أخي الحبيب الواضح أن صاحب هذا الافتراء يطلق لعقله العنان ليفكر في كل شيء ويكون في حكمه ما يصل إليهاقتباسالمشاركة الأصلية كتبت بواسطة darsh18m
فمثلا هو لا يعرف شيئا من علوم البلاغة ولكنه يسمح لعقله أن يحكم أن الشعر والقرآن شيء واحد
أولا ليس بصحيح أن الرجل يقول الشعر ويقول الكلام العادي .
أسلوب القرآن وأسلوب الحديث وهما نوعان من الكلام ليسا بالشعر بل من الكلام الذي يمكن تجوزا أن نقول نثر مثلا
كلا الكلامين القرآن والحديث لم يختلط أسلوب حديث بأسلوب آية واحدة أبدا
والشاعر عندما ينثر يشعر
هكذا قال أهل البلاغة
لأن أوزان الشعر تغلب على عقله وهو يكتب فترى نثره موزونا ويقرب كثيرا من الشعر الحر
لا بد من المثال الذي به يتضح المقال:
الشعر العربي كنز عظيم للخيالات والصور والحركة والإيقاع والموسيقى والصخب وما شاكل
تأمل عندما أراد أحد أعظم شعراء العربية على الاطلاق امرئ القيس أن يصف حصانه
ولقد أغتدي والطير في وكناتها ************* بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا **************** كجلمود صخر حطه السيل من عل
الرجل يصف حصانه وحركته في ساح الوغى
يقول أنه يغتدي ولما تزال الطيور في أعشاشها على حصانه الذي يسميه قيد الأوابد أي الموت الزؤام
حركة هذا الحصان أنه يكر ويفر ويقبل ويدبر
وينحدر سريعا كما صخرة عظيمة تنحدر من شاهق يدفها السيل فلا يستطيع أحد إيقاف اندفاعه
وحتى يكون البيت جميلا كان لا بد من الموسيقى المصاحبة للمشهد
فجاء امرء القيس بكلمات تحاكي ركض الخيل وأصلا اختار البحر العروضي الذي نظم البيت على أساسه موافقا لركض الخيل
فقال: مكر
مفر
مقبل
مدبر
ولو قرأتها محاولا أن تحاكي ركض الخيل لرأيتها كصوت حركة الحصان في جريه
فالبيت يعطيك الصورة الحية لحصان يركض في المعركة يكر ويفر ويقبل ويدبر في حركة واحدة مناورا
تلاحظ خلو البيت من الألوان وخلوه من غير صورة واحده هي صورة حركة الحصان يقبل ويدبر
هذا البيت على جماله تعال نقارنه بعشر كلمات من القرآن الكريم في الموضوع نفسه لترى الفرق الهائل في الأسلوب والبلاغة:
يقول الحق سبحانه:
والعاديات ضبحا ** فالموريات قدحا ** فالمغيرات صبحا ** فأثرن به نقعا ** فوسطن به جمعا
أحص عدد كلمات البيت السابق تجدها عشرا وعدد كلمات هذه الآيات عشرا
هذه العشر كلمات ماذا حوت من طاقة بلاغية؟؟
أولا يقسم الحق سبحانه بالعاديات وهي الخيل التي تعدو منطلقة لساحة المعركة
ضبحا
والضبح النفس الحار الذي ينطلق من أنف الحصان وهو يركض مسرعا، ولما كان الوقت صبحا قبل أن تشرق الشمس وما في ذلك الوقت من برد الصباح
كان يصاحب ركض الحصان البخار المتصاعد من فمه وتحس هنا صورة حصان يركض وهو ضبح
فالموريات قدحا
عندما يركض هذا الحصان أو هذه الخيل المنطلقة للمعركة تنقدح الأرض تحت حوافرها من شدة الركض وقوة الانطلاق
فيتطاير الشرر من تحت الأقدام والفاعل في قدح هذا الشرر هو الخيل نفسها من قوة حوافرها وسرعة انطلاقها
فالمغيرات صبحا:
وقت إغارتها على العدو هو الصباح الباكر وما فيه من عنصر المباغتة
فأثرن به نقعا
عندما توسطت جموع ومرابع العدو في أرضه وعقر داره صبحا أثرن النقع أي الغبار
فتتخيل هنا قوم نائمون باغتهم عدوهم وهم في غفلة من أمرهم وتوسط بخيله مرابعهم وأثار الغبار في وسط المرابع والشرر يتطاير والأنفاس تلهث ويتصاعد البخار من الخيل التي تعدو
فوسطن به جمعا
أي توسطت جموع العدو وقت الصبح وباغتتهم
صورة معركة كاملة من ألفها إلى يائها في عشر كلمات
تثير الخيال لترى:
الألوان:
الشرار المنقدح، والبخار المتصاعد من الخيل، والغبار
الموسيقى:
ترى وقع الخيل وحركتها في فاصلة كل آية:
ضبحا
قدحا
صبحا
نقعا
جمعا
لو قرأتها كما ركض الخيل لرأيتها تحاكي ركض الخيل
بل إن كل آية تحاكي طريقة الحصان في الجري:
والعاديات ضبحا
انبساط فانقباض كخيل تطوي أرجلها مجمعة إياها معا ثم ترسلها مسرعة في حركة الخيل ويا ليتك معي لأسمعك كيف تقرأها وتتحسس موسيقيتها المحاكية لركض الخيل
ثم من الموسيقى أيضا ائتلاف الكلمات وتناسقها الرهيب
فالموريات قدحا
فأثرن به نقعا
لاحظ أن إثارة النقع تناسب كلمة أثرن به نقعا كلمة النقع
وحسن اختيار كلمة أثرن ولم يقل فهيجن به النقع مع أن معنى الكلمتين واحد يقال أثرت الثور أو هيجته
ولاحظ ما في كلمة أثرن من جمال كأنها تعمل ثورة في قلب هذا الغبار لتستخرج مكنوناته وتثيره ليرتفع للأعلى ليزيد من مأساة القوم المباغتين
ثم إن استعمال القسم على صورة اسم الفاعل له من الجمال ما لا يخفى
والعاديات
الواو للقسم
العاديات قسم بصورة اسم الفاعل
(والتي تضبح ضبحا)، يعني تركض بسرعة وتتنفس وتصهل بسرعة، يعني هذا المنظر يصف جماعة من الخيل تركض، وتضبح دلالة على النفس الشديد العميق، هذه القطعة الأولى، هذا الركض فوراً يصبح جريا ومشيا وصوتا.. وفيه نار أيضاً وشرار
فأثرن: الفاء فاء العطف، العطف على ماذا؟ أثرن: نحن ليس عندنا فعل مسبق، عندنا: والعاديات ضَبحا، فالمورِيات قَدحا، فالمغِيرات صُبحا..
فأثرن عطف على ماذا؟ باعتبار أنه اسم الفاعل يقوم مقام الفعل، يعني: فأورين قدحاً (العاديات)، أورين قدحا وأغرن صبحا فأثرن نقعا.. أليس كذلك؟ على اعتبار أنه فعل واسم فاعل، وكل واحد يقوم مقام الآخر بالنسبة للعكس، فأثرن به نقعا بأي شيء؟ ضمير، ومرجع الضمير معناه مثلما يقولون، يعني: فأثرن بالإيراء والعدْو والغارة (بهذه الأعمال التي حصلت).. أثرن بهذا الشيء نقعا
فلك أن تتخيل هذا الغبار والنقع الذي تثيره خيل تعدو تصهل وتغير
كم سيكون في مقدور العدو أن يستعد للحرب؟
مباغتة وهذا المشهد الصاخب المثير!!
البلاغة أن يترك لخيالك العنان أن تتفكر وتقدر وتتصور ما سيحصل بعد ذلك
لا أن يأتي لك بالكلام مقولبا جاهزا
البلاغة أن يستثير انفعالاتك وإحساسك ومخيلتك بأسلوب رهيب
فالألوان والموسيقى والمشهد كل ذلك يعتبر قطعه فنية بالغة الروعة والدقة
والله تعالى اعلم
المفضلات