لقد وصف الله سبحانه وتعالى، في كثير من المواضع، في كتابه الكريم صفات الصبر، والصدق، والثبات، والإخلاص... في حَمَلَةِ الإسلام ودعوته، طالباً إياها، حاثاً عليها، واعداً بها، فاتحاً أمام من تحلّى بها كل موصد، مذللاً بها كل عقبة.: فاصبر إن وعد الله حق
: ]فاصبر وما صبرك إلا بالله[، وقال تعالى: ]أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون[ وقال تعالى: ]يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة[. وقال تعالى: ]مخلصين له الدين حنفاء[ حتى إنه يمكن القول إنه لن يكون أهلاً لنصرة الله إلا من نجح في تمحيص الله ما في قلبه وابتلاء ما في صدره. قال تعالى: ]فليعلمنّ الله الذين صدقوا، وليعلمنّ الكاذبين[ وقال تعالى: ]وليعلمنّ الله الذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين[ وقال تعالى: ]ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم[ وقال تعالى: ]ولبتلي الله ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم[.
ويمكن القول إنَّ منَّ الله بالنصر لن يكون إلا للمؤمنين الصادقين، حملة الدعوة المخلصين الصابرين الذين يستمدون العون من الله وحده في طريق الدعوة الشاق الطويل الذي يصل حملة الدعوة فيه إلى الظن أنه يكاد يكون لا آخر له، فيستعينون بالصبر والصلاة عسى أن يقربهم ذلك من المنّ بالنصر. ويمكن القول إن وعد الله بالاستخلاف للمؤمنين لن يكون إلا لمن تحلّى بالإخلاص الخالص لله تعالى حيث يتخلى المؤمنون حملة الدعوة عن حظ نفوسهم لمصلحة الدعوة، وحيث يقدمون ما يحبه الله على ما تحبه قلوبهم وتهواه، ويقدمون أمر الله تعالى على أمرهم.: ]ونريد أن نمنّ على الذين استُضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلَهم الوارثين[ وقال تعالى: ]وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكِّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدِّلنَّهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً[.
نعم إن طريق الدعوة يمتحن الله فيه القلوب للتقوى. وهنيئاً لمن فاز برضا الله سبحانه واستحق تأييده ونصره. فالمسألة تتعلق بإعداد النفوس لأن تحمل أمانة ربها، تتعلق باستخلاف الله لخير عباده على أرضه وعلى الناس، واستئمانهم على دينه. إنها مهمة ليست باليسيرة إلاّ على من يسّرها الله عليه وكان مع الله بكليته، حتى يكون الله معه في نصره وتأييده واستخلافه. ومعلوم أن حملة الدعوة يزدادون إيماناً يوماً بعد يوم، وتزداد ثقتهم بالله وبنصره، لأنهم يعيشون نعمة القرب من آيات الله وأحاديث رسوله إذ يستشهدون بها في دعوتهم فيلمسون مدى صدقها، ومطابقة أحكامها لحاجات الناس وغرائزهم، ومدى حاجة الناس إليها، ومدى بعد الأنظمة البشرية الوضعية عن الحق. ويتحققون أن ما من أمر من أمور الشرع تركه الناس إلا أحوجهم الله إليه، وأن ما من أمر طبق على الناس من خارج أمر الله إلا ذاقوا وباله وأذاه.
ومعلوم كذلك أن حملة الدعوة تقوى عزيمتهم ويشتد إصرارهم في حمل الدعوة، عندما يقابلون ما يعيشون فيه من أجواء الاستضعاف والتكذيب والملاحقة والتشريد مع ما ذكره القرآن الكريم من تكذيب أصحاب الدعوات السابقين واستضعافهم وإخراجهم من ديارهم، ومع ما عاشته الدعوة الإسلامية في أيامها الأولى مع الرسول الكريموصحابته،
: ]وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم[ وهذا قول الرسول
في ذروة استضعاف دعوته: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم أنت رب المستضعفين أنت ربي... اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي... لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».
ويعلم حملة الدعوة، إزاء ذلك، أن النصر بيد الله وحده، وأن القوة والعزة لله جميعاً، وأن ما يلاقونه من بطش الحكام وشدة بأسهم إنْ هو إلا ابتلاء وتمحيص وإعداد وتهيئة يطمع حملة الدعوة أن يكونوا بعده هم الفائزين بنصر الله الذي لا يأتي إلا بعد معاناة واستيئاس: ]حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا[.
يتبع باذن الله ...
المفضلات