قد شعر امرىء قيس



وصل الى حضرة سيف الدولة رجل من اهل بغداد وكان ينقد العلماء والشعراء بما لم يدفعه ، ولا ينكره الوهم .

فتلقاه سيف الدولة باليمين ، واعجب به اعجايا شديدا ، فقال يوما : اخطأ امرؤ قيس فى قوله :

كأنى لم أركب جوادا ً للذة ........ولم اتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم اسبا الرزق الروى ولم اقل ....لخيلى كرى كرة بعد اجفال

وهذا معذول عن وجهه ، ولا شك فيه

فقيل ، وكيف ذلك ؟ انما سبيله ان تقول :

كأنى لم أركب جوادا ً ولم اقل .. لخيلى كرى كرة بعد اجفال
ولم أسبأ الزقِّ الرّوى للذة .... ولم اتبطن كاعبا ذات خاخال

فيقترن ذكر الخيل بما يشاكله فى البيت كله ، ذكر الشراب واللهو بالنساء ، ويكون قوله "للذة " فى الشراب اطبع منه فى الركوب

فبهت الحاضرون واهتز شيف الدولة : وقال: هذا التهدِّى وحق الله !

فقال له بعض الحاضرون من العلماء : أنت أخطأت وطعنت فى القرآن ام كنت تعمدت .

فقال سيف الدولة : وكيف ذلك ؟

فقال : قال الله تعالى : إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى طه 118-119 وعلى قياسه يجب ان يكون : وان لك ألا تجوع فيها ولا تظمأ ، ولا تعرى فيها ولا تضحى ! وانما عطف امرؤ القيس بالواو التى لا توجب تعقيبا ً ، ولا ترتِّب ترتيبا ً ، فخجل وانقطع !

وروى مثل هذا عن المتنبى مع سيف الدولة اذ انشده قصيدته التى مطلعها :

على قدر اهل العزم تأتى العزائم ..وتأتى على قدرالكرام المكارم

الى ان قال :

وقفت وما فى الموت شك لواقف .. كأنك فى جفن الردى وهو نائم

فانكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزيهما على صدريهما ، وقال : ينبغى تطبيق عجز الثانى على الأول ، وعجز الأول على الثانى ، وانت فى ذلك مثل امرىء القيس فى قوله :

كأنى لم أركب ....الخ

قال له ابو الطيب : أدام الله عز مولانا

ان صح الذى استدرك هذا على شعر امرىء القيس اعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس ، وأخطأت أنا ، ومولانا يعرف ان البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك ...!

وانما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد ، وقرن السماحة فى قراء الضيف بالشجاعة فى منازلة الأعداء ، وانا لما ذكرت الموت فى اول البيت أتبعته بذكر الردى ليجانسه ، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا ً ، وعينه من ان تكون باكية ، " ووجهك وضاح " لأجمع بين لأضداد فى المعنى ، فأعجب سيف الدولة ووصله بخمس مئة دينار
.