ما قال "لا" قط إلا في تشهده
يقول :
إمام المسجد الذي أصلي فيه مدرس فاضل, وهو يمتعنا كل جمعة بخطبة ملتزمة بالسنة النبوية,
ممتعه في إيجاز واضحة في الألفاظ. إلا أنه في أحد الجمع خطب خطبه طويلة جداً على غير عادته
وتدور حول موضوع واحد وهو "فضيلة الصمت وعواقب تحرك اللسان"
وحشد لوجهة نظرة العديد من أقوال التابعين وأئمة الزهد, ثم صال وجال
في تلك الأقوال ولم يترك أي فسحه لتفضيل الكلام على الصمت.
بعد الصلاة أخذت أتأمل ما قال, وجدت إنه مما لاشك فيه أن للصمت فضائل لا تحصى
ولكن ذلك فقط على المستوى الفردي. فبالنسبة للفرد فإن الصمت هو المنجي أما على مستوى
المجتمعات والأمم فالصمت مهلكة ولا ينجي إلا الكلام والجهر بكلمة الحق.
فبدون ذلك كيف يعرف المجتمع إلى أين يسير؟ من يظهر الباطل وعواره ومن يبين الحق ووجوب إتباعه؟
كيف يظهر كل ذلك بدون كلام؟ بل لم أساساً خلق الله اللسان؟ أللبلع فقط ؟
بل وحتى على مستوى الفرد فليس كل الصمت أفضل,
بل فقط الصمت عن النميمة والغيبة وفحش القول وعن قول الزور والصمت عن التزلف
والمدح الكاذب وتزيين الباطل بل والصمت عن بعض القصائد و التسول.
وان كان للصمت فضائل فإن للقول أحياناً وجوب,
فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ في البيعة قول كلمة الحق لا يخشى فيها لومة لائم.
والعديد من الآيات الكريمة بدأت بالكلمة العظيمة "قل" وهي لفعل بصيغة الأمر لما فيه من منفعة.
بل كم من الآيات أتت في صيغة حوار فكيف يكون ذلك أن لم يكن قول باللسان؟
ثم أنظر، كيف بأمر الله تكلمت النملة وتحدث الهدهد،
ولو زدنا لقلنا إن الله تعظيماً لقول كلمة الحق قد أنطق الجماد فتكلم .
في القرآن الكريم ما ارتبط ذم الكلام إلا بسوء القول
"كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا"
و "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه"
فالذم هنا للكذب ولتحريف الكلام وليس لجنس الكلام,
أما لحسن الكلام فالأمر إليه مندوب، قال تعالى
"وقولوا للناس حسنا"
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً".
وفي سورة إبراهيم أوضح مثل لكلا الأمرين بمثال الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة,
لذا فإن التعميم بأفضلية الصمت فيه نظر.
ومن غير المتصور أن تمر بالإنسان الخطوب والأحداث والتحالفات والمنازعات وهو صامت كالأنعام
لا يبدي رأياً أو يظهر ميلاً. وان نطق قال دوماً نعم , وإن غير نعم جعلها حاضر أو مترادفاتها.
ولا يتخيل أي فلاح لأمه ديدنها الصمت، إن كان الصمت مذهبها فكيف يتم الأمر بالمعروف؟
وما وسيله النهي عن المنكر في درجته الثانية وقد قال صلوات الله عليه وسلامة "فبلسانه"؟
أليس التغيير باللسان أسلم من التغيير باليد؟ وهو أنجع من التغيير بالقلب ؟
وبذكر هذه الشعيرة العظيمة أقول لماذا نراها هي والوعظ ومعظم خطب الجمعة
قد انحصرت في علاقة الفرد بربه وتركت علاقة الأمة بربها؟
أليس الأخيرة أولى وأهم وبها عموم للمنفعة؟.
منقول
المفضلات