

-
وقاومهم أهل البلاد مقاومة عنيفة , وأغلقت بعض المدن أبوابها فى وجوههم , وامرهم بعضها أن يرحلوا عنها بلا مهل , ولما بلغوا أخر الأمر مدينة القسطنطية , بعد أن نفدت أموالهم , وهلك منهم من هلك بفعل الجوع والطاعون ,والجذام , والحمى والمعارك التى خاضوا غمارها فى الطريق , رحب بهم الكسيوس ; ولكنه لم يقدم لهم الكفاية من الطعام فأنطلقوا فى أرباض المدينة ,ونهبو الكنائس والمنازل والقصور ,وأراد ألكيسوس أن ينقذ عاصمته من هذه الجموع الفتاكة التى أهلكت الحرث والنسل وكانت فيها كالجراد المنتشر , فأمدها بالسفن التى عبرت بها البسفور , وأرسل أليها المؤن وأمرها بالأنتظار حتى تأتى لها فرق أخرى أحسن منها سلاحا وعتادآ .
ولكن الصلبيبن لم يستمعوا الى هذه الأوامر , سواء كان ذلك لجوع او قلقهم أو نفاذ صبرهم ,فزحفزوا على نيقية .وخرجت عليهم قوة منظمة من الترك , كلها من مهرة الرماة وأبادت هذه الطليعة من فرق الحملات الصلبيبة الأولى فلم تكاد تبقى على أحد منها . وكان ولتر المفلس من بين القتلى ; وأما بطرس الناسك فكانت نفسه قد أشمائزت من هذه الجموع التى لا تخضع لقيادة , وعاد قبل المعركة الى القسطنطينة , وأقام فيها سالما حتى عام 1115م .
وبينما كانت هذه الحوداث تجرى فى مجراها , كان الزعماء والأقطاعيون الذين حملوا الصليب قد جمع كل منهم رجاله فى أقليمه , ولم يكن من بين هؤلاء الزعماء ملوك , فقد كان فيلب الأول ملك فرنسا , ووليم الثانى ملك أنجلترا , وهنرى الرابع ملك ألمانيا , كان هؤلاء جمعيا مطرودين من حظيرة الدين حين كان أربان الثانى يدعو الى الحرب الصليبية ,ولكن كثيرآ من الأشراف أنضموا الى صفوف المقاتلين , وكانوا كلهم تقربيآ من الفرنسيين
أو الفرنجة .
وبهذا كانت الحرب الصلبيبة الأولى , فى الأغلب الأعم مغامرة فرنسية , ومن اجل هذا ظل الشرق الأدنى الى هذا اليوم أذا ذكر غربى اوربا سماه بلاد الفرنجة " الأفرانج " ,وكان الدوق جدفرى سيد يويون < وهى مقاطعة صغيرة فى بلجيكا > يجمع بين صفات الجندى والراهب – كان شجاعآ محنكا فى الحرب , ورعا الى حد التعصب فى الدين ; وكان الكونت بوهمند من سادة ترنتو أبن روبرت جسكارد قد ورث عن أبيه كل شجاعته وبراعته , وكان يحلم بأقتطاع مملكة له ولجنوده من النورمان من الأملاك البيزنطية السابقة فى الشرق الأدنى وكان معه أبن تانكرد الهوتفيلى الذى شاءت الأقدار أن يكون بطل رواية أورشليم المنجاة لتاسو وكان بهى الطلعة , وشجاعا لا يهاب الردى , شهما , كريما , يحب المجد والمال , يعجب به الناس كافة ويرونه المثل الأعلى للفارس المسيحى .
وكان ريموند كونت طولوز قد حارب المسلمين من قبل فى أسبانيا فلما تقدمت به السن وهب نفسه وثروته العظيمة الى حرب أكبر وأوسع , ولكن غطرسته افسدت عليه نبله , ودنس بخله تقواه . وسارت هذه الجموع الى القسطنطينة من طرق مختلفة ; وعرض بوهمند على جدفرى أن يستوليا على المدينة , فرفض جدفرى هذا العرض لأنه لم يأت , على حد قوله ألا لقتال الكفرة , ولكن هذه الفكرة لم تمت . واكن فرسان الغرب الأشداء أنصاف الهمج يحتقرون سادة الشرق المثقفين المخادعين , يرون أنهم مارقون من الدين , مخنئون مترفون .
وكانوا ينتظرون بعين الدهشة والحسد الى الكنوز المخزونة فى كنائس العاصمة البيزنطية ,وقصورها وأسواقها ,ويرون أن هذا الثراء العظيم يجب أن يكون من نصيب البواسل .
ولعل ألكسيوس قد ترامت أليه هذه الأفكار التى تملأ صدور منقذيه , وكان مالاقاه فى قتال جحاقل الفلاحين –وقد لامه الغرب على هزيمته أياهم – مما دعاه الى اصنطناع الحذر , وأن شئت فقل الى النفاق . نعم أنه أستنجد بالغرب على الأتراك , ولكنه لم يطلب أن يطلب أن تتجمع قوى أوربا المتحدة على ابواب عاصمته , ولم يكن واثقا قط من أن أولئك المقاتلين يطمعون فى أورشليم بقدر ما يطمعون فى القسطنطية , أو من انهم سيعيدون الى ملكه أى أقليم ينتزعونه من الأتراك ...
-
وكان من قبل من أملاك الدولة البيزنطية , ولهذا عرض على الصليبين المؤن , والاموال , ووسائل النقل , والمعونة الحربية , وعرض على زعمائهم رشا سخية <13>, وطلب أليهم فى نظير هذا أن يقسم النبلاء يمين الولاء له بصفته سيدهم الأقطاعى وأن تكون كل الاراضى التى يستولون عليها أقطاعيات لهم منه وأثرت الفضة فى نفوس النبلاء ورققت قلوبهم , فأقسموا يمين الولاء .
وعبرت هذه الجيوش البالغ عددها نحو ثلاثين ألفا المضيقين فى عام 1079 , وكانت لا تزال موزعة القيادة . وكان من حسن حظ الصلبيين أن المسلمين كانوا أشد أنقساما على انفسهم من المسيحين , فقد أنهكت الحروب قوة المسلمين فى أسبانيا , ومزقت المنازعات الدينية وحدتهم فى شمالى أفريقية ; وكان الخلفاء الفاطميون فى الشرق بلاد الشرق الجنوبية , بينما كان أعدائهم السلاجقة يمتلكون جزءها الشمالى والقسم الأكبر من أسيا الصغرى , وخرجت أرمنينة على فاتيحها السلاجقة وتحالفت مع الفرنجة ,وزحفت جيوش أوربا يؤيدها هذا العون كله وحاصرت نيقية .
وأستسلمت الحامية التركية فى المدينة ,بعد أن وعدها ألكيسوس بالمحافظة على حياتها -19 يونيه سنة 1097 م – ورفع أمبراطور الروم علم الأمبراطورية على حصنها , وحمى المدينة من النهب ,و أرضى الزعماء الأقطاعين بالعطايا السخية , ولكن الجنود المسيحين أتهموا ألكسيوس بأنه ضالع مع الأتراك ,وأستراح الصلبيون فى المدينة أسبوعا زحفوا بعده على أنطاكية , وألتقوا عند دور يليوم بجيش تركى تحت قيادة قلج أرسلان , وأنتصروا عليه أنتصارآ كثيرآ من الدماء < أول يوليه سنة 1097 > , واخترقوا أسية الصغرى دون ان يلقوا فيها عدوآ غير قلة الماء والطعام , والحر الشديد الذى لم تكن دماء الغربيبن قادرين على تحمله , ومات الرجال والنساء والخيول والكلاب , من العطش فى أثناء هذا الزحف الشاق الذى أجتازوا فيه خمسمائة ميل .
فلما عبروا طوروس أنفصل بعض النبلاء بقواتهم عن الجيش الرئيسى ليفتحوا لأنفسهم فتحوحا خاصة بهم –فسار ريمند , وبوهمند , وجدفرى الى أرمينية ; وسار تنكرد وبولدين – أخو جدفرى – الى الرها حيث أسس بلدوين بالختل والغدر <14> أولى الأمارات اللاتينية فى الشرق <1098> . وأخذت القوات الصلبينين الكبرى تشكو من هذا التأخير وتتوجس منه الشر المستطير ; فعاد النبلاء وواصلت القوة بأجمعها الزحف على أنطاكية .
ويصف المؤرخ الأخبارى صاحب جستا فرنكوم أنطاكية بأنها " مدينة ذات بهجة وجمال عظيم تمتاز عن سائر المدن جميعا "<15>.
وقاومت المدينة الحصار ثمانية أشهر مات فى خلالها كثيرآ من الصلبيبن بسبب تعرضهم لامطار الشتاء القارس والبرد والجوع و وقد وجد بعض غذاء جديدآ بأمتصاص " أعواد حلوة سموها زكرا zucra = كلمى مشتقة من الكلمة العربية سكر = , ففيها ذاق الرفنجة السكر لأول مرة , وعرفوا أنه يصنع من عصير أحدى النباتات المزروعة <16> , وقدمت العاهرات للغزاة متعا أشد خطرا من السكر نفسه , ومن ذلك ان رئيس للشماسة قتله الأتراك وهو مضطجع مع عاهرة سورية <17> .
وجأءت الأنباء فى شهر مايو سنة 1098 أن جيشا أسلاميا كبيرى بقيادة كربوغة أمير الموصل يقترب من انطاكية , لكن هذه المدينة سقطت فى أيدى الصلبيبن -3يونيه 1098 – قبل ان يصل اليها هذا الجيش ببضعة أيام , وخشى كثيرون من الصلبين عجزهم عن مقاومة كربوغة , فركبوا السفن فى نهر العاصى , فروا هاربيبن , وزحف ألكيسوس بقوة من جنود الرومان , ولكن جماعة من الفارين غرروا به , فأدخلوا فى روعه أن المسيحين هزموا , فعاد أدراجه ليدافع عن أسيا الصغرى , ولم يغفر له الصلبيين هذه الفعلة , واراد قسيس من مرسيلية يدعى بطرس بارثليمو يبعث الشجاعة من جديد فى قلوب المسيحين , فأدعى أنه عثر على الحرية التى نفذت فى جنب المسيح , ولما سار المسيحيون للقتال رفعت هذه الحربة امامهم كأنها علم مقدس , وخرج ثلاثة من الفرسان من بين التلال فى ثياب بيضاء حين نادهم الرسول البابوى أدهمار وسماهم الشهداء القديسين موريس , وثيودور, وجورج .
وبعث ذلك فى قلوب الصلبيبن روحا جديدة , وتولى بوهند القيادة الموحدة فأنتصروا أنتصارأ حاسمآ , ثم أتهم بارثليموا بأنه أرتكب خدعة دينية , وعرض على ان بحكم الله فيجتاز نار مشتعلة ليثبت بأجتيازها صدق دعواه ,وأجيب الى طلبه فأخترق نارآ مشتعلة فى حزم من الحطب , وخرج سالما فى الظاهر , ولكنه توفى فى اليوم التالى من أثر الحروق أو من الأجهاد الذى لم يتحمله قلبه , وأزيلت الحربة من بين الاعلام الصليبية <18>.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة bahaa في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 07-07-2010, 08:24 PM
-
بواسطة قاهر الكنيسة في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 05-05-2008, 10:33 PM
-
بواسطة islam62005 في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 28-03-2007, 02:37 AM
-
بواسطة احمد قدوج في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 15-03-2006, 12:45 AM
-
بواسطة end في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 10-11-2005, 03:31 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات