له، ومحترمين لشخصيته المميزة التي تدخل في مضمار"السهل الممتنع".
    عرف عنه أنه عالم سمح متجرد واضح، مما سهل على الجميع التعامل معه والنزول إلى رأيه في كثير من الأحيان. لقد عاصر الملك عبد العزيز -رحمه الله- ، وكان يلتقي به في محافظة الدلم عندما يزور المنطقة، وتعامل مع الملك سعود والملك فيصل والملك خالد رحمهم الله، وكانوا جميعاً محبين له، مستنيرين بعلمه، مسترشدين بتوجيهاته، مستعينين بطلابه واثقين من نصائحه.
    وتعامل مع الملك فهد -أمد الله في عمره- وذكر عنه مرة عندما ترأس مجلس الجامعة الإسلامية بحضور الفقيد بأنه -خادم الحرمين الشريفين- مع قرار يتخذه للمجلس وذكر عنه أنه الوالد في منزلة للجميع.
    تميز الشيخ الفقيد بحب العائلة المالكة، وحبهم له، ورجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، يستشيرونه ويوكلونه على صدقاتهم، والقصص في ذلك كثيرة خصوصاً مع صاحبات السمو الأميرات، إنها علاقة صادقة متمكنة من نفسه ومن نفوسهم. زرته فجر يوم من شهر رمضان المبارك عام 1406هـ بعد صلاة الفجر، بصحبة أحد أفراد الأسرة الكريمة.

    حيث صلينا في مسجده صلاة الفجر للتحدث معه في أحد المشاريع الإسلامية، ولم يصل في المسجد المجاور لمنزله وإنما صلى في مسجد آخر، وعندما دخلنا منزله، إذا به قد سبق ودخل مع عائلته، وعندما علم من في المجلس عن الزائر أنه من أصحاب السمو، طلب الانتظار، وعندما أخبر الشيخ بذلك خرج من عائلته وجلس، وسر بالأمير ورحب به، ثم بدأ يسأله عن خالته وعمته، فلقد عرفه وأثنى عليه وشجعه على طلب العلم والزواج المبارك -ولم يكن الأمير متزوجاً بعد- وكان لذلك اللقاء أطيب الأثر في نفس الضيف الأمير الشاب الذي سلك للعلم الشرعي مسالكه ووفق ولله الحمد.
    كان واضحاً وصادقاً حكيماً مع القيادة السياسية ولم يكن يعمل لنفسه وإنما كان يعمل دائماً لتحقيق الأهداف والأسس التي قام عليها "الكيان السعودي" وكان صبوراً متأنياً يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، لذا حظي بالحب والاحترام من الجميع، ومن ذا الذي سيتحدث وسماحة الشيخ عد الله العزيز بن عبد الله بن باز موجود، إنه صاحب الكلمة الأخيرة وكانت الثقة المتبادلة بينه وبين القيادة كفيلة بضمان التلاحم والتفاهم.
    لقد أدرك الفقيد -رحمه الله- كما أدرك إخوانه من العلماء -أن علماء المملكة يملكون "كياناً سياسياً" ويقومون على رعاية الحرمين الشريفين، لذا حافظوا على الانسجام مع الحكام فهم ليسوا مثل

    غيرهم ممن يقول كلمته لتسجيل موقف فقط أو لإبراء الذمة فقط. إنها ستكون موضع التنفيذ في الغالب وسوف يطالبون الناس بتطبيقها.
    تصدى سماحة الفقيد لتحقيق "المعجزة" فكان "ملاذاً" للعامة عند الخطوب وكان "مرجعاً" للدولة عند الاختلاف، فتحقق بعون الله وتوفيقه "الانسجام التاريخي" النادر بين العلماء والأمراء بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية.
    لا يعني ذلك أنه لم تمر أوقات عصيبة، ولا يعني ذلك أن الكمال متحقق، ولكن ذلك يعني أن النيات صادقة، وأن المساعي ناجحة، وأنَّ آلية التكامل متأصلة فحمى الله المملكة من شرور الفرقة ومن فتنة الاختلاف.




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    ابن باز رمز السلفية والإصلاح


    د. خليل بن عبد الله الخليل
    لوس انجلوس
    رحل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله رحمة واسعة إلى الدار الآخرة بعد حياة ملؤها الصدق والإخلاص، والعلم والتعليم والجهاد والاجتهاد والسخاء والنقاء والحب والعطاء.
    لقد كان رحمه الله مثالاً للعلم الفذ، والقاضي العادل، والمسئول النشط، والداعية الحكيم، والمصلح الناجح، والمعلم المؤثر، والقيادي المتميز، والسياسي المتمرس، والمتبع الصادق، والمجدد الجسور والغيور والصبور.
    عاصر حكام المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- إلى عهد الملك فهد -أمد الله في عمره- فكان لهم نعم الناصح والنصير، ونعم المواطن الأمين.. فأحبوه، وأعزوه وأكرموه واحداً تلو الآخر.
    صنع رحمه الله لنفسه -بتوفيق الله- خطاً متميزاً في تلقي العلم ونشره، وفي التعامل مع الحكام والعوام، وفي التخاطب والتعايش مع


    الدعاة والحركات مع اختلاف المشارب في الداخل والخارج، وفي مواجهة "الخصومة" الفكرية بين "التراث" الذي نشأ عليه وفيه وبين "الحداثة" التي تفرضها الحياة المعاصرة، وكان رحمه الله في ذلك مسدداً موفقاً ملهماً مبدعاً ليصبح نموذجاً فريداً و"قدوة" يحتذى بها، ليس في داخل المملكة فحسب، وإنما في العالم الإسلامي كله.
    تميز ذلك الخط بالوضوح وقوة الاعتدال والتجدد والواقعية والحياد والتكامل وكان لحيوية الشيخ رحمه الله ودأبه وكرم نفسه الفاضل في تغذية المسيرة العلمية والإصلاحية التي انطلقت في المملكة، ومن المملكة إلى المشارق والمغارب روحاً جذابة فعالة أثارت استغراب الأحزاب والمذاهب الإسلامية المناوئة، إنه العالم المتواضع المحافظ المكفوف البصر الذي لم يسافر خارج المملكة طلابه ومحبوه في كل مكان في العالم وفتاويه وآرائه تخطت المحيطات لتؤثر في حياة الناس..
    نعم أثر سماحة الفقيد رحمه الله في "حياة الناس" فطبعها بطابع علمي وعملي وأخلاقي ونفسي مختلف، لذا أقيمت الصلوات غائباً عليه في أنحاء العالم بما في ذلك نيويورك، واشنطن، لوس انجلوس وغيرها. بل خصصت خطب الجمعة في بعض أنحاء العالم للتحدث عن مآثره وسجاياه ويا لها من منقبة ويا لحسرة بعض ضعاف النفوس الذين سودوا الصحائف بالكتابة في حياة الشيخ عنه بأسلوب فج يدل على ضعف الدين وضعف العقل. لقد أصبح الشيخ -رحمه الله-


    عنواناً لحسن الاتباع ولا تجد أحداً يتحدث عنه بسوء إلا وفي دينه مقال، فلقد أجمعت عليه القلوب المؤمنة وأحبته النفوس الطيبة، ولو اختلفت مع آرائه وفتاويه.
    لماذا يا ترى ذلك كله؟ هذا السلسلة من المقالات محاولة للإجابة المختزلة وما أصعب الاختزال، فالفقيد يحمل خصالاً نبيلة كافح على عدة جبهات يصلح بعضها أن يكون مادة دسمة لرسائل علمية، على أي حال، ما لا يدرك كله لا يترك جله، وهذه بعض السمات الشخصية والمعالم المنهجية للخط العلمي والإصلاحي الذي سلكه الفقيد في نقاط:
    1- العلم الغزير: تسلح رحمه الله بسلاح العلم الشرعي المتعدد الأطراف فدرس الحديث والتجويد والأصول وكان علمه مثار إعجاب طلابه ومحل تقدير علماء عصره الذين انبهروا من قدراته العلمية. لم تكن قوة الشيخ عبد العزيز كامنة في شخصيته المحبوبة الكريمة فقط وإنما أيضاً كانت مبنية على "القدرة العلمية" فلقد اهتم بعلم الحديث بالإضافة إلى ما يحسنه ويجيده عادة علماء الدعوة الإصلاحية في الجزيرة ونفخ في روح طلابه حب السنة المطهرة والحرص على تعلمها من مصادرها الأساسية المختلفة لذا فهو فقيه ومحدث وهذا يندر أن يوجد في العالم الإسلامي.
    2- الدعوة الجادة للاجتهاد: كان رحمه الله مختلفاً عن بعض أسلافه


    ومعاصريه بدعوته الجادة للاجتهاد والأخذ من الكتاب والسنة وعدم التعصب للمذاهب.. سئل مرة في إذاعة الرياض عن ماذا سيقول لعلماء المسلمين لو اجتمع معهم؟ فقال ما معناه: سأقول لهم اتبعوا الكتاب والسنة ودعوا التعصب للمذاهب، وهو مع هذا لم يحمل على المذاهب الفقهية المعتبرة وإنما كانت دعوته للاجتهاد مقرونة باحترام المذاهب المعروفة والأخذ منها.
    3- الانفتاح على الناس: عاش رحمه الله مع الناس وللناس. لم يأخذه العلم منهم ولم تحجبه المناصب عنهم، ومن الذي ينسى المجلس العام بعد الظهر بعد المغرب مع الناس. إنه ربما العالِم الوحيد في العالمَ الذي فتح منزله لنصف قرن لمن يدخل ويخرج بل عاش بعض طلابه ومحبيه في منزله لعدة شهور ينتقلون معه أينما يسافر مدينة لمدينة وهو -مع مشاغله- لا يبرح يتعهدهم ويسأل عنهم. إن مجلس الشيخ رحمه الله بعد المغرب "مدرسة نموذجية" وكم طلبت من بعض الزوار الذين لا يعرفون الشيخ أن يزوروه بعد صلاة المغرب بدون موعد لكي يروا الحقيقة بأنفسهم، ولقد فعل البعض فخرج معجباً مبهوراً أنه المجلس الذي يفيض إيماناً وعلماً وبهجة وحباً وصدقاً ودعوة. فلا تسمع ولا ترى فيه إلا خيراً وحكمة لا محل للدنيا فيه.
    إنه مع الناس وللناس، فتح قلبه بل منزله يزور ويزار يألف ويؤلف وهو


    شديد العناية رحمه الله بطلابه ومحبيه يتعهدهم بالاتصال والزيارة وإن أنسى، لا أنس عندما اتصل بي -رحمه الله- في لوس انجلوس عام 1992م عندما علم أني دخلت المستشفى لإجراء عملية في إحدى عيني وذلك دأبه -رحمه الله- بالرغم من كثرة مشاغله.
    4- الثقة بالنفس وبالناس من حوله: يرى الفقيد الناس بمنظار الثقة والحب، وذلك لثقته بنفسه، وإن كان بعض الناس -بدون معرفة- يأخذ ذلك عليه فإنه -رحمه الله- يتعامل مع الناس على أساس احترام المشاعر والنظر في حاجاتهم مطبقاً المقولة المعروفة: "من خدعنا في الله انخدعنا له" وهذا هو واجب رجل الإصلاح لأنه بدون ثقة الناس والثقة في الناس لن يحقق الآثار المرجوة. وللحقيقة مع تلك الثقة فإن الكثير ما يقوله الناس عن الشيخ -رحمه الله- في هذا الموضوع مبالغ فيه، فهو يتعامل بالثقة وكذلك لديه أساليبه السليمة في معرفة الناس لديه من الإمكانات والمعلومات الصحيحة عن الناس مالا يتوفر لأجهزة متخصصة وذلك يعود للثقة فيه رحمه الله ولوجود رجال مخلصين يعتمد عليهم مع عدم تحامله على أحد وقدرته الفائقة على الصفح والعفو عند اللبس والخطأ.
    لم يكن -رحمه الله- يحمل في نفسه على أحد شيئاً، لذا أقبل الناس عليه من العالم الإسلامي باعتبارهم طلاباً له لا علماء وأنداداً لذا كان بحق "ثروة دينية" للوطن والعالم الإسلامي لا تقدر


    بثمن، ويكفي أن الناس يتلقون ما يراه بالرضا وبدون تشكك في زمن "شحت" فيه الثقة.
    5- الكرم والزهد: تميز الشيخ -رحمه الله- بالسخاء الجم والنقاء الناصع إنه بحق كريم النفس يبذل ما في وسعه من أجل الله ولله، ولا يحب المدح والثناء عليه وكثيراً من الوقائع يعرفها الملازمون له والعاملون معه. إنه يعطي ويتكرم ويبذل من أجل الله ولا مجال عنده "للعائد" أو المردود عليه في المدى القريب أو البعيد إلا أجر الآخرة. بهذا ملك القلوب وأسر العقول وما أجمل العالم والحاكم عندما يكونان كريمين.
    البخل أكبر من سجية في البشر أنه "مرض" و"عاهة" البخيل لا يثق بالناس ولا يحب لهم الخير ولا يسع في حاجات الناس. إنه "أناني" ذكي يحب نفسه ويعمل لنفسه ولو كان عالماً أو داعية.
    لم يدخل الحسد نفس الشيخ لذا كسبت الدعوة والدولة أصدقاء كثيرين نتيجة سماحة الشيخ وكرمه وعطائه ولقد وقف طلابه ومحبوه دائماً مع المملكة في الخارج للذود عنها والدفاع عن مواقفها، هذه حقيقة للتاريخ يعرفها من عايش العمل الإسلامي في الخارج.
    6- الحرص على الوقت: لقد عرف عن الشيخ دأبه وحرصه على الاستفادة من الوقت في ما فيه نفع وإصلاح وبناء. لا مكان للغط وهتك أعراض الناس، وإضاعة الوقت في مجالسه.


    يستفيد من وقته إذا كان في السيارة أحياناً بقراءة بعض المعاملات عليه ومراجعة بعض الآراء والكتب، وعندما يدعى لزيارة أيضاً تتم القراءة عليه في أحد الكتب ويعلق على ذلك بعض الوقت بصرف النظر عن من في ذلك المجلس من كبراء وعلماء وغيرهم، ومن هنا ليس بمستغرب أن تكون لديه سعة اطّلاع على كتب العلم، فوقته مسخر لذلك وقد ذكر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً عندما سئل عن كتاب قراءه وأحبه فقال شرح النووي لصحيح مسلم وذكر أنه قرأه كاملاً أكثر من 60 مرة، ولم يعرف رحمه الله الكسل ولم يتطرق اليأس إلى نفسه مع نشأته في بيئة مقلدة متخلفة يوم كانت الديار السعودية تغط في سبات الجهل والغفلة والفرقة. خرج من رحم الدعوة الإصلاحية، فكان نعم الممثل لها والحامل للوائها بلا شكوى بلا ملل أو تعب منذ أن بزغ نجمه إلى يوم وفاته، عاش لها ومن أجلها وفياً مباركاً.





    ```



    * الرياض: الجمعة 28محرم 1420هـ، 14من مايو 1999م العدد - 11281.





    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    فقيد العالم الإسلامي
    د. راشد بن أحمد العليوي
    عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالقصيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
    فللعلم بالشريعة المطهرة قدره ومنزلته التي عرفها سلف هذه الأمة المتقدمون. يقول معاذ بن جبل -رضي الله عنه- : "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنة. وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء. والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتفي آثارهم ويقتدي بفعالهم وينتهي إلى رأيهم. ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم. يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه. لأن العلم حياة القلوب من الجهل. ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة. التفكر فيه يعدل الصيام. ومدارسته تعدل القيام. به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من

    الحرام وهو إمام العمل والعمل تابعه. يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء" [أخرجه ابن عبد البر في كتاب العلم].
    وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لكميل بن زياد: "العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم يكسب العالم الطمأنينة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، مات خزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة".
    فلا جرم -بعد هذه المنزلة للعلم- أن يكون العلماء نور الله في أرضه وهداته إلى سبيله وأمنائه في تبليغ دينه وإقامة العدل بين عباده )إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء(،)قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(.
    وقد فجعت بلادنا بل فجع العالم الإسلامي بأسره بوفاة إمام الأئمة وعالم الأمة شيخ الإسلام في العصر الحاضر. سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته وأعلى في عليين درجاته وجزاه خير ما جزى عالماً عن قومه وخلف على الأمة خيراً منه إنه سميع مجيب.
    وصدق الشاعر إذ يقول:
    إذا ما مات ذو علم وتقوى




    فقد ثلمت من الإسلام ثلمة



    وموت العابد القوام ليلاً




    يناجي ربه في كل ظلمة


    وموت الحاكم العدل المولى




    بحكم الأرض منقصة ونقمة


    وموت فتى كثير الجود محل




    فإن بقاءه خصب ونعمة



    وموت الفارس الضرغام هدم




    فكم شهدت به بالنصر عزمه


    إنه أنموذج لعلماء السلف السابقين والأئمة المتقدمين جمع الله له من الفضائل والمكارم شيئاً عظيماً وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وضع الله له القبول في الأرض وذلك علامة القبول في السماء.
    منهجه حنيفي ونهجه محمدي أحمدي وخلقه أريحي وكرمه حاتمي وأُفقه عالمي.. قدوة معاصرة لأنه اقتدى بالقدوة الأعظم والأسوة والأكرم e.
    فعليه من خلق النبي دلالة




    وعليه من نور الإله بهاء


    للناس إجماع على تفضيله




    حتى استوى اللؤماء والكرماء



    وتجمعت فيه القلوب على الرضى




    وتوافقت في حبه الأهواء


    علمه مبني على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة مع أفق واسع وفهم شاسع يتجاوز المحلية الضيقة والإقليمية الحدودية فنفع الله بعلومه الجمة وفتاواه الهائلة وجهوده المباركة ومواقفه المتجردة فكان بحق فقيه الأمة بلا منازع، عني بمحاربة مظاهر الشرك في العبادة.
    ومظاهر الشرك في مسألة الحاكمية، في وقت انتصرت فيه طائفة على هذه وطائفة على تلك والحق هو الجمع بينهما. كما كافح الإلحاد ونظرياته والعلمانية وانحرافاتها. وناصر قضايا المسلمين في كل مكان فلا توجد دعوة إصلاحية ولا حركة إسلامية صحيحة إلا ساندها وساعدها ولا يكاد يوجد مشروع إسلامي دعوي أو إغاثي أو علمي في الداخل أو الخارج إلا وله فيه سهم ظاهر وأثر وافر.
    كان حريصاً على قضاء حاجة المحتاجين مناصحاً للمسؤولين بالحكمة والموعظة الحسنة شجاعاً في قول كلمة الحق زاهداً في حطام الدنيا وفي مراتبها فأتته وهي راغمة فكان حقيقاً بقول القائل:
    أتته الإمامة منقادة




    إليه تجرجر أذيالها


    فلم تك تصلح إلا له




    ولم يك يصلحُ إلا لها




    حمل على عاتقه مشكلات الأمة وقضاياها فواجهها بصبر وثبات وحكمة وحنكة. وقد صدق من قال فيه:
    في الجود مدرسة في البذل مملكة




    في العلم نابغة أستاذ أجيال


    الحق مذهبه والنصح يعجبه




    والذكر يطربه يحيى بنه سال


    العلم مؤنسه والله يحرسه




    ما كان مجلسه للقيل والقال


    يا درة العصر يا بحر العلوم فما




    رأت لك العين من ندٍّ وأمثال


    حقاً فقد عرف التاريخ كوكبة




    مضيئة من صناديد وأبطال


    لكننا يا حبيب القلب نبصرهم




    كأنما مثلوا في شخصك الغال


    وقد أُلام على هذا الثناء وقد




    ويقول بعض أناس مسرف غال


    يا لائمي لا تلمني لم سماحته




    سبا فؤادي واستولى على بالي



    باز تصيد قلبي ثم طار به




    إلى سماء الهوى فلترحموا حالي


    بئس البيان الذي لم يكتسب حللاً




    من مدح شيخ عظيم القدر مفضال


    أنت الكفيف ولكن أبصرت أمم




    بفيض علم نقي منك سلسال


    رفعت للعلم أبراجاً مشيدة




    تجلو صداه وتحيي رسمه البال


    كم قلعة للّهدى والعلم شامخة




    يطل منها سناكم خير إطلال


    إن موت العلماء الربانيين والهداة الصادقين المخلصين رزية عظيمة ومصاب جلل وخسارة للأمة فادحة. ولكن إن العلماء إذا ذهبوا بذواتهم وأشخاصهم فعلومهم ومعارفهم موجودة فيما كتبوه وألفوه وسجلوه. فهذه كتب سماحته ورسائله وفتاواه تبلغ المجلدات الكثيرة فما أحرى شبابنا وأجيالنا وطلاب العلم فينا أن ينهلوا منها وأن يستفيدوا مما فيها ومع ذلك فنحن لا نغلوا به ولا ندع له العصمة، فقد أبى الله العصمة إلا لرسله فيما يبلغون عنه، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله e كما قال ذلك إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله، ولكن هذه كلمة وفاء وكلمة دعاء وكلمة حث ونداء

    لمنهجه وأسلوبه وعلمه فرحمه الله رحمة واسعة وجبر مصابنا ومصاب الأمة المسلمة فيه، إنه على كل شيء قدير.
    يا رب يا سامعاً صوتي ومسألتي




    أدعوك يا رب في صدق وإجلال


    أدعوك يا مبدع الأفلاك من عدم




    وخالق الناس من طين وصلصال


    يا واسع الفضل يا من لا شريك له




    ويا مقدر أرزاق وآجال


    يا رب واجعل جنان الخلد منزله




    مع نبي الهدى والصحب والآل


    وارحمه من كل سوء واحمه أبداً




    من أي شر وآصار وأغلال


    وزده خيراً ونوراً واحم طلعته




    يوم القيامة من حرٍّ وأهوال


    رحم الله سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز وتغمده بواسع فضله وألهم ذويه والمسلمين جميعاً الصبر والسلوان إنَّه سميع مجيب.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    منوهاً بأخلاق الشيخ العالية وتواضعه الجم


    الراجح: فقدنا إمام الدعاة في هذا العصر..
    ورجلا من رجال العلم والمعرفة

    نعى الدكتور راشد الراجح عضو مجلس الشورى ورئيس نادي مكة الثقافي الأدبي سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
    وقال الراجح:
    الحمد لله الحي الذي لا يموت، القائل: )إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(، والقائل: )وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ( الآية.. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.. القائل: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ولكن يقبضه بقبض العلماء)) الحديث. أو كما قال وبعد:
    فلا شك أنَّ وفاة الوالد سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس الرابطة، عالم الأمة، وإمام الدعاة في هذا العصر يرحمه الله، أقول إنها خسارة عظيمة على العالم الإسلامي كله فقدْ فقدَ المسلمون شيخاً جليلاً وعلامة فهامة، له باع طويل في علم العقائد، وفي علم الحديث، والفقه

    والتفسير، وغير ذلك من فروع المعرفة الواسعة بجانب ما أعطاه الله من سعة الصدر وكرم الأخلاق، والسخاء ونبل المشاعر وعفة النفس والزهد في مباهج الحياة، وبذل الشفاعة الحسنة لكل ممن قرع باب جوده وحبه لفعل الخير والنصح لكل مسلم، وإن القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    وأضاف الراجح وهو أحد تلاميذ الشيخ ابن باز إن من عرف سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن قرب يعرف فيه الأخلاق العالية، والتواضع الجم، والحدب على ذوي الحاجات، ومساعدة الفقراء والمساكين، يحب للناس جميعاً ما يحبه لنفسه، يقدم النصح لكل كبير وصغير امتداد لقول المصطفى e : ((الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)) ولقد شرفنا -يرحمه الله- أكثر من مرة في الجامعة بمكة عندما كنت مديراً لها وفي نادي مكة الثقافي وكان آخرها عام 1419هـ، والتقى بالشباب لقاءً أبوياً اتسم بالصدق والحب والإخلاص كعادته يغفر الله له. وأوصاهم بتقوى الله والاستقامة على أمر الله والجد في طلب العلم النافع وكأنما كان -يرحمه الله- يودعهم.
    وقال: ما دخلت داره في أي وقت إلا وجدتها عامرة بالعلماء وطلبة العلم. لا يفارقه الكتاب حتى في التنقل من مكان إلى مكان.

    مجالسه معطرة بالذكر وقراءة القرآن الكريم والسنة المطهرة. والموعظة الحسنة. بعيداً عن الغيبة والنميمة كأنك تعطيه الذي أنت سائله جاءه مرة رجل وأنا في مجلسه، وطلب منه المساعدة فأعطاه الشيخ مبلغاً طيباً ولكن الرجل قال للشيخ: إنَّ هذا لا يكفي حاجتي فقال له الشيخ برفق وحنان: خذه وستكون فيه البركة بإذن. ولعل السائل أدرك ما يعني الشيخ فأخذه وانصرف شاكراً.
    وكان يرحمه الله يجيب دعوة محبيه من أصدقائه وطلابه على ما في ذلك أحيانا من المشقة عليه جبراً لخاطرهم وتكريما لهم، وكانوا يفرحون بذلك أشد الفرح. وإدخال السرور على المسلم فيه أجر عظيم.
    كان -يرحمه الله- قوي الحافظة، حاضر الذاكرة، حتى وفاته مع أنه -حسب علمي- قد قارب التسعين عمراً مديداً قضاه في خدمة العلم وطلابه، وقضاء حوائج المساكين والغرباء، لا يبخل على أحد بعلم أو مال أو شفاعة.
    بهذا كله وبغيره من الخصال الحميدة، أحبه الناس جميعاً، وترحموا عليه ودعوا الله من قلوبهم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزل له الأجر والثواب نسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا أن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأن يجعل الخير والبركة في أبنائه وذريته، وأن يلهمهم الصبر والاحتساب. ومع أن المصاب جلل.. ولكن ما عند الله خير وأعظم. ومن حق كل طالب علم أن يعزي فيه

    فهو بمثابة والد الجميع وإمامهم في هذا الزمن، اللهم اغفر له، وارحمه، وتجاوز عنه، وأخلفنا فيه خيراً.
    إنا الله وإنا راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    هكذا ربى ابن باز تلاميذه

    سعد بن تركي الخثلان
    أحد تلاميذ الشيخ - محاضر بكلية الشريعة بالرياض
    إمام وخطيب جامع الأميرة سارة بنت سعد.
    في صباح يوم الخميس 27/1/1420هـ فقدت الأمة الإسلامية إماماً من الأئمة وعلماً بارزاً من أعلامها.. هو العلامة المحدث الفقيه شيخ العلماء في عصره: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. هذا الإمام العلم الذي عاش نيفاً وثمانين سنة أمضى معظم هذا العمر في خدمة الإسلام والدعوة إلى الله عز وجل ونصرة العلم وتعليمه.. وقد ضرب -رحمه الله- أروع الأمثلة في البذل والتضحية والنصح للأمة حتى أصبح بحق قدوة للعلماء العاملين الناصحين لدينهم وأمتهم.. ولذلك فلا غرو أن تفجع الأمة لفقده.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. فجع المسلمون كلهم على مختلف ثقافاتهم ومناهجهم فجعوا بفقد هذا الإمام الذي كسب احترام الجميع.. وإنك لتعجب عندما تعلم بأن هذا الشيخ.. هذا الإمام الذي اهتزت الأمة لفقده قد كف بصره وهو صغير فلم يثنه ذلك عن طلب العلم وتحصيله، بل كان ذلك حافزاً له على السعي في تحصيل العلم حتى أصبح أكبر علماء الأمة..

    والشيخ ليس عالماً فحسب، بل جمع مع غزارة العلم خصالاً قلما تجتمع في غيره.. ومن ذلك حسن الخلق ولطافة المعشر واللباقة في التعامل مع الآخرين.. والزهد في الدنيا والورع والخشية، وهو مع ذاك شخصية قيادية من الدرجة الأولى.. ومن مآثره التي تميز بها: أنه صاحب أثر وسنة.. شعاره "إذا صح الحديث فهو مذهبي" فلا يتعصب لمذهب من المذاهب أو آراء الرجال.. وقد تتلمذت عليه سنوات عديدة حضرت كثيراً من دروسه واستفدت منه علماً كثيراً وأدباً جماً.. وكثيراً ما كنت أسمعه يقول: الأصل في الأمر من الشرع أنه يقتضي الوجوب والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم.. لا قول لأحد مع قول الرسول e.. وقد أثر الشيخ بهذا المنهج على علماء الأمة عموماً وعلى علماء المملكة على وجه الخصوص.. ويتضح لك هذا التأثير عندما تتأمل في فتاوى علماء المملكة وترى أنهم كثيراً ما يخالفون مذهب الحنابلة، وهو المذهب السائد في المملكة اتباعاً للنص والدليل.. وقد رباهم شيخهم ابن باز على قاعدة السلف وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله e .. وماذا أذكر من سيرة هذا الإمام وماذا أذر، وبالجملة فهذا الشيخ قلَّ أن يوجد له نظير في الوقت الحاضر، وفقده رزية عظمى ومصاب جلل، والحمد لله على ما قضى وقدّر.. إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.. و)وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا([(11) سورة المنافقون].. وإنما كان فقد الشيخ ابن باز رزية عظمى ليس لأنه الشيخ ابن باز

    فحسب، بل لأنه عالم جليل حاز جزءاً من ميراث النبوة، فإن العلماء ورثة الأنبياء.. والنبي e يقول: ((إنَّ الله لا ينتزع العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) يقول ابن القيم -رحمه الله-: "موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة كالبهائم بل أسوأ حالاً كان موت العالم مصيبة لا يجبرها إلا خلف غيره له، وأيضاً فإن العلماء هم الذين يسوسون العباد والبلاد فموتهم فساد لنظام العالم، ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفاً عن سالف يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده، وتأمل إذا كان في الوجود رجل قد فاق العالم في الغنى والكرم وحاجتهم إلى ما عنده شديدة وهو محسن إليهم بكل ممكن ثم مات وانقطعت عنهم تلك المادة! فموت العالم أعظم مصيبة من موت مثل هذا بكثير، ومثل هذا يموت بموته أمم وخلائق كما قيل:
    تعلم ما الرزية فقد مال




    ولا شاة تموت ولا بعير


    ولكن الرزية فقد حر




    يموت بموته بشر كثير




    وقال آخر:
    فما كان قيس هلكه هلك واحد




    ولكنه بنيان قوم تهدما


    اللهم اغفر لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز وارحمه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، وأنزله اللهم منازل الصديقين والشهداء اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    * الدعوة: العدد 1694 - 19 صفر 1420 هـ، 3 مايو 1999.




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    منوهاً بمناقب الشيخ ابن باز وصفاته الجليلة
    د. السعد: فجعت أمتنا بوفاة رأس
    العلماء المتبعين في هذا العصر

    قال د. سعد بن محمد السعد، الأمين العام لمجلس الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية: لقد فجعت الأمة الإسلامية قاطبة بوفاة إمام من أئمتها المهديين وعالم من كبار علمائها العالمين وعلم من أعلامها المخلصين، وذلكم هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام، رفع الله منزلته في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
    وأضاف: وسماحته -رحمه الله- يُعدُّ على رأس العلماء العاملين المتبعين في هذا العصر ولا ريب في كافة أنحاء العالم الإسلامي، وقد وهبه الله خلائق جمة وعظيمة حتى شهد له الناس بالإمامة وجلالة القدر وأحبوه من صميم قلوبهم وسويداء أفئدتهم.
    وقال: ولقد كنت ممن تشرف بالعمل تحت إدارته في تلك الدعوة بضع سنوات وحضرت بعض مجالسه العامة والخاصة وكنت كثيراً ما أتأمل في حاله -رحمه الله- وفي دأبه على العمل وفي تقديري أن أعظم صفة من صفاته هي الصبر وما أدراكم ما الصبر، هل كل أحد

    يطيق الصبر، فالصبر منزلته عظيمة وعاقبته حميدة، كما قال الله -عز وجل-: )وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا(. والصبر ليس له جزاء إلا الجنة، كما قال رسول الله e. وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين كما قال أهل العلم.
    لذلك كان -رحمه الله- وعوض المسلمين في فقده خيراً يتجلى في أموره كلها سرَّائها وضرائها بالصبر الجميل. كان يصبر على أذى الناس وعلى مقابلتهم وخدمتهم وما يلقاه منهم من عنت ومشقة ولا يدرك عظم صبر سماحته إلا من كان مثله يفتح أبوابه للناس كبارهم وصغارهم، وقريبهم وبعيدهم ليل نهار.
    وقال: وهو لا يكتفي بذلك وحسب، ولكنه يلاطفهم ويؤانسهم ويقضي حوائجهم ويصبر على ما يأتي منهم من أذى أو يصدر منهم من هفوات، ومن صفاته العظيمة التي استفاضت عنه واشتهرت عند الناس الكرم بكل ما في هذا الكلمة من معنى كرم الأخلاق والنفس والسخاء بما في اليد ذلك الكرم الذي تواتر عنه وحصلت فيه القصص والحكايات التي تستعاد فتستجاد مما لا يسمح المجال بذكره، ومع كرمه بما في يده وما ليس في يده، فهو كريم بجاهه وأبخل الناس من بخل بجاهه، ومع ذلك كان يرحمه الله زاهداً عما في أيدي الناس مستغنياً عنهم.
    وقال د. السعد: ومن عرف مجالس سماحته عرف أنه لم يكن

    يخوض أبداً في أعراض الدنيا وما فيها من أموال ومتاع ولم تكن تشغل باله بما فيها. وإنما كان حديثه في علم ينتفع به أو في سؤال عن أحوال الإسلام والمسلمين، تلك كانت حالته، وذلك كان ديدنه (من زهد فيما عند الناس أحبه الناس). ومع قلة ذات يده في كثير من الأحيان لعظم إنفاقه في سبيل الله، فإن سمو نفسه وعلو همته تضطره للجوء إلى الدين إذا استنجد به مستنجد أو استعطاء مستعط، وأكبر ظني أن سماحته لا يقدر على رد السائل لما فطره الله عليه من الكرم ولما ركب الله فيه من الحياة ولما حباه من حسن اليقين بالله والثقة بما في يده -عز وجل- وهذه درجة من اليقين أحسب أن سماحته وصل إليها والله حسيبه.
    وقال: وأكاد أجزم أن ثناء الناس عليه يؤذيه، ولربما استوى عنده مديح المادحين وذم الذامين لشدة اتصاله بالله وركونه إليه.
    وهكذا فالشيخ نسيج وحده، وفريد عصره وصفاته وخلاله الكريمة أكثر من أن تعد أو تحصى.
    ويؤكد الدكتور السعد: وكان رحمه الله يستعين بولاة الأمر بعد الله في الإنفاق على وجوه البر، فلا هو يمل من الكتابة لهم شافعاً في مساعدة الناس أو قضاء ديونهم، ولا ولاة الأمر يملون كذلك من إجابة طلبات سماحته المتكررة بما أجل الله في قلوبهم من محبة الخير ولما يعلمونه عنه من الصدق والإخلاص لدينه ولولاة أمره.

    وقال: وصفاته -رحمه الله- أكثر من أن تحصى من الحلم وسعة الصدر وسلامة ورحابة وحسن النية والتواضع ولين الجانب ودوام المراقبة لله ومجاهدة النفس والتضحية بالوقت والجهد والمال في سبيل الله والصفح والجميل عمن أساء إليه وحسن الاتباع لكتاب الله وسنة رسوله e، وكان عمله -رحمه الله- في خدمة المسلمين ديمة أو شبه ديمة، تولى الله عنه وعن أمة المسلمين جزاءه ورفع درجته إلى المهديين.

    ```



    * الرياض: الأحد 1 صفر 1420 هـ، 16مايو 1999م - العدد 11283.







    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    رحمك الله يا أبا عبد الله

    بقلم فضيلة الشيخ/ سعد بن محمد آل فريان
    مدير عام ورئيس تحرير مجلة الدعوة السابق
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد رسول الله النبي الأمين، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لقد انتقل إلى رحمة الله تعالى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله المحرم من عام عشرين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية الشريفة عن عمر يناهز التاسعة والثمانين قضاها في العلم والأعمال الصالحة، فكان لفقده رنة حزن وأسى ذرفت منها العيون واختنقت بها العبرات، وقد صلى عليه المسلمون بعد صلاة الجمعة الثامن والعشرين منه في المسجد الحرام يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهد وإخوانه وأعضاء حكومته وجماهير غفيرة من المصلين، كما صلى عليه المسلمون صلاة الغائب في جميع أنحاء المملكة والعالم "وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب".

    لقد كان الشيخ -يرحمه الله- أمة في رجل، آتاه الله العلم الواسع والفهم الثاقب، كما زانه ربه بالحلم ورجاحة العقل، وزاده كرم السجايا وسخاوة النفس ودماثة الخلق، ووفقه للأعمال الصالحة ومداومة العبادة والذكر، فكان إماماً في عصره يأتي إليه العلماء يستشيرونه فيما يشكل عليهم فيجدون العالم المحقق والناصح الأمين، ويأتي إليه طلاب العلم وشداته فيجدون المعلم الفذ والموجه الحكيم يتلقون عنه العلم ويأخذون عنه سمت العلماء ويفد إليه عامة الناس والمستفتون وأصحاب الحاجات من كل جنس وطبقة وقطر، يقصدونه في داره العامة في الرياض أو في أي مدينة أو قرية يتوجه إليها في مكتبه برئاسة البحوث العلمية والإفتاء في مسجده في طريقه يخاطبون الشيخ بالهاتف ينهلون من علمه الغزير ويتلقون توجيهاته السديدة، قد وسع قلبه الكبير الناس جميعاً حتى العصاة منهم ينصح لهم ويوجههم ويصبر على آذاهم ابتغاء مرضاة الله تعالى وطمعاً في هدايتهم؛ لأنه يرحمه الله شديد الحرص على تعليم أولاد المسلمين القرآن العظيم، يبذل في سبيل ذلك أقصى ما يستطيع بلسانه وبماله وجاهه ولا يتوان على الرغم من كثرة مشاغله وارتباطاته عن حضور احتفالات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن فيُلقي فيهم الكلمات التوجيهية ويحث القائمين على تعليم القرآن ونشر العلم على مضاعفة الجهود في هذا السبيل، كما يولي -رحمه الله- جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عناية فائقة، يحث القائمين عليه ويساندهم امتثالاً لقول الله تعالى: )ادْعُ إِلَى

    سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(، ولقول النبي e: ((الدين النصيحة)).
    وكان الشيخ -يرحمه الله- إلى جانب شيمه العالية يمتاز بلين عريكته وحيائه وسرعة دمعته، شديداً في الحق لا يلين له قناة، وله في هذا المجال مواقف عظيمة لا تتسع هذه العجالة لسرد شيء منها، عرفته -قدس الله روحه- عن كثب حين كنت طالباً بين يديه على مقاعد الدراسة في كلية الشريعة في الرياض، حيث الأسلوب التربوي المميز لشيخنا وأستاذنا الشيخ عبد العزيز بن باز فهو لا يكتفي بإلقاء المحاضرات وحسب، بل يشرك أبناءه وتلاميذه معه في موضوع المحاضرة، ويشجعهم على طرح ما يدور بخلد أي منهم حول الموضوع ولا يبادر بإجابة السائل حيث يعيد سماحته طرح السؤال على الحاضرين ويفسح المجال لجميع الآراء ثم يوضح القول الفصل في المسألة، وعرفت سماحته موظفاً تحت قيادته في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء فكان نعم الرئيس المعلم والموجه الحصيف يسوس العاملين تحت رئاسته بالرفق الأبوي ويحملهم على مواصلة العمل الجاد كل في حدود اختصاصه.
    وفي العموم فما عرف في عصرنا الحاضر عالم أكثر شبهاً بأستاذه وشيخه في العلم والعمل الصالح من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بشيخه وأستاذه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -يرحمه الله- مفتي الديار السعودية سابقاً العالم الفذ والجهبذ المتفرد

    بقية السلف والذي تخرج على يديه العديد من العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات والدعاة أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ عبد العزيز بن رشيد والشيخ عبد العزيز بن غديان والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ فهد بن حمين وغيرهم كثير ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن، اللهم ارفع درجات شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في جنات الفردوس وارفع درجات شيوخه وإخوانه من علماء الأمة ودعائها وارفع درجاتنا ووالدينا وجميع المسلمين في جنات النعيم إنك ولي ذلك والقادر عليه، و )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.
    *
    ```


    * الدعوة: العدد 1692 - 5 صفر 1420هـ، 20 مايو 1999م.


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  9. #19
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    وداعـاً أيها الوالـد

    بقلم الدكتور: سعود بن حسن مختار
    الله أكبر.. كل الدنيا ضاقت في وجهي على سعتها.. تمنيت لو أن محدثي كان كاذباً أو مخطئاً.
    مات. نعم مات!! مات الوالد الحنون والشيخ العالم الإمام عبد العزيز بن باز.
    لقد أمسكت القلم والدموع تخط خدي، هذا الرجل الذي يحلوللأجيال التي جاءت بعده أن تناديه بلقب الوالد.. نعم كان والداً بحنانه بسعة صدره، بتواضعه.
    عرفته قبل حوالي عشرين سنة يوم كنت أشم عبق علمه وشذى أخلاقه يوم كان يجلس في الجهة الغربية من الصحن أمام الكعبة المشرفة وكنت شاباً في الثانوية، وكان -رحمه الله- في حماس الشباب، وجلدهم مع أنه كان صائماً وفي رمضان وهو في السبعين من عمره فهو من مواليد 1330هـ، كان يأتينا كل يوم الساعة الخامسة بعد العصر فيسأله هذا ويرد على هذا، وقد يأتيه المحرم يستفتيه على عجل عن مناسك العمرة فيقطع درسه ويجيب عليه، ولربما أتاه بعض

    الأعراب من البادية فكان خلقه معهم يذكرنا بخلق النبي عليه الصلاة والسلام.
    جاء مرة رجل من هؤلاء يصيح بأعلى صوته أين ابن باز، أين ابن باز؟ فسمعه الشيخ وهو يتدثر عباءته القديمة وبكل تواضع رد عليه قائلاً: أنا ابن باز، نعم.. ماذا تريد؟ فيدنو منه الأعرابي ويعطيه مبلغاً من المال ويخبره أنها كفارة يمين ويؤكد عليه بشدة أن يصرفها في وجهها والشيخ مرخياً رأسه وهو يبتسم ويأخذ منه المال ويضعه في جيبه.
    كان -رحمه الله- نموذجاً للبساطة والتواضع وكنا لربما أتيناه في مسجده في الطائف حيث كنا نصطاف هناك في الإجازة فنفاجأ أن الإمام الذي يصلي به شخص عامي بل وقد يقرأ من المصحف مع أن الشيخ يحفظ القرآن بسنده إلى النبي e ما هذا التواضع؟ ما هذه البساطة؟ إنها من رجل كان -رحمه الله- البقية الباقية لعلماء الجيل الأول من السلف الصالح.
    أتيت مرة للفتوى فأخذني بعد أن تعرف عليّ إلى طعام الغداء وجعلني بجواره فالله يشهد أن لسانه ما فتر وهو على الطعام يقول الحمد لله وكلما وضع لقمة في فيه فبلعها حمد الله دون تكلف بل يكاد يجري ذلك مع نفسه وبعد أن تناول لقيمات من السقط -الأكلة التي كان يحبها- تكلم بعض الجالسين عن انحرافات بعض

    العلماء في بعض الدول وهو يسمع ويتألم لذلك، فلما فرغ المتكلم أخذ يدعو لهذا العالم ويطلب من الجالسين الدعاء له أن يهدي الله قلبه.
    لم يكن -رحمه الله- من النوع الذي ينعزل عن الناس أو يبتعد عنهم بل كان مجلسه وبيته مفتوحين للقاصي والداني والبعيد والقريب فيعرفه كل فئات المجتمع وكل أجناس البشر.
    ولقد ذهبت إلى بعض المناطق النائية في أفريقيا وآسيا وبمجرد أن يعرف أهلها أني من هذه البلاد يكون سؤالهم الأول عن ابن باز!! وكم فوجئت في بعض المخيمات الطبية بطلبات من بعض الفقراء أو طلاب العلم أن أحمل منهم رسائلهم وطلباتهم إلى الوالد -رحمه الله- .
    حججت مرة أنا وبعض الزملاء وفي أثناء النفرة من عرفات كان الباص الذي يقل الشيخ بجوارنا لمدة ساعات طويلة، وكانت يداه مرتفعتين طوال وقت النفرة وهو يدعو بخشوع وخضوع يؤثر فينا أكثر من ألف موعظة والناس في الباص يتحادثون ويشربون وهو لا يحرك ساكناً يداه مرفوعتان إلى السماء.
    وفي موقف آخر صادفته في الصفا يدعو ومعي زوجي وأولادي ولا يعلم إلا الله كم كان تأثير ذلك على نفوسهم جميعاً.. إنه -رحمه الله- بدون مبالغة ولا تقديس ولا إطراء كان من الذين إذا رآهم الرجل ذكر الله.




    سماحة العلّامة وذكراه الخالدة

    د/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فقد كنت أسمع بسماحة العلامة الحبر إمام أهل السنة والجماعة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر والربع الأول من القرن الخامس عشر من الهجرة النبوية عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، فكان في نفسي عظيماً قبل أن أراه، وعندما قدر الله -عز وجل- لي أن انتقل إلى مدينة الرياض في عام 1399هـ قابلته فرأيته أعظم مما قيل فيه بكثير لا أحصيه، فقد وجدته إماماً في الحديث، إماماً في الأنساب، إماماً في الافتاء والدعوة إلى الله على بصيرة، إماماً في الكرم والجود، والزهد في الدنيا، والتواضع، وحسن الخلق، والعطف على الفقراء والمساكين، والورع، والتقوى، والصبر، والتثبت وعدم العجلة في الأمور، ووجدته إماماً في الحكمة فهو يضع الأمور مواضعها، وهذا في الحقيقة من توفيق الله له وإعانته وتسديده فما أكرمه سبحانه وما ألطفه بالعلماء المخلصين.
    وقد استفدت من هذا العلامة كثيراً ولله الحمد، فقد كان يأمر بالدعوة إلى الله على بصيرة بالأسلوب الحسن، وتعلمنا منه عدم

    الخروج على أئمة المسلمين، ويأمرنا بالدعاء لهم بالتوفيق والإعانة والتسديد، ويطبق ذلك على نفسه فيدعو لولاة الأمر في كل مناسبة، والله لا أحصي دعاءه لهم بالتوفيق وإصلاح البطانة والإعانة والتسديد لكل خير، سواء كان ذلك في دروسه، أو محاضراته، أو توجيهاته. وكان خاشعاً في دروسه ومحاضراته فوالله لا أحصي عدد المرات التي بكى فيها من خشية الله تعالى، ومن ذلك أنه أذيع عنه في إذاعة لندن في عام 1400هـ، تقريباً أنه يكفر المعاصي فبلغه هذا الخبر وهو يلقي محاضرة في الجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبد الله رحمه الله) فاستنكر هذا الخبر وردّه وتبرأ من هذا القول وبكى وتلا قوله تعالى: )سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ(.
    وكان يأمرنا كثيراً في دروسه ومحاضراته واجتماعه بنا بطلب العلم النافع، والعناية بكتاب الله والسنة المطهرة، والعلم بما فيها ابتغاء وجه الله تعالى ويحثنا على الدعوة إلى الله في كل مجمع مع العناية بما ينفع الناس ويحذرنا من التعرض للأمور التي تؤثر على سير الدعوة يذكرنا بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وكان رحمه الله صبوراً ثابتاً على كل خير، من ذلك كثرة أعماله التي لا يقوم بها أمة من الناس سواء كان ذلك في الدوام الرسمي أو في أعمال المسلمين في مكتب البيت ونفع الناس، أو الدروس العلمية التي منّ الله عليه بها، ومن أطول هذه الدروس درس يوم الخميس في الجامع الكبير، فقد يمتد الدرس إلى أربع ساعات والشيخ ثابت على كرسيه، ووالله ما رأيته

    يوماً في الدرس ناعساً منذ تسعة عشر عاماً، حتى في الأيام التي مرض فيها قبل موته بشهرين بل منتبهاً مستمعاً جلداً.
    وسماحة الشيخ يزيد طلابه وتزيد دروسه كلما زاد عمره ويزيد كذلك نشاطه ورغبته في الخير، وهذا من فضل الله، وكل يشهد بذلك من طلابه ومن يحضر معه ويشاهده.
    وعندما بلغني الخبر بوفاته رحمه الله وقع بعد ذلك في نفسي قول أيوب السختياني رحمه الله:
    ((إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأنما أفقد بعض أعضائي)) وقوله رحمه الله: ((إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون)) وقد أحسن القائل:
    اصبر لكل مصيبة وتجلّد




    واعلم بأن المرء غير مخلّد


    فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها




    فاذكر مصابك بالنبي محمد


    والحقيقة أن الشيخ لم يمت حقيقة، فكم علّم من البشر، وكم تخرج على يديه من العلماء، وكم نفع الله به المسلمين في جميع أقطار الأرض، وكم نصح لله ورسوله، وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، وكم دفع الله به من الشرور، وكم أعان على نوائب الخير، وكم من علم نشره، ومسجد بناه، وكم من بيت للأرامل اشتراه فسبّله عليهم،

    وكم من داعية عيّنة ثم أرسله إلى بلاده داعياً ومعلماً، وكم من صدقة للفقراء والمساكين تصدق بها سراً وجهراً، وكم من شفاعة حسنة شفعها، وكم من دين للغارمين قضاه، وكم من سنة أُميتت أحياها، وكم من بدعة ظهرت فقمعها.. وهذا بعض ما عرفته عن سماحة شيخنا منذ عشرين عاماً وما خفي عليّ أعظم مما ظهر لي، فهنيئاً له بهذه الأعمال المباركة، وهنيئاً له بما سيلحقه من أعمال جليلة لا تحصى إن شاء الله تعالى، لقول النبي e: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) [رواه مسلم]، ولقوله e: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء)) [رواه مسلم في صحيحه].
    وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه: ((وأن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
    فالشيخ لم يمت، فعلمه منشور، وتلاميذه موجودين، وكتبه مسطورة، وفتاواه مشهورة، وذكره سيبقى إن شاء الله إلى يوم القيامة، وعمله إن شاء الله لا ينقطع إلى يوم الدين.

    فنسأل الله أن يرفع درجاته في الفردوس الأعلى من الجنة وأن يحشرنا وإياه في زمرة النبي e مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين..
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..

    * الجزيرة: الثلاثاء10 صفر 1420هـ، 25 مايو 1999م - العدد 9735.





    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  10. #20
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    العلماء لا يموتون

    د. سعيد بن مسفر القحطاني
    الموت الحسي المعهود والذي توقف بسببه حركة الإنسان بخروج روحه سنة جارية وأمر مقضي كتبه الله على جميع البشر حتى على أشرف خلقه وأكرم رسله محمد e، قال سبحانه وتعالى: )وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ( وقال له -عز وجل-: )إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(، وهذه السنة الربانية الجارية تجري حتى على جميع الكائنات الحية الأخرى من الحيوان والنبات.
    وغير أن هناك فئة من الناس وإن ماتت حسياً وجرى عليها ما يجري على غيرها من البشر إلا أنها تبقى حية حياة معنوية في قلوب الناس وفي ضمير الزمن بآثارها العظيمة وأعمالها المجيدة هذه الفئة هم العلماء الربانيون الذين ورثوا ميراث الأنبياء ثم تمثلوه وتمسكوا به في حياتهم وبلغوه إلى الأمة بأمانة وإخلاص وصدق وتجرد.
    ومن هؤلاء العلماء في عصرنا الحاضر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- الذي فجعت الأمة بموته قبل أيام وترك رحيله فراغاً كبيراً في حياة المسلمين داخل المملكة وخارجها

    وأحدثت وفاته شرخاً عظيما في كيانها لا يسعنا أمامها إلا أن نبتهل إلى الله بأن يجبرنا في مصيبتنا وأن يخلف علينا وعلى أمة الإسلام منه الخير.
    لكن الشيء الذي يعزينا ويعيد الأمل إلى نفوسنا أنه وإن غاب عنا سماحته بجسده الطاهر وطلعته البهية ونبرات صوته العذبة فإن آثاره وعلومه وفتاواه وتقريراته حية معنا نراجعها ونعود إليها في كل المسائل التي تحدث في حياة الأمة، وهذا ما يجعلنا نقول بأن العلماء لا يموتون بل هم أحياء بعلو همهم وآثارهم. فهذا الإمام أحمد والشافعي وأبو حنيفة ومالك والثوري وابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم من أعلام هذه الأمة ممن مات بجسده وفارق الحياة ببدنه ولكنه لا يزال حياً يقوم بدوره في هداية الأمة ودلالتها على طريق النجاة بما خلفه من العلم النافع وما أصدق الشاعر حين يقول:
    الناس صنفان موتى في حياتهم




    وآخرون ببطن الأرض أحياء


    فما أكثر من يعيش على ظهر الأرض ممن يحيا حياة البهائم والحشرات وهو في عداد الأموات لغيابه عن الغاية التي خلقه الله لها ولعدم إدراكه للهدف الذي يعيش من أجله حيث لم يدرك من الحياة إلا ما أدركته البهائم من التنافس على الرغيف والاستغراق في شهوات البطون والفروج فهؤلاء وإن كانوا أحياء في نظر الناس إلا أنهم أموات في الحقيقة وسيزداد موتهم حين تلفظهم الحياة وينساهم التاريخ يوم

    يغادرون الحياة بأبدانهم.
    وصدق الله -عز وجل- : )وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ(.
    وما يمكن أن نستفيده من حادثة وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- هو العظة والاعتبار والاستعداد للحياة الأخرى ومعرفة قدر هذه الدنيا وأن الإنسان مهما عاش فيها فإنه لا بد من تركها والرحيل عنها إلى الدار الآخرة وهناك سيتم التعامل معه على ضوء تعامله هنا فمن أحسن هنا وجد إحسانه هناك ومن أساء هنا وجد إساءته في انتظاره )لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(.
    وفرْق بين من يموت وقد ملأ الدنيا هدى وخيراً ودعوة وصلاحاً وبين من يموت وقد عاث في الأرض فساداً وأهلك الحرث والنسل.. وإنا لنرجو لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أحسن المآل بناء على ما قدمه لدينه وعقيدته من أعمال جليلة وخدمات عظيمة نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً ،وإنه ليصدق عليه تلك الأبيات التي قالها بعض الشعراء في رثاء أحد العلماء.
    هكذا البدر تخفي نوره الحفر




    ويفقد العلم لا عين ولا أثر





    خبت مصابيح كنا نستضئ بها




    وطوحت للغيب الأنجم الزهر



    واستحكمت غربة الإسلام وانكسفت




    شمس العلوم التي يهدى بها البشر



    تحزم الصالحون المقتدى بهمو




    وقام منهم مقام المبدأ الخبر



    والناس في سكرة من خمر جهلهم




    والصحو في عسكر الأموات لو شعروا



    فكن أخي عابراً لا عامراً فلقد




    رأيت مصرع من شادوا من عمروا



    استنزلوا بعد عز عن معاقلهم




    كأنهم ما نهوا فيها ولا أمروا



    ونح على العلم نوح الثاكلات وقل




    والهف نفسي على أهل له قبروا



    الثابتين على الإيمان جهد همو




    والصادقين فما مادوا وما فتروا



    الصادعين بأمر الله لو سخطوا




    أهل البسيطة ما نالوا ولو كثروا




    والسالكين على نهج الرسول على




    ما قررت محكم الآيات والسور



    والمعرضين عن الدنيا وزخرفها




    والآمرين بخير بعد ما ائتمروا



    لم يجعلوا سلما للمال علمهم




    بل نزهوه فلم يعلق به وضر



    أشخاص هم تحت أطياف الثرى وهمو




    كأنهم بين أهل العلم قد نشروا



    هذي المكارم لا تزويق أبنية




    ولا الشغوف التي تكسى بها الجدر




    وكنت أباً للمكرمات

    سهم بن ضاوي الدعجاني - الرياض
    بداية أستأذن الدكتور أحمد بن عثمان التويجري عضو مجلس الشورى والشاعر المعروف في عنواني هذا الذي اقتبسته من "رسالة شوق" بعثها إلى سماحة والدنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز الذي وافاه الأجل صباح يوم الخميس الماضي.
    عندما ودعه قائلاً:
    وكنت أباً للمكرمات فمن لها




    وقد بت عنا اليوم يحجبك الستر


    صدقت أيها الشاعر.. إنَّ سماحة الوالد رحمه الله كان أباً للمكرمات حياً وميتاً.. فقد ساهم في إحياء الأمة بعلمه وفتاويه وطلابه المنتشرين في شتى بقاع المعمورة من خريجي الجامعة الإسلامية وحلقات دروسه الممتدة طيلة عمره المبارك.
    أيها القارئ الكريم.. إليك بعضاً من تلك المكرمات:
    المكرمة الأولى: إنَّ الله سبحانه وتعالى هيأ له طريقاً إلى طلب العلم وحلق الذكر منذ صغره ونعومة أظفاره ورزقه الحرص والتفاني في

    طلب العلم حتى بز أقرانه أيام الطلب ثم فاق أنداده وتجاوزهم عندها اكتمل نضجه العلمي حتى تسلم قمة الفتيا الشرعية في بلاد الحرمين حيث نال ثقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رعاه الله عندما أسند إليه منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية.
    الثانية: حرصه على اتباع الحق حتى عرف بين الناس أن شيخه الدليل من القرآن والسنة، لذلك نجد أن فتاواه اتسمت بروح الاجتهاد والبعد عن التمذهب والتقليد مما يسر له القبول لدى كثير من البلدان الإسلامية والأقليات في البلدان الأجنبية وأعظم دليل على ذلك مشهد التفاعل مع نبأ وفاته من مختلف بقاع الأرض.
    الثالثة: تفاعله مع قضايا أمته العربية والإسلامية فما تحل بنا نكبة أو تقع أزمة إلا ويصدر عنه رسالة تحمل عزاء أو دعوة للتبرع أو نداء للعون، حتى ارتبط اسمه رحمه الله بنكبات أمتنا الإسلامية مواساة ودعوة لنصرة الحق وأهله مهما بعدوا ونأت بهم الديار.
    الرابعة: كرمه الذي فاق الوصف ولا أدل على ذلك من الجموع التي يغض بها منزله في الرياض أو الطائف من مختلف الجنسيات الإسلامية حيث يجدون كرم الضيافة وحسن الإقامة في كنفه رحمه الله، ومن صور كرمه التي ما زال الناس يذكرونها ويجلونها.. عندما فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام، فقد تبرع بها وزعها على الجهات المستحقة أثناء إلقائه لكلمته في حفل الجائزة

    بحضور خادم الحرمين الشريفين رعاه الله.
    الخامسة: حبه لشفاعة الخير لأي مخلوق كان، فقد ارتبط اسمه رحمه الله بالشفاعة الحسنة، فقد قيل عنه: إنك إذا وصلت إليه فستفوز بشفاعته أياً كان موضوعك، فطلبك مجاب بخطاب ممهور بختمه -رحمه الله- ، وقل لي -بالله عليك- من يرد شفاعة الشيخ!! والقصص في هذا كثيرة لا تحصى كعدد محبيه رحمه الله.
    السادسة: قلة مؤلفاته: نعم قلة مؤلفاته مكرمة أخرى في حياته، فهو -رحمه الله- لم يؤلف إلا النزر اليسير من الكتب العلمية المتعلقة بضروريات الأمة، لكنه صرف وقته وجهده في تدريس طلبة العلم وتعهدهم بالتربية والتقويم حتى تخرج من تحت يديه مئات من طلبة العلم الجادين الذين هم بمثابة المراجع العلمية المتخصصة التي يتصفحها الناس صباح مساء ومن أبرزهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الذي قرأ على سماحته -رحمه الله- "الفرائض" في عام 1377هـ وعام 1380هـ، والذي ألبسه خادم الحرمين الشريفين ثقته الغالية عندما عينه مؤخراً مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية خلفاً للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
    السابعة: تفرده بأسلوب مميز في تقديم النصيحة للآخر يجمع بين الصراحة واللين حيث عرف عنه هدوء النبرة أثناء النصح والإرشاد للغير مما أكسبه حب الناس جميعاً على مختلف أمزجتهم وأهوائهم

    ورغباتهم.
    الثامنة: نصرته لسنة الرسول e وتتبعه للهدي النبوي لباساً وحديثاً ومعاملة مع الناس، فقد عرف عنه شدة الاتباع والاقتداء بالنبي e حتى وصفه البعض بأنه "جبل السنة".
    التاسعة: نبذه للخلاف والفرقة بين عامة المسلمين وخاصتهم وتركيزه الدائم في أحاديثه ورسائله الإعلامية على وحدة الصف بين المسلمين على مختلف مشاربهم وأوطانهم للارتقاء بهم إلى مفهوم الأمة والجماعة، ويشهد له بذلك رسائله العلمية الرصينة التي شاعت بين المسلمين، فهو - بحق - رجل الجماعة.
    العاشرة: لقد شغل وقته بالخير والطاعة والدعوة إلى الله والإحسان إلى خلقه بل وخدمتهم بقضاء حاجاتهم المختلفة حتى أنه في سيارته تقرأ عليه بعض المعاملات وقد أكد الكثيرون بأنه لم يأخذ في حياته إجازة قط بل ذكر عنه -رحمه الله- إنه إذا خرج أثناء الدوام لعمل ما فإنه يحرص على العودة إلى مكتبه في رئاسة الإفتاء وإن لم يبق على نهاية الدوام إلا دقائق معدودة، حرصاً منه رحمه الله على بذل وقته في خدمة الإسلام والمسلمين وحفظاً للأمانة الملقاة على عاتقه، وهذا دليل همة عالية لو قسمت على الأمة الإسلامية لكفتها.. أخيراً وليس آخراً..




    رحلت وفي أعماقنا نكبة




    وألف حنين لا يكفكفه صبر


    رحلت وفي أعماقنا ألف لوعة




    وألف مصاب إذ مصائبنا كثر


    رحمك الله يا أبا عبد الله وجزاك الله عن الأمة والإسلام خير الجزاء وأنزلك منازل النبيين والصديقين والشهداء.




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-11-2010, 03:48 PM
  2. شرح كتاب الطهارة من الروض المربع الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله الدي يقرا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 06:23 PM
  3. التعليق على تفسير ابن كثير الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمها هدية لجميع اخواننا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 06:20 PM
  4. شرح كتاب الطهارة من الروض المربع الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله الدي يقرا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-04-2009, 12:56 PM
  5. الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل باز -رحمه الله
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 01:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر