وكان من قبل من أملاك الدولة البيزنطية , ولهذا عرض على الصليبين المؤن , والاموال , ووسائل النقل , والمعونة الحربية , وعرض على زعمائهم رشا سخية <13>, وطلب أليهم فى نظير هذا أن يقسم النبلاء يمين الولاء له بصفته سيدهم الأقطاعى وأن تكون كل الاراضى التى يستولون عليها أقطاعيات لهم منه وأثرت الفضة فى نفوس النبلاء ورققت قلوبهم , فأقسموا يمين الولاء .

وعبرت هذه الجيوش البالغ عددها نحو ثلاثين ألفا المضيقين فى عام 1079 , وكانت لا تزال موزعة القيادة . وكان من حسن حظ الصلبيين أن المسلمين كانوا أشد أنقساما على انفسهم من المسيحين , فقد أنهكت الحروب قوة المسلمين فى أسبانيا , ومزقت المنازعات الدينية وحدتهم فى شمالى أفريقية ; وكان الخلفاء الفاطميون فى الشرق بلاد الشرق الجنوبية , بينما كان أعدائهم السلاجقة يمتلكون جزءها الشمالى والقسم الأكبر من أسيا الصغرى , وخرجت أرمنينة على فاتيحها السلاجقة وتحالفت مع الفرنجة ,وزحفت جيوش أوربا يؤيدها هذا العون كله وحاصرت نيقية .

وأستسلمت الحامية التركية فى المدينة ,بعد أن وعدها ألكيسوس بالمحافظة على حياتها -19 يونيه سنة 1097 م – ورفع أمبراطور الروم علم الأمبراطورية على حصنها , وحمى المدينة من النهب ,و أرضى الزعماء الأقطاعين بالعطايا السخية , ولكن الجنود المسيحين أتهموا ألكسيوس بأنه ضالع مع الأتراك ,وأستراح الصلبيون فى المدينة أسبوعا زحفوا بعده على أنطاكية , وألتقوا عند دور يليوم بجيش تركى تحت قيادة قلج أرسلان , وأنتصروا عليه أنتصارآ كثيرآ من الدماء < أول يوليه سنة 1097 > , واخترقوا أسية الصغرى دون ان يلقوا فيها عدوآ غير قلة الماء والطعام , والحر الشديد الذى لم تكن دماء الغربيبن قادرين على تحمله , ومات الرجال والنساء والخيول والكلاب , من العطش فى أثناء هذا الزحف الشاق الذى أجتازوا فيه خمسمائة ميل .

فلما عبروا طوروس أنفصل بعض النبلاء بقواتهم عن الجيش الرئيسى ليفتحوا لأنفسهم فتحوحا خاصة بهم –فسار ريمند , وبوهمند , وجدفرى الى أرمينية ; وسار تنكرد وبولدين – أخو جدفرى – الى الرها حيث أسس بلدوين بالختل والغدر <14> أولى الأمارات اللاتينية فى الشرق <1098> . وأخذت القوات الصلبينين الكبرى تشكو من هذا التأخير وتتوجس منه الشر المستطير ; فعاد النبلاء وواصلت القوة بأجمعها الزحف على أنطاكية .
ويصف المؤرخ الأخبارى صاحب جستا فرنكوم أنطاكية بأنها " مدينة ذات بهجة وجمال عظيم تمتاز عن سائر المدن جميعا "<15>.

وقاومت المدينة الحصار ثمانية أشهر مات فى خلالها كثيرآ من الصلبيبن بسبب تعرضهم لامطار الشتاء القارس والبرد والجوع و وقد وجد بعض غذاء جديدآ بأمتصاص " أعواد حلوة سموها زكرا zucra = كلمى مشتقة من الكلمة العربية سكر = , ففيها ذاق الرفنجة السكر لأول مرة , وعرفوا أنه يصنع من عصير أحدى النباتات المزروعة <16> , وقدمت العاهرات للغزاة متعا أشد خطرا من السكر نفسه , ومن ذلك ان رئيس للشماسة قتله الأتراك وهو مضطجع مع عاهرة سورية <17> .

وجأءت الأنباء فى شهر مايو سنة 1098 أن جيشا أسلاميا كبيرى بقيادة كربوغة أمير الموصل يقترب من انطاكية , لكن هذه المدينة سقطت فى أيدى الصلبيبن -3يونيه 1098 – قبل ان يصل اليها هذا الجيش ببضعة أيام , وخشى كثيرون من الصلبين عجزهم عن مقاومة كربوغة , فركبوا السفن فى نهر العاصى , فروا هاربيبن , وزحف ألكيسوس بقوة من جنود الرومان , ولكن جماعة من الفارين غرروا به , فأدخلوا فى روعه أن المسيحين هزموا , فعاد أدراجه ليدافع عن أسيا الصغرى , ولم يغفر له الصلبيين هذه الفعلة , واراد قسيس من مرسيلية يدعى بطرس بارثليمو يبعث الشجاعة من جديد فى قلوب المسيحين , فأدعى أنه عثر على الحرية التى نفذت فى جنب المسيح , ولما سار المسيحيون للقتال رفعت هذه الحربة امامهم كأنها علم مقدس , وخرج ثلاثة من الفرسان من بين التلال فى ثياب بيضاء حين نادهم الرسول البابوى أدهمار وسماهم الشهداء القديسين موريس , وثيودور, وجورج .

وبعث ذلك فى قلوب الصلبيبن روحا جديدة , وتولى بوهند القيادة الموحدة فأنتصروا أنتصارأ حاسمآ , ثم أتهم بارثليموا بأنه أرتكب خدعة دينية , وعرض على ان بحكم الله فيجتاز نار مشتعلة ليثبت بأجتيازها صدق دعواه ,وأجيب الى طلبه فأخترق نارآ مشتعلة فى حزم من الحطب , وخرج سالما فى الظاهر , ولكنه توفى فى اليوم التالى من أثر الحروق أو من الأجهاد الذى لم يتحمله قلبه , وأزيلت الحربة من بين الاعلام الصليبية <18>.