نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 20 من 20

الموضوع: نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    من معجزات النبي محمد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - غير القرآن و الرد على من ينكرها بدعوى أنها من نقل المسلمين



    و من معجزات النبي - صلى الله عليه و سلم - غير القرآن الإخبار ببعض الغيبيات و تحققها فقد أذن الله لهذه الأخبار أن تقع ، تصديقاً وتأييداً لنبوة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و لا سبيل إلى معرفة هـذه الغيوب إلا ممن هي في يده ، وهو الله - جل وعلا - عالم الغيب والشهادة، مثل الإخبار عن أويس بن عامر فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن خير التابعين رجل يقال له أويس . وله والدة . وكان به بياض . فمروه فليستغفر لكم »[1].



    و كان عمر بن الخطاب ، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس . فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فاستغفر لي . فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي .


    قال : فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم . فوافق عمر . فسأله عن أويس . قال : تركته رث البيت قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه . إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسا فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس . فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة . فكان كلما رآه إنسان قال : من أين لأويس هذه البردة ؟[2] .


    و من الإخبار بالغيب الإخبار عن قتال التتار فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «‏بين يدي الساعة تقاتلون قوماً ينتعلون الشعر وتقاتلون قوما كأن وجوههم ‏‏ المجان المطرقة»[3] ووجوه التتار كالمجان المطرقة أي وُجُوههمْ كالتُّرْسِ لِبَسْطِهَا وَتَدْوِيرهَا وَكالْمِطْرَقَةِ لِغِلَظِهَا وَكَثْرَة لَحْمهَا .


    و من الإخبار بالغيب الإخبار عن شهادة عمر وعثمان - رضي الله عنهما - فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال : « أثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصِدّيق، وشهيدان »[4] ، وقد قتل عمر و عثمان .


    و من الإخبار بالغيب الإخبار بمقتل علي رضي الله عنه فعن أبي سنان الدؤلي - رحمه الله تعالى - ، أنه عاد علياً - رضي الله عنه - في شكوى له شكاها، قال: فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني ـ والله ـ ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق يقول : « إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود »[5] .


    ومن الإخبار بالغيب إخباره عن مشاركة أم حرام فى أول غزو للبحر و وفاتها قبل غزو مدينة قيصر ففى خبر أم حرام بنت ملحان ، سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ». قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنتِ فيهم ». ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ». فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : « لا »[6].


    و إن قيل الإخبار بالغيب ليس دليل على النبوة لاحتمال الكهانة فالجواب الإخبار بالغيب إذا اقترن بدعوى النبوة فهو دليل على النبوة لا الكهانة إذ الكهانة ليس فيها دعوى النبوة و شخصية النبي الصادق تختلف عن شخصية الكاهن الكذاب ، والنبي الصادق خبره يطابق ما سيحدث أما الكاهن فخبره قد يوافق بعض الذي سيحدث أو لا يوافق الذي سيحدث ، و ما هدف النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - من إدعاء النبوة ؟فمن يقرأ سيرته يجده لا يرغب في سلطة ولا مال ولا جاه ،و لما يجازف النبي صلى الله عليه وسلم و يقول سيحدث كذا .
    و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاسماع تسبيح الطعام بين يدى رسول الله - صلى الله عليه و سلم- فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال: كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل [7] .



    و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا سماع الصحابة بكاء جذع النخلة و صراخها لما فارقها رسول الله إلى المنبر فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل- يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً ؟ قال: إن شئتم.فجعلوا له منبراً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي - صلى الله عليه و سلم - فضمه إليه ، يئن أنين الصبي الذي يسكن قال: " كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها " [8] .


    و من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا انقياد الشجرة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعن جابر ابن عبدالله قال : سرنا مع رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏- حتى نزلنا واديا ‏ ‏أفيح ‏ ‏فذهب رسول الله ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم ‏- ‏يقضي حاجته فاتبعته ‏ ‏بإداوة ‏ ‏من ماء فنظر رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏- ‏فلم ير شيئا يستتر به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -‏ ‏إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير ‏ ‏المخشوش ‏ ‏الذي ‏ ‏يصانع قائده ‏ ‏حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان ‏ ‏بالمنصف ‏ ‏مما بينهما لأم بينهما ‏ ‏يعني جمعهما فقال ‏ ‏التئما ‏ ‏علي بإذن الله فالتأمتا .


    قال ‏ ‏جابر ‏ ‏فخرجت ‏ ‏أحضر ‏ ‏مخافة أن يحس رسول الله ‏ - ‏صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏بقربي فيبتعد وقال ‏ ‏محمد بن عباد ‏ ‏فيتبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم -‏ ‏مقبلا و إذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله ‏- ‏صلى الله عليه وسلم ‏- ‏وقف وقفة فقال برأسه هكذا وأشار ‏ ‏أبو إسماعيل ‏ ‏برأسه يمينا وشمالا [9] .


    و كل هذه المعجزات لدليل ساطع على صدق النبوة فكيف إذا اجتمعت مع حسن سيرته و اتصافه بالصدق والأمانة و دعواه النبوة في وقت البشرية بحاجة لنبي و تأييد الله له ونصره على أعدائه و إخباره بالغيب .


    و إن قيل هذه المعجزات ليست دليلا على صدق النبوة إذ هي من نقل المسلمين لا غيرهم فالجوابأن هذا القول غير صحيح فلكل قوم عربا وعجما أخبار يتناقلونها عبر الأزمنة و أحداث تنتقل من جيل إلى جيل ، فهل يصح أن يقول أحد ما الدليل على صحة هذه الأخبار دون أن يدرسها و يناقشها بعد أن يلم بها إلمامًا واسعًا ، فإذا كان كذلك مع أخبار الأمم والأقوام و التي لا يهتم عامة الناس بضبط أحداثها ودقة تفاصيلها .


    فما الشأن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله إلى قوم عرفوا بقوة الحافظة وسعة الذاكرة ودقة الملاحظة ، فإن هذه الأخبار والوقائع التي ذكرنها منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة ؛ والمتواتر هو ما نقله العدد الكثير من الناس الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب ، وهو ما تناقلته الأمة المسلمة جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلف من أخبار معجزات النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - .


    وليس لأحد أن يشكك في شهادة هؤلاء الأخيار الأفاضل ، أو يزعم أن هؤلاء الأفاضل إنما شهدوا لنبيهم فشهادتهم غير مقبولة ، فإن هذا الزعم من شأنه أن يلغى جميع معجزات الأنبياء و جميع ما ورد عن أخبار السابقين لأنه يمكننا أن نقول أن ما ورد عن عيسي - عليه السلام - أو ورد عن موسي - عليه السلام - إنما ذكره أصحابهما والمقربون منهما، و كذلك الشأن مع بقية أخبار الأمم السابقة و المعاصرة .


    و من البديهيات أن المروي بالتواتر لا يستطيع أحد إنكاره ،و من المحال لدى أي عقل اتفاق رواة التواتر على كذب ، ومن ينكر وجود شخصية من الشخصيات كملك أو وزير كان موجودا يكذبه المؤرخون و يأتون له بكل سهولة بأكثر من نقل ورواية بأن هذه الشخصية كانت موجودة بالفعل ، وأن الأحداث التي حصلت لها مروية بأكثر من رواية وكذلك نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم و معجزاته ثابتة و مروية بالتواتر من آلافالصحابة و التابعين و حتى عصرنا هذا .






    [1]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2542
    [2]- رواه مسلم في صحيحه رقم2542
    [3] - رواه البخاري في صحيحه
    [4] - رواه البخاري في صحيحه
    [5] - رواه أبو يعلى في مسنده و الطبراني في التاريخ الكبير و حسنه الهيثمي
    [6] - رواه البخاري في صحيحه
    [7] - رواه مسلم في صحيحه
    [8] - رواه البخاري في صحيحه
    [9] - رواه مسلم في صحيحه
    </B></I>
    طبيب

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    فرية أن مَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من جنس كَلَام العرب إلا أنه أفصح منهم لتقدم النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي البلاغة عَلَيْهِم و ليس ؛ لأنه من عند الله ، و هذا لا دليل فيه على الإعجاز




    يردد بعض المغرضين أن مَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من جنس كَلَام العرب غير أَنه كَانَ أفْصح و أوجز وَأحسن نظما وَأَن يكون ذَلِك إِنَّمَا تأتى لَهُ بتقدمه فِي البلاغة عَلَيْهِم وَحسن فَصَاحَته و ليس لأنه من عند الله و هذا لا دليل فيه على الإعجاز فلا يوجد من هو أبلغ من النبي محمد - صلى الله عليهوسلم - فيكون عدم وجود من يرد القرآن بلاغيّا راجع لكون القائل و هو محمد - صلى الله عليه وسلم - أبلغ العرب.



    و الجواب إِن قدر مَا يَقْتَضِيهِ التَّقَدُّم والحذق فِي الصِّنَاعَة قدر مَعْرُوف لَا يخرق الْعَادة مثله وَلَا يعجز أهل الصِّنَاعَة والمتقدمون فِيهَا عَنهُ مَعَ التحدي والتقريع بِالْعَجزِ والقصور ؛ لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِجمع الدَّوَاعِي والهمم على بُلُوغ منزلَة الحاذق الْمُتَقَدّم فِي الصِّنَاعَة .



    وَمَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من الْقُرْآن قد خرج عَن حد مَا يكْتَسب بالحذق وَعجز الْقَوْم عَن معارضته ومقابلته مَعَ إيثارهم لذَلِك واجتماع هممهم لَهُ وتوفر دواعيهم عَلَيْهِ وعلمهم بجعله حجَّة لَهُ وَدلَالَة على صدقه فَخرج بذلك عَن نمط مَا سَأَلْتُم عَنهُ .


    وعَلى أَن الْآيَة فِي الْقُرْآن أَنه منزل بِلِسَان الْعَرَب وَكَلَامهم ومنظوم على وزن يُفَارق سَائِر أوزان كَلَامهم وَلَو كَانَ من بعض النظوم الَّتِي يعرفونها لعلموا أَنه شعر أَو خطابة أَو رجز أَو طَوِيل أَو مزدوج غير أَن ناظمه قد برع وَتقدم فِيهِ وَلَيْسَ يخرج الحذق فِي الصَّنْعَة إِلَى أَن يُؤْتِي بِغَيْر جِنْسهَا وَمَا لَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْء وَمَا لَا يعرفهُ أَهلهَا .



    وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك وَكُنَّا نعلم أَن قُريْشًا أفْصح الْعَرَب وأعرفها بِاللِّسَانِ وأقدرها على سَائِر أوزان الْكَلَام وَأَنَّهَا قد دهشت وطاشت عقولها فِيمَا أَتَى بِهِ فَقَالَت مرّة إِنَّه سحر وَقَالَت تَارَة إِنَّه ﴿ معلم مَجْنُون ﴾ ، َقَالَت أُخْرَى : ﴿ أساطير الْأَوَّلين اكتتبها ﴾ وَ قَالَت تَارَة أُخْرَى : ﴿ شعر ﴾ وَقَالَت تَارَة سلمَان يلقنه ويلقي إِلَيْهِ حَتَّى قَالَ تَعَالَى : ﴿ لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين ﴾ علم بذلك أَن مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ من جنس الحذق والتقدم فِي الصِّنَاعَة فِي شَيْء[1] .



    و القرآن الكريم لو كان من كلام النبي - صلى الله عليهوسلم -لما وجدت آيات كثيرة تنص على أنه رسول و لما وجدت آيات كثيرة تتصدر بفعل الأمر قل و لما نزلت آيات كثيرة بعد طول انتظار و لما وجدت آيات كثيرة تعاتبه و عند مقارنة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن نجد اختلافا كبيرا و كلام النبي - صلى الله عليهو سلم - استطاع بعض الناس معارضة بعضه أما القرآن فلم يستطع أحد معارضته .



    العرب على اختلاف مراتبهم في البيان لم يرتفعوا إلى طبقة البلاغة المحمدية، وأزعم أن هذا القصور الذاتي الذي قعد بهم عن مجاراته في عامة كلامه هو الذي قعد بهم عن معارضة قرآنه. وإذًا لا يكون هذا العجز حجة لكم على قدسية الأسلوب القرآني كما لم يكن حجة عندكم على قدسية الأسلوب النبوي .



    فنجيب : أما أن محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان هو أفصح العرب ، وكان له في هذه الفضيلة البيانية المقام الأول بينهم غير مزاحم، فذلك ما لا نماري - بل لا نمتري - فيه نحن ولا أحد ممن يعرف العربية غير أننا نسأل ما مبلغ هذا التفاوت الذي كان بينهم وبينه ؟ أكان مما يتفق مثله في مجاري العادات بين بعض الناس وبعض في حدود القوة البشرية ، أم كان أمرًا شاذًّا خارقًا للعادة بالكلية ؟



    فأما إن كان كما نعهد شبيهًا بما يكون في العادة بين البليغ و الأبلغ ، وبين الحسن والأحسن، فلا شك أن هذا النحو من العلو إن حال بينهم وبين المجيء بمثل كلامه كله لم يكن ليحول بينهم وبين قطعة واحدة منه .


    ولئن أعجزهم هذا القدر اليسير أن يحتذوه على التمام لم يكن ليعجزهم أن ينزلوا منه بمكان قريب. ألا وإننا قد أرخينا لهم العنان في معارضة القرآن بهذا أو ذاك، وأغمضنا لهم فيما يجيئوننا به أن يكون كلًّا أو بعضًا، وكثيرًا أو يسيرًا، ومماثلًا أو قريبًا من المماثل، فكان عجزهم عن ذلك كله سواء .


    وأما إن قيل: إن التفاوت بينه - عليه السلام - وبين سائر البلغاء كان إلى حد انقطاع صلتهم به جملة؛ لاختصاصه من بين العرب ومن بين الناس بفطرة شاذة لا تنتسب إلى سائر الفطر في قليل ولا كثير إلا كما تنتسب القدرة إلى العجز، أو الإمكان إلى الاستحالة، فلا شك أن القول بذلك هو أخو القول بأن الإنسان ما ليس بإنسان، أو هو التسليم بأن ما يجيء به هذا الإنسان لا يكون من عمل الإنسان .



    ذلك أن الطبيعة الإنسانية العامة واحدة، والطبائع الشخصية تقع فيها الأشباه والأمثال في الشيء بعد الشيء وفي الواحد بعد الواحد ؛ إن لم يكن ذلك في عصر ففي عصور متطاولة ، وإن لم يكن في كل فنون الكلام ففي بعض فنونه .



    وكم رأينا من أناس كثيرة تتشابه قلوبهم وعقولهم وألسنتهم فتتوافق خواطرها وعباراتهم حينًا، وتتقارب أحيانًا، حتى لقد يخيل إليك أن الروح الساري في القولين روح واحد، وأن النفس ها هنا هو النفس هناك. وكذلك رأينا من الأدباء المتأخرين من يكتب بأسلوب ابن المقفع وعبد الحميد، ومن يكتب بأسلوب الهمذاني والخوارزمي، وهلم جرا .



    فلو كان أسلوب القرآن من عمل صاحبه الإنسان لكان خليقًا أن يجيء بشيء من مثله من كان أشبه بهذا الإنسان مزاجًا، وأقرب إليه هديًا وسمتًا، وألصق به رحمًا، وأكثر عنه أخذًا وتعلمًا، أو لكان جديرًا بأصحابه الذين نزل القرآن بين أظهرهم فقرءوه واستظهروه ؛ وتذوقوا معناه وتمثلوه، وترسموا خطواته واغترفوا من مناهله - أن يدنوا أسلوبهم شيئًا من أسلوبه على ما تقضي به غريزة التأسي ، وشيمة نقل الطباع من الطباع ، ولكن شيئًا من ذلك كله لم يكن .

    وإنما كان قصارى فضل البليغ فيهم كما هو جهد البليغ فينا أن يظفر بشيء يقتبسه منه في تضاعيف مقالته ليزيدها به علوًّا ونباهة شأن .


    بل نقول : لو كان الأسلوب القرآني صورة لتلك الفطرة المحمدية لوجب على قياس ما أصلته من المقدمات أن ينطبع من هذه الصورة على سائر الكلام المحمدي ما انطبع منها على أسلوب القرآن ؛ لأن الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين ، والنفس الواحدة لا تكون نفسين .


    ونحن نرى الأسلوب القرآني فنراه ضربًا وحده، ونرى الأسلوب النبوي، فنراه ضربًا وحده لا يجري مع القرآن في ميدان إلا كما تجري محلقات الطير في جو السماء لا تستطيع إليها صعودًا، ثم نرى أساليب الناس فنراها على اختلافها ضربًا واحدًا لا تعلو عن سطح الأرض، فمنها ما يحبو حبوًا، ومنها ما يشتد عدوًا، ونسبة أقواها إلى القرآن كنسبة هذه "السيارات" الأرضية إلى تلك "السيارات" السماوية!


    نعم، لقد تقرأ القطعة من الكلام النبوي فتطمع في اقتناصها ومجاراتها كما تطمع في اقتناص الطائر أو مجاراته؛ ولقد تقرأ الكلمة من الحكمة فيشتبه عليك أمرها: أمن كلمات النبوة هي أم من كلمات الصحابة أو التابعين؟ ذلك على ما عملت من امتياز الأسلوب النبوي بمزيد الفصاحة ونقاء الديباجة وإحكام السرد.


    ولكنه امتياز قد يدق على غير المنتهين في هذا الفن. وقد يقصر الذوق وحده عن إدراكه، فيلجأ إلى النقل يستعينه في تمييز بعض الحديث المرفوع من الحديث الموقوف أو المقطوع .


    أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعًا لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعًا يطمع أن يحوم حول حماه؛ بل يدع الأعناق، تشرئب إليه ثم يردها ناكسة الأذقان على الصدور .


    كل من يرى بعينين أو يسمع بأذنين إذا وضع القرآن بإزاء غير القرآن في كلفتي ميزان، ثم نظر بإحدى عينيه أو استمع بإحدى أذنيه إلى أسلوب القرآن، وبالأخرى إلى أسلوب الحديث النبوي وأساليب سائر الناس، وكان قد رزق حظ ما من الحاسة البيانية والذوق اللغوي فإنه لا محالة سيؤمن معنا بهذه الحقيقة الجلية، وهي أن أسلوب القرآن لا يدانيه شيء من هذه الأساليب كلها » [2].


    [1] - تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 170 -171
    [2]- النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص 125 - 129
    </B></I>
    طبيب

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    حديث : " وإنّما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ " ليس حصر المعجزة في القرآن و حسب





    استدل البعض بحديث : " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " على أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ليس له معجزة سوى القرآن و هذا خطأ .


    وَالْمَعْنَى أن كل نبي أوتى من خوارق المعجزات مَا يَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ أولى البصائر والنهى، لا من أَهْلِ الْعِنَادِ وَالشَّقَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ، أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ وَأَبْهَرُهُ، الْقُرْآنُ الَّذِي أَوْحَاهُ الله إلىّ ، فَإِنَّهُ لَا يَبِيدُ وَلَا يَذْهَبُ كَمَا ذَهَبَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِهِمْ، فَلَا تُشَاهَدُ، بل يخبر عنها بالتواتر والآحاد، بخلاف القرآن العظيم الذي أوحاه الله إليه فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ ، مُسْتَمِرَّةٌ دَائِمَةُ الْبَقَاءِ بَعْدَهُ ، مَسْمُوعَةٌ لِكُلٍّ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شهيد[1].



    و قال محمد الشامي – رحمه الله - : « كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خوارق العادات حسب زمانه ، فإذا انقطع زمانه انقطعت تلك المعجزة فخصّ كل نبي بما أثبت به دعواه من خوارق العادات المناسبة لحال قومه .


    كقلب العصا ثعبانا في زمن موسى فكانت تلقف ما صنعوا ، وإخراج اليد بيضاء و إنما كان كذلك ؛ لأنه الغالب في زمانه السحر، إذ كان ماشيا عند فرعون فأتاهم بما هو فوقه فاضطرّهم إلى الإيمان به ولم يقع ذلك لغيره .


    وفي زمن عيسى الطب، فجاءهم بما هو أعلى منه من إبراء الأكمه والأبرص بما ليس في قدرة بشر وهو إحياء الميّت.


    وأمّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسله في العرب العرباء أصل الفصاحة والبلاغة وتأليف الكلام على أعلى طبقاتها ومحاسن بدايتها باسم القرآن فأعجزهم عن الإتيان بأقصر سورة منه »[2]


    و قال د. سعيد بن وهف : « وليس المراد في هذا الحديث حصر معجزاته - صلى الله عليه وسلم - في القرآن ، ولا أنه لم يؤت من المعجزات الحسّيّة كمن تقدّمه، بل المراد أن القرآن المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره ؛ لأن كل نبي أُعطِيَ معجزة خاصة به ، تحدّى بها من أُرسِلَ إليهم ، و كانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه ؛ ولهذا لما كان السحر فاشياً في قوم فرعون جاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السّحرة، لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره .


    ولما كان الأطباء في غاية الظهور جاء عيسى بما حيّر الأطباء، من: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وكل ذلك من جنس عملهم، ولكن لم تصل إليه قدرتهم .


    ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة جعل الله سبحانه معجزة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم الذي ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ .


    ولكن معجزة القرآن الكريم تتميز عن سائر المعجزات ؛ لأنه حجة مستمرّة، باقية على مرّ العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن فلا يزال حجة قائمة كأنما يسمعها السّامع من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولاستمرار هذه الحجة البالغة قال - صلى الله عليه وسلم -: " فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يومَ القيامةِ "»[3] .












    [1] - البداية و النهاية لابن كثير 6/257
    [2] - سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد لمحمد الصالحي الشامي 9/412
    [3]- العروة الوثقى في ضوء الكتاب والسُّنَّة لسعيد وهف ص 49 - 50
    </B></I>
    طبيب

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    فرية مادام الناس يقدرون على الإتيان ببعض كلمات القرآن فهم يقدرون على الإتيان بكل كلمات القرآن




    يقول بعض أهل الباطل مَا من أحد إِلَّا وَهُوَ قَادر على أَن يأتى مِنْ القرآن بِالْكَلِمَةِ والكلمات وَالْآيَة والآيات وَمن كَانَ قَادِرًا على ذَلِك كَانَ قَادِرًا على كُله .



    و الجواب عن هذه الشبهة ما قاله الآمدي : « وقدرة بعض النَّاس على الْإِتْيَان بِمَا شابه مِنْهُ كلمة أَو كَلِمَات لَا توجب الْقُدْرَة على مَا وَقع بِهِ الإعجاز وَ إِلَّا كَانَ لكل من أمكنه الْإِتْيَان بِكَلِمَة أَو كَلِمَتَيْنِ من نظم أَو نثر أَن يكون شَاعِرًا ناثرا أو لَا يَقع الْفرق بَين الألكن[1] والألسن .


    وَلَا يخفى مَا في ذَلِك من الْعَبَث والزلل فَإنَّا نحس من أَنْفُسنَا الْعَجز عَن بعض مَا نقل عَن فصحاء الْعَرَب من نظم أَو نثر وَإِن كُنَّا لَا نجد أَنْفُسنَا وقدرنا قَاصِرَة عَن الْإِتْيَان مِنْهُ بِكَلِمَة أو كَلِمَات .


    بل وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا نَظِير مَا لَو قيل بِوُجُوب كَون الْجَبَل مَقْدُورًا حمله بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا لكَون بعضه مَقْدُورًا إِذْ هُوَ زيف وسفسطة ثمَّ وَلَو كَانَ ذَلِك مَقْدُورًا لَهُم لبَادرُوا إِلَى الْإِتْيَان بِهِ وسارعوا إِلَى دفع مَا تحدى بِهِ »[2] .


    و قال أبو بكر الباقلاني – رحمه الله - : «فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا قدر الْعباد عنْدكُمْ على مثل الْكَلِمَة والكلمتين والحرف والحرفين فَمَا أنكرتم أَن يقدروا على مثل جَمِيعه وَألا يكون فِي ذَلِك إعجاز يُقَال لَهُ لَو وَجب مَا قلته لوَجَبَ إِذا قدر النَّاس على مثل مَا سَأَلت عَنهُ أَن يَكُونُوا كلهم شعراء وخطباء وَأَصْحَاب نظم ورسائل لقدرتهم على الْكَلِمَة والاثنتين وَهَذَا جهل مِمَّن صَار إِلَيْهِ .


    وَلَيْسَ يجب إِذا تعذر على الْإِنْسَان نظم الْكثير أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ نظم الْيَسِير كَمَا لَا يجب إِذا تعذر عَلَيْهِ شرب مَاء الْبحار والأنهار أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ شرب الجرعة والجرعتين ، وَ إِذا تعذر عَلَيْهِ الصعُود إِلَى السَّمَاء وَ حمل الْجبَال أَن يتَعَذَّر عَلَيْهِ قطع الذِّرَاع إِلَى فَوق والذراعين وَ حمل الرطل والرطلين ، وَ إِذا كَانَ حمل الْجبَال والصعود إِلَى السَّمَاء آيَة لمن ظهر على يَده وَجب أَن يكون نظم الْقُرْآن آيَة لمن أَتَى بِهِ ، و َإِن لم يكن نظم مَا دون سُورَة مِنْهُ آيَة لأحد »[3] .

    [1]- الألكن هو من لا يستطيع إخراج بعض الحروف من مخارجها سواء كان لا ينطق بالحرف البتّة أو ينطق به مغيّراً أو بزيادته أو تكراره .
    [2]- غاية المرام في علم الكلام للآمدي ص 354 - 355
    [3]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 177
    طبيب

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    فرية اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب


    يردد بعض المغرضين أن القرآن الكريم قد اقتبسه من كتب أهل الكتاب ، وقد تعلم كتب أهل الكتاب من الراهب بحيرا عندما لقيه في الشام ، و من ورقة بن نوفل الذي كان من متنصرة العرب العلماء بالنصرانية وأحد أقرباء خديجة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُا - ، و عن الغلام الرومي الأعجمي الذي كان يعمل حداداً في مكة المكرمة ، و هذه فرية ضعيفة يغني فسادها عن إفسادها و بطلانها عن إبطالها إذ لو صح أن القرآن اقتبسه النبي - صلى الله عليه وسلم- من كتب أهل الكتاب لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة لهم ، بهدف الطعن فيه .


    وهم الذين تعلقوا بأوهى التهم كزعمهم أنه تعلم من رومي حداد أعجمي ، فقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ( سورة النحل الآية 103 ) أي هذا الحداد الرومي أعجمي لا يحسن العربية ، فليس بمعقول أن يكون هذا الأعجمي مصدراً لهذا القرآن الذي هو أبلغ نصوص العربية بل هو معجزة المعجزات ومفخرة العرب واللغة العربية .


    و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يثبت أنه رأى التوراة و الإنجيل أو قرأ فيهما أو نقل منهما .


    و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن القرآن الكريم فضح اليهود والنصارى ، وهتك أستارهم ، وذمهم فكيف يكون مقتبسا منهم ؟!! .


    و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تتنزَّل متدرجة حسب الحوادث ، والوقائع ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتوقف في الحكم على بعض الأمور حتى ينزل الوحي عليه ، مما يدل على أنه ليس لديه علم سابق .


    و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب وجود اختلاف مع أهل الكتاب في كثيرٍ من الأحكام ، وما حصل من توافق في بعض الأحكام لا يدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ منهم ، وتعلم على أيديهم ، وإنما لكون اليهودية والنصرانية أصلهما صحيح يتفق مع أصول الإسلام ، لولا ما اعتراهما من تحريفٍ وتغيير وتبديل .



    و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن في القرآن الكريم قصص لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى - عليه السلام - ونفى رصلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا و قبائح .


    و لو كان مصدر القرآن بعض أهل الكتاب لكانوا هم الأحرى بالنبوة والرسالة و لماذا أخفوا أنهم مصدر القرآن ، و لو كان هذا حقا لأتخذه جميع أعداء الإسلام في عصر النبوة لصد الناس عن الإسلام و هذا أيسر من قتاله أو التدبير لقتله - صلى الله عليه وسلم -.


    وكيف يكون القرآن مصدره بعض أهل الكتاب و القرآن مليء بما يناقض ما عليه أهل الكتاب و يفضحهم و شتان بين أسلوب القرآن و أسلوب كتب أهل الكتاب المحرفة ؟!
    و أسباب نزول الآيات تنفي التعلم المسبق للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم ؟!!


    و قال أبو بكر الباقلاني :«مَعَ تِلَاوَته عَلَيْهِم فِي نَص التَّنْزِيل قَوْله : ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ ( سورة العنكبوت الآية 48 )


    وَلَو عرفوه بذلك أَو بِصُحْبَة أهل الكتب ونقلة السّير ومداخلة أهل الْأَخْبَار ومجالسة أهل هَذَا الشَّأْن لم يَلْبَثُوا أَن يَقُولُوا لَهُ هَذَا كذب ؛ لِأَنَّك مَا زلت مَعْرُوفا بِصُحْبَة أهل الْكتب ومجالستهم وقصدهم إِلَى مواضعهم ومواطنهم ومجاراتهم وَالْأَخْذ عَنْهُم والاستفادة مِنْهُم »[1] .


    و قاصمة الظهر أن أول ترجمة عربية للكتاب المقدس عند أهل الكتاب ظهرت بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقرن من الزمان، وهي ترجمة أسقف أشبيليا يوحنا عام 724م ، فالكتاب المقدس عند أهل الكتاب لم يكن متداولاً بين الناس زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان حكراً على بعض القساوسة


    [1] - تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 168
    </B></I>
    طبيب

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    فرية لو كان الإتيان بكتاب ما معجزا لعجز البشر عن الإتيان بمثله لكان كتاب إقليدس معجزا




    يردد بعض المغرضين فرية تافهة لا حظ لها من النظر و العقل و هي لو كان الإتيان بكتاب ما معجزا لعجز البشر عن الإتيان بمثله لكان كتاب إقليدس معجزا و دليلا على نبوته ، و الجواب أن كتاب إقليدس لا يعجز البشر عن الإتيان بمثله ، ولا يصح فيه هذا التوهم و قد ألف غيره كتبا مثل كتابه أما القرآن فلم يؤلف أحدا كتابا مثله و كتاب إقليدس ليس كتابا خارقا للعادة و ليس المقصود من تأليفه التحدي و دعوى النبوة فهل توجّه إقليدس للمشتغلين في الرياضيات و الهندسة وتحداهم بكتابه ؟!! و عليه فليس كتاب إقليدس معجزا و ليس دليلا على نبوة إقليدس .


    و رحم الله الرافعي حينما رد قول ابن الراوندي في كتاب (الفريد) :" إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي فلم تقدر على معارضته؛ فيقال لهم : أخبرونا : لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة. . . مثل دعواكم في القرآن فقال: الدليل على صدق بطليموس أو إقليدس، إن إقليدس ادعى أن الخلق يعجزون عن أن يأتوا بمثل كتابه، أكانت نبوته تثبت؟ "


    فقال الرافعي ردا عليه :«قلنا: فأعجب لهذا الجهل الذي يكون قياساً من أقيسة العلم. . . وأعجب (للكلام) الذي يقال فيه: إن هذا كتاب وذلك كتاب فكلاهما كتاب؛ ولما كان كذلك فأحدهما مثل الآخر؛ ولما كان أحدهما معجزاً فالثاني معجز لا محالة .


    وما ثبت لصاحب الأول يثبت بالطبع لصاحب الثاني ، وما دمنا نعرف أن صاحب الكتاب الثاني لم تثبت له نبوة
    فنبوة صاحب الأول لا تثبت. . .لعمري إن مثل هذه الأقيسة التي يحسبها ابن الراوندي سبيلاً من الحجة وباباً من البرهان لهي في حقيقة العلم كأشد هذيان عرفه الأطباء قط؛ وإلا فأين كتابَ من كتاب ؛ وأين وضعَ من وضع؛ وأين قومَ من قوم؛ وأين رجل من رجل ؟


    ولو أن الإعجاز كان في ورق القرآن وفيما يخط عليه، لكان كل كتاب في الأرض ككل كتاب في الأرض ولاطَّرد ذلك القياس كله على ما وصفه كما يطرد القياس عينه في قولنا: إن كل حمار يتنفس، وابن الراوندي يتنفس، فابن الراوندي يكون ماذا. . .؟


    ولو أن مثل هذه السخافة تسمى علماً تقوم به الحجة فيما يُحتج له ويبطل به البرهان فيما يُحتج عليه، لما بقيت في الأرض حقيقة صريحة ولا حق معروف ولا شيء يسمى باسمه »[1] .


    و الفرق بين كتاب إقليدس و كتاب الله كالفرق بين السماء و الأرض فقد تميز كتاب الله بعذوبة الألفاظ و فصاحة الكلمات و روعة التعبير أما كتاب إقليدس فلا .


    و قد تميز كتاب الله بإرضائه العامة والخاصة ومعنى هذا أن القرآن الكريم إذا قرأته على العامة أو قرئ عليهم أحسوا جلاله وذاقوا حلاوته وفهموا منه على قدر استعدادهم ما يرضي عقولهم وعواطفهم .


    وكذلك الخاصة إذا قرؤوه أو قرئ عليهم أحسوا جللاه وذاقوا حلاوته وفهموا منه أكثر مما يفهم العامة ورأوا أنهم بين يدي كلام ليس كمثله كلام لا في إشراق ديباجته ولا في امتلائه وثروته .


    و لا كذلك كلام البشر فإنه إن أرضى الخاصة والأذكياء لجنوحه إلى التجوز والإغراب والإشارة لم يرض العامة لأنهم لا يفهمونه وإن أرضى العامة لجنوحه إلى التصريح والحقائق العارية المكشوفة لم يرض الخاصة لنزوله إلى مستوى ليس فيه متاع لأذواقهم ومشاربهم وعقولهم[2] .


    و كتاب إقليدس لا يرضي كل الناس بل يرضي طائفة معينة من الناس .


    و تميز كتاب الله بإرضائه العقل والعاطفة فالقرآن الكريم يخاطب العقل والقلب معا أما كتاب إقليدس فيخاطب العقل فقط .


    و كلام الناس إن وفى بحق العقل بخس العاطفة حقها وإن وفى بحق العاطفة بخس العقل حقه وبمقدار ما يقرب من أحدهما يبعد عن الآخر حتى لقد بات العرف العام يقسم الأساليب البشرية إلى نوعين لا ثالث لهما أسلوب علمي وأسلوب أدبي فطلاب العلم لا يرضيهم أسلوب الأدب وطلاب الأدب لا يرضيهم أسلوب العلم .


    و هكذا تجد كلام العلماء والمحققين فيه من الجفاء والعري ما لا يهز القلوب ويحرك النفوس وتجد في كلام الأدباء والشعراء من الهزال والعقم العلمي ما لا يغذي الأفكار ويقنع العقول ذلك لأن القوى العاقلة والقوى الشاعرة في بني الإنسان غير متكافئة وعلى فرض تكافئها في شخص فإنهما لا تعملان دفعة واحدة بل على سبيل البدع والمناوبة [3] .


    و قد جمع القرآن بين الإجمال والبيان مع أنهما غايتان متقابلتان لا يجتمعان في كلام واحد للناس بل كلامهم إما مجمل وإما مبين ؛ لأن الكلمة إما واضحة المعنى لا تحتاج إلى بيان وإما خفية المعنى تحتاج إلى بيان .


    ولكن القرآن وحده هو الذي انخرقت له العادة فتسمع الجملة منه وإذا هي بينة مجملة في آن واحد أما أنها بينة أو مبينة بتشديد الياء وفتحها فلأنها واضحة المغزى وضوحا يريح النفس من عناء التنقيب والبحث لأول وهلة فإذا أمنعت النظر فيها لاحت منها معان جديدة كلها صحيح أو محتمل لأن يكون صحيحا وكلما أمنعت فيها النظر زادتك من المعارف والأسرار بقدر ما تصيب أنت من النظر وما تحمل من الاستعداد على حد قول القائل :
    يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا


    ولهذا السر وسع كتاب الله جميع أصحاب المذهب الحضر من أبناء البشر ووجد أصحاب هذه المذاهب المختلفة والمشارب المتباينة شفاء أنفسهم وعقولهم فيه وأخذت الأجيال المتعاقبة من مدده الفياض ما جعلهم يجتمعون عليه ويدينون به ولا كذلك البشر في كلامهم فإنهم إذا قصدوا إلى توضيح أغراضهم ضاقت ألفاظهم ولم تتسع لاستنباط وتأويل وإذا قصدوا إلى إجمالها لم يتضح ما أرادوه وربما التحق عندئذ بالألغاز وما لا يفيد [4] .


    و تميز القرآن بالقصد في اللفظ مع وفائه بالمعنى ومعنى هذا إنك في كل من جمل القرآن تجد بيانا قاصدا مقدرا على حاجة النفوس البشرية من الهداية الإلهية دون أن يزيد اللفظ على المعنى أو يقصر عن الوفاء بحاجات الخلق من هداية الخالق ومع هذا القصد اللفظي البريء من الإسراف والتقتير تجده قد جلى لك المعنى في صورة كاملة لا تنقص شيئا يعتبر عنصرا أصليا فيها أو حلية مكملة لها كما أنها لا تزيد شيئا يعتبر دخيلا فيها وغريبا عنها بل هو كما قال الله : ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ .



    ولا يمكن أن تظفر في غير القرآن بمثل هذا الذي تظفر به في القرآن بل كل منطيق بليغ مهما تفوق في البلاغة والبيان تجده بين هاتين الغايتين كالزوج بين ضرتين بمقدار ما يرضي إحداهما يغضب الأخرى فإن ألقى البليغ باله إلى القصد في اللفظ وتخليصه مما عسى أن يكون من الفضول فيه حمله ذلك في الغالب على أن يغض من شأن المعنى فتجيء صورته ناقصة خفية ربما يصل اللفظ معها إلى حد الإلغاز والتعمية .


    و إذا ألقى البليغ باله إلى الوفاء بالمعنى وتجلية صورته كاملة حمله ذلك على أن يخرج عن حد القصد في اللفظ راكبا متن الإسهاب والإكثار حرصا على أن يفوته شيء من المعنى الذي يقصده ولكن ينذر حينئذ أن يسلم هذا اللفظ من داء التخمة في إسرافه وفضوله تلك التخمة التي تذهب ببهائه ورونقه وتجعل السامع يتعثر في ذيوله لا يكاد يميز بين زوائد المعنى وأصوله .


    وإذا افترضنا أن بليغا كتب له التوفيق بين هاتين الغايتين وهما القصد في اللفظ مع الوفاء بالمعنى في جملة أو جملتين من كلامه فإن الكلال والإعياء لا بد لاحقا به في بقية هذا الكلام وندر أن يصادفه هذا التوفيق مرة ثانية إلا في الفينة بعد الفينة كما تصادف الإنسان قطعة من الذهب أو الماس في الحين بعد الحين وهو يبحث في التراب أو ينقب بين الصخور [5] .


    و القرآن قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه، بل الإنكباب على تلاوته يزيده حلاوة ، و ترديده يوجب له محبة و طلاوة ، لا يزال غضّا طريّا ، و غيره من الكلام و لو بلغ في الحسن والبلاغة ما بلغ يمل مع الترديد ، و يعادى إذا أعيد ، و كتابنا يستلذ به في الخلوات ، و يؤنس بتلاوته في الأزمات ، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك ،حتى أحدث أصحابها لها لحونا وطرقا ، يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها [6] .


    [1] - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي ص 126
    [2] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/313
    [3] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/315
    [4] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/323
    [5] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/324
    [6] - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني 2/247
    </B></I>
    طبيب

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    شبهة من يزعم أن عدم قدرة الناس على مجاراة أسلوب القرآن ليس خصوصية للقرآن؛ لأن أسلوب كل قائل صورة نفسه ومزاجه فلا يستطيع غيره أن يحل محله




    يقول الدكتور محمد بن عبد الله دراز - رحمه الله - : « سيقول السائل إذا انتهى معنا إلى هذا الموضع: لقد أغلقتم عنا بهذا البيان بابًا من الشك، ولكنكم لم تلبثوا أن فتحتم علينا منه بابًا جديدًا، ألم تقولوا لنا: إن هذه الصناعة البيانية ليست في الناس بدرجة واحدة، وإن القوى تذهب فيه متفاوتة على مراتب شتى، فما نرى إذًا علينا من حرج أن نعد الإعجاز الذي حدثتمونا عنه أمرًا مشاعًا يجري في أساليب الناس كما يجري في القرآن.


    ألا ترون أن كل قائل أو كاتب إنما يضع في بيانه قطعة من عقله ووجدانه على الصورة التي تهديه إليها فطرته ومواهبه؟ وأن اختلاف الناس في هذه الوسائل يتبعه البتة اختلاف طرائقهم في التعبير عن أغراضهم؟


    إنكم لتستطيعون أن تحصوا في اللغة العربية صورًا كلامية بعدة الناطقين بها، بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب كما يكتب كاتب آخر على السواء، ولا قائلًا كذلك.


    بل أنتم لا محالة واجدون عند كل واحد منهاجًا خاصًّا في الأداء؛ فليس البدوي كالحضري ، ولا الذكي كالغبي و ليس الطائش كالحليم ، ولا المريض كالسليم . وليس الأدنى في هذا الباب يستطيع الصعود إلى الأعلى، ولا الأعلى يستطيع النزول إلى الأدنى.


    بل المتشابهان فطرة ومزاجًا، المتساويان تربية وتعليمًا قد يشربان من كأس واحدة ثم لا يتناطقان بالكلام على صورة واحدة .


    فكيف تأمرون الناس أن يجيئوكم بمثل القرآن وهم لا يقدرون أن يجيء بعضهم بمثل كلام بعض؟ وكيف تعدون عجزهم عنه آية على قدسيته وأنتم لا تعدون عجز كل امرئ عن الإتيان بأسلوب غيره آية على أن ذلك الأسلوب صنع إلهي محض لا كسب فيه للذي جرى على لسانه؟


    أليس هذا القياس يسوغ لنا أن نفترض القرآن كلامًا بشريًّا كسائر كلام البشر، غير أنه اختص أسلوبه بصاحبه كما اختص كل امرئ بأسلوب نفسه؟


    وجوابنا لهذا القائل أن نقول له: لسنا نماريك في أن كلام المتكلم إنما هو صورة تمليها عليه فطرته ومواهبه، ولا في أن هذه الفطر والمواهب لتفاوتها عند أكثر الناس لا بد أن تترك أثرها من التفاوت في صورة كلامهم، ولا في أن تلك الفطر والمواهب إن تشابهت عند فريق من الناس فأملت عليهم صورًا متشابهة من القول فإنها لا تخرجها في عامة الأمر صورة واحدة .


    كل هذا نسلمه ولا ننكره، ولكنه لا يضرنا ولا يوهن شيئًا من حجتنا؛ ذلك أننا حين نتحدى الناس بالقرآن لا نطالبهم أن يجيئونا بنفس صورته الكلامية، كلا، ذلك ما لا نطمع فيه، ولا ندعو المعارضين إليه، وإنما نطلب كلامًا أيًّا كان نمطه ومنهاجه، على النحو الذي يحسنه المتكلم أيًّا كانت فطرته ومزاجه .


    بحيث إذا قيس مع القرآن بمقياس الفضيلة البيانية حاذاه أو قاربه في ذلك المقياس وإن كان على غير صورته الخاصة، فالأمر الذي ندعوهم إلى التماثل أو المقاربة فيه هو هذا القدر الذي فيه يتنافس البلغاء، وفيه يتماثلون أو يتقاربون. وذلك غير المعارض والصور المعينة التي لا بد من الاختلاف فيها بين متكلم ومتكلم .


    فإن عسر عليك أن تفهم كيف تجيء المماثلة مع هذا الاختلاف ضربنا لك مثلًا ؛ قومًا يستبقون إلى غاية محدودة، وقد اتخذوا لذلك مجالًا واسعًا لا يزاحم بعضهم فيه بعضًا ، و لا يضع أحدهم قدمه على موضع قدم صاحبه، بل جعل كل منهم يذهب في طريقه الخاص به موازيًا لقِرنه في المبدأ والوجهة.


    ثم يكون منهم المجلي والمصلي، والمقفي والتالي، ويكون منهم من لا حظَّ له في الرهان. ويكون منهم المتكافئون المتعادلون. وهكذا تراهم وهم مختلفو المنازل يقع بينهم التماثل كما يقع بينهم التفاضل بنسبة ما قطعه كل منهم من طريقه إلى الغاية المشتركة .


    فكذلك المتنافسون في حلبة البيان يعمد كل منهم إلى الغرض من الطريق التي يرضاها، وعلى الوجه الذي يستمليه من نفسه، ثم يقع بينهم التماثل أو التفاضل على قدر ما يوفون من حاجة البيان أو ينقصون منها، وإن اختلفت المذاهب التي انتحاها كل منهم .


    هب -إذًا- المدعوين لمعارضة القرآن فيهم الأكفاء والأنداء لنبي القرآن في الفطرة والسليقة العربية ، أو من هم أكمل منه فيها، أو هبهم جميعًا دونه في تلك المنزلة. فأما الأعلون فسيجيئون على وفق سليقتهم بقول أحسن من قوله. وأما الأنداد فسيجيئون بشيء مثله. وأما الآخرون فلن يكبر عليهم أن يقاربوا ويجيئوا بشيء من مثله، وشيء من هذه المراتب الثلاث لو تم لكان كافيًا في رد الحجة وإبطال التحدي » [1].





    كَيفَ يكون الْقُرْآن معجزا وَهُوَ غير خَارج عَن حُرُوف المعجم ؟





    قال أبو بكر الباقلاني :«فَإِن قَالُوا كَيفَ يكون الْقُرْآن معجزا وَهُوَ غير خَارج عَن حُرُوف المعجم الَّتِي يتَكَلَّم بهَا الْخلق من أهل الفصاحة والعي واللكنة قيل لَهُم لَيْسَ الإعجاز فِي نفس الْحُرُوف وَإِنَّمَا هُوَ فِي نظمها وإحكام رصفها وَكَونهَا على وزن مَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - »[2] .


    و قال الدكتور محمد بن عبد الله دراز - رحمه الله - : « شبهة من قد يظن أن القرآن إن كان معجزًا فليس إعجازه من ناحيته اللغوية ؛ لأنه لم يخرج عن لغة العرب في مفرداته ولا في قواعد تركيبه فإن قال: قد تبينتُ الآن أن سكوت الناس عن معارضة القرآن كان عجزًا، وأنهم وجدوا في طبيعة القرآن سرًّا من أسرار الإعجاز يسمو به عن قدرتهم .

    ولكني لست أفهم أن ناحيته اللغوية يمكن أن تكون من مظان هذ السر ؛ لأني أقرأ القرآن فلا أجده يخرج عن معهود العرب في لغتهم العربية : فمن حروفهم رُكِّبَتْ كلماتُه . و من كلماتهم أُلفت جمله وآياته ، و على مناهجهم في التأليف جاء تأليفه .


    فأي جديد في مفردات القرآن لم يعرفه العرب من موادها وأبنيتها؟ وأي جديد في تركيب القرآن لم تعرفه العرب من طرائقها ولم تأخذ به في مذاهبها، حتى نقول: إنه قد جاءهم بما فوق طاقتهم اللغوية؟


    قلنا له : أما أن القرآن الكريم لم يخرج في لغته عن سنن العرب في كلامهم إفرادًا وتركيبًا فذلك في جملته حق لا ريب فيه، وبذلك كان أدخل في الإعجاز، وأوضح في قطع الأعذار ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ .


    وأما بعد، فهل ذهب عنك أن مثل صنعة البيان كمثل صنعة البنيان، فالمهندسون البناءون لا يخلقون مادة بناء لم تكن في الأرض، ولا يخرجون في صنعتهم عن قواعدها العامة، ولا يعدو ما يصنعونه أن يكون جدرانًا مرفوعة، وسقفًا موضوعة، وأبوابًا مشرعة، ولكنهم تتفاضل صناعاتهم وراء ذلك في اختيار أمتن المواد وأبقاها على الدهر، و أكنها للناس من الحر والقر .


    و في تعميق الأساس وتطويل البنيان، وتخفيف المحمول منها على حامله، والانتفاع بالمساحة اليسيرة في المرافق الكثيرة ، وترتيب الحجرات والأبهاء ، بحيث يتخللها الضوء والهواء، فمنهم من يفي بذلك كله أو جله، ومنهم من يخل بشيء منه أو أشياء.. إلى فنون من الزينة والزخرف يتفاوت الذوق الهندسي فيها تفاوتًا بعيدًا .


    كذلك ترى أهل اللغة الواحدة يؤدون الغرض الواحد على طرائق شتى يتفاوت حظها في الحسن والقبول ، و ما من كلمة من كلامهم و لا وضع من أوضاعهم بخارج عن مواد اللغة وقواعدها في الجملة .


    و لكنه حسن الاختيار في تلك المواد والأوضاع قد يعلو بالكلام حتى يسترعي سمعك، ويثلج صدرك، ويملك قلبك. وسوء الاختيار في شيء من ذلك قد ينزل به حتى تمجه أذنك، وتغشى منه نفسك، وينفر منه طبعك .


    ذلك أن اللغة فيها العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وفيها العبارة والإشارة والفحوى والإيماء، وفيها الخبر والإنشاء، وفيها الجمل الاسمية والفعلية، وفيهاالنفي والإثبات، وفيها الحقيقة والمجاز، وفيها الإطناب والإيجاز، وفيها الذكر والحذف، وفيها الابتداء والعطف، وفيها التعريف والتنكير، وفيها التقديم والتأخير، وهلم جرا..


    ومن كل هذه المسالك ينفذ الناس إلى أغراضهم، غير ناكبين بوضع منها عن أوضاع اللغة جملة، بل في شعابها يتفرقون، وعند حدودها يلتقون .


    بيد أنه ليس شيء من هذه المسالك بالذي يحمل في كل موطن، وليس شيء منها بالذي يقبح في كل موطن، إذًا لهان الأمر على طالبه، ولأصبحت البلاغة في لسان الناس طعمًا واحدًا، وفي سمعهم نغمة واحدة. كلا، فإن الطريق الواحد قد يبلغك مأمنك حينًا، ويقصر بك عن غايتك حينًا آخر .


    ورب كلمة تراها في موضع كالخرزة الضائعة ثم تراها بعينها في موضع آخر، كالدرة اللامعة فالشأن إذًا في اختيار هذه الطرق أيها أحق بأن يسلك في غرض غرض، وأيها أقرب توصيلًا إلى مقصد مقصد .


    ففي الجدال أيها أقوم بالحجة، وأدحض للشبهة، وفي الوصف أيها أدق مثيلًا للواقع، وفي موطن اللين أيها أخف على الأسماع وأرفق بالطباع، وفي موطن الشدة أيها أشد اطلاعًا على الأفئدة بتلك النار الموقدة، وعلى الجملة أيها أوفى بحاجات البيان وأبقى بطراوته على الزمان .


    والأمر في هذا الاختيار عسير غير يسير ؛ لأن مجال الاختيار كثير الشعب، مختلف الألوان في صور المفردات والتراكيب، والناس ليسوا سواء في استعراض هذه الألوان، فضلًا عن الموازنة بينها، فضلًا عن حسن الاختيار فيها، فرب رجلين يهتدي أحدهما إلى ما غَفَل عنه صاحبه، ويغفل كل منهما عما هدي إليه الآخر، ورب وجه واحد يفوتك ها هنا يعدل وجهين تحصلهما هناك، أو بالعكس .


    وعن جملة الملاحظات التي يلاحظها القائل في قوله ، تتولد صورة خاصة مثلها في هذه المركبات المعنوية مثل "المزاج" في تلك المركبات العنصرية المادية، وهذا "المزاج" هو الذي نسميه بالأسلوب أو الطريقة، وعلى حسبه يقع التفاوت في درجات الكلام وفي حظه من الحسن والقبول .


    فالجديد في لغة القرآن أنه في كل شأن يتناوله من شئون القول يتخير له أشرف المواد، وأمسها رحمًا بالمعنى المراد، وأجمعها للشوارد، وأقبلها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به، بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة .


    ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين. لا يومًا أو بعض يوم، بل على أن تذهب العصور وتجيء العصور، فلا المكان يريد بساكنه بدلًا، ولا الساكن يبغي عن منزله حِوَلًا.. وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان .


    هذا مطلب له دليله، وإجمال له تفصيله ، وليس من قصدنا أن نعجلك الآن بالبحث في أدلته وتفاصيله ، وإنما أردنا أن نزيح عنك هذه الشبهة لتعلم أن ليس كل كلام عربي ككل كلام عربي، وأن هذه الناحية اللغوية جديرة بأن تتفاوت فيها القوى نازلة إلى حد العجز، أو صاعدة إلى حد الإعجاز » [3] .


    [1]- النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص 123 - 125
    [2] - تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 178
    [3]- النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص 118 - 121 </B></I>
    طبيب

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    كَيفَ لَزِمت حجَّة الْقُرْآن غير العرب و هم لا يعلمون اللغة العربية ؟



    قال أبو بكر الباقلاني : « فَإِن قَالُوا كَيفَ لَزِمت حجَّة الْقُرْآن الْهِنْد وَالتّرْك وهم لَا يعْرفُونَ أَن مَا أَتَى بِهِ معجز قيل لَهُم من حَيْثُ إِنَّهُم إِذا فتشوا علمُوا أَن الْعَرَب الَّذين بعث فيهم النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانُوا أفْصح النَّاس وأقدرهم على نظم الْكَلَام الْعَرَبِيّ وَأَنَّهُمْ النِّهَايَة فِي هَذَا الْبَاب .


    وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِك أحرص النَّاس على تَكْذِيبه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَنه نَشأ مَعَهم وَأَنَّهُمْ يعْرفُونَ دخيلته وَأهل مُجَالَسَته فِي ظعنه وإقامته وَأَنه مَا كَانَ يَتْلُو من قبله من كتاب وَلَا يخطه بِيَمِينِهِ وَأَنه مَعَ ذَلِك كُله أجمع تحداهم بِمثلِهِ أَو بِسُورَة من مثله مُجْتَمعين أَو مفترقين فعجزوا عَن ذَلِك أجمع كَمَا أَن حجَّة مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَام - قَائِمَة على من لَيْسَ بساحر وَلَا طَبِيب لعلمه بِأَنَّهُمَا تحديا أطب النَّاس وأعظمهم سحرًا بِمثل مَا أَتَيَا بِهِ فعجزوا عَن ذَلِك مَعَ الْحِرْص على تكذيبهما والإتيان بِمثل مَا أَتَيَا بِهِ »[1] .










    من أَيْن يعلم أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - تحدى الْعَرَب أَن تَأتي بِمثلِهِ وطالبهم بذلك ؟



    قال أبو بكر الباقلاني : « فَإِن قَالَ قَائِل من أهل الْملَل وَغَيرهم من أَيْن يعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحدى الْعَرَب أَن تَأتي بِمثلِهِ وطالبهم بذلك قيل لَهُم يعلم ذَلِك اضطرارا من دينه وَقَوله كَمَا نعلم وجوده وظهوره و كما نعلم وجود الْقُرْآن نَفسه اضطرارا .


    هَذَا على أَنه فِي نَص التِّلَاوَة نَحْو قَوْله : ﴿ فَأتوا بِسُورَة من مثله ﴾ ، و ﴿ قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ ﴾ وَهَذَا غَايَة التحدي والتقريع وَقد وصل قَوْله : ﴿ فَأتوا بِسُورَة من مثله﴾ بقوله : ﴿ وَادعوا شهداءكم من دون الله ﴾ فَلَا مُتَعَلق لأحد فِي هَذَا الْبَاب »[2] .




    كَيفية إبطال حجَّة من أَتَى بِكَلَام منظوم وَزعم أَنه مثل الْقُرْآن



    قال أبو بكر الباقلاني : « فَإِن قَالُوا كَيفَ تبطلون حجَّة من أَتَى بِكَلَام منظوم وَزعم أَنه مثل الْقُرْآن و عروضه قيل لَهُ لعلمنا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمثل لَهُ وَلَا من جنس نظمه فَإِن قدر على ذَلِك قَادر فليأت بِهِ لنريه أَنه خلاف لَهُ ونعلم ذَلِك بعجز الْعَرَب أَيْضا عَن مُعَارضَة الْقُرْآن مَعَ الْعلم بِأَنَّهُم أفْصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وأشعر وأخطب من على وَجه الأَرْض مِمَّن تكلم بلسانهم بعدهمْ فتعلم بذلك تعذر معارضته على من بعدهمْ »[3] .



    فرية أن القرآن شعر أو أن القرآن سحر



    يريد بعض المغرضين أن يقدح في إعجاز القرآن فيقول القرآن ليس كلاما معجزا فما هو إلا ضرب من ضروب الشعر أو ضرب من ضروب السحر ،و كل من له ذوق في اللغة و الفهم يعلم أن القرآن كلام منثور لكنه معجز ليس كمثله كلام ؛ لأنه صادر من متكلم قادر ليس كمثله شيء .


    وما هو بالشعر ولا بالسحر ؛ لأن الشعر معروف لهم بتقفيته ووزنه وقانونه ورسمه والقرآن ليس منه .


    ولأن السحر محاولات خبيثة لا تصدر إلا من نفس خبيثة ولقد علمت قريش أكثر من غيرهم طهارة النفس المحمدية وسموها ونبلها إذ كانوا أعلم الناس به وأعرفهم بحسن سيرته وسلوكه .


    وقد نشأ فيه وشب وشاب بينهم هذا إلى أن القرآن كله ما هو إلا دعوة طيبة لأهداف طيبة لا محل فيها إلى خبث ورجس بل هي تحارب السحر وخبثه ورجسه وتسمه بأنه كفر إذ قال : ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ﴾ .


    ثم إن السحر معروف المقدمات والوسائل فليس بمعجز ولا يمكنه ولن يمكنه أن يأتي في يوم من الأيام بمثل هذا الذي جاء به القرآن [4] .


    و قال ابن الوزير : « ولو كانت الفصاحة من مقدورات السّحرة, وحيل حذّاقهم المهرة لقدروا بذلك على معارضة القرآن, فكيف وقد عجزوا عن يسير البيان ! فأكثرهم لا يعرف وزن بيت من أيّ الأوزان, ولا يدري كيف الجولان في هذا الميدان! فانظروا في هذه المعجزة العظيمة الباقية على مرّ الدّهور الطويلة, التي أخرست مهرة الكلام من العرب وأسكنتهم وأردت فرسان البلاغة فنكستهم, أظهر الله به عجزهم, وأبطل به عزاهم وعزّهم »[5] .


    [1]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 181
    [2]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 183
    [3]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 184
    [4] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/311
    [5]- الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – 2/592
    </B></I>
    طبيب

  9. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    تفاهة معارضة مسيلمة و أمثاله للقرآن




    قال الآمدي – رحمه الله - : « وَمِنْهُم[1] من حمله فرط جَهله وقصور عقله على الْمُعَارضَة و الإتيان بِمثلِهِ كَمَا نقل من ترهات مُسَيْلمَة في قَوْله : الْفِيل والفيل وَمَا أَدْرَاك مَا الْفِيل لَهُ ذَنْب طَوِيل وخرطوم وثيل .


    وَقَوله : والزارعات زراعا فالحاصدات حصدا والطاحنات طحنا إِلَى غير ذَلِك من كَلَامه وَلَا يخفى مَا فى ذَلِك من الركاكة والفهاهة وَمَا فِيهِ من الدّلَالَة على جهل قَائِله وَضعف عقله وسخف رَأْيه حَيْثُ ظن أَن هَذَا الْكَلَام الغث الرث الذى هُوَ مضحكة الْعُقَلَاء ومستهزأ الأدباء معَارض لما أعجزت الفصحاء معارضته وأعيه الألباء مناقضته من حِين الْبعْثَة إِلَى زَمَاننَا هَذَا »[2].


    و قال عبد العزيز آل معمر – رحمه الله - : « ولقد رام بعض سخفاء العقول محاكاة بعض قصار المفصل، فأتى من الهذيان بالعجب العجاب ، كقول مسيلمة الكذاب اللعين : " يا ضفدع كم تنقين، أعلاك في الماء، وأسفلك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين ".


    فلما سمع أبو بكر الصديق هذا الكلام قال: " إنه كلام لم يخرج من إل ". قيل: " الإل " بالكسر هو الله - تعالى - وقيل: " الإل " بالأصل: الجيد. أي لم يجئ من الأصل الذي جاء منه القرآن .


    ولما سمع مسيلمة والنازعات قال : " والزارعات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، و الطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، و اللاقمات لقما ، لقد فضلتم علي أهل الوبر ، و ما سبقكم أهل المدر ".


    وقال معارضا لسورة الكوثر : " إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وجاهر، إن مبغضك رجل كافر ".


    وكقول الآخر: " ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين شراسيف وحشا ".
    وقال آخر: " الفيل وما الفيل وما أدراك ما الفيل، له ذنب وثيل، وشفر طويل، وإن ذلك من خلق ربنا لقليل ".


    وهذا كلام فيه من السخافة ما لا خفاء به على من لا يعلم ، فضلا عمن يعلم .


    ثم جاء جماعة من المتأخرين ممن انتهت إليهم الرياسة في الفصاحة ، فتعرضوا لمعارضته ، كابن المقفع و المعري و المتنبي ، ونظراء لهم ، فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع ، وتنبو عنه الطباع ، و نادى عليهم بالخزي و الانقطاع ، وصيرهم مثلة و سخرية و ضحكة إلى أن تاب أكثرهم ، وأظهر ندمه ونسكه »[3] .


    يقول محمد الزرقاني – رحمه الله - : « يذكر التاريخ أن مسيلمة الكذاب رغم أنه أوحي إليه بكلام كالقرآن ثم طلع على الناس بهذا الهذر إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر .


    وبهذا السخف والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا وأنت خبير بأن مثل ذلك الإسفاف ليس من المعارضة في قليل ولا كثير .


    وأين محاكاة الببغاء من فصاحة الإنسان وأين هذه الكلمات السوقية الركيكة من ألفاظ القرآن الرفيعة ومعانيه العالية وهل المعارضة إلا الإتيان بمثل الأصل في لغته وأسلوبه ومعانيه أو بأرقى منه في ذلك ؟ »[4] .

    و المتتبع لكلام من توهم أنه قد عارض القرآن كمسيلمة نجد كلامه لا يخلو من تفاهة و سفه فهو يأتي بآيات من القرآن الكريم فيسرق أكثر ألفاظها و يبدل بعض ألفاظها أو يأتي بكلام على وزن الكلمات القرآنية بألفاظ سوقية و معان سوقية فهذا من قبيل المحاكاة ، وليست من المعارضة في شيء ، ليست معارضة الكلام أن تحاكيه تأخذ كلمة وتضع بدلها كلمة أخرى وتستخدم نفس الوزن والتحدّي كان بسورة مِن مثل القرآن في الألفاظ و المعاني و النظم و الجمال اللغوي و الجمال الصوتي ، و لم يكن التحدّي بكلام مسجوع .


    و المعارضة أن تعمد إلى معنى من المعاني فتؤديه نفسه بأسلوب آخر يوازي الأصل في بلاغته أو يزيد أي المعارضة هي أن تأتي بمقصود الشخص الذي قال الكلام الأول ، تأتي بمقصوده و لكن بعباراتأفصحمن يحاول ذلك في المعاني القرآنية فإنما يحاول محالًا ، و التجربة أصدق شاهد .


    وإني أسئل من يتوهم القدرة على معارضة القرآن رغم أن فصاحته لا شك أدنى بكثير من فصاحة العرب الأوائل لماذا لم تحاول قريش مع عنادها وإيذائها للنبي - صلى الله عليه وسلم - معارضة القرآنمع أنها أفصح قبائل العرب أو على الأقل من أفصح قبائل العرب ، وكانت تعرف للكلمة قيمتها و كانت تعرف الكلام الفصيح من غيره و قد آوت المعلقاتالسبع وعلقتها بالكعبة ؟!!


    و لماذا لم تحاول قبائل العرب الأخرى كبني سعد وحمير وغيرها من قبائل العربالمشهورة بالفصاحة معارضة القرآن ؟!

    و كان العرب في الجاهلية ليس لهم ثقافة غير الشعر و النثر و الخطابة والتجارة فلماذا عجزوا عن معارضة القرآن ثم يأتي من لا فقه له باللغة فيزعم أنه عارض القرآن ؟! .

    و الذي يقرأ قول مسيلمة : (( إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وجاهر، إن مبغضك رجل كافر )) يجد أن مسيلمة - عليه من الله ما يستحقه - قد سرق كثير من ألفاظ سورة الكوثر فالكلام منحول من سورة الكوثر و بدل بعض الألفاظ و ليس في كلامه النظم الجميل و لا مسحة من جمال لغوي و لا مسحة من جمال صوتي و هذا الكلام لا يماثل القرآن في شيء و إنما هو ضرب من الاقتباس من القرآن مع التصرف .



    و الذي يقرأ قول مسيلمة - عليه من الله ما يستحقه - : (( والزارعات زرعا ، و الحاصدات حصدا ، و الذاريات قمحا ، و الطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، و اللاقمات لقما ، لقد فضلتم علي أهل الوبر ، و ما سبقكم أهل المدر ))[5] )) يجد أن مسيلمة قد أتى بألفاظ سوقية على وزن كلمات سورة النازعات ، و قال الشعراوي – رحمه الله - : « هذا الكلام لوناً من هراء فارغ ؛ لأن الحق إنما أنزل كلامه موزونا جاذباً لمعانٍ لها قيمتها في الخبر »[6] .


    و ما ذكره مسيلمة- عليه من الله ما يستحقه - من هذا الكلام الركيك في غاية التهافت ، و لا يحمل أي معنى بلاغي لإيصال معنى مفيد و المعارضة بين كلامين إنما تكون معارضة إذا كان بينهما مقاربة ومداناة بحيث يلتبس أحدهما بالآخر أو يكون أحدهما مقاربا للآخر .


    و يقول الدكتور محمد بن عبد الله دراز - رحمه الله - : « شبهة غِرٍّ ناشئ يتوهم القدرة على محاكاة القرآن فأما إن كان مثار الشبهة عنده أنه زاول شيئًا من صناعة الشعر أو الكتابة، وآنس من نفسه اقتدارًا في البيان فوسوس له شيطان الإعجاب بنفسه والجهل بالقرآن أنه يستطيع الإتيان بمثل أسلوبه ، فذلك ظن لا يظنه بنفسه أحد من الكبار المنتهين ، و إنما يعرض -إن عرض- للأغرار الناشئين .


    ومثل هذا دواؤه عندنا نصح نتقدم به إليه أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، و يستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته ، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك .


    وأنا له زعيم بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره ، وستحل عن نفسه عقدة من عقد الشك في أمره ؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول ، وامتلاكًا لناصية البيان ، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن ، وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه .


    ولكن لا عجب، فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها والوقوف على أسرارها إلا إذعانًا لعظمتها وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها يمكنك منها ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها، ومن هنا كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون .


    فإن أبى المغرور إلا إصرارًا على غروره، وكبُر عليه أن يُقر بعجزه وقصوره، دعوناه إلى الميدان ليجرب نفسه و يبرز قوته ، و قلنا له : أخرج لنا أحسن ما عندك لننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين .


    غير أننا نعظه بواحدة أخرى : ألا يخرج على الناس ببضاعته حتى يطيل الروية ويحكم الموازنة، وحتى يستيقن الإحسان والإجادة ؛ فإنه إن فعل ذلك كان أدنى أن يتدارك غلطه ويواري سوءته، وإلا فقد أساء المسكين إلى نفسه من حيث أراد الإحسان إليها .


    وإن في التاريخ لَعِبَرًا تؤثَر عن أناس حاولوا مثل هذه المحاولة؛ فجاءوا في معارضة القرآن بكلام لا يشبه القرآن ولا يشبه كلام أنفسهم؛ بل نزلوا إلى ضرب من السخف والتفاهة بادٍ عَوارُه ، باقٍ عارُه وشَنارُه : فمنهم عاقلٌ استحيا أن يُتم تجربته ، فحطم قلمه ومزق صحيفته.


    ومنهم ماكر وجد الناس في زمنه أعقل من أن تروج فيهم سخافاته، فطوى صحفه وأخفاها إلى حين . ومنهم طائش برز بها إلى الناس، فكان سخرية للساخرين ومثلًا للآخرين .


    فمن حدثته نفسه أن يعيد هذه التجربة مرة أخرى فلينظر في تلك العبر وليأخذ بأحسنها، ومن لم يستحِ فليصنع ما يشاء » [7].


    و قال الدكتور محمد بن عبد الله دراز - رحمه الله - في نسف ما يردده بعض المغرضين من قدرة أحد من البشر الإتيان بمثل القرآن : « شبهة أديب متواضع ينسب هذه القدرة إلى غيره من الفحول وأما إن كان مدخل الشبهة عنده أنه رأى في الناس من هو أعلى منه كعبًا في هذه الصناعة .


    فقال في نفسه: "لئن لم أكن أنا من فرسان هذا الميدان ، ولم يكن لي في معارضة القرآن يدان، لعل هذا الأمر يكون يسيرًا على من هو أفصح مني لسانًا وأسحر بيانًا"


    فمثل هذا نقول له: ارجع إلى أهل الذكر من أدباء عصرك فاسألهم هل يقدرون أن يأتوا بمثله ؟ فإن قالوا لك : " لو نشاء لقلنا مثل هذا" فقل : "هاتوا برهانكم! " و إن قالوا : " لا طاقة لنا به " فقل : أي شيء أكبر من العجز شهادة على الإعجاز؟


    ثم ارجع إلى التاريخ فاسأله : ما بال القرون الأولى ؟ ينبئك التاريخ أن أحدًا لم يرفع رأسه أمام القرآن في عصر من أعصاره ، و أن بضعة النفر الذين انغضوا رءوسهم إليه باءوا بالخزي والهوان ، و سحب الدهر على آثارهم ذيل النسيان .


    أجل ، لقد سجل التاريخ هذا العجز على أهل اللغة أنفسهم في عصر نزول القرآن ، و ما أدراك ما عصر نزول القرآن ؟ هو أزهى عصور البيان العربي، وأرقى أدوار التهذيب اللغوي، وهل بلغت المجامع اللغوية في أمة من الأمم ما بلغته الأمة العربية في ذلك العصر من العناية بلغتها، حتى أدركت هذه اللغة أشدها؛ وتم لهم بقدر الطاقة البشرية تهذيب كلماتها وأساليبها ؟ ..


    و ما هذه الجموع المحشودة في الصحراء ، وما هذه المنابر المرفوعة هنا وهناك ؟ إنها أسواق العرب تعرض فيها أنفس بضائعهم وأجود صناعاتهم ؛ و ما هي إلا بضاعة الكلام ، و صناعة الشعر والخطابة ، يتبارون في عرضها و نقدها ، و اختيار أحسنها والمفاخرة بها ، و يتنافسون فيها أشد التنافس ، يستوي في ذلك رجالهم ونساؤهم ، وما أمر حسان والخنساء وغيرهما بخافٍ على متأدب .


    فما هو إلا أن جاء القرآن ، وإذا الأسواق قد انفضت، إلا منه، وإذا الأندية قد صَفِرت، إلا عنه، فما قدر أحد منهم أن يُباريَه أو يجاريَه ، أو يقترح فيه إبدال كلمة بكلمة ، أو حذف كلمة أو زيادة كلمة ، أو تقديم واحدة و تأخير أخرى ؛ ذلك على أنه لم يسد عليهم باب العارضة بل فتحه على مصراعيه ، بل دعاهم إليه أفرادًا أو جماعات.


    بل تحداهم وكرر عليهم ذلك التحدي في صور شتى، متهكمًا بهم متنزلًا معهم إلى الأخف فالأخف : فدعاهم أول مرة أن يجبئوا بمثله، ثم دعاهم أن يأتوا بعشر سور مثله، ثم أن يأتوا بسورة واحدة مثله، ثم بسورة واحدة من مثله، وأباح لهم في كل مرة أن يستعينوا بمن شاءوا ومن استطاعوا، ثم رماهم والعالم كله بالعجز في غير مواربة ؛ فقال : ﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾


    وقال : ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ ، فانظر أي إلهاب، وأي استفزاز! لقد أجهز عليهم بالحكم البات المؤبد في قوله : ﴿ وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ ثم هددهم بالنار، ثم سواهم بالأحجار، فلعمري لو كان فيهم لسان يتحرك لما صمتوا عن منافسته وهم الأعداء الألداء، وأباة الضيم الاعزاء .


    وقد أصاب منهم موضع عزتهم وفخارهم، ولكنهم لم يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى معارضته، ولا سُلَّمًا يصعدون به إلى مزاحمته، بل وجدوا أنفسهم منه أمام طود شامخ، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا ... حتى إذا استيأسوا من قدرتهم واستيقنوا عجزهم ما كان جوابهم إلا أن ركبوا متن الحتوف .


    واستنطقوا السيوف بدل الحروف. وتلك هي الحيلة التي يلجأ إليها كل مغلوب في الحجة والبرهان، وكل من لا يستطيع دفعًا عن نفسه بالقلم واللسان .


    ومضى عصر القرآن والتحدي قائمًا فليجرب كل امرئ نفسه، وجاء العصر الذي بعده، وفي البادية وأطرافها أقوام لم تختلط أنسابهم ، ولم تنحرف ألسنتهم ، ولم تتغير سليقتهم ، و فيهم من لو استطاعوا أن يأتوا هذا الدين من أساسه ، ويثبتوا أنهم قادرون من أمر القرآن على ما عجز عنه أوئلهم ، لفعلوا ، و لكنهم ذلت أعناقهم له خاضعين ، و حيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل .


    ثم مضت تلك القرون، وورث هذه اللغة عن أهلها الوارثون ، غير أن هؤلاء الذين جاءوا من بعد ، كانوا أشد عجزًا وأقل طمعًا في هذا المطلب العزيز .


    فكانت شهادتهم على أنفسهم مضافة إلى شهادة التاريخ على أسلافهم ، و كان برهان الإعجاز قائمًا أمامهم من طريقين : وجداني وبرهاني . ولا يزال هذا دأب الناس والقرآن حتى يرث الله الأرض و من عليها » [8] .

    [1] - منهم الضمير يعود على الكفار
    2]- غاية المرام في علم الكلام للآمدي ص 344
    [3]- منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب 2/435
    [4] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/334
    [5]- بعض العلماء ينسب هذه الكلمات للنضر بن الحارث كما في تفسير النسفي 1/522 ، والبحر المحيط 4/584 ،و تفسير السمعاني 2/127 ، وتفسير القرطبي 7/41
    [6]- تفسير الشعراوي 6/3796
    [7]- النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص 110 - 112
    [8]- النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص 112 - 114
    </B></I>
    طبيب

  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    02:58 AM

    افتراضي

    فرية أن القرآن من تأليف الجن



    يدعي بعض المغرضين أن القرآن الكريم من تأليف الجن و هذا فرية باطلة فكما يوجد في الإنس من يحقدون على الحق مع العلم بأنه الحق ، فيتمنّون لو أمكنهم إفساد صفة الإعجاز في القرآن بأيّ وسيلة ممكنة ، كذلك يوجد في الجن من يحقدون مثل هذا الحقد ، ويتمنّون مثل هذا التمنّي .

    فلما لم نر إنسانا أوحى إليه من قبل أحد الجان بمثل القرآن، أو بمثل بعض منه، علمنا بدليل الواقع المشاهد أنه ليس من تأليف الجان ولا من إيحائهم[1].




    هل وصل خبر التحدى بالقرآن إلى كل العالم وهل يلزم من عجز بعض الخلق عجز كل الخلق ؟



    رد يحيي بن حمزة – رحمه الله – على من يقول سلمنا وقوع التحدي، ولكن هل وصل خبر التحدي إلى كل العالم، أو إلى بعضه، وباطل أن يكون واصلا إلى كله، لأنا نعلم بالضرورة أن أهل الهند والصين والروم، وسائر الأقاليم البعيدة، ما كانوا يعلمون وجود محمد - صلّى الله عليه وسلّم - في الدنيا، فضلا عن أن يقال: إنهم عالمون بتحديه بالقرآن، وباطل أن يكون واصلا إلى بعضهم، لأنهم ولو عجزوا عن المعارضة فإنه لا يكفى فى صحة دعوى النبوة، عجزهم عن معارضته، لأنهم بعض الخلق، وعجز بعض الخلق لا يكون عجزا لجميعهم، وإلا لزم في بعض الحذاق في صناعته إذا تحدى أهل قريته، ثم عجزوا عن ذلك، أن يكون نبيا لمكان دعواه، وهذا ظاهر الفساد وهذا يبطل ما ذكرتموه من التحدي بالقرآن .


    فقال يحيي بن حمزة - رحمه الله - : « وجوابه من وجهين : أما أولا : فلأنا نعلم بالضرورة أن العرب الذين قرع أسماعهم التحدى، وخوطبوا به «العين للعين» كانوا لا محالة أقدر على معارضته من غيرهم، لاختصاصهم بما لم يختص به غيرهم من سائر الأقاليم من الفصاحة والبلاغة، فلما عرفنا عجزهم كان غيرهم لا محالة أعجز من ذلك لما ذكرناه .


    وأما ثانيا : فهب أن خبر تحدّيه بالقرآن ما وصل إلى كل العالم في زمانه، لكن لا شك في وصوله إليهم الآن، مع أنهم لم يعارضوه، وفى هذا دلالة على صحة نبوته، ويؤيد ما ذكرناه أنا نرى من يصنف كتابا في أي علم كان، ويظن أنه قد أتى فيه باليد البيضاء، فلا يلبث إلا مقدار ما يصل إلى الأقاليم والبلاد، ويحصل بعد ذلك ما يبطله ويدل على تناقضه وضعفه على القرب لأجل شدة الحرص على ذلك، وهذا ظاهر في جميع التصانيف كلها، فلو كان ثم معارضة توجد للقرآن، لكانت قد حصلت في هذه الأزمان المتمادية، والسنين المتطاولة، ولا شك في بلوغه لهذه الأقاليم التى زعمتم، وفى هذا بطلان ما زعمتموه »[2].




    فرية قد وقع في التاريخ معارضات كثيرة للقرآن فسقط التحدي




    رد يحيي بن حمزة – رحمه الله – على من يقول قد وقع هناك معارضات للقرآن، فإن العرب قد عارضوه بالقصائد السبع وعارضه مسيلمة الكذاب بكلامه الذي يحكى عنه، وعارضه النضر بن الحارث بأخبار الفرس وملوك العجم، وعارضه ابن المقفع من كلامه وقابوس بن وشمكير ، والمعرى، فكيف يقال إن المعارضة ما وقعت ؟!.


    فقال يحيي بن حمزة – رحمه الله – : « وجوابه هو أن النظار من أهل الفصاحة والبلاغة مجمعون على أن المعارضة بين الكلامين إنما تكون معارضة إذا كان بينهما مقاربة ومداناة بحيث يلتبس أحدهما بالآخر أو يكون أحدهما مقاربا للآخر، وكل عاقل يعلم بالضرورة أن هذه القصائد السبع ليس بينها وبين القرآن مقاربة ولا مداناة ، بحيث يشتبه أحدهما بالآخر .


    وكيف لا وهذه القصائد من فن الشعر ، و القرآن ليس من فنون الشعر في ورد ولا صدر، فلا يجوز كونها معارضة له، وأما ما حكى عن النضر بن الحارث، فإنما نقل حكايات ملوك العجم، وليس من أسلوب القرآن، فلا يكون معارضا له .

    وأما ما يحكى عن مسيلمة الكذاب فهو بالخلاعة أحق منه بالمعارضة، لنزول قدره، وتمكنه في الحماقة ؛ لأن من حق ما يكون معارضا، أن يكون بينه وبين المعارض مقاربة ومداناة، بحيث يشتبه الأمر فيهما، فأما إذا كان الكلامان في غاية البعد والانقطاع، فلا يعد أحدهما معارضا للآخر » [3].




    فرية أن العرب ما عجزوا عن معارضة القرآن لكن تأخروا عن معارضة القرآن لعدم علمهم بما اشتمل عليه القرآن، من شرح حقائق صفات الله تعالى، والبعث والنشور وأحكام الآخرة، وأحوال الملائكة



    قال يحيي بن حمزة – رحمه الله – : « لا يقال : فلعل العرب إنما عجزوا عن معارضة القرآن ليس لأنهم غير قادرين عليها، وإنما تأخروا عن المعارضة، لعدم علمهم بما اشتمل عليه القرآن، من شرح حقائق صفات الله تعالى، والبعث والنشور وأحكام الآخرة، وأحوال الملائكة، وغير ذلك مما لا مدخل لأفهامهم فى تعقله وإتقانه .


    لأنا نقول هذا فاسد لأمرين : أما أولا فهب أن العرب كانوا غير عالمين بحقائق هذه الأشياء، لكن اليهود كانوا بين أظهرهم وكان عليهم السؤال عنها، ثم يكسونها عبارات يعارضون بها القرآن.


    وأما ثانيا فلأن اليهود أنفسهم كان فيهم فصحاء، فكان يجب مع علمهم بها أن يعارضوه، فلما لم تكن هناك معارضة لا من جهة اليهود، ولا من جهة غيرهم، دل على بطلانها وتعذرها »[4].


    هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد حامدا لله و مصليا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - الاثنين 16 /ربيع الأول/1434هـ ، 28/يناير/2013م


    [1] - من روائع القرآن لمحمد سعيد البوطي ص 130
    [2] - الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 3/208
    [3]- الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 3/213
    [4]- الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 3/213
    </B></I>
    طبيب

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
    بواسطة مجدي فوزي في المنتدى الذب عن الأنبياء و الرسل
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-02-2017, 01:17 AM
  2. مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 18-06-2011, 01:39 PM
  3. قصة قوم تبع ودليل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
    بواسطة دموع التائبين 5 في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-03-2010, 11:52 PM
  4. نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
    بواسطة أشرف مليحى في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-02-2010, 12:22 AM
  5. مناظرة عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
    بواسطة armoosh_2005 في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-02-2008, 10:34 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

نقض افتراءات للتشكيك في مصدرية القرآن  و دلالته على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم