المطلب الثالث

الكفالة

مفهوم الكفالة وإجراءات انعقادها
النظام القانوني للكفالة: لقد حرمت الشريعة السمحاء التبني بعدما كان معمولا به في الجاهلية قبل الإسلام، لقد كان النبي محمدا صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل النبوة متبنيا زيد بن حارثة والذي كان يدعى في ذلك الوقت زيد بن محمد، مثل باقي العرب في تلك الحقبة من الزمن، وبمناسبة هذه الواقعة انزل الله عز وجل الآيتين من سورة الأحزاب وقال تعالى :﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (الأحزاب: 5) .
إلا أن هذا التحريم كان له بديل وذلك لحماية شريحة في المجتمع التي كانت ضحية تصرفات سلبية التي نتج عنها الأطفال مجهولي النسب و اللقطاء وهذا البديل يتمثل في نظام الكفالة الذي عملت به العديد من الدول الإسلامية ، منها الدولة الجزائرية التي استبعدت نظام التبني طبقا للمادة 46 من قانون الأسرة وأعطت له البديل بمقتضى أحكام المواد 116 إلى 125 من قانون الأسرة مقتدية بذلك أحكام الشريعة الإسلامية ، ولمعرفة هذا النظام بوسعنا أن نتطرق لأهم الإشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع ،لكي نزيل كل التباس عالق في ذهن كل عارف .
فالإشكالية الأولى التي يمكن طرحها تتمحور حول: ما مفهوم الكفالة بشكل عام وما هي إجراءات انعقادها؟.
أما الإشكالية الثانية فيمكن طرحاها كما يلي:
ما هو مضمون عقد كفالة القاصر وما هي الآثار المترتبة عليه؟. سيما في كيفية تغيير لقب المكفول المجهول النسب ومنحه لقب الكافل وأهم الآثار المترتبة على ذلك.
وعليه فإن مصطلح الكفالة له عدة معاني فمنها ما يعني ضمان الدين ومنها ما يعني الولاية على الشخص ومنها ما يعني الولاية على المال ومنها ما يعني الولاية على النفس القاصر وماله، لكن ما يهمنا نحن في هذا المبحث هو كفالة القاصر من ناحية المال والنفس وعليه فإننا سنتطرق في هذا المبحث إلى مفهوم الكفالة في فرع أول وإجراءات انعقادها في فرع ثاني



الفرع الأول

مفهوم الكفالة

وفي هذا الصدد نتعرض إلى تعريف الكفالة بمختلف مقاصدها مركزين على الكفالة بمفهوم قانون الأسرة وأهم خصائصها مع تميزها عن التبني مبرزين طبيعتها القانونية.
أولا: تعريف الكفالة: يمكن تعريفها بحسب المعنى اللغوي: الضم، ومنه قول الله تعالى ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران:37).
فهي من: كفل يكفل كفالة، إذا فالكافل هو القائم بأمر اليتيم والمربي له.
تعريف الكفالة وخصائصها
أولاً: تعريف الكفالة:
الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص يسمى (الكفيل) بتنفيذ التزام ما. وذلك بأن يتعهد للدائن والذي يسمى (بالمكفول له) بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه، والذى يسمى (بالمكفول عنه).
من هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر الكفالة وهى :
1- الكفالة عقد ينعقد بين الكفيل والدائن، أما المدين فهو ليس طرفاً في عقد الكفالة بل إن الكفالة تجوز بغير علمه، بل وتجوز رغم معارضته، على أنه نادراً ما يحصل ذلك في العمل، لأن الكفيل لا يتقدم عادة للضمان إلا بناء على طلب المدين، فالمدين صاحب المصلحة في تقديم الكفيل لأنه قد يتعذر عليه الحصول على الثقة والائتمان بدونه.
ولا يوجد ما يحول قانونا أن يكفل شخص واحد الوفاء بالالتزامات المترتبة في ذمة طرفين في عقد واحد كأن يتعهد الكفيل للمشترى بأن يفي البائع بالتزامه بتسليم المبيع، ويتعهد ذات الكفيل للبائع بأن يفي المشتري بالتزامه بدفع الثمن. وعندئذ ينعقد عقد الكفالة بين كل من المتعاقدين باعتبار كل منهما دائنا للآخر بالالتزامات المترتبة لكل منهما في ذمة الآخر بمقتضى عقد البيع المبرم بينهما.
2- الكفالة تقوم على أساس وجود التزام أصلى يقع على عاتق المدين لصالح الدائن، ويتعهد الكفيل بالوفاء به إن لم يف به المدين نفسه. ويكون هذا الالتزام في الغالب، مبلغاً من النقود، وقد يكون إعطاء شيء غير النقود. كما قد يكون عملاً، أو امتناعا عن عمل، فإن لم يوجد هذا الالتزام الأصلي كان محل التزام الكفيل مستحيلا في ذاته، وبالتالي يكون عقد الكفالة باطلاً بطلانا مطلقا.