
-
تحذيرالداعية والقصص الواهية (3)
تحذير الداعية من القصص الواهية
قصة الملائكة في شهر رمضان مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى
يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص خاصة
في شهر رمضان وفي القصة حوار الحور العين مع رضوان خازن الجنة في أول ليلة من
شهر رمضان وحوار جبريل مع الملائكة في ليلة القدر، وبداخل هذه القصة: قصة الريح
المسماة «المثيرة» وقصة «اللواء الأخضر»، وقصة «ليلة الجائزة»، والتي يذكرها
الخطباء والوعاظ في خطبة عيد الفطر.
ونقلها صاحب كتاب «وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم» الجزء الرابع ص(110) من غير تحقيق.
وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق:
أولاً: متن القصة رُوِيَ عَن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الجنةَ لتبخر وتزين من الحول إلى الحول
لدخول شهر رمضان فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال
لها: المثيرة، فتصفق ورق أشجار الجنة، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع
السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين: هل من
خاطب إلى الله فيزوجه؟ ثم يقلن الحور العين: يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟
فيجيبهنَّ بالتلبية، ثم يقول: هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنة
للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ويقول الله عز وجل: يا رضوان
افتح أبواب الجنان، ويا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد صلى
الله عليه وسلم، ويا جبريل اهبط إلى الأرض، فاصفد مردة الشياطين وغُلَّهم
بالأغلال، ثم اقذفهم في البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمد حبيبي صلى الله عليه
وسلم صيامهم. قال: ويقول الله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان لمنادٍ ينادي
ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر
له؟ من يقرض الملئَ غير المعدوم والوفي غير الظلوم، قال: ولله عز وجل في كلِّ
يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار،
فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول
الشهر إلى آخره، وإذا كانت ليلة القدر يأمر الله عز وجل جبرائيل عليه السلام في
كبكبة من الملائكة، ومعهم «لواء أخضر» فيركزوا اللواء على ظهر الكعبة، وله مائة
جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة، فينشرهما في تلك الليلة
فيجاوزان المشرق إلى المغرب فيحث جبرائيل عليه السلام الملائكة في هذه الليلة
فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصلّ وذاكر ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى
يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر، ينادي جبرائيل عليه السلام: معاشر الملائكة الرحيل
الرحيل، فيقولون يا جبرائيل: فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة أحمد صلى
الله عليه وسلم، فيقول: نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا
أربعة، فقلنا: يا رسول الله، من هم؟ قال: رجل مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع
رحم، ومشاحن. قلنا: يا رسول الله، ما المشاحن؟ قال: هو المصارم، فإذا كانت ليلة
الفطر سميت تلك الليلة: «ليلة الجائزة» فإذا كانت غداة الفطر بعث الله عز وجل
الملائكة في كل بلاد فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت
يسمع من خلق الله عز وجل إلا الجن والإنس: فيقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب
كريم يعطي الجزيل، ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم، يقول الله عز وجل
للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا
جزاؤه أن توفيه أجره. قال: فيقول: فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم
من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي، يقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي
لا تسألوني اليوم شيئًا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ولا لدنياكم إلا نظرت
لكم، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم، ولا
أفضحكم بين أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم فتفرح
الملائكة، وتستبشر بما يعطي الله عز وجل هذه الأمة، إذا أفطروا من شهر
رمضان».
ثانيًا: التخريج والتحقيق
أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/335) (ح3695)،
وابن الجوزي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (2/534) (ح880) من حديث
الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس مرفوعًا به، وقال: «هذا حديث لا
يصح».
قلت: القصة واهية والحديث الذي جاء بها موضوع وسنده تالف ومنقطع، فقد قال
ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص94) ترجمة (152) (1/338): حدثنا يونس بن حبيب،
حدثنا أبو داود عن شعبة عن مُشاش قال: قلت للضحاك: سمعت من ابن عباس؟ قال: لا،
قلت: رأيته؟ قال: لا» (2/339) - حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن
المديني، قال: سمعت سلم بن قتيبة يقول: حدثني شعبة قال: قلت لمشاش: الضحاك سمع من ابن عباس؟ قال: لا ولا كلمة.
ـ (340/3) حدثنا حماد بن الحسن بن عَنْبسة؛ ويونس بن حبيب - والسياق ليونس - قالا: حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة قال: قال لي عبد الملك بن ميسرة: الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
ـ (341/4) حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن معلى - يعني: ابن خالد الرازي - عن شعبة عن عبد الملك
بن ميسرة قال: قلت للضحاك: أسمعت من ابن عباس؟ قال: لا، قلت: فهذا الذي ترويه
عن من أخذته؟ قال: عنك وعن ذا وعن ذا.
ـ (342/5) حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل،
حدثنا علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «كان شعبة ينكر أن يكون
الضحاك بن مزاحم لقي ابن عباس قط». اهـ.
لذلك أورد الشيخ الألباني رحمه الله
الحديث الذي جاءت به هذه القصة في «ضعيف الترغيب والترهيب» (1/300) (ح594):
وأمام هذا الرقم بيَّن أنه: «موضوع» ثم قال: «الحديث منقطع بين الضحاك بن مزاحم
وابن عباس، والراوي عنه لين، وآثار الوضع والصنع عليه لائحة، وذكره ابن الجوزي
في «الموضوعات» (2/191)، وأما الجهلة فقلدوا وقالوا: ضعيف». اهـ.
ثالثًا: طريق آخر للقصة
إلى القارئ الكريم هذا الطريق الآخر الذي لا يزيد القصة إلا وهنًا
على وهن:
1- فالقصة من هذا الطريق جاءت من حديث أنس وأخرجها ابن حبان في
«المجروحين» (1/181) قال:
حدثنا محمد بن يزيد الزرقي بطرسوس، حدثنا محمد بن
يحيى الأزدي، حدثنا أصرم بن حوشب، حدثنا محمد بن يونس الحارثي، عن قتادة عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة، ثم بيَّن أن المتن
باطل. ومن طريق ابن حبان أخرج هذه القصة ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/187)
قال: «أنبأنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي، أنبأنا علي بن
عمر عن أبي حاتم البستي حدثنا محمد بن يزيد الزرقي به».
تنبيه: أبو حاتم
البستي: هو الإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي.
ثم قال الإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/188):
«هذا حديث لا يصح، وأصرم هو ابن
حوشب. قال يحيى: كذاب خبيث وقال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات».
اهـ.
قلت: وهذا ظاهر من قول الإمام ابن حبان في «المجروحين» (1/181): «أصرم بن
حوشب الهمذاني الخراساني كان يضع الحديث على الثقات، سمعت يعقوب بن إسحاق يقول:
سمعت الدارمي يقول: قلت ليحيى بن معين: فأصرم بن حوشب تعرفه؟ قال: كذاب خبيث».
اهـ.
قلت: وأصرم بن حوشب أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (1/272/1017) وقال:
أصرم بن حوشب أبو هشام قاضي همذان: هالك».
وأورد هذه القصة وجعلها من
مناكيره.قال البخاري في «الضعفاء الصغير» رقم (35): «متروك الحديث».
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» رقم (66): «متروك الحديث».
قلت: وهذا المصطلح عند النسائي له معناه حيث قال الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (ص73): «ولهذا
كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.
قلت: وهذا الطريق لا يصلح للمتابعات والشواهد.
قال ابن الصلاح في «علوم الحديث»
(ص107): «ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه... فمن ذلك ضعف لا يزول
لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون
الراوي متهمًا بالكذب أو كون الحديث شاذًا وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة
والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». انتهى كلام الإمام ابن الصلاح.
2- والقصة من حديث أنس أوردها الإمام الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث
الموضوعة» كتاب «الصيام» (ح4) ثم قال: «وفيه طول وهو موضوع وفي إسناده: أصرم بن
حوشب كذاب».
3- والقصة من حديث ابن عباس أوردها الإمام الشوكاني في «الفوائد»
أيضًا كتاب «الصيام» (ح8) وقال: «وهو لا يثبت عنه».
4- والقصة أوردها ابن عراق
في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» (2/146) ثم قال:
أخرجها ابن حبان من حديث أنس، ولا يصح، فيه أصرم بن حوشب»، ثم قال: «وقد روى
هذا الحديث من حديث ابن عباس بألفاظ أخر من طريق لا يصح أيضًا». اهـ.
قلت: بهذا التخريج والتحقيق يتبين أن القصة واهية والحديث الذي جاءت به هذه القصة «موضوع»
كما بيناه آنفًا من أقوال أئمة هذا الفن.
والموضوع: «هو الكذب المختلق المصنوع
المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ورتبته: «هو شر الأحاديث الضعيفة
وأقبحها».
وحكمه: «أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في أي
معنى كان إلا مع بيان وضعه».
فليحذر القارئ الكريم في هذا الشهر من مثل هذه
القصص الواهية والتي أوردناها في الأعوام السابقة في هذه السلسلة في شهر رمضان،
وليحذر أيضًا الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
مثل حديث: «خمس يفطرن الصائم، وينقضن
الوضوء: الكذب، والنميمة والغيبة والنظرة لشهوة، واليمين الكاذبة».
وهذا الحديث موضوع بسعيد بن عنبسة: كذاب.
وهو من آفات اللسان ويغني عن هذا الكذب، البديل
الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في «الصحيح»: «من لم يدع قول الزور والعمل به
فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
قلت: انظر إلى التخريج في سلسلة «درر
البحار» (ح961) عدد هذا الشهر.
رابعًا: الصحيح من القصص في الصيام
1- هناك القصص الصحيحة مثل قصة الأعرابي التي أخرجها البخاري (ح1891)، ومسلم (ح11).
2- وقصة أبي بكر وأبواب الجنة وباب الريان والتي أخرجها البخاري (ح1897، 2841،
3216، 3666)، ومسلم (ح1027).
3- وقصة قيس بن صرمة الأنصاري التي أخرجها البخاري
(ح1915، 4508)، والترمذي (ح2968)، والنسائي (ح2168)، وأبو داود (ح2314).
4- وقصة عدي بن حاتم والعقال الأسود، والعقال الأبيض التي أخرجها البخاري (ح1916،
4509، 4510)، ومسلم (1090).
5- وقصة سلمان مع أبي الدرداء أخرجها البخاري
(ح1968، 6139)، والترمذي (2413).
6- وقصة عبد الله بن عمرو بن العاص وحق الجسم
في الصوم أخرجها البخاري (ح1975)، ومسلم (1159).
7- وقصة كريب مع ابن عباس في
رؤية الهلال أخرجها مسلم (ح1087)، وأبو داود (2332)، والترمذي (ح693)، والنسائي
(ح2110).
هذا على سبيل المثال لا الحصر، والله من وراء القصد.
إعداد/ علي حشيش
من مجلة التوحيد
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى الأدب والشعر
مشاركات: 23
آخر مشاركة: 03-11-2010, 05:17 PM
-
بواسطة doumi في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 24-02-2008, 04:07 AM
-
بواسطة Wild_wild_west في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 15-11-2006, 08:25 AM
-
بواسطة Wild_wild_west في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 22-07-2006, 10:26 AM
-
بواسطة شبكة الحقيقة الاسلامية في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 14-11-2005, 11:52 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات