

-
أسباب الاختلاف اليوم
من المسلم به أن أسباب الاختلاف تتباين بين الأعصار، وإن كان كل عصر يورث الأعصار التالية بعض أسبابه، وإن من أبرز وأهم أسباب الاختلاف اليوم بين المسلمين: الجهل بالإسلام، أو العلم الناقص به.
كانت الحالة العلمية في بلاد المسلمين قبل دخول المستعمر الكافر إليها ما وصفنا، أما بعد دخوله ديار الإسلام فقد ازداد الأمر سوءاً، فقد عرف المحتلون أين يكمن فضل هذه الأمة، فوجهوا اهتمامهم إلى وضع برامج التعليم وبناء مؤسساته بالطريقة التي تضمن لهم عقول المسلمين وتغيير أفكارهم حتى تصبح مهيأة لقبول الأوضاع والأفكار العالمية الجديدة ومحاولة الانسجام معها، زعماً من المستعمرين الكفرة أن في تقبل المسلمين للواقع الجديد دفعاً لهم في مدارج الرقي والتقدم قياساً على البلاد الأوروبية التي لم تخط خطوتها الجادة نحو مدارج الحضارة إلاّ بعد أن تمردت على الأحكام الدينية، وتحررت من ربقة الكنيسة، وأن الدين - أي دين بزعمهم - ليس إلاّ قيداً يحول دون انطلاق الإنسان نحو النعيم المنتظر((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلاّ كَذِباً )) (الكهف :5) وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة بالنسبة لأديانهم المحرفة فما أبعد أن يصح ذلك بالنسبة للإسلام الذي شاء الله أن تسعد به البشرية وتحقق سائر طموحاتها وهي تتحرك بنور الله.
وسعياً لقطع الأمة عن أسباب وجودها وحياتها الإسلامية وضع المستعمر الكافر كل العراقيل والعقبات أمام التعليم الإسلامي، وما يمكن منه وهو تعليم اللغة العربية، وتحقيقاً لهذا الهدف فقد أهمل الطلبة الذين ينحون منحى التعليم الإسلامي، وبث الأفكار التي تقلل من شأنهم وتستهين بدراساتهم التي لم تعد تؤهلهم لشغل أدنى المراتب والمناصب، وبالمقابل خص بالرعاية والعناية الطلبة الذين انخرطوا في المدارس الحديثة، وتلقوا تعليمهم فيها، وفتحت أمامهم أبواب المستقبل الزاهر، فأصبحت المواقع القيادية في الأمة وقفاً عليهم، وهكذا ضيق الخناق على أهل التعليم الإسلامي واللغة العربية وسدت جميع السبل المؤدية إليه، ولم يعد يقدم على سلوك سبيله إلاّ نزر يسير من الطلبة يتعرضون - عادة - إلى مضايقات كثيرة جداً قد تحملهم على التراجع في أي مرحلة من مراحل الطريق، ومن أصر على الاستمرار فإن أمامه -دائماً - ألواناً من التمييز بينه وبين لآخرين، كما قلنا، في الأعمال والوظائف والمرتبات والدرجات تجعله يشعر بالظلم وانتقاص القدرة، لذلك فإن التعليم الإسلامي، في معظم بلاد المسلمين، قد قلَّ طالبوه وتدنى مستواه، وصار معظم الذين يقبلون عليه كمن يزرع في أرض لا يرجو جني حصادها، وقد لا يدفعهم إلى هذا النوع من التعليم إلاّ ظروف معينة، لا يقوون على التحرر من ضغوطها حتى بعد التخرج حيث السبيل موصدة أمامهم، ولا قدرة لهم على ممارسة الدور الذي ينبغي العالم أن يقوم به في المجتمع وتحقيق الرسالة المنوطة به، وأمام الأبواب الموسدة يفقدون استقلالهم وتضمحل شخصياتهم ويُحْملون على الانخراط في مؤسسات دينية رسمية أعدت، من قبل، لخدمة أغراض مرسومة محددة لا يستطيعون تجاوزها، حيث يحال بينهم وبين تأدية دورهم في المجتمع، وفقد الناس ثقتهم بهم.
وفي محاولة لتعميق الهوة بين هذه الأمة وعقيدتها، ورغبة في قطع الجذور التي تصلها بشريعتها، حاول المستعمر الكافر وضع التعليم الإسلامي وتعليم اللغة العربية في الظل، وأخلى الساحة لأفكار ومبادئ اختارها، وزين لشباب الأمة ورود حياضها، فلم يجن هذا الشباب إلاّ الشوك والقذى. ولم يذق غير مر العلقم، لقد جرّب الشباب المسلم كل ألوان الفكر الذي قدم له من شيوعية إلى اشتراكية إلى راديكالية وقومية وديمقراطية وغيرها مما زُيِّنَ له من الغثاء الذي زاد الأمة الإسلامية هواناً على هوان، وذلاً فاق ما كانت فيه، وأيقن أن الإسلام - وحده - القادر على معالجة مشكلات الأمة، والنهوض بها من كبوتها، والقضاء على أسباب تخلفها، فقرر أن يتجه - بعد أن تاهت به السبل - إلى الإسلام ، وأن يسلك السبيل إليه من غير رفيق سوء يخاف على دينه ونفسه، ولما واجهته مشكلة التفقه في الدين ومعرفة أحكامه لجأ إلى الكتب من غير دراسات منهجية أن أصبح هؤلاء الشباب يفهمون الإسلام من خلال الكتب التي قرؤوها فرؤوا جانباً محدوداً من الإسلام لا يعطيهم الفكرة الشاملة المتكاملة عنه، ولا يمكنهم معرفة مقاصده وكلياته، ولا يمنحهم الرؤية السليمة من خلال غاياته، فهم أشبه بمجموعة من المكفوفين مرت أياديهم على مواضع متفرقة من جسم الفيل واعتبر كل منهم ما لمسه هو الفيل، وهكذا حال المسلمين مع الإسلام وتركب عربة الهوى تطوف بها بين شرق وغرب حتى كأن لم يعد يربطها بالإسلام إلاّ أسماء ورثتها، ولولا بقية حياء لتبرأت منها. وأخرى تحن للعودة إلى دوحة الإسلام الوارفة ولكنها تتخذ إليها سبلاَ مختلفة فيفرق بينها الاختلاف، ويمكِّن منها الأعداء، وتلاحقها عصا السلطان تحت كل سماء تحاول أن تسد عليها كل منفذ، وتستأصل شأفتها قبل أن يستقيم عودها.
سبيــل النجـاة:
والآن وقد شخص الداء الذي تعاني الأمة منه، فلعل فيما يأتي شيئاً من علاج:
أولاً:
إن على المسلمين المخلصين الذين يعلمون في حقل الدعوة الإسلامية، ويعيشون واقع مأساة الأمة وحقيقتها أن يختاروا مجموعة من أذكى أبناء الأمة وأنبه شبابها، ويهيؤوا لهم أفضل السبل لدراسة علوم الشريعة الذين يجمعون بين العلم والقدوة الحسنة والتقوى والفكر السليم والإدراك القويم لغايات الإسلام ومقاصده وكلياته والفقه في علومه، وأن يتخذوا من أسلوب التربية النبوية منهجاً لهم، ويعضد هؤلاء الشباب فئة أخرى تمكنت من العلوم العصرية المختلفة ممن نرى فيهم أنهم على قدر كبير من الإخلاص والتقوى، اعل هؤلاء وأولئك بعد ذلك أن يوجهوا المسيرة ويرشدوا الصحوة ويسددوا خطاها، فتستعيد الأمة عافيتها، وتستأنف دورها القيادي للبشرية التي تدنو من الهاوية يوماً بعد يوم، ولا نجاة لها إلاّ في الإسلام.
ثانيــاً:
تعديل مسار الفكر لدى المسلمين، بحيث تعالج الأزمة الفكرية التي يعيشها المسلمون اليوم، ولا يدرك إلاّ القلائل أبعادها، هذه الأزمة التي تبرز بوضوح من خلال انهيار مؤسسات الأمة، وانعدام منظماتها وتدني مستوى الوعي والمعرفة والتربية في أبنائها، وتفكك علاقاتها وانحراف الكثرة الغالبة من قياداتها، وإحباط المحاولات الخيرة للنخبة الصالحة من أبنائها، كل ذلك لأن الإسلام أقصي عن حياة الأمة، وغدت الهوة عميقة بين مُثُلِ الإسلام وبين جماعات بشرية ترى الإسلام سابة في السماء لا تمطر ولا تحيي الموات، أو ماء على صخرة ملساء لا ينبت زرعاً ولا كلأ، حيث القلوب غلظت وعلاها الران، والعيون عمشت فما عادت تفرق بين خير وشر.
إن المؤسسات التعليمية المختلفة قد أخفقت في أن تقدم للأمة الإنسان المسلم السوي، فالجامعات التي أقيمت على النمط الغربي في بلاد المسلمين، لم تر أن من مهمتها إعداد العالم المسلم في سائر فروع المعرفة والذي يقوى على أسلمة جميع المعارف والعلوم على يديه، بل رأت أن مهمتها: إعداد المتعلم المفتون بعلوم الغرب وفنونه، والذي سرعان ما يدير ظهره لعقيدة الأمة وأهدافها وغاياتها في الحياة. فخرجت تلك الجامعات أجيالاً ضعيفة في انتمائها، مرتبكة في علاقاتها، مضطربة في تفكيرها، عاجزة عن تسخير معارفها لخدمة الأمة.
وأما المؤسسات التعليمية التي أضفيت عليها الصبغة الشرعية، كالأزهر والجامعات المماثلة له، أو الكليات والمعاهد المشابهة لكلياته ومعاهده فهي وإن نجحت بشكل محدود في أن تقدم للأمة بعض المتخصصين الجيدين في بعض العلوم الشرعية، إلاّ أنها عجزت عن أن تعدم للأمة علماء مسلمين قادة ومفكرين ومجددين يستطيعون أن يقدموا الإسلام للأمة من خلال كلياته وغاياته ومقاصده، ويواجهوا التحديات المعاصرة، وينتصروا عليها، ولذلك انحسر الفكر الإسلامي، ولم يعد هو المهيمن على حياة المسلمين وتفكيرهم، وانفتحت عقول المسلمين وقلوبهم لكل ألوان الفكر المغاير للإسلام، ووقف المسلمون عاجزين عن معالجة قضاياهم في مجالات السياسة والاقتصاد والتنظيم الاجتماعي وغيرها، ناقلين نقلاً مشوهاً كل ما يرونه لدى الآخرين، وفتكت الصراعات المختلفة بين المتعلمين من أبناء الأمة في سائر مقوماتها، هذه الصراعات التي كانت تحسم في الكثير الغالب لصالح الفريق المتأثر بالغرب، المفتون بثقافته، وبدلاً من أن توحد الطليعة المؤمنة صفوفها وتعمل على مواجهة هذه التحديات شغلت - للأسف - بصراعات وقضايا خلافية، وذلك لاختلاط الجزئيات بالكليات والمقاصد بالمبادئ في أذهان الكثيرين من أبنائها.
إننا بحاجة ماسة إلى الفكر الإسلامي السليم القائم على فهم روح الإسلام وغاياته وقواعده الكلية، ومراتب أحكامه من خلال مصدريه العظيمين: الكتاب الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما نحتاج إلى دراسة سبل السلف الصالح في تعامله مع هذه المصادر خلال القرون الخيِّرة وأساليب فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لنتمكن من إعادة طرح التصورات والحلول الإسلامية لما تعاني منه الأمة بشكل يجهلها على يقين تام ا، الإسلام هو السبيل الأوحد لإنقاذها وفيه الحل الأمثل لجميع مشكلاتها، هذا اليقين الذي يحمل الأمة على الالتفاف حول أسس الفكر الإسلامي بوعي وإدراك يحول بينها وبين الشياطين أن تجتالها، فإذا ثابت الأمة إلى رشدها، ووضعت يدها على الجرح، وعرفت موطن الداء لا بد لها بعد ذلك أن تتبين الخطوات التي يجب أن تملكها للوصول إلى الدواء وتحقيق الهدف، وما ذلك عنها ببعيد.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 30-06-2008, 09:11 PM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 16-03-2007, 05:23 PM
-
بواسطة karam_144 في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 09-11-2006, 07:21 PM
-
بواسطة karam_144 في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 08-03-2006, 01:38 PM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 01-01-1970, 03:00 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات