

-
الرد على السؤال رقم 12: جاء في سورة الأعراف 89 ... " قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ... وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ... وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ... عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ... رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ... وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " ... وقال الناقد أن انه ورد في تفسير البيضاوي لهذه الآية:
{قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا} قد اختلفنا عليه ... {إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} شرط جوابه محذوف دليله: {قَدِ افترينا} وهو بمعنى المستقبل ... لأنه لم يقع لكنه جعل كالواقع للمبالغة ... وأدخل عليه قد لتقريبه من الحال ... أي قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها حيث نزعم أن لله تعالى نداً ... وأنه قد تبين لنا أن ما كنا عليه باطل وما أنتم عليه حق ... وقيل إنه جواب قسم وتقديره: والله لقد افترينا ... {وَمَا يَكُونُ لَنَا} وما يصح لنا ... {أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله رَبُّنَا} خذلاننا وارتدادنا ... وفيه دليل على أن الكفر بمشيئة الله .
ثم سأل الناقد: كيف يشاء الله الكفر وهو أكبر المعاصي ؟؟؟ وهل يتفق هذا مع قداسة الله وصلاحه وعدله ؟؟؟ أليس الأوفق والأكرم لمجد الله أن نعتقد بقول التوراة وقول الإنجيل أن الله: " يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ ... وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. " رسالة بولس الأولى لتيموثاوس 2/4
الرد على سؤال السيد الناقد
الناقد يدعونا أن نعتقد بما قاله بولس (الذي لم يعاصر المسيح) ... " أن الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ ... وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ "رسالة بولس الأولى لتيموثاوس 2/4 ... فطالما كانت إرادة الله هي على النحو الذي قاله بولس ... اذن فمن يسير في طريق الشر والكفر فمعنى هذا انه يفعل ذلك رَغْماً عن إرادة الله ... وهذا يَقودُ إِلى إثباتِ العجزِ لله لأَنه لا يَستطيعُ مَنْعَ الشر والكفر ... وأَنَهُ تَحدثُ في مُلْكِه أَشياءُ بدونِ إِذْنِه !!! وهذا اتِّهامٌ للهِ بالنقصِ والضَّعفِ والعَجْز !!! تعالى الله عما يصفون ...
وإذا كان الله يريد لجميع الناس الخلاص والحق ... كما قال السيد بولس ... فلماذا:
ورد في سفر حزقيال 14/9" فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ " ... هذا في الوقت الذي يثبت فيه القرآن أن الله يؤتى الحكمة للأنبياء لأنهم سفراء السماء لأهل الأرض ... " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ " آل عمران 81
يقول بولس " وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا ... وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ ؟؟؟ حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ ؟؟؟ لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ." تسالونيكي (2) 2/10-12
ورد في اشعياء 19 /4 ... " مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ ... فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ ".
اشعياء 63 / 17 " لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ ؟؟؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ ".
ذكر بولس أن الله " يُقَسِّي" قلوب من أراد إضلالهم ... وكيف ؟؟؟ " فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ... وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ " ... رومية 9/18 ... فالكتاب المقدس هنا لا يجعل الهداية والإضلال بسبب اختيار البشـر للحق أو للضلال ... بل يسنده وما يستتبعه من العذاب إلى حق الله المطلق في فعل ما يشاء ... ولذلك فهو يستكمل ما ذكره فيقول بعده مباشرة " فَسَتَقُولُ لِي: " لِمَاذَا يَلُومُ (أي لماذا يلوم الله البشر الذين ضلوا ؟؟؟) بَعْدُ ؟؟؟ لأَنْ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ (أي من الذي يستطيع أن يقاوم مشيئة الله ؟؟؟) ؟؟؟ بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ ؟؟؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: " لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا ؟؟؟ " أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ ... أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟ فَمَاذَا ؟؟؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ ... وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ ".رومية 9/18-23 ... فالإضلال حسب النص الإنجيلي هنا ... يتعلق بالمشيئة الإلهية وحدها ...
وقبل أن نجيب على سؤال الناقد يجب أن نفهم أولاً تفسير الآية التي ذكرها سيادته ... " قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ... وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ... وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ... عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ... رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ... وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ "الأعراف 89
الآيةُ التي اعترضَ عليها الناقد ... هي من ضمنَ آياتٍ تتحدثُ عن قصةِ شعيبٍ عليه السلام مع قومِه ... وهي تُسَجِّلُ رَدَّ شعيبِ على تهديدِ قومِه الكافرين له ولأَتْباعِه المؤمنين ... بإِخراجِهم من قريتِهم ... إِنْ لمَ يَعودوا في مِلَّتِهم ... قال تعالى: " قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا " الأعراف 88
فأَخبرَ شعيبٌ عليه السلام قومَه بأَنه لنْ يعودَ هو وأَتباعُه المؤمنون في ملَّتِهم الكافرة ... وأَنه لا يكونُ ولا يَنْبَغي له ولأتْباعِه المؤمنين أَنْ يَعودوا إلى الكفر بعدَ أنْ نَجَّاهم الله منه ... ومَنَّ عليهم بالإِيمان ... " قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ... قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ... وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ... وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ... عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " الأعراف 89
لكن رَبَطَ شعيب عليه السلام الأَمْرَ بمشيئةِ الله: " وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا " الأعراف89 ... والمعنى: نحنُ قَرَّرْنا أَنْ لا نعودَ في ملَّتِكم ... لكن لا نَدري ما الذي يَشاؤُه اللهُ ويُريدُه ... فإِنْ شاءَ رِدَّتَنا فإِنَّ مشيئَتَه نافذةٌ ماضية ... وحكمةُ ذكْرِ هذا الاستثناءِ " إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ " هو رَبْطُ كُلِّ شيء بمشيئةِ اللهِ وإِرادتِه، وعلمه وقَدَرِه وقَضائِه، وبيانُ أَنَّ مشيئةَ الله هي النافذة، وأَنَّ إِرادتَه هي الماضية، وأَنه إِذا أَرادَ شيئاً أَوجَده كما أَراد، وأَنَّه لن يَقَعَ شيءٌ في الوجودِ كُلِّه إِلا بمشيئتِهِ سبحانَه وإِرادتِه ... وهذا معناه أَنْ يُسَلِّمَ المؤمنُ أَمْرَهُ إِلى الله ... وأَنْ يحسنَ التوكلَ عليه ... والتفويضَ إِليه ... والرضا بقدرِه
هذا وقد ورد في القرآن الكريم هذا اللون من الأدب العالي في الحديث ... حكاه القرآن عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في مخاطبتهم وتعليقهم كل أمر على مشيئة الله سبحانه وتعالى ... فأنت ترى أن شعيبا عليه السلام مع ثقته المطلقة في أنه لن يعود هو وأتباعه إلى ملة الكفر أبداً ... مع ذلك هو يفوض الأمر إلى الله تأدباً معه ... فلا يجزم بمشيئته هو ... بل يترك الأمر لله ... فقد يكون في علمه سبحانه ما يخفى على البشر ... مما تقتضيه حكمته وإرادته ...
وأنظر الى نوح عليه الصلاة والسلام لما قال له قومه: ... " قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ... فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " هود 32 ... فقال لهم نوح: " قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ " هود 33 ... وأيضاً يوسف عليه السلام قال لأهله بعد أن التقى بهم: " ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ " يوسف 99 ... وقال موسى عليه السلام للخضر: " قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا " الكهف 69
كما خاطَبَ إِبراهيمُ عليه السلام قومَه بكلامٍ قَريب مما خاطَبَ به شعيبٌ عليه السلام قومَه قال تعالى: " وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ... وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ... إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ... وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا " الأنعام 80 ... فبعدَ أَنْ واجَهَهم بعدمِ خوفِه مِنهم ومِن آلهتِهم، رَبَطَ الأَمْرَ بمشيئةِ الله، والمعنى: أَنا لا أَخافُ آلهتَكم لأَنها لا تَضُرُّ ولا تَنْفَع، فإِنْ شاءَ اللهُ رَبّي أَنْ تَضُرَّني، وَقَعَ الضُّرُّ بي، لأَنَّ اللهَ شاءَ ذلك، وليس لأَنها هي تَضُرُّ، فهي سببٌ في هذه الحالة، والمسَبِّبُ والمقَدِّرُ هو الله ...
كما وجه الله سبحانه وتعالى نبيه قائلاً: " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ ... وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا "الكهف 23-24 ... وبذلك فإن هذه الآيات وغيرها تدل على استقرار عقيدة المسلمين ويقينهم بهذه المرتبة من مراتب القدر ...
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على أن حوادث الدنيا إنما تجري وفق مشيئته سبحانه وتعالى ... فهو الذي يؤتي الملك من يشاء ... وينزع الملك ممن يشاء ... وهو الذي يعز من يشاء ... ويذل من يشاء ... فتدول الدول ... ويعز الذليل ... ويذل العزيز ... كل ذلك بمشيئة الله ... قال تعالى: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ... وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ... بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "آل عمران 26 ... وهو الذي يصور الخلق في الأرحام كيف يشاء ذكوراً ... وإناثاً ... أشقياء ... وسعداء ... مختلفين في صفاتهم وأشكالهم حسناً وقبحاً ... قال تعالى: " هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " آل عمران 6
لقد شاءت إرادة الله ان تكون مخلوقاته على ثلاثة توجهات:
مخلوقات فطرت على الطاعة والخير فقط وهم: الملائكة" لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " الحجر 6
مخلوقات اختارت الشر المطلق فقط وهم: إبليس / الشياطين ... " إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ " الكهف 50 ... " إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا " مريم 44
مخلوقات وهبها الله نعمة العقل لتميز بين طريق الخير وطريق الشر وهم: البشر" وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " البلد 10 ... أي بينا له طريق الخير وطريق الشر ... " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " الإنسان 3 ... هذا وقد أرسل الله للبشر رسلاً بيّنت لهم أن طريق الخير يوصل من يسير فيه إلى الجنة ... وحذرتهم من طريق الشر الذي يوصل من يسير فيه إلى النار ... حيث العذاب كله ... " رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " النساء 165 ... كما حذر الله البشر من الشيطان وإتباع منهجه وطريقته في الشر الذي يورد صاحبه إلى النار" إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " فاطر 6 ... ثم ترك الله للبشر بعد ذلك حرية الاختيار بين الطريقين ... طريق الخير أو طريق الشر " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ "الكهف 29 ... ولذلك أعد الله مكانين وليس مكان واحد ... أعد الله الجنة ... وأعد أيضاً النار ... وشاء أن يكون لكل مكان منهما من سيدخله من البشر ... وهذه هي سنة الله في خلقه وهو سبحانه وتعالى الذي ... " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء 23 ...
هذا وقد سبق في علم الله الخالق ازلياً بالطبع الطريق الذي سيختاره وسيسلكه كل منا برغبته ودون إجبار عليه من أحد ... أطريق الخير هو ؟؟؟ أم طريق الشر والعصيان والكفر ؟؟؟ وبالتالي مكان كلٌ منا مستقبلاً ... هل سيكون في الجنة ؟؟؟ أم سيكون في النار ؟؟؟ " وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا "الأعراف 89 ... فعلم ربنا وسع كل شيء فأحاط به ... فلا يخفى عليه شيء كان ... ولا شيء هو كائن ... ولا شيء سيكون ... فقد سبق معرفة ذلك كله في علم الله سبحانه وتعالى ...
ولكن ما معنى إِرادةِ اللهِ ومشيئتِه ؟؟؟ وأن الكفر بمشيئة الله ؟؟؟ (بالرجوع لكتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان ... باب الرد على أسئلة لاهوتية ... صلاح الخالدي)
إِذا كانَ اللهُ لا يَشاءُ الكفر، فمعنى ذلك أَنَّ الكفارَ يَكْفُرون رَغْماً عن الله ... وهذا يَقودُ إِلى إثباتِ العجزِ لله، لأَنه لا يَستطيعُ مَنْعَ كُفْر الكفار، وأَنَهُ تَحدثُ في مُلْكِه أَشياءُ بدونِ إِذْنِه !!! وهذا اتِّهامٌ للهِ بالنقصِ والضَّعفِ والعَجْز !!! ولا إِشكالَ في قولِنا: الكافرُ يكفُرُ بمشيئةِ الله، واللهُ هو الذي يَشاءُ الكفر، لأَنه لا يَقعُ شيءٌ في الوجودِ بدونِ إِذْنِ اللهِ وإِرادتِه ومشيئتِه سبحانه، ومَنْ هو ذلك الشخصُ المخلوقُ القادرُ على تعجيزِ الله !!! ومشيئةُ اللهِ كُفْرَ الكافرِ تَعْني عِلْمَه بأَنه سيكفُرُ، وإِرادَتَه في أَنْ يَكْفُر، ولو لم يُرِدْ ذلك لَمَنَعَ الكافرَ من الكفر، ومَنَعَ العاصي من المعصية ... ولا يَعْني هذا أَنَ اللهَ يَرضى ذلك الكفر، ويحبُّ الكافرَ عندما يكفر ... فإن اللهَ لا يَرضى ذلك، ولا يُحِبه، وقد نَهى الكافِرَ عنه، وهَدَّدَه بالعذاب، وسيحاسِبُه ويعاقِبُه ويُعَذِّبُه.
ومعنى هذا أَنَّ مشيئةَ اللهِ وإِرادتَه نوعان:
* الأَول: مشيئةٌ كونيَّة:وهي مشيئَةٌ تَقومُ على مجردِ العِلْم، وهي المتعلقةُ بكفرِ الكافرِ، ومعصيةِ العاصي ... فاللهُ شاءَ ذلك الكفرَ وأَرادَه، بمعنى أَنه عَلِمَه، لكنَه لا يرضى ذلك ولا يَقْبَلُه، وقد نَهى عنه وحَذَّر منه، وتَوَعَّدَ فاعِلَه بالعذاب.
* الثاني: مشيئة شرعية: وهي تقومُ على العِلْمِ أَوَّلاً، ثم يَنتجُ عنها الرضا والمحبة، وهي المتعلقةُ بإِيمانِ المؤمنِ وعبادتِه لله وطاعتِه له ... فاللهُ شاءَ إِيمانَ المؤمن وعبادتَه، بمعنى أَنَّه عَلِمَ أَنَّه سيؤمن، وقَدَّرَ له أَنْ يُؤمن، وأَرادَ له أَنْ يُؤمن، وأَعانَه على أَنْ يُؤمن، ورضيَ له أَنْ يُؤمن ... ولَمّا آمَنَ المؤمنُ أَحَبَّهُ الله، وأَثابَه على إِيمانِه، وأَعطاهُ على ذلك الأَجْرَ والثواب ... ولذلك فقد اعد الله الجنة للمؤمنين واعد النار للعصاة سلفا ... وسبحانه وتعالى " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء 23
والقرآنُ صَريحٌ في حديثِه عن هاتَيْن المشيئَتَيْن، وذَكَرَ ذلك في آياتٍ عديدة، نكتفي منها بقولِ اللهِ " إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ... وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ... وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ... ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ... إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الزمر 7 ... وبهذا نعرفُ أَنَّه لا مَحْذورَ في الحديثِ عن مشيئةِ الله، وتَقْريرِ أَنه يَشاءُ الكفر، بالمعنى الذي وَضَّحْناه ... وإِنما المحذورُ في نفيِ ذلك عن الله، لأَنه يُؤَدّي إِلى إثباتِ العَجْزِ والضعفِ لله، وهو ما يُؤَدّي إِليهِ كلامُ السيد الناقد !!! انتــــــــــهى
واللــه أعلم وأعظم
يتبع بإذن الله وفضله
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة سيف الإسلام في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 21
آخر مشاركة: 06-10-2020, 04:33 PM
-
بواسطة سيف الإسلام في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 25
آخر مشاركة: 14-01-2018, 06:04 PM
-
بواسطة سيف الإسلام في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 7
آخر مشاركة: 09-10-2017, 06:28 PM
-
بواسطة سيف الإسلام في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 16
آخر مشاركة: 08-10-2017, 03:02 PM
-
بواسطة سيف الإسلام في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 03-02-2017, 09:38 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات