يتبع: دعواه في الأخطاء النحوية والصرفية
استعرضنا ظاهرة الترخص في الفقرة السابقة، وقلنا أن الترخص ظاهرة أدبية موجودة في كل اللغات وتختلف عناصرها وتطبيقاتها باختلاف مرونة اللغة، ولما كانت اللغة العربية من أكثر اللغات مرونة، بان لنا مدى أهمية معرفة هذه الظاهرة وتناولها في النص الأدبي بين إنشاء ونقد.
وتحت ظاهرة الترخص نجد ظاهرة التحويل، فالتحويل ظاهرة خاصة من الظاهرة الأم، وهي تطال كلاً من مجالي النحو والصرف.
لقد استخدم اللغويون العرب القدماء بعض العبارات والمصطلحات الدالة على التحويل في الصيغ الصرفية، وهي على نحو عشرين ضربًا من ضروب التحويل، وهي في جميعها تستند على أسس لغوية اعتمد عليها القدماء حين الإشارة إلى التحويل في الصيغ الصرفية، ومن بينها ما يلي:
1) النظر في (الأصل والفرع)، حيث أن هناك بعض الصيغ تكون أصلاً وبعضها فرع عنها، فصيغة المبالغة فرع عن اسم الفاعل.
2) الاهتمام بالمعنى المستقى من النص الأدبي.
3) الضرورة الشعرية، التي تجعل الشاعر يلجأ إلى استخدام صيغة بدلاً من أخرى أكثر شيوعًا واستعمالاً، بل هي الأساس عند اللغويين، قال الشاعر:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
أراد الدراهم والصيارف.
4) ربط التحويل في الصيغ بالجانب الدلالي، كما في صيغ المبالغة.
5) الجانب الصوتي له صلته بالتحويل، ومن ذلك قال طرفة:
خذول تراعى ربربًا بخميلة
تناول أطراف البرير وترتدي
(تناول) أصلها (تتناول)، لأنه فعل مؤنث مستقبل، ومثله قوله تعالى: (تنزل الملائكة) بمعنى تتنزل، فاستثقل الجمع بين تاءين.
6) تحويل بعض التراكيب النحوية اعتمادًا على التحويل في الصيغ، فالعرب تقول للشيء معناه (فعل) قد تفاعل، كقولك: قد تباعد ما بين القوم، تريد (بعد ما بينهم)، وكذلك: تطاول الليل، أي طال، وتعالى النهار، أي علا.
7) النظر في الفصائل النحوية من أسس التحويل في الصيغ، كقوله تعالى: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر)، إذ أن (حجر) فعل بمعنى مفعول، كالذبح والطحن، ويستوي في الوصف التذكير والتأنيث والواحد والجمع، لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات، وهذا ما استنكره صاحبنا حينما أعترض على استعمال (رئيا) بمعنى (مرئي).
8) الاهتمام بكلام العرب، فهم –مثلاً- يقولون للكذب مكذوب، وللضعف مضعوف، وليس له عقد ومعقود الرأي، فيجعلون المصدر في ثير من الكلام مفعولاً، ويتصل بكلام العرب الإشارة إلى اللهجات العربية، وما يندرج تحتها من تحويل في الصيغ.
ومما سبق نرى مكانة ظاهرة التحويل وأهميتها في لغتنا العربية، فهي ظاهرة معروفة جيدًا عند اللغويين واستعمال القرآن لها لم يكن شيئًا غريبًا كما يظن البعض.
ومما يتصل بالتحويل استعمال صيغة المفرد للدلالة على الجمع، كما في قولك:
الرجل أقوى من المرأة.
ويقصد بذلك (جنس الرجال) أقوى من (جنس النساء)، وكذلك قولك:
أهلك الناس الدينار والدرهم ، ويقصدون بذلك الدراهم والدنانير،
وفي القرآن الكريم نجد نظائر لأسلوب التحويل هذا مثل قوله سبحانه:
(إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، إذ أراد بالإنسان الناس.
وقوله: (مستكبرين به سامرًا تهجرون)، معناه سمارًا،
وقوله: (والملائكة بعد ذلك ظهير)، يعني ظهراء،
وقوله: (ثم يخرجكم طفلاً)، أي أطفالاً،
وقوله: (إن المتقين في جنات ونهر)، معناه أنهار،
وقوله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) أي الأدبار،
وقوله: (فاعترفوا بذنبهم) أراد ذنوبهم،
وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، أي عدالة، فالمصدر يصلح للمفرد والجمع.
وقد قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
فإن زمانكم زمن خميص
أي في بعض بطونكم
ومما يطبع التحويل في الصيغ إضافة الجمع إلى المفرد، وهذا يتصل بالضمائر:
لقد أشار الفراء إلى ذلك أثناء توقفه أمام قوله تعالى: (لتستووا على ظهوره)، قائلاً: كيف يقال على ظهوره؟ فأضاف الظهور إلى الواحد؟ قلت: إن ذلك الواحد في معنى الجمع، بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قال:
فهلا قلت: لتستووا على ظهره؟
قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فرددت الظهور إلى المعنى، ولم تقل ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: كثرت نساء الجند، وقلت: رفع الجند أعينه، ولا تقل: عينه، وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموضوعة، فأخرجها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسمًا في معنى فعل جاز جمعه وتوحيد مثل قولك: رفع الجند صوته، وأصواته أجود، وجاء هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا كصورته في الواحد.
ومثله ما ذكره النجار في قوله تعالى:
( وإن لكم في الإنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغا للشاربين ) النحل 66.
فينطبق عليها ما ينطبق على الآية السابقة، ومن النكات البلاغية اختلاف هذا اللفظ عن نظيره في الآية الأخرى:
( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ) المؤمنون 21، فالتحويل –كما أشرنا- له علاقة بالمعنى ولا يجيء اعتباطًا عند اختلاف الآي عن بعضها، وقد كان السياق هو الداعي هنا لاختيار الضمير المذكر في الآية الأولى، واختيار المؤنث في الثانية.
ففي الآية الأولى يتحدث تعالى عن اللبن، واللبن لا يخرج من جميع الأنعام، إنما من قسم منها، وهو بعض إناثها الحلوب، لذلك عبر عنها بالضمير المذكر الدال على القلة.
أما الآية الثانية فهي تتحدث عن المنافع الكثيرة للأنعام كلها، ذكورها وإناثها، صغارها وكبارها، فاقتضى السياق إلحاق الضمير الدال على الكثرة فقال (بطونها).
وربما نجد مفردًا قبله جمع كقوله تعالى: (ولا تكونوا أول كافر به)، فوحد الكافر وجمع ما قبله، وذلك من كلام العرب فصيح جدًا في الاسم إذا كان اشتقاقه من فعل مثل الفاعل والمفعول، يراد به: ولا تكونوا أول من يكفر به، فتحذف (من) ويقوم الفعل مقامها، فيؤدي الفعل عن مثل ما أدت (من) عنه من التأنيث والجمع وهو في لفظ توحيد.
ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: أنتم أفضل رجل، ولا أنتما خير رجل، لأن الرجل يثنى ويجمع ويفرد، فيعرف واحده من جمعه، بينما القائم قد يكون لشيء ولـ(من)، فيؤدي عنهما وهو موحد، ألا ترى أنك تقول: الجيش مقبل، والجند منهزم، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش رجال، والجند رجال، ففي هذا تبيان، وقد قال الشاعر:
وإذا هم أطعموا فالأم طاعم
وإذا هم جاعوا فشر جياع
فجمعه وتوحيده جائز حسن.
وربما نجد جمعًا يليه مفرد ثم صيغة كقوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)، وقد وحد الله (سمعهم) ولم يجمعه لعدة وجوه:
1) السمع مصدر، والمصدر اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا يفتقر إلى التثنية والجمع.
2) أن يقدر مضاف على لفظ الجمع، والتقدير: على مواضع سمعهم.
3) أن يكون اكتفى باللفظ المفرد لما أضافه إلى الجمع، لأن إضافته إلى الجمع يعلم بها أن المراد به الجمع، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم.
وهناك تحويل في الضمائر كقوله تعالى: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، وذلك لأنه نزل منزلة (من)، وهي كما أسلفنا يرد الضمير إليها بالإفراد والجمع على السواء.
ومما يتصل بالتثنية استعمال المفرد الدال عليها،
قال تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد) لم يقل قعيدان، يريد: قعود، فجعل القعيد جميعًا كما تجعل الرسول للقوم وللاثنين.
قال تعالى: (أنا رسول رب العالمين) بموسى وهارون،
ومثله قول الشاعر:
الكنى إليها وخير الرسول
أعلمهم بنواحي الخبر
ومثله قول الفرزدق:
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى
وأبى وكان وكنت غير غدور
فلم يقل غدورين.
وهناك استعمال للمثنى والفعل في حالة الجمع ، وذلك كما في قوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم)، لأنهما جمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما، كان صوابًا. ومثله: (وإن طائفتان من المسلمين اقتتلوا) يذهب إلى الجمع، ولو قيل: اقتتلا لجاز، يذهب إلى الطائفتين.
وربما نجد استعمالاً لصيغة الجمع الدالة على التثنية كقوله: ( كانتا رتقًا ففتقناهما ) ، إذ قال (رتقًا) ولم يقل رتقين، لأنه مصدر تقديره: كانتا ذواتى رتق، أي أن التقدير قد حول كلمة رتق من حالة النصب إلى حالة الجر عن طريق الإضافة، وقد حذف المضاف إليه وأقيم المضاف إليه مقامه، وقد تطرقت لهذا في الفقرة السابقة.
وقوله تعالى: ( لقد صفت قلوبكما )، وهو يريد قلبين،
وقوله تعالى: ( أتينا طائعين )، ولم يقل طائعتين ولا طائعات، ذهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز أن تقول وإن كانتا اثنتين: أتينا طائعين، فيكونا كالرجال لما تكلمتا.
وهناك جمع لما أصله أن يفرد كقوله تعالى: (لا بيع فيه ولا خلال)، فإن المراد (ولا خلة) دليل الآية الأخرى، لكن جمعه لأجل مناسبة رؤوس الآي.
وبعد هذا العرض لما يتصل بالمفرد والجمع والمثنى، نتوقف أمام التحويل في أزمنة الأفعال.
قال تعالى: ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط )
فلم يقل جادلنا، ومثله في الكلام لا يأتي إلا بفعل ماض كقولك: فلما أتان أتيته، وقد يجوز: فلما أتاني أثب عليه، والأصل: فلما أتاني أقبلت أثب عليه، وتقديره الفعل (أقبلت)، وهو فعل ماض، للتوافق مع الفعل الماضي السابق عليه، بالإضافة إلى أن الموقع الإعرابي للفعل أثب أصبح في موضع نصب على أنه حال.
وقوله سبحانه: ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها )، وهو ما عابه صاحبنا على القرآن!
وهو أسلوب بليغ وظفه الشعراء عند البعث على الاستغراب، انظر إلى قول تأبط شرًا:
بأني قد لَقيت الغول تهوي
بسَهب كالصحيفة صَحْصَحان
فأَضرِبُها بلا دهش فخرت
صريعاً لليدين وللجِرَان
فابتدأ بـــ (لقيت) لإِفادة وقوع ذلك ثم ثنى بـــ (أضربها) لاستحضار تلك الصورة العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة.
ومثل ذلك قوله عز وجل: ( ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير )
وكذلك قوله تعالى: ( إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين )، فلم يقل (فتظل)، وذلك صواب أن تعطف على مجزوم الجزاء بـ(فَعَل)، لأن الجزاء يصلح في موضع يفعل وفي موضع فَعَل.
ألا ترى أنك تقول: إن قمت أقم لك، وإن تقم قمت لك؟ فهما بنفس المعنى.
ومثله قوله تعالى: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم )، فقال نوف وهي جواب لكان.
ومثله أيضًا قول الشاعر:
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا
مني وما يسمعوا من صالح دفنوا
فرد الجواب بـ (فَعَل) وقبله (يفعل).
وهناك ما يسمى العدول عن صيغة الماضي إلى صيغة المستقبل،
كقوله تعالى: ( ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون )،
وقوله: ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ).
ومثله قول الشاعر:
وكنت أرى كالموت من بين ليلة
فكيف ببين كان ميعاده الحشر
أي يكون ميعاده.
كما تُحول صيغة المستقبل إلى الماضي، كما قال الشاعر:
وإذا مررت بقبره فانحر له
كوم الهجان وكل طرف سابح
واتضح جوانب قبره بدمائها
فلقد يكون أخادم وذبائح
أي فلقد كان
وأيضًا قوله تعالى: ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ).
يقول قائل: إنما (تقتلون) للمستقبل، فكيف قال (من قبل)؟ ونحن لا نجيز في الكلام: أنا أضربك أمس؟ ذلك جائز إذا أردت بـ (تفعلون) الماضي، ألا ترى أنك تعنف الرجل بما سلف من فعله فتقول: ويحك لم تكذب؟! لم تبغض نفسك إلى الناس؟
وذلك مثل قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) ولم يقل تلت الشياطين،
أنظر إلى قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
ولم تجدي من أن تقرى به بدًا
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك المعنى معروف، ومثله أيضًا قولنا: انظر إلى سيرة فلان تجده لم يسئ، والمعنى: لم تجده أساء. فلذلك صلحت (من قبل) مع قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا، فتولوهم على ذلك، ورضوا به، فنسب القتل إليهم.
ومن التحويل في الصيغ الفعلية أن تكون ماضية دالة على مفرد، ثم يعطف فعل ماض يدل على الجماعة، قال تعالى:
(أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم)، ولم يقل اتبع هواه، وذلك أن (من) تكون في معنى واحد وجميع، فردت أهواءهم على المعنى.
ومثله: (ومن الشياطين من يغوصون له)،
وفي موضع آخر (ومنهم من يستمع إليك)، وفي موضع آخر (ومنهم من يستمعون إليك).
وربما نجد صيغة (يفعلون) معطوفة على (فعلوا)، قال تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله)، لأن معناهما كالواحد في الذي وغير الذي، ولو قيل: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) لم يكن فيها ما يُسأل عنه، وردك (يفعلون) على (فعلوا) لأنك أردت: إن الذين كفروا يصدون بكفرهم.
كما يتم تأويل صيغة (أفعل) بـ (فعل) كقوله تعالى: ( فما أصبرهم على النار )، معناه فما الذي صبرهم على النار.
والالتفات ضرب من ضروب ظاهرة التحويل، وقد أشار إليه العلماء القدامى، وهو (انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة) (انظر ابن المعتز/ البديع ص106)، ومن أنواع الالتفات وضع الظاهر موضع المضمر، قال الشاعر:
زعم العواذل أن ناقة جندب
بجنوب خبت وعريت وأجمت
كذب العواذل لو رأين مناخًا
بالقادسية قلن لج وذلت
فقد قال: كذب العواذل، ولم يقل: كذبن، قال الجرجاني في دلائل الإعجاز ص 251: (وقد زاد هذا أمر القطع والاستئناف وتقدير الجواب تأكيدًا بان وضع الظاهر موضع المضمر).
ومن مظاهر التحويل إحلال يتصل بالمصدر والصفة، ومن ذلك قوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا)، هنا (هونًا) حال، أو صفة للمثنى بمعنى هينين أو مشيًا هينًا، إلا أن وضع المصدر موضع الصفة مبالغة.
وقد يوضع اسم الفاعل موضع المصدر نحو: قم قائمًا، أي قيامًا، كما يوضع المصدر مقام اسم الفاعل، قال الشاعر:
ألم ترني عاهدت ربي وأنني
لبين رتاج قائمًا ومقام
على حفلة لا أشتم الهر مسلمًا
ولا خارجًا من في زور كلام
الذي عليه المحققون أن (خارجًا) مفعول مطلق، والأصل: ولا يخرج خروجًا، ثم حذف الفعل، وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى: (إن أصبح ماؤكم غورًا) بمعنى غائرًا.
ومن الإحلال الذي له صلته بالمصدر قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله)، ولم يقل: سقاة الحاج وعامري المسجد، فهذا مثل قوله (ولكن البر من آمن بالله).
وقد أنشد الكسائي:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى
ولكنما الفتيان كل فتى ندى
فجعل الخبر الفتيان (أن)، وهو كما تقول: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير.
وهناك آيات ليس بها تحويل، بل كان العدول عن صيغة لضرب دلالي، أنظر إلى قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين)، فلم يقل: (أمرضني)، يقول الزمخشري: لأن كثيرًا من أسباب المرض يحدث بتفريط الإنسان في مطعمه ومشربه وغير ذلك.
وبعد هذا الاستعراض المطول بان لنا أن ما يسميه النجار بأخطاء نحوية ولغة صعبة ليس إلا دليلاً على مدى سطحية معرفته وفقدانه أدنى مقومات النقد المنهجي.
المفضلات