

-
وصدر النهائى من أوربان نفسه , وأن كان هو وغيره من البابوات قد طافت بعقولهم هذه الفكرة . فقد دعا جربرت , حيتمنا أصبح البابا سلفستر الثانى , العالم المسيحى لأنقاذ بيت المقدس , ونزلت حملةة مخففة فى بلاد الشام حوالى سنة 1001 ; ولم يمنع النزاع المرير القائم بين جويجروى السابع وهنرى الرابع البابا من أن يقول بأعلى صوته " أن تعريض حياتى للخطر فى سبيل تخليص الأماكن المقدسة لافضل عندى من حكم العالم كله " <4>.
وكان هذا النزاع لا يزال على أشده حين رأس أربان مجلس بياسنزا فى مارس فى مارس عام 1095م ; وأيد البابا فى هذا المجلس أستغاثة ألكسيوس , ولكنه أشار عليه بتأجيل العمل حتى تعقد الجمعية أكبر من هذا المجلس لتمثيل العالم المسيحي , وتبحث فى شن الحرب على المسلمين .ولعل الذى دعاه الى طلب هذا التأجيل ما كان يعلمه من أن النصر فى مغامرة فى هذا الميدان غير مؤكد ; وما من شك فى انه كان يدرك أن الهزيمة ستحط من قدر العالم المسيحى كله والكنيسة المسيحية الى أبعد الحدود .
وأكبر الظن أنه كان يتوق الى توجيه ما فى طبائع أمراء الأقطاع والقراصنة من حب القتال الى حرب مقدسة , تصد جيوش المسلمين عن أوربا وبيزنطة , لقد كان يحلم بأعادة الكنيسة الشرقية الى حظيرة الحكم البابوى , ويرى بعين الخيال عالمآ مسيحيآ عظيم القوة متحد تحت حكم البابوات الدينى , ورما تعود حاضنة للعالم ; وكان هذا تفكيرآ أملته عليه رغبته فى الحكم لا تعلو عليها رغبة .
وظل الباب بعدئذ بين شهرى مارس وأكتوبر من عام 1095 يطوف بشمالى أيطالى وجنوبى فرنسا , يستطلع طلع الزعماء ويضمن المعونة لما هو مقدم عليه وأجتمع المجلس التاريخى بمدنية كلير مونت فى مقاطعة أوفرنى , وهرع اليه من مائة صقع وصقع لم يقف فى سبيلهم برد نوفمبر القارس , ونصب القادمون خيامهم فى الأراضى المكشوفة , وعقدوا أجتماعآ كبيرآ لا يتسع له بهو , وأمتلأت قلوبهم حماسة حين وقف فى وسطهم مواطنهم الفرنسى أوربان وألقى عليهم باللغة الفرنسية أقوى الخطب وأعظمها أثرآ فى تاريخ العصور الوسطى :
" يا شعب الفرنجة ! شعب الله المختار المحبوب !..لقج جائت من تخوم فلسطين , ومن مدينة القسطنطية , أنباء محزنة تعلن ان جنسآ لعينآ أبعد ما يكون عن الله , قد طغى وبغى فى تلك البلاد " بلاد المسيحين " , وخربها بما نشره فيها من أعمال السلب وبالحرائق ; ولقد ساقوا الأسرى الى بلادهم وقتلوا بعضهم الاخر بعد أن عذبوهم أشنع التعذيب , وهم يهدمون المذابح فى الكنائس , بعد أن يدنسوها , برجسهم , ولقد قطعوا أوصال مملكة اليونان , وأنتزعوا منها أقاليم بلغ من سعتها أن المسافر فيها لا يستطيع أن يجتازها فى شهرين كاملين .
على من أذن تقع تبعة الأنتقام لهذه المظالم , وأستعادة تلك الأصقاع أذا لم تقع عليكم أنتم – انتم من احباكم الله اكثر من أى قوم أخرين بالمجد فى القتال والبسالة العظيمة , وبالقدرة على اذلال رؤؤس من يقفون فى وجوهكم ؟
ألا فليكن لكم من أعمال أسلافكم ما يقوى أيمانكم –أمجاد شارلمان وعظمته , وأمجاده غيره من ملوككم وعظمتهم – فليثر همتكم ضريح المسيح ربنا ومنقذنا , الضريح الذى تمتكله الأن أمم نجسة , وغيره من الأماكن المقدسة
التى لوثت ودنست ... لاتدعو شيئا يقعد بكم من أملاككم أو من شئون أسركم , ذلك بأن هذه الأرض التى تسكونها الأن , والتى يحيك بجميع جوانبها البحار وقمم الجبال ضيقة لا تتسع لسكانها الكثيرين , تكاد تعجز عن أن تجود بما يكفيكم من الطعام , ومن أجل هذا يذبح بعضكم البعض , ويلتهم بعضآ البعض , وتتحاربون , ويهلك الكثيرون منكم فى الحرب الداخلية .
طهروا قلوبكم أذن من أدران الحقد , وأقضوا على ما بينكم من نزاع , وأتخذوا طريقكم الى الضريح المقدس , وأنتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث , وأملكوها أنتم , أن أورشليم أرض لا نظير لها فى ثمارها , هى فردوس المباهج أن المدينة العظمى القائمة فى وسط العالم تستغيث بكم , أن هبوا لانقاذها . فقوموا بهذه الرحلة راعبين متحمسين تتخلصوا من ذنوبكم , وثقوا بأنكم من أجل ذلك تنالون مجدآ لا يفنى فى ملكوت السماء " <5>.
يتابع ان شاء الله
-
وعلت أصوات هذا الجمع الحاشد المتحمس قائلا " تلك أرادة الله " ,وررد أوبان هذا النداء ودعاهم الى أن يجعلوه ندائهم فى الحرب , وأمر الذاهبين الى الحرب الصلبيبة أن يضعوا علامة صليب على جباهم أو صدرهم ويقول وليم مامزبرى : " وتقدم بعض النبلاء من فورهم , وخروا راكعين بين أيدى البابا , ووهبوا أنفسهم وأموالهم لله <6> وحذا حذوهم ألاف من عامة الشعب , وخرج الرهبان والنساك من صوامعهم ليكونوا جنود المسيح بالمعنى الحرفى لهذا اللفظ لا بمعناه المجازى , وأنتقل البابا النشيط الى مدن – الى تو ر , وبوردو ,وطولوز < طالوشة > , ومنبليه ونيمز ...
وظل تسعة أشهر يخطب داعيا الى الحرب الصلبيبة ولما بلغ رومة بعد أن غاب عنها سنتين , أستقبلته بالترحاب أقدم مدن العالم المسيحى تقوى , وأخذ على عاتقه أن يحل جميع الصلبيبن من جميع القيود التى تعوقهم عن الأنضمام الى المقاتلين , ولم يلق فى عمله هذا مقاومة جدية; فحرر عبيد الأرض , وحرر التابع الأقطاعى طوال مدة الحرب مما عليه من الولاء لسيده ; ومنح جميع الأقطاعين ميزة المحاكمة ميزة المحاكمة أمام المحاكم الكنسية لا أمام المحاكم الأقطاعية , وضمن لهم مدة غيابهم حماية الكنيسة لأملاكهم , وأمربوقف جميع الحروب القائمة بين المسيحين والمسيحين – وأن كان لم يقوى على تنفيذ أمره هذا , ووضع مبدأ للطاعة يعلو على قانون الولاء الاقطاعى ; وهكذا توحدت كما لم تتوحد فى تاريخها كله , ووجد أربان نفسه السيد المرتضى – من الوجهة النظرية على الأقل – لملوك أوربا على بكرة أبيهم وسرت روح الحماسة فى اوريا كما لم تسر فيها من قبل فى أثناء هذا الأستعداد المحموم للحرب المقدسة ...
الهوامش :
thompsom middle ages 1, 565
le strange ,Palestine under the Moslems ,202
coalton ,panorama ,327
lacroix,military and religions life ,108
ogg, 283-8
William of malmesbury , 358
أنتهى الفصل الأول ..
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة bahaa في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 07-07-2010, 08:24 PM
-
بواسطة قاهر الكنيسة في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 05-05-2008, 10:33 PM
-
بواسطة islam62005 في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 28-03-2007, 02:37 AM
-
بواسطة احمد قدوج في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 15-03-2006, 12:45 AM
-
بواسطة end في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 10-11-2005, 03:31 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات