النتيجة :

بعدما صحّ عند أهل السنة نسبة هذه الجملة إلی عمر بن الخطاب ، وأنه أول من تفوّه بها ونشرها بين المسلمين ، من أي مصدر كان التوراة أم غيره فيكون أمامنا ثلاثة خيارات لا رابع لها :
إما أن نقول : بكفر عمر بن الخطاب ، لأنه أضاف للقرآن شيئا ليس منه ، فمصحف المسلمين محرف في نظره ، أو إن صحيح البخاري وغيره فيه روايات موضوعة ، قد نسبت للخليفة الأكاذيب والمدسوسات تريد النيل منه أو إن القرآن محرف حقا ، وقد سقط منه آية الرجم .
والاحتمال الأول يؤيّده ما مرّ من قول عمر في التحريف الإجمالي لآيات القرآن : وادعائه أن القرآن كان ألف ألف آية وسبعة وعشرين ألف آية ! وعلی أي حال فالاختيار كله لأهل السنة !. آية الرضاع !

أخرج مسلم في صحيحه أن عائشة قالت : كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخن بـ (خمس معلومات) ، فتوفي رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن(صحيح مسلم ٤ : ١٦٧ ، وسنن الدارمي ٢ : ١٥٧ ، والمصنف للصنعاني ٧ : ٤٦٧ ، ٤٧٠ ، وسنن الترمذي ٣ : ٤٥٦ ، والسنن الكبری للبيهقي ٧ : ٤٥٤ ، ح ١٥٣٩٧ ، ومشكل الآثار للطحاوي ٣ : ٦ ، والنسائي ٦ : ١٠٠ ، وسعيد بن منصور : ٩٧٦ ، والمحلی لابن حزم ١١ : ١٩١ ، وموطأ مالك ٢ : ١١٧ ، ومسند الشافعي ١ : ٢٢٠ وغيرها .) .
وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بسند صحيح : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعا يحدث أن سالم بن عبد الله حدثه : أن عائشة زوج النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم أرسلت به إلی أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر فأرضعته ثلاث مرات ثم مرضت فلم يكن سالم يلج عليها . قال : زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عز وجل عشر رضعات ثم رد ذلك إلی خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلی الله عليه [وآله] وسلم (مصنف عبد الرزاق ٧ : ٤٦٩ ، ح ١٣٩٢٨ .).
هنا تدعي عائشة أن جملة (خمس معلومات يحرمن) كانت إلی ما بعد وفاة الرسول الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم من جنس القرآن المقروء كغيرها من آيات القرآن ، وهذه الدعوی من عائشة طامة كبری ! لأنها تزعم ـ وبكل صراحة ـ أن سبب سقوط الآية المزعومة وعدم كتابتها في القرآن الكريم هو موت النبي صلی الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أنه الوحيد الذي كان يحفظها دون المسلمين ، ولم يعلم بهذه الآية المزعومة سوی النبي صلی الله عليه وآله وسلم وعائشة التي كانت تحتفظ بنصها في صحيفة تحت سريرها ! ، وقد اختفت الصحيفة ! ولكن أين ؟!. في بطن السخلة !

وخير من يخبرنا عن أمر هذا القرآن المفقود هي عائشة نفسها، فقد ذكرت أن الآية المزعومة كانت في صحيفة تحت سريرها فدخلت سخلة وأكلتها حين تشاغلوا بدفن الرسول صلی الله عليه وآله وسلم(من أين يأتيها التشاغل ، وما شاركت بتغسيله ولا بتكفينه صلی الله عليه وآله وسلم ؟! ، ولا حتی أبوها الذي أخذته الدنيا وزبرج الملك والإمارة ورسول الله صلی الله عليه وآله وسلم لا يزال في المغتسل لم يوار بعد !) ، وهكذا انتفت هذه الآية من الوجود بوفاة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم التي اختص بحفظها ولأكل الداجن المعجزة للصحيفة !.
قال ابن حزم في المحلی: ثم اتفق القاسم بن محمد وعمرة كلاهما عن عائشة أم المؤمنين قال: لقد نزلت آية الرجم والرضاعة فكانتا في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها. قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : وهذا حديث صحيح (المحلی بالآثار لابن حزم الأندلسي ١١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ رجم المحصن .) .
وفي سنن ابن ماجة عن عائشة: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها(سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٥ ـ ٦٢٦ ، ح ١٩٤٤ .) .
قال الطبراني في المعجم الأوسط: عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة، وعن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشرا، فلقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلی الله عليه [وآله] وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها(المعجم الأوسط ٨ : ١٢ ، ح ٧٨٠٥ ، ومسند أبي يعلی ٨ : ٦٤ ، ح ٤٥٨٨ ، وسنن الدارقطني ٤ : ١٧٩ ، ح ٢٢ .) (٢) .
ورواية صحيح مسلم إما أن يقبلها أهل السنة، فيلزم ذلك أنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، وإما أن يكفّروا عائشة ؛ لأنها كانت تدعي تحريف القرآن ، وإما أن يرفضوا الرواية ويجزموا ببطلانها ، واعتقد أن الأسلم عند الجميع هو الطريق الثالث ، إلّا عند من يقدّس صحيح مسلم أكثر من القرآن (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)( يوسف : ١٠٣ .) .