أوامر عديدة في الإسلام:

يحدد الاسلام أيضا بوضوح الأعمال والعبادات، خلافا على
المسيحية
التي لاتكاد تكون فيها أوامر.
الاسلام يوجب على كل مسلم أعمال وعبادات لابد له من
فعلها.عقيدة
الاسلام هي إيمان في القلب وهو فعل داخلي، مع عمل بهذا
الإيمان،
وهو فعل خارجي. عندما يجتمع الفعلان معا يصبح المرء
مسلما.
والأعمال هي :
الشهادة والصلاة والصيام والزكاة والحج. هذه هي أركان
الإسلام
الخمسة. أولها الشهادة، وهي أن تشهد بأنه لا إله إلا
الله وأن
محمد رسول الله. يجب النطق بهذه الشهادة باللسان بلا
إنقطاع.
ثاني الأركان هو الصلاة، يوجب الإسلام على المسلم أن
يصلي متوجها
إلى الكعبة خمس مرات في اليوم. وبخاصة يوم الجمعة وهو
يوم
مقدس يجب الذهاب فيه إلى المسجد والصلاة جماعة.
بالمناسبة
يطلق البعض على المسجد الإسلامي لفظ المعبد الإسلامي
وهذا خطأ
فادح. لا يوجد كهانة في الإسلام وبالتالي لا يوجد معابد.
الصحيح
أن يطلق عليها مصلى أو جامع. لأنه لايوجد رهبان في
الإسلام.
إسمحوا لي بتعليق صغير هنا، فرضت الصلاة في الإسلام عن
طريق
القرآن، ولكن لا يذكر القرآن الطريقة التفصيلية للصلاة.
القرآن هو الوحي الأوحد في الإسلام، ولكنه لا يغطي كل شئ
إلى تفاصيل
التفاصيل، لذلك هناك مصادر عدة للتشريع الإسلامي أولها
هو
القرآن، إذا لم نجد فيه حكما، نذهب إلى ثاني المصادر ثم
إلى الثالث، وهكذاإلى المصدر العاشر للتشريع. وسأحكي
بالتفصيل
عن هذه المصادر فيما بعد، ولكن أكتفي هنا بذكر أن
الطريقة
المفصلة لكيفية الصلاة نجدها في المصدر الثاني من مصادر
التشريع وهو السنة.
ثالث أركان الإسلام هو الصيام، يجب على المسلم صيام شهر
رمضان
وهو الشهر التاسع من التقويم الإسلامي. منذ بزوغ فجر
اليوم إلى
غروب الشمس محرم تناول أي طعام أو شراب. فريضة قاسية
جدا،
ولكنها تختلف عما يتصوره اليابانيون عن الصيام، فالصيام
عند
اليابانيين هو صيام الوصال، إذا كان إسبوعا فهو صيام
متواصل
لمدة سبعة أيام ليلا ونهارا، ولكن في الإسلام إذا غربت
الشمس
يصبح مباح أكل أي شئ. حتي أن القرآن يذكر أنه يمكن
مباشرة
الزوجة في ليلة الصيام. طبعا سيتخيل البعض أن الموضوع
سهل
إذن. لكن فريضة الصيام صعبة جدا، حتى أن بعض الناس يتأثر
جسمانيا منها. لذلك هناك بعض الإستثناءات التي تسمح
للحامل
والمريض والمسن بعدم الصيام. وحتي المسافر أيضا يباح له
الفطر. إذا بالغنا في القول، لو لم تتحمل جوع الصيام فمن
الممكن أن تذهب في رحلة.
الصفات المميزة لأي دين له قواعد وأوامر، أنه علي قدر
شدة هذه
الأوامر بقدر ما توجد بعض السبل للفكاك منهابشكل شرعي
وقانوني.
إذا كان محرم أكل بعض الأطعمة، فأكل ما عداها مباح.
أما الأديان التي ليس بها قواعد وأوامر كالمسيحية فعند
القيام بأي فعل ممكن أن تثور ثارة المشاكل والصراعات.
قمة المشاكل هي
الديانة اليابانية، لا يتضح في الديانة اليابانية هل
هناك
أوامر وقواعد أم لا، تسير الأمور بشكل عائم. مثلا قواعد
ما يأكل
وما لا يأكل، يبدو للوهلة الأولى أنه ليس هناك أي مانع
أو محظور
ولكن عالم الأديان الياباني شيتشيهيه ياماموتو إكتشف أنه
توجد قواعد، مثلاً ذوات الأربع من الحيوانات. حتى نهاية
عصر إدو 1867
كان اليابانيون عادة لا يأكون لحم البقر أو الخنزير. في
الوقت
الحالي لا يأكل اليابانيون لحوم القطط أو الكلاب، ولكن
ليس لأنها
محرمة. لماذا ليست محرمة؟ لأن اليابان ليس بها حلال
وحرام.
لكن في عصر إدو كان هناك من يأكل لحم الخنزير البري.
ولكي
يتم تمرير هذه المسألة أطلقوا عليه إسم لحم حوت الجبل أي
سموا
الخنزير البري حوت الجبل. كانوا يأكلون الأرانب أيضا بعد
أن
صنفوها ضمن الطيور. حتى اليوم يتم عد الأرانب بطائر،
طائرين،
ثلاثة طيور وهكذا. هذا الشكل العائم من طرق الضبط لا
يمكن تخيله في الإسلام. الإستثناءات محددة بشكل واضح
وقاطع، وعند إستخدامها
يجب أن توافق المنطق.
نعود إلي رابع أركان الإسلام وهو الزكاة. توجد زكاة في
البوذية
ولكن الإختلاف الكبير أنه في البوذية الزكاة غير ملزمة.
ولكن
في الإسلام الزكاة وإعانة الفقراء والتصدق عليهم فريضة
دينية
في المجتمع الإسلامي، الفريضة الدينية هي الواجب
الاخلاقي، هي
الإلتزام القانوني، لذلك تحمل الزكاة والصدقات صفة
الضرائب.
لكن الإختلاف هو أنه لا يوجد تهرب من الزكاة ولا تحتمل
الغش فيها.
الزكاة هي إلتزام أمام الله، فلا يوجد التفكير في توظيف
محاسب
ضريبي مهمته تقليل المدفوع إلى أقل ما يمكن. أما الغش
فيها
فأمر غير وارد على الإطلاق. ولأن الزكاة هي قانون الدولة
فهي
محددة بدقة منتاهية 2,5 في المئة من الدخل. ويجب
الإنتباه هنا
أن المقياس علي الدخل وليس على الثروة. وأن يحدد الإسلام
ذلك
فهو ما يدل على دقة شديدة في الشريعة الإسلامية. أيضا
توجد غير
الزكاة الصدقات وهي ليست إجبارية، ولكن في الغالب تكون
ما بين
العشرة إلى الخمسة عشر في المئة من الدخل، ولكن بالطبع
ليست
محددة بدقة، ومتروكة للمسلم يقررها بنفسه. والفكرة هي
أخذ ما
يحتاج إليه المسلم مما يرزقه الله به والباقي يرده عن
طريق
الصدقات، لذلك لايوجد التفكير في الفصال في هذا المجال.
(خان يوسف ضاي "ما أعرفه عن العرب وعن اليابان" سوني
للنشر)
هناك قضية أخرى أن العلاقة بين المسلمين لا تحدد بمن
يعطي
الصدقة ومن يأخذها. كلاهما يعمل عملا طيبا. في البلاد
الإسلامية
إذا أعطيت المتسول حسنة يدعو لك الله أن يرزقك. أحد
اليابانيين
يقول أنه أحس من تعبير وجه المتسول وكأنه يقول سأتفضل
عليك
بأخذ صدقتك من أجل أن يرضي الله عنك. يبدو أن اليابانيين
من
الصعب عليهم تقبل هذا النوع من الدعاء.

آخر الاركان هو الحج. وهو الذهاب إلى مكة في الشهر
الثاني عشر
من التقويم الإسلامي وإقامة شعائر الحج التي أهمها
الطواف حول
الكعبة. المسلم الراشد يكفيه الحج مرة واحدة في العمر.
ولكنها
فريضة لمن يستطيع. فمن ليس لديه متسع من المال والصحة
والقدرة
لا يفرض عليه الحج. ولكن المؤمن المستطيع يشارك في الحج
عدة
مرات ولو حبوا على الأرض. وإذا لم يستطع هو يرسل أبناءه
وأخلاءه
ولا يتواني في تقديم المساعدات المالية لذلك. ومن ينتهي
من
الحج يلقى إحتراما كبيرا.
أثناء الحج إذا كنت مسلما فلا فرق بين عدو وصديق، الكل
يصبحون إخوانا. وتذوب الفروق الإجتماعية والعرقية.
يتساوى الملوك مع
عامة الناس. في الحج تتولد بين الجميع وليجة تستوجب
الإعجاب.
سأعرض عليكم كيف يصف ذلك صحفي جاء من العالم الإسلامي
ويعيش في
اليابان الذي يصفها بشكل جيد فيقول:
<من يشارك في أداء الحج وينهيه يطلق عليه لقب حاج. وهو
يشبه
إلى حد كبير لقب سنسيه(الاستاذ) في اليابان. فكما نقول
للإستاذ
صباح الخير يا سنسيه، فمن أدى الحج يقابله أهل بلده
بصباح
الخير يا حاج. وهو شئ يبعث في نفس أي مسلم على الإرتياح
والنشوة. فلقب الحاج لن يستطيع أي فرد آخر الحصول عليه
بأداء
أي فريضة أخري غير فريضة الحج. وكذلك أيضا لأنه دليل
صادق على
صفاء وعمق إيمان صاحبه.(...) كل من يذهب إلى الحج بغض
النظر
عن لون بشرته أو فقره أو غناه يستريح نفسيا في تلك
الخيمة
المتواضعة.
بالفعل فكل من يذهب إلى الحج من الرجال يلف حول جسده
قطعة
واحدة من القماش الطويل. والنساء يزيدن عليها قطعة أخرى،
فتغطي جسدها كله أبتداء من الرأس فيما عدا الوجه فقط
تظهره.
لذلك لا يمكن التمييز هل الذي امامك غنيا أم هو رئيس
جمهورية
أم هو مجرد فرد من عامة الناس.
أثناء الحج الفارق الإقتصادي بالطبع، وكذلك إختلاف
الجنسية
وإختلاف لون البشرة سواء أسود أو أبيض أو أصفر أو أحمر،
هذه
الفروقات جميعها لا تثير أي مشكلة على الأطلاق.
الجميع يرتفع فوق الفروقات ويتوحدون مع بعضهم البعض،
ويصلون
متجهين إلى قبلة واحدة. هذه التجربة تؤثر على من عايشها
فردا
فردا تأثيرا عظيما جدا. الإنسان في العالم الإسلامي لا
يهتم كثيرا
بمسألة الجنسية كما يفعل اليابانيون، والسبب إنه على أرض
الواقع هناك مواضع مثل الحج يتواصلون فيها مرتفعين فوق
إختلاف
جنسياتهم. > (يوسف ضاي، المصدر السابق)

من هذا المثال يتضح لنا أن الحج يولد تواصل مثالي بين
المسلمين. بذلك يمنع حدوث الأنومي أو عدم التواصل. قوة
الإسلام
في هذه النقطة.
كان في اليابان ايضا عادات الحج إلى المعابد، وكانت
مزدهرة
ظاهرة الحج إلى معبد إسه، ولكن لم يتساوى فيه عامة الناس
مع
القادة العظام. في مثل هذه الحالة يصبح التواصل شئ صعب
جدا.
عندما يلتزم المسلم في أفعاله بما جاء في القرآن وأولها
أركان
الإيمان، وأركان الإسلام الخمسة، حينئذ لأول مرة يعتبر
من أتباع
الدين الإسلامي.
في عالم الصحافة وغيرها يتم إستخدام كلمة فندمنتاليست
للتعبير
عن المتطرفين الإسلاميين، وتم ترجمتها في اليابان إلى
كلمة
الأصوليين, وهو إستخدام خاطئ. فالأصولية فندمنتالزم كلمة
تخص
المسيحيةفقط.
الأصولية المسيحية في الوضع الطبيعي ليس لها علاقة
بالسياسة.
فالإلتزام التام بما جاء به الإنجيل, وأن <إيمانك هو
الذي
يداويك> ليس له أي علاقة بالسياسة.
لكن الإيمان في الإسلام لابد أن يتبعه فعل. ففي الإسلام
السياسة
المثالية هي التي يحددها علماء الدين والعارفين بالقرآن.
كما قلنا تعاليم الدين وعادات المجتمع وقوانين الدولة
كلها
متوحدة ونابعة من الشريعة. فمن الطبيعي أن تكون السياسة
أيضا
كذلك نابعة من الشريعة.

المعنى الأكبر لقراءة القرآن:

ذكرت في بداية الكلام أن أهم طريقة لمعرفة الإسلام هي
قراءة
القرآن. وسأبدأ الأن في شرح كيفية قراءته.
في البداية الفاتحة. وإذا كنت تريد قراءة القرآن فمن
الأفضل
حفظها:

<بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين
إياك نعبد وإياك نستعين
اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم, غير المغضوب عليهم, ولا
الضالين.>

أولا نص بسم الله الرحمن الرحيم هذا يأتي في بداية كل
سورة من
القرآن. ربما يعتقد اليابانيون بسبب تعودهم على كلمة
الرحمة
في البوذية، أن ذلك شئ مفروغ منه. ولكن في الواقع مقارنة
بوضع الأديان في العالم كله يعتبر هذا شئ يثير العجب.
سفر التكوين في العهد القديم يبدأ بخلق الله للسماء
والأرض،
ويبدأالأنجيل في العهد الجديد بأن المسيح هو من نسل داود
الذي
هو من نسل النبي إبراهيم. لكن القرآن يبدأ بالرحمة.
كلمة الرحمة في الإسلام هي نفسها كلمة الرحمة في
البوذية، لكن
معناها يختلف إختلافا كبيرا. في اليابان يقال إن بوذا ذو
رحمة
واسعة. ويعلم جيدا منطق السببية، ولذلك يعلًٌٍَُِم
أتباعه الافعال
والعبادات التي تجعلهم يحافظون على الأخلاق الحميدة. لكن
لا
يستطيع بوذا أن يغفر لمن إقترف ذنب من الذنوب، لا تصل
قدراته
إلى هذا الحد.
لكن في الإسلام الرحمة هي أن الله قادر على غفران الذنوب
لمن وقع في الذنب. الرحمة تؤدي في النهاية إلى ذلك.
هذه مسألة مهمة في كيفية قراءة القرآن.
إذا تاب الإنسان توبة من القلب يغفر له. وهو ما يحتوي
على
تناقض من وجهة نظر علم الأديان. بمعنى إذا كان الله قادر
على
المغفرة، فهذا يعني أنه لا يمانع من فعل الذنوب. ولكن
لابد من
التوبة والندم، يجب قراءة ذلك.
إله اليهود لا يغفر أي ذنب. يبيد من يخالف أوامره من
الأمم على
أخرهم. المسيح لا يسأل عن الأفعال هل فعلت خيرا أم شرا,
كل ما
يركز عليه هو الإيمان وكفى. في الديانتين توجد كلمة
توبة.
ويتم التركيز عليها كثيرا، لكن ماذا يحدث بعد التوبة؟
الأمر
متروك عائما بلا تحديد. لكن اليابانيون يملأهم الأعتقاد
بأن من
يتوب ويندم من أعماق قلبه لابد أن يغفر له. والأدهي أنهم
يظنون
أن ذلك –أي الغفران- شيئا طيبا، لكن في الواقع طريقة
تفكير
اليابانيين تلك غير مألوفة على مستوى العالم والتاريخ.
لنعطي بعض الأمثلة. عندما تولى كونفوشيوس مؤسس الديانة
الكونفوشية الوزارة في عهد الملك روه، أول ما فعله كان
القضاء
على الوزراء الأشرار. ليس بطريقة هينة، ولكنه نفذ فيهم
حكم
الإعدام. طبعا أول سؤال يتبادر إلى ذهن اليابانيين، أن
شخص مثل
كونفوشيوس ألم يجد وسيلة أخرى غير الإعدام؟ ألم يكن
الأفضل
الإكتفاء بإبعادهم بالنفي مثلا؟ القديس يجب أن يكون صاحب
شعور
إنساني رفيع، ويمد يد العون إلى الناس حتى المحكوم عليهم
بالإعدام. هكذا يفكر اليابانيون. لكن الأمر على العكس،
القديس
هو من يعدم من يستحق الإعدام بلا تردد.
لنعطي مثال آخر. من سربوا غاز الخردل في القطارات وقتلوا
العشرات من النا، لم يعدموا، ولم تطالب وسائل الإعلام
بوجوب
إعدامهم بلا تردد. لو حدث ذلك في أمريكا، لأنقلبت البلاد
رأسا
على عقب بلا أي شك. في القانون الامريكي، القاعدة هي أن
القاتل
يعدم، والإستثناء هو عدم الحكم بالإعدام. هذا هو الوضع
المألوف
في مختلف أنحاء العالم.
لهذا السبب تمر كلمة الله الرحمن الرحيم على آذن
الياباني مرور
الكرام، ولكن الغربيين إذا سمعوها يصيحوا <يا له من إله>
مبدين دهشتهم لوجود مثل هذا الإله. إله يستخدم منطقي
السببية
والقدرية معا.
وتستمر الدهشة.