آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


-
تكملة :
الجواب(703) :
فَهِمَ القومُ -وهم كما يدل أسلوبهم وكتابتهم علماء جدا في اللغة - أن (لا) في (لا أقسم) نافية ، وهذا جهل بلغة العرب ، وإنما تأتي لا في القسم توكيدا وهذا شائع في اللغة ، كما في قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم .. ( أي أقسم بربك أنهم كذلك ،وكما قال النابغة :
فَلاَ وَحًقَّ الَّذِي مَسَّحْتً كَعْبَتَهُ وَمَا هُرِيقً عَلَى الأنْصَابِ مِنْ جَسَدِ
وقول الآخر :
فَــلاَ وَاللهِ لاَ يُلْقَى لمَــاِبى وَلاَ لمِّــا ِبهــمْ أبَــداً دَواءُ
وقول طرفه :
فَــلاَ وَأَبِيـكَ ابنة العامري لا يــدعي القــوم أني أفـر
وقال علماء اللغة :إن هذا القسم يفيد تعظيم المقسوم به ، كما في سورة البلد ، وكما في قوله تعالى : ( فلا اقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم أنه لقرآن كريم ( [الواقعة:75-77]، وكقوله :( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ( [القيامة:1-2]، فهذه كلها أقسام وليس هذا من دقائق اللغة وإنما هو من أولياتها ولكن القوم لا يعلمون .
وإذا اعتبرت (لا) نافيه والجملة خبرية فهي مقيدة ؛ أي لا أقسم به و أنت حل به ، ولكن أقسم به وأنت غير حل به ، فلا تناقض أيضاً .
6-قوله تعالى :( قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ( [الزمر:44]،مع قوله: ( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع، أفلا تتذكرون ( [السجدة:4] وقوله: ( يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( [يونس:3].
هذه الآيات متناقضة في رأي تيموثاوس(704).
الجواب(705) :
الآيات الثلاث تذكر أن الله وحده هو المتصرف في خلقه ،ولا يشفع عنده إلا من أذن له ، لله وحده الشفاعة ، لا شفيع من دونه ولا بغير إذنه .. فأي تناقض بين هذه الآيات ؟ أليست الشفاعة في هذا كله لله وحده ؟ أفلا تذكرون ؟.
قلت: نفى الله تعالى الشفاعة الشركية التي يعتقدها المشركون في معبوداتهم، وأثبتها له وحد، ولمن يأذن له فيها، فهو سبحانه ينفيها في حال ويثبتها في حال آخر.
7-في سورة الواقعة جاء مرة :( ثلثة من الأولين وقليل من الآخرين ( [الواقعة:13-14] ،ثم جاء مرة أخرى( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( [الواقعة:39-40].
فهذا تناقض عند تيموثاوس ومجلسه(706) .
الجواب(707) :
والآية الأولى تتحدث عن السابقين المقربين ، والثانية تتحدث عن أصحاب اليمين ... استفيقوا أيها الناقدون .
8- الحجر: آية 85 :( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ... (، تناقض بالتوبة :73 ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ... (.
ووجه التناقض فيما يرى القوم أن الآية الأولى أمرت بالصفح ,والثانية أمرت بالغلظة(708).
الجواب(709) :
سورة الحجر مكية ، وفي مكة لم يكن أذن بالقتال ، والله تعالى يقول في آية الحجر أنه لم يخلق هذا الكون عبثا يفسد فيه من يفسد ويصلح من يصلح ، بل الله جامع الناس بعد ذلك وجاز كلا بما فعل ، فلا تحزن يا محمد لمخالفة القوم إياك ومعارضتهم دعوتك ، وغدا تقوم الساعة فيجزون بسوئهم وتجزى بإحسانك ، فأعرض عنهم حتى يأتي أمر الله.
وسورة التوبة مدنية ,وتسمى الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين ، قد نزلت في حج أبي بكر بالناس ،وكان الجهاد قد شرع قبل ذلك ، ويسمى هذا العام عام الوفود؛ إذ أخذت قبائل العرب تتوافد على المدينة يدخلون في دين الله أفواجا ،ولم يبق بعدُ مسوغ لبقاء الكفار الذين يعبدون من دون الله أوثانا ، ولا لبقاء المنافقين الذين يفشون أسرار المسلمين ويخدعونهم, ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، فيجب جهادهم لقطع قوم عن الكفر وآخرين عن النفاق ,كي يعيش الناس في جو نظيف ,خال من فساد العقيدة وفساد الأخلاق !
فأين التناقض ؟
الناس جميعاً يفعلون هذا ، يقول قائد الفرقة لجيشه: لا تضربوا. وبعد مدة يقول: اضربوا . ويقول المهندس الزراعي لفلاحيه : لا تزرعوا الآن. بعد شهر يقول: ازرعوا ،وكُلَّ حِكْمَةْ .
قلتُ: ومن الأجوبة أن الآية الأولى المقصود بها حال الدعوة، والثانية حال الجهاد، فاختلف مورد كل آية ، كما أن الوالد في حال نجاح ابنه يفرح ويحسن إليه بهدية، وفي حال رسوبه يغضب ويعاقبه ، ولا يقال: إن هذا الوالد متناقض ؛لأنه مرة يفرح ومرة يغضب، ففرحه في مجال وغضبه في مجال آخر.
9- الأعراف أية 37: ( حتى إذا أدركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا(، وفي الأعراف آية 17 يقول الشيطان لله تعالى :( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (؛ هذا تناقض عظيم جدا عندهم، كبراء القوم أضلوهم ،والشيطان قال إنه يضلهم. فمن الذي يضل هل هو الشيطان أم الكبراء(710) ؟.
الجواب(711) :
وهل من التناقض أن يُضَلَّلَ الشخص من كثيرين ؟ وأنتم أعضاء المجلس الملي ،وجماعة المدعين أضلكم الشيطان, وأضلكم رؤساؤكم وأضللتم أنفسكم ,وأضلكم جهلكم ، وأضلكم كتابكم ، ولا تناقض في شيء من هذا.
10-الآية 275من البقرة وهي :( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل البيع وحرم الربا ( . والآية 29 من التوبة وهي: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(،هاتان الآيتان متناقضتان فيما يرى تيموثاوس ومجلسه ، يقصدون أن الجزية مثل الربا(712).
الجواب(713) :
ويبدوا أنهم أرادوا تكثير عدد الآيات ؛ لأنهم ذكروا سورة والتين وسورة والبلد مرتين تكثير للعدد ! وهل الجزية رِباً ؟ هذا فهمهم ولا يفهمه سواهم .
قلت: شتان بينهما ؛ فالربا لا يجوز أبدا سواء مع المسلم أو الكافر، وأما الجزية فهي ضريبة تجعل على الكفار مقابل حمايتهم في ديار المسلمين، أو إبقائهم في الأرض التي يفتحها المسلمون مقابل هذا المال، ويراعى فيها سعة القوم وفقرهم ,ولا يجوز فيها التضييق عليهم.
11-الآية 65 من سورة الأنفال , وهي , ( ياأيها النبيُّ حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ( تناقص الآية 48 من سورة الأحزاب , وهي ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلاً ( فزعموا أن هناك تضارباً بين الآيتين ؛ إذ الآية الأولي تطلب من النبي( تحريض المؤمنين وحثهم علي القتال , بل والتجلد لقتالهم فإن العشرين الصابرين منهم يقتلون مائتين , والمائة الصابرة يقتلون ألفاً من الذين كفروا , بينما الآية الثانية تطلب من النبي( ألا يطيع الكافرين والمنافقين , وأن يدع أذاهم لا يقابلهم مثله ويكفيه التوكل على الله , فهو حسبه وكفى بالله وكيلاً ,فكيف يأمره في الأولى لتحريض على قتالهم بهذا الجَلَد ,ويأمره في الثانية بترك آذاهم , فظنوا هذا تناقضاً , فطاروا به فرحاً , واتخذوه حجراً يقذفون به كتاب الله(714) .
والجواب(715) :
ليس هناك أي تضارب , فالكافرون والمنافقون كانوا يؤذون رسول الله ( بألسنتهم وباختلاق أقوال عليه , فأمره الله بأن يدع أذاهم له , فهو سبحانه وتعالى يتولى رد كيدهم في نحرهم , ودحض افتراءاتهم على رسوله , فكفي بالله وكيلاً , فأمره في آية الأحزاب أن لا يقابل اللسان بالسنان , بينما أَمَرَه في شأن الكفار المحاربين أن يحرض المؤمنين على قتالهم , والتجلد لهم , فأمره الله سبحانه في آية الأنفال بمقابلة الَسَّنان بالسَّنان, فالحكمة تقتضي وضع السيف في موضعه واللين في موضعه , فلا تعارض إذن بين الآيتين.
وحتى مع التسليم بأن الأمر في سورة الأنفال يقابل الأمر في سورة الأحزاب , فإن هذا يناسب التدرج في تشريع القتال , علي حسب ما تقتضيه كل مرحلة من مراحل الدعوة من قوة وضعف, فلا تناقض.
12- الآية 20 من سورة آل عمران وهي :( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد (،تناقض الآية 89 من سورة النساء وهي : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ،ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ( .
ووجه التناقض - فيما يرون -أن الآية الأولى ذكرت أنه ليس على الرسول إلا البلاغ ، والآية الثانية أمرته بقتال المنافقين وجهادهم ، وبهذا نجد هؤلاء المساكين يدورون في حلقة مفرغة ، يعيدون ما قالوا ثم يكررونه(716) .
الجواب(717) :
الآية الأولى -ومثلها كثير جدا -تقول لرسول الله ( :إنك لست مطالب بخلق الهداية في نفوسهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ، وإنما عليك أن تبلغ رسالة الله ، فمن آمن بها وأسلم فقد اهتدى ، ومن تولى فحسابه على الله ،وحسبك أنك بلغت الرسالة ، ولست مكلفا بخلق الهداية .
والآية الثانية تتحدث عن المنافقين وموقفهم يشبه موقف ( المدعين ) والمجلس المِلَّيء المزعوم يتمنون أن يكفر المسلمين ككفرهم ، وقد نهى المسلمون أن يتخذوا منهم أصدقاء حتى يهاجروا في سبيل الله ، ولا تعني الهجرة في هذا المقام الانتقال من مكة إلى المدينة ؛ إذ السورة مدنية والمنافقين كانوا بالمدينة ، ولكن المراد بالهجرة طاعة الله تعالى وترك المحرمات ، وهذا من معاني الهجرة, ومن معانيها أيضا الجهاد ، وكان جماعة من المنافقين بقيادة عبد الله بن أُبي رجعوا قبل المعركة يوم أحد .
والقرآن ينهى المسلمين عن اتخاذهم أصدقاء ؛ لأن ذلك تكريم لهم وإطلاع لهم على أسرار المسلمين ، ادّعوا الإسلام وأعرضوا عن الدفاع عنه ، وعاونوا أعداءه .
وليس في هذا خَلْقُ هداية في أنفسهم ،وإنما التخلص منهم ومن شرورهم ، والناس في كل أمة وفي كل عصر يقتلون الخونة .
فهل هذا تناقض ؟ .
قلتُ: إن البلاغ أنواع ، فبلاغ الكلمة وبلاغ المال وبلاغ الجهاد، فالجهاد إنما شرع لتبليغ دعوة الله إلى مشارق الأرض ومغاربها، حتى يصل الإسلام إلى جميع نواح المعمورة.
13- الآية 108 من سورة الأنعام تناقض الآية 4 من سورة محمد : وآية الأنعام هي ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .. ( وآية سورة محمد هي : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ،ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ، سيهديهم ويصلح بالهم ( .
ولعل وجه التناقض فيما يرون أن الآية الأولى نهت المسلمين عن سب الأصنام التي يعبدها المشركين ، والآية الثانية حثتهم على الجهاد(718) ! .
الجواب(719) :
القوم واهمون ومتحاملون ؛ فالآية الأولى مكية سَنَّتْ للمسلمين أدبا خُلقيا ، فنهتهم عن شتم الأصنام وهم يعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ، ولكن لو سبوها لسب الكفار الإله الخالق سبحانه عدوانا وجهلا ؛ لأنهم لم يعرفوه ولم يعرفوا صفاته ، هذا أدب أخلاقي رفيع ، وها نحن نجري عليه ، فالجماعة (المدعون ) والمجلس الملي يسبون ويشتمون ويقذفون النبي الكريم بأشنع الألفاظ ، ونحن نلتزم المنطق ونغضي عن شتائمهم ، هذا لعلمنا أن الشتائم لا جدوى من ورائها ، وأن الشَّتَّام يحط دائما من قدر نفسه ، ولا ينال من قدر من شتمه شيئا .
والآية الرابعة من سورة محمد تبين جانبا من تعاليم الحرب ، فتعلم المسلمين أنهم إذا قابلوا الكفار في المعركة فعليهم أن يوقعوا بهم الضرب ،فإذا أثخنوهم قتالاً وهزموهم كان لهم بعد ذلك أن يمنوا على من يستحق المن, وأن يأخذوا الفدية ممن يستحق أن يفدى.
فليس في الآية إباحة لسب الأصنام ، والآيتان قي وقتين مختلفين لكُلُّّ حُكْمُها على ما قدمنا .
قلت : ظَنَّ هؤلاء الجهالِ أنه طالما جاء النهيُ في سورة الأنعام عن سَبَّ أصنام الكفار, فمن باب أولى يجب الكفُّ عن قتالهم ؛ إذ القتال وضرب الرقاب أعظم من السَّبَّ ,ولو كانت لهم عقول لأدركوا علة النهي عن سبَّ أصنام الكفار في نفس الآية , وهي أن سبَّ آلهتهم يُفضى إلي حَمْلِ المشركين علي سبَّ الله تعالى , وهم أجهلُ الناسِ بقدر الله , وليس للنهي في الآية أي علاقة بمرعاة مشاعر المشركين , ولكَنْ لضآلة عقولهم وسوء طَوَّيتيهم نظروا إلي صَدْرِ الآية فقط وتركوا باقيها , فزعموا أن في القرآن آية تنهي عن سبَّ أصنام المشركين لحفظ مشاعرهم , وآية أخرى تأمر بضرب رقابهم , ومن خلال هذا الزعم رموا القرآن بالتناقض , فسبحان الله أين عقول القوم ؟ !
14- الآية 127 من سورة النحل ، وهي : ( وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون .. (تناقض الآية :( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ( [الشورى:39 –40].
يعني أن الآية الأولى تأمر بالصبر على الذي يصيبه من الناس، والآية الثانية تأمر بالانتصار من الذي يصبيه(720).
والجواب(721) :
الآية الأولى مسبوقة بقوله تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر .. ( .
وكان رسول الله ( أراد أن يُمَثَّلَ بعدد من المشركين, جزاء ما مَثَّلُوا بعمه حمزة في يوم أحد، فنهته الآية أن يزيد عما فعل بعمه ، وبينت أن العفو أفضل .
وآيات الشورى تصف المؤمنين بأنهم إذا بغى عليهم أحد انتصروا لأنفسهم ،وبينت كما بينت الآية الأولى أن جزاء السيئة يكون بقصاص مماثل ،وأن من عفا وأصلح فإن الله تعالى يثيبه .
فالآيتان في مجرى واحد ، كلتاهما تفضل العفو وتقيد العقوبة بالمماثلة !
ولا يتأتى للمسلمين أن و يُبغى عليهم ويقفوا مكتوفي الأيدي ، بل عليهم أن ينتصروا لأنفسهم ممن بغى عليهم ، ولكنهم مع هذا الانتصار لا يظلمون ,فما أروعه أدباً وأسماه سلوكاً.
وأنت تجد في الأناجيل أن المسيح يقول لتلاميذه : أحسنوا إلى أعدائكم وباركوا لاعنيكم . ومع هذا تجده يقول لليهود : يا أولاد الأفاعي ، ترون القذاة(722) في أعين الناس ولا ترون الخشبة في أعينكم !
وليس في هذا الكلام بركة ولا إحسان ،وإنما هو توبيخ و زجر ، فلم لم يباركهم ويحسن إليهم ؟.ثم نجد الذي يقول: أحسنوا إلى أعدائكم . والذي يقول:ما جئت لأنقض الناموس. يقول أيضاً : لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً ، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه ، و الابنة ضد أمها والكنة(723) ضد حماتها .
والعهد القديم والعهد الجديد كلاهما مليء بالمناقضات والخرافات ، و هي رسائل وكتب من صناعة قوم انتحلوا صفة القداسة ، ومثل هذا لا يوازن به كلام القرآن المحكم ؛ لأنه تنزيل من حكيمٍ حميد ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، و صدق الله :( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ( [النساء :82]ولكن يتدبره من يفهمه ، (إنما يذكر أولو الألباب)(724).
الطائفة الثانية :
-وهذه رسالة أخرى وزعت على المراكز الإسلامية في أمريكا، موقعة باسم (توني بولدروجوفاك)، وأجاب عنها الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق (725) ؛كما يلي :
15-السؤال أو الاعتراض الأول:
يقول السائل: كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحي إلى محمد، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا ( هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة الفاتحة الآيات من 5 ، 7 -وهي : ( إياك نعبد وإياك نستعين أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين)، وفي سورة البقرة الآيات 2 الآيات 105 ، 117 ،163 ، وهي :( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِن خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( [البقرة:105]،( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( [البقرة:117]،( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163) ( [البقرة:163]. وكما في سورة 3 الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2، وفي سورة رقم 40 الآية 65 ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه (، والسورة رقم 43 الآيتان 88،89؟.
والجواب(726) :
إن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد تحدى الله الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله ؛بلاغة وفصاحة ، وبيانا وحلاوة ,وبناء معجزا يستحيل الإتيان بكلام مثله في الحلاوة والبيان.
ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت ، وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا. وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا . كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم : إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك ، وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم: إنني الملك وآمركم بكذا وكذا. فقوله: إن الملك يأمركم. أكثر بلاغة من قوله : إنني الملك وآمركم. وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان , كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى، نحو قوله تعالى في سورة البقرة: ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (، وقوله في سورة آل عمران: ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق ( فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب, وأنه كان لا بد وأن يقول: (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة، ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب ، أبلغ من لو قال سبحانه : ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الآيات. وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن، وأنه ليس من عند الله, وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل.
وأما الالتفات(727) في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول: إنك فعلتَ كذا وكذا ، ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب, فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ( ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: (وما يدريك لعله يتزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى... ( الآيات [عبس:1-4].
وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه, فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم ، فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءً وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة, وفيها: ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ( وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه, يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة, ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا ( إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (. فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين؛ ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم،وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة، ولو أن عالما بالعربية تدبرها كفته إعجازا وشهادة أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر. والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة, وما أظن إلا أن معظم اللغات تعرف هذا اللون من التعبير, والذي يسمى بـ(الالتفات) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة؛كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد ,أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير, ونحو ذلك من مقاصد البلغاء.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة (غافر:65): ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ( فهو خطاب لله سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الغائب, وهو تعريف للعباد بذاته العلية جل وعلا، وقد قدمنا أن هذا أسلوب من أساليب العربية في الخطاب.
ومثل هذا أيضا ما اعترض به هذا الجاهل باللغة ,وهو قوله تعالى في (سورة الزخرف:87 ، 88 ، 89): </span>( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون (. فإن هذا جميعه من حديث الرب جل وعلا عن نفسه، وعن رسوله، وأن محمدا ( كان إذا سأل المشركين عن خالق السماوات والأرض ,يعترفون أنه الله سبحانه وتعالى, فعَجَّبَ الله نبيه ( من حال هؤلاء المشركين, الذين يعتقدون بأن الله خالق السماوات والأرض ثم لا يفردونه وحده بالعبادة، ولا يؤمنون بقدرته على إحيائهم بعد موتهم ، ثم ذكر الله توجع رسوله محمد ( وشكاته من قومه ,( وقيله ( أي وهذا قول الرسول لربه ( يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون( وعندئذ يأتيه الجواب وهو بمكة ( فاصفح عنهم وقل سلام ( أي لا تعلن حربا عليهم الآن (فسوف يعلمون ( ما يكون مآلهم في الدنيا من القتل بأيدي المؤمنين، ومآلهم في الآخرة من الخلود في النار أبد الآبدين.
وهذا الجاهل باللغة يظن أن قوله تعالى: ( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( الآية ، أن هذا من كلام محمد ( ، وإذن فالقرآن لا يمكن أن يكون من كلام الله، ومثل هذا السخف لا يحتاج إلى رد, ولكن ماذا نفعل إذا كان هذا هو مستوى هؤلاء من العلم؟ ومع ذلك يعارضون القرآن، ويشككون في رسالة الإسلام.
السؤال الثاني ونصه كما يلي:
السورة 10 (الآية 3) ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام , وفي السورة 41 (الآيات من 9 إلي 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين, وخلق الله الأنهار والغابات...إلخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين، فالسورة 10 – فيما زعموا- تتناقض مع السورة 41 حيث إن ناتج جمع (2+4+2=8أيام).
ستيع ..........
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة السعيد شويل في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 30-08-2007, 01:08 AM
-
بواسطة الاشبيلي في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 27-12-2006, 10:36 AM
-
بواسطة ali9 في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 09-05-2006, 11:09 PM
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 23-04-2005, 11:53 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات