رابعا : الرد على استشهاد ببعض القراءات الشاذة عن عمر رضي الله عنه و ادعاؤه ان عمر رضي الله عنه لم يكن يعلم المنسوخ من غيره في التلاوة .

وحجته في هذا هو قراءة عمر بن الخطاب ((فامضو الى ذكر الله )) وقول عمر رضي الله عنه بنسخ قراءة ((فاسعوا كما في مصاحفنا )) و قراءته الشاذة الاخرى ((صراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و غير الضالين ))

اقول : هذا مردود لاكثر من وجه

1. ضعف الرواية القائلة بتصريح عمر رضي الله عنه بنسخ قراءة ((فاسعوا)) في قوله تعالى (( فاسعوا الي ذكر الله ) .

الرواية :
فضائل القران لابي عبيد بن سلام رقم الحديث: 570
حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى مَعَهُ لَوْحًا مَكْتُوبًا فِيهِ : إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ سورة الجمعة آية 9 . فَقَالَ : " مَنْ أَقْرَأَكَ , أَوْ مَنْ أَمْلَ عَلَيْكَ هَذَا ؟ " فَقَالَ : أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ . فَقَالَ : إِنَّ أُبَيًّا كَانَ أَقْرَأَنَا لِلْمَنْسُوخِ , اقْرَأْهَا : فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .

التحقيق :الرواية ضعيفة لعلة :
الانقطاع بين ابراهيم النخعي و عمر رضي الله عنه ووجود خرشة بن الحر في الاسناد هو ادراج ووهم فقد رويت الرواية من طريق جرير بن عبد الحميد و شعبة عن المغيرة عن ابراهيم عن عمر من دون خرشة بن الحر
و نقرا ما يقوله محقق سنن سعيد بن منصور سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد في الجزء الثامن كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة في هامش الصفحة 94-95:
(( [2224] سنده ضعيف لان الصواب فيه انه من رواية ابراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه -كما سياتي- و هي منقطعة.... و اخرجه اسماعيل بن اسحاق القاضي في احكام القران (304) من طريق جرير بن عبد الحميد ، و ابن جرير في تفسيره (22/ 638) من طريق شعبة كلاهما عن المغيرة عن ابراهيم عن عمر بن الخطاب و لم يذكرا خرشة بن الحر في الاسناد و هذه الرواية ارجح من رواية هشيم لاتفاق شعبة و جرير ورواية شعبة وحده ترجح على رواية هشيم فكيف بموافقة رواية جرير ؟! و رواية ابراهيم عن عمر بن الخطاب منقطعة ))

و قد اقتبسه خالد بلكين من معلق البخاري و نقل تصحيح ابن حجر رحمه الله للاسناد و نقل قول بن حجر بان رواية سعيد بن منصور اظهرت الواسطة الا ان هذا مردود بما قاله الدكتور سعد محقق كتاب سنن سعيد بن منصور اذ ان رواية شعبة عن المغيرة لوحده في الضبط ارجح من رواية هشيم فكيف اذا اجتمع الضبط و العدد مع بعضهما البعض .

نقرا من كتاب الاشارة في اصول الفقه للباجي باب احكام الترجيح :
((فأما الترجيح بالإسناد، فعلى أوجه: الأول: أن يكون أحد الخبرين مرويًّا في قضية مشهورة متداولة عند أهل النقل، ويكون المعارض له عاريًا عن ذلك، فيقدم الخبر المروي في قضية مشهورة، لأن النفس إِلى ثبوته أسْكن والظن في صحّته أغلب.والثاني: أن يكون راوي أحد الخبرين أحفظ وأضبط، وراوي الذي يعارضه دون ذلك، وإن كان جميعًا يحتج بحديثهما فيقدم خبر أحفظهما وأتقنهما، لأن النَّفْس أسكن إلى روايته، وأوثق بحفظه.
والثالث: أن يكون رواة أحد الخَبرين أكثر من رواة الخبر الآخر، فيقدّم الخبر الكثير الرواة، لأن السهو والغلط أبعد عن الجماعة، وأقرب إلى الواحد. ))

و على فرض ثبوت الرواية فلا اشكال فان قال كيف لا يعلم عمر رضي الله عنه بان المنسوخ عكس ما قاله نقول ثبت - كما سياتي في الوجه الثاني - ان عمر رضي الله عنه اقرا تلاميذه و منهم ابو العالية رحمه الله المصحف كما هو عندنا مما يدل علي تراجعه في هذا الموضع كما ان مصاحف بقية الصحابة قرات ((فاسعوا)) .

يتبع